يشير مصطلح “الاعتداء الجنسي sexual assault” إلى مجموعة من السلوكيات التي تنطوي على اتصالٍ أو سلوكٍ جنسي غير مرغوب به، قسريّ أو بالقوة. يمكن أن يشمل الاعتداء الجنسي الاغتصاب، محاولة الاغتصاب، وأيّ شكل من أشكال اللمس الجنسي غير المرغوب فيه.
يحدث الاعتداء الجنسي بوتيرةٍ مقلقة في الولايات المتحدة، فوفقاً لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن 1 من كلّ 3 نساء و 1 من كلّ 4 رجال يتعرضون للعنف الجنسي الذي يشمل الاتصال الجسدي غير المرغوب فيه في مرحلةٍ ما من حياتهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الناجين من الاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة لديهم احتمالٌ متزايد للاعتداء عليهم مرةً أخرى في مرحلة البلوغ.
يعاني الشخص الذي تعرَّض للاعتداء الجنسي بشكلٍ عام من ضيقٍ شديد بعد الاعتداء مباشرة، إذ قد تسبب الصدمة الناجمة عن الاعتداء الخوفَ، الغضب، الذنب، القلق، والحزن، وقد تسبب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالاعتداء الجنسي الشعور بالعار أو الخجل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الناجين من الاعتداء الجنسي لديهم احتمالٌ متزايد لتطور أعراض اضطراب ما بعد الصدمة لديهم، مثل الكوابيس والأفكار الدخيلة، وقد يشعرون كما لو أنهم في خطرٍ و بحاجةٍ إلى الحذر على الدوام، ومن الممكن أن يفقدوا الثقة في الآخرين أيضا.
ما هو اضطراب ما بعد الصدمة؟
اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD / Post-traumatic stress disorder) هو حالةٌ مرضية نفسية تسبب مجموعةً متنوعة من الأعراض المزعجة عقبَ حدثٍ صادمٍ ما، مثل الاعتداء الجنسي.
إن اضطراب ما بعد الصدمة شائعٌ إلى حدّ ما بين الأشخاص الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي، إذ أظهرت إحدى الدراسات أن ما يقارب 70% من الناجين من الاعتداء الجنسي يعانون من مستوياتٍ عالية من الصدمة، و أن 45% منهم أبلغوا عن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.
قد تشمل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة إعادة تخيّل الحدث الصادم، تجنّب محفزات الصدمة (ما يُذكّر بها)، الشعور بالرعب والخوف بسهولة، واعتناق أفكار ومعتقدات سلبية.
لا يعد اضطراب ما بعد الصدمة علامةَ ضعفٍ عند الشخص بل إنه حالةٌ مرضية نفسية يمكن تشخيصها وعلاجها. إذا كنت تعاني أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، فمن المهم استشارة طبيبٍ مختص.
أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بعد الاعتداء الجنسي
يمكن للناجين من الاعتداء الجنسي أن يعانوا من أعراضٍ شديدة ومزمنة لاضطراب ما بعد الصدمة، مثل:
- أوجاع في الجسم
- التعب والإرهاق
- استرجاع ذكريات الاعتداء
- الصداع
- الأرق
- الكوابيس
وقد يعانون أيضا مما يلي:
- التجنّب، مثل تجنّب أفكار أو مشاعر الحدث الصادم (التجنّب العاطفي)؛ أي تجنّب ما يذكر بالصدمة مثل الأشخاص، الأماكن، الأشياء أو المواقف؛ ورفض التحدث عن الأمر.
- أعراض اقتحامية، مثل الذكريات المتكررة غير المرغوب فيها للحدث، الكوابيس الدائمة، و استرجاع أحداث الماضي.
- اليقظة المفرطة، مثل الأرق (صعوبة في النوم أو الاستيقاظ )، الشعور بالذعر أو الخوف بسهولة، صعوبة التركيز، اليقظة المفرطة تجاه البيئة المحيطة وما يُهدد سلامة الفرد.
- التغييرات في الأفكار والمشاعر، استمرار توارد المعتقدات المشوّهة عن الذات أو الآخرين ؛ ومشاعر متكررة من الخوف، الرعب، الغضب، الذنب، الخجل أو اليأس؛ فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت تبعث على البهجة في السابق؛ الشعور بالانفصال والابتعاد عن الآخرين، صعوبة الحفاظ على علاقات وثيقة معهم؛ وصعوبة الإحساس بالمشاعر الإيجابية مثل الفرح أو الرضا.
أعراض أخرى مرتبطة بالاعتداء الجنسي واضطراب ما بعد الصدمة
يرتبط اضطراب ما بعد الصدمة عادةً مع حالاتٍ مرضية نفسية أخرى، وهو ليس الاضطراب النفسيّ الوحيد الذي قد يتطور بعد الاعتداء الجنسي.
يمكن أن تشمل الأعراض التي يعاني منها الناجون ما يلي:
- اضطرابات الأكل (eating disorders)
- اضطراب القلق المعمم (generalized anxiety disorder)
- الاكتئاب الحادّ (major depression)
- اضطراب الوسواس القهري (obsessive compulsive disorder)
- اضطراب تعاطي المواد المخدرة (substance use disorder)
قد يكون خطر هذه الأعراض ذات الصّلة أكبرَ بالنسبة للأشخاص الذين عانوا من الاعتداء الجنسي في سنّ أصغر.
آثار الاعتداء الجنسي على الصحة البدنية
ربما يؤدي الاعتداء الجنسي إلى عدد من الأعراض الجسدية المزمنة والشائعة بين المصابين باضطراب ما بعد الصدمة. فعلى سبيل المثال، تبيّن أن النساء اللواتي تعرّضن للاغتصاب هم أكثر عرضةً للمعاناة من:
- التهاب المفاصل
- ألم الحوض المزمن
- مشاكل الهضم
- أعراض حادة ما قبل الطمث
- نوبات غير صرعية
بالإضافة إلى ذلك، يكون الأشخاص الناجون من الاغتصاب أو محاولة الاغتصاب في خطرٍ متزايد للإصابة بالعدوى المنقولة جنسياً (STI)، والتي يمكن أن تؤدي إلى مشاكل صحية بدنية وعاطفية إضافية.
آثار الاعتداء الجنسي على الصحة الجنسية
قد يكون الاستمتاع بالاتصال الجنسي صعباً بعد التعرض لصدمة اعتداءٍ جنسي. وقد يعاني الشخص الذي نجا من الاعتداء الجنسي من انخفاضٍ في الرغبة الجنسية والسلوك الجنسي. يعاني بعض الناجين من الألم، الخوف والقلق في الاتصال الجنسي، كما أن العار والشعور بالذنب الناجمين عن الصدمة يمكن أن يتداخلا مع رغبتهم بالجنس أو رضاهم به.
من المرجح أن يعاني الناجون من الاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة من مشاكل جنسية أكثر حدة. كما سيزيد الإيلاج أثناء الاعتداء من خطر المشاكل الجنسية في المستقبل.
آثار الاعتداء الجنسي على الصحة السلوكية
لا يوجد ردُّ فعلٍ واحدٍ فقط على الاعتداء الجنسـي. على سبيل المثال، في حين أن بعض الناجين يتجنبون أشكال الاتصال الجنسي بعد التعرض للاعتداء، فإن آخرين ينخرطون في سلوكيات جنسية محفوفة بالمخاطر، مثل عدم استخدام وسائل الحماية أو تعدُّد الشركاء الجنسيين.
قد يلجأ الناجون أيضاً إلى سلوكيات غير صحيّة، مثل تعاطي المخدرات وإيذاء النفس في محاولةٍ للتعامل والتأقلم مع المشاعر المزعجة والشديدة التي تنجم عن التعرض للاعتداء.
وقد يبذل بعض الناجين جهداً كبيراً للتهرّب من الحالات التي يشعرون فيها بأنهم قد يعرّضون أنفسهم للخطر. وقد يتجنبون البرامج التلفزيونية أو المقالات الصحفية أو المحادثات التي تناقش الاعتداء الجنسـي.
يمكن أن تخمد هذه المشاعر مع مرور الوقت لدى بعض الناس. ومع ذلك، سيستمر آخرون في المعاناة من بعض أشكال الضائقة النفسية لشهور أو سنوات.
خيارات علاج الناجين من الاعتداء الجنسي
بالنسبة للكثير من الناجين من الاعتداء الجنسـي، فإن الأعراض السابقة ستخفّ بمرور الوقت. مع ذلك، وبالنسبة للبعض الآخر، فقد تستمر وتزداد سوءا. لحسن الحظ، هناك علاجاتٌ متاحة والتي وُجِد بأنها تساعد في الشفاء.
العلاج النفسي
أثبت العلاج النفسي فعاليته في علاج أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بعد الاعتداء الجنسـي. وعلى الرغم من وجود مجموعة متنوعة من تقنيات العلاج النفسي، إلا أن اثنتين منها تُثبت الأدلة يوماً بعد يوم فعاليتهما. وهما المعالجة المعرفية (الإدراكية) و العلاج بالتعرض المطوّل.
المعالجة المعرفية (CPT)
يساعد هذا العلاج الأشخاص على مواجهة الذكريات والأفكار المزعجة و المرتبطة بالاعتداء الجنسي. خلال هذا العلاج، سيرشدك المعالج إلى طريقة تصحيح أية أفكار غير منسجمة، غير واقعية أو إشكالية تقود أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.
العلاج بالتعرض المطوّل (Prolonged-exposure therapy)
يستهدف العلاج بالتعرّض المطوّل أي سلوكيات مكتسبة ينخرط فيها الناس أو يتجنبونها استجابةً للمواقف أو الأفكار والذكريات المرتبطة بالاعتداء الجنسـي.
يكمن الهدف من هذا العلاج بأنه، ومن خلال مواجهة المخاوف والذكريات، سوف تدرك أن شعور القلق والخوف سيضعف من تلقاء نفسه.
يمكنك أن تبحث عن معالج نفسيّ يوفر هذه العلاجات في منطقتك أيضا.
مجموعات الدعم
يتيح الانضمام إلى مجموعة دعمٍ على الإنترنت أو مجموعة دعمٍ شخصية الفرصةَ للتواصل مع الناجين الآخرين من الاعتداء الجنسـي، وللحصول على المشورة فيما يتعلق بالتغلب على التحديات المرتبطة بتلك الصدمة.
توفر مجموعات الدعم فرصةً ممتازة لتطوير علاقاتٍ داعمة، موثوقة، وصحية مع الأشخاص الآخرين الذين لديهم تجربة مشتركة. غالباً ما تكون استشارة طبيب الرعاية الأولية أو أخصائي الصحة النفسية أفضلَ نقطةٍ للبدء في البحث عن مجموعة دعمٍ محلية.
المساعدة الذاتية
بالإضافة إلى التحدث إلى المعالج و/أو الانضمام إلى مجموعة الدعم، هناك بعض التغييرات في نمط الحياة وأساليب التكيف يمكنك القيام بها بنفسك لتهدئة جسمك وعقلك ومعالجة ما تواجهه من أعراض، وتتضمن:
قضاء وقت مع الأحبّاء المساندين، اذهب للتنزه، احتسِ بعض القهوة الصباحية، أو تحدث على الهاتف.
ممارسة تمارين الاسترخاء، ابحث عن وقتٍ للدعاء، التأمل، اليوڠا، أو الاسترخاء التدريجي للعضلات.
التنزه في الصباح، إن تخصيص الوقت للخروج من المنزل، وتنشُّق بعض الهواء النقي، وتحريك جسمك يمكن أن يساعد على ضبط مزاجك وعواطفك.
الاحتفاظ بدفتر يوميات، يمكن أن توفر المذكَّرة مكاناً ثابتاً لكتابة ومعالجة مشاعرك وما تمر به من أحداث وتجارب.
الخلاصة
إن الشفاء من الاعتداء الجنسي واضطراب ما بعد الصدمة ليس بالأمر الذي يجب عليك محاولة خوضه بمفردك.
إذ يوجد متخصصون مدربّون لمساعدتك ودعمك خلال تعلّمك كيفية التعامل مع الآثار الجسدية، العقلية والسلوكية للنجاة من الاعتداء الجنسي.
تذكر، ما حدث ليس خطأك وأنت لم تفعل شيئا أدى لذلك. بالتالي، عليك طلب المساعدة وقبولها حتى تتمكن من الشفاء والمضي قدما في حياتك.
المصدر: PTSD After Sexual Assault
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم