يصف التعلم بالملاحظة عملية التعلم من خلال مراقبة الآخرين، الاحتفاظ بالمعلومات ثم تكرار السلوكيات التي تمت ملاحظتها. حدد العالم ألبرت بانجورا واضع نظرية التعلم بالملاحظة أربع مراحل للتعلم بالملاحظة.
يوجد عدد من نظريات التعلم، مثل الإشراط الكلاسيكي و الإشراط الإجرائي والتي تؤكد على الطريقة التي يمكن أن تقود من خلالها التجربة المباشرة، التعزيز أو العقاب إلى التعلم. لكن، يحدث مقدار كبير من التعلم بشكل غير مباشر.
على سبيل المثال، فكّر في كيف يمكن أن يراقب الطفل ويشاهد البالغ وهو يلوّح بيده ثم يقلد هذه الحركات فيما بعد؛ كمٌّ كبير من التعلم يجري من خلال هذه العملية. في علم النفس، يشار إلى هذا بـ التعلم بـ التعلم بالملاحظة (Observational Learning).
يسمى التعلم بالملاحظة أحياناً القولبة (التشكيل)، النمذجة، التعزيز بالإنابة (البديل). في حين أنه يمكن أن يحدث في أي مرحلة من الحياة، إلا أنه يميل إلى أن يكون شائعاً في الطفولة.
يلعب التعلم بالملاحظة دوراً مهماً أيضاً في عملية التنشئة الاجتماعية، إذ يتعلم الأطفال كيف يتصرفون مع الآخرين ويستجيبون لهم من خلال مراقبة كيف يتفاعل ذويهم أو مقدمو الرعاية مع الغير.
تاريخ التعلم بالملاحظة
يرتبط التعلم بالملاحظة بشكل كبير باسم عالم النفس ألبرت باندورا، إذ أظهر هو وغيره من العلماء أننا ننحو بشكل طبيعي إلى الانخراط في التعلم بالملاحظة.
تشير الأبحاث إلى أن التقليد مع الفهم الاجتماعي يميل إلى البدء في عمر الثانية تقريباً، لكن يختلف ويتنوع تبعاً للطفل ذاته.
في الماضي، زعمت الأبحاث أن حديثي الولادة قادرون على التقليد، إلا أن ذلك غير صحيح على الأرجح، على الرغم من أنهم يستجيبون للمحفزات أحياناً بطريقة تبدو كالتقليد، إلا أنها ليست كذلك.
إذا حاولت أن تغير من شكل وجهك أمام رضيع وراقبته كيف يحاول تقليد حركاتك، عندها قد تلاحظ كيف يمكن أن يكون التعلم بالملاحظة قوة مؤثرة. تشدد نظرية التعلم الاجتماعي لـ باندورا على قوة التعلم بالملاحظة.
تجربة دمية بوبو
في هذه التجربة، بيّن باندورا أن الأطفال الصغار قد يقلدون الأفعال العدوانية لقدوةٍ بالغ. شاهد الأطفال فيلماً يضرب فيه أحد البالغين بشكل متكرر دمية بالون كبيرة، ثم سنحت أمامهم فرصة اللعب بدمية صغيرة لاحقاً.
كان الأطفال أكثر عرضة لتقليد تصرفات البالغ العنيفة عندما لم يكن لتصرفه أية عواقب أو حين تمت مكافأته على تصرفه. في حين أن الأطفال الذين شاهدوا هذا الشخص وهو يعاقَب على فعله العدواني هذا فقد كانوا أقل عرضة لتقليده.
أمثلة على التعلم بالملاحظة
فيما يلي بعض الأمثلة التي تبين حدوث التعلم بالملاحظة:
يشاهد طفل ما والدته وهي ترتب الغسيل فيمسك بعدها بعض الملابس ويقوم بطيّها وترتيبها كما والدته.
يذهب شاب وشابة في موعد غرامي إلى مطعم آسيوي. يشاهدان الآخرين وهم يتناولون طعامهم باستخدام عيدان الطعام الصينية ويقلّدان تصرفاتهم ليتعلّما كيفية استخدام هذه الأداة.
يرى طفل كيف تورط زميله في الصف بمشكلة عندما ضرب طفلاً آخر. فيتعلم من هذا أنه لا يجب عليه ضرب الآخرين.
تلعب مجموعة من الأطفال لعبة الاختباء، وينضم أحد الأطفال إلى المجموعة دون معرفة كيفية اللعب. بعد مراقبة الأطفال الآخرين وهم يلعبون، يتعلم سريعاً القواعد الأساسية للعبة ويبدأ باللعب.
مراحل التعلم بالملاحظة
للتعلم بالملاحظة أربع مراحل ينبغي حدوثها للوصول إلى تعلم ذي معنى. تذكر أن هذا يختلف عن تقليد سلوك شخص آخر ببساطة. بدلاً من ذلك، قد يدمج التعلم بالملاحظة عنصراً اجتماعياً و/أو بيئياً يؤثر على إذا ما كان الشخص الذي يلاحظ السلوك سيختار الانخراط به أو تجنبه.
الانتباه
حتى يتعلم المراقب، يجب عليه أن يكون في الإطار الذهني الصحيح لذلك. يعني هذا امتلاك الطاقة اللازمة للتعلم، الحفاظ على التركيز نحو تصرفات القدوة والأمور التي ينخرط بها والقدرة على مراقبته لمدة كافية لفهم ما يقوم به.
يمكن أن تؤثر كيفية رؤية المراقب للشخص (المثال) على مستوى انتباهه.، إذ يميل الأشخاص الذين يحصلون على مكافأة لتصرفاتهم، أو الجذابون أو الذين يشابهون المراقب إلى أن يستحوذوا على تركيز وانتباه أكبر منه.
الاحتفاظ (الذاكرة)
إذا كان المراقب قادراً على التركيز على سلوك القدوة، فتتمثل الخطوة الثانية في القدرة على تذكر ما تمت رؤيته. وإذا لم يكن قادراً على استدعاء وتذكر سلوك الشخص المقابل، قد يحتاج إلى العودة للمرحلة الأولى.
استنساخ السلوك
إذا كان المراقب قادراً على التركيز والاحتفاظ وتذكر المعلومات، فتكون الخطوة الثانية في التعلم بالملاحظة هي محاولة تكرارها.
من المهم ملاحظة أنه سيكون لكل فرد قدرته الفريدة والخاصة عندما يتعلق الأمر بتقليد سلوكيات معينة، ما يعني أنه حتى مع التركيز والتذكر التام والمثالي، يقد تكون بعض السلوكيات صعبة التقليد.
الدافع
من أجل أن ينخرط المراقب بالسلوك الجديد، يحتاج نوعاً من التحفيز. فعندما يفتقر إلى الدافع للقيام بذلك، من المرجح ألا يجاري هذا السلوك المتعلَّم حتى وإن كان قادراً على تقليد المثل أو القدوة.
قد يزداد الدافع إذا رأى المراقب أن الشخص القدوة تلقى مكافأة على سلوك معين واعتقد أنه سيحصل على بعض من تلك المكافأة إذا قلّد هذا السلوك. في المقابل، قد ينخفض الدافع إذا علم المراقب أو شاهد الشخص الآخر يعاقَب على سلوك معين.
تأثير التعلم بالملاحظة
وفقاً لأبحاث ونظرية باندورا حول التعلم بالملاحظة، هناك عدد من العوامل التي تزيد من احتمال تقليد السلوك. إذ نميل إلى تقليد الأشخاص الذين نعتبرهم عطوفين وداعمين.
كما نميل لتقليد الأشخاص الذين لديهم سلطة علينا يشبهوننا بالعمر، الجنس والاهتمامات والذين نُعجب بهم أو يتبوؤون مكانة اجتماعية أعلى.
ونميل أيضاً إلى تقليد السلوك عندما نتلقى مكافأة في الماضي على تقليدنا السلوك، أو نفتقر للثقة بمعلوماتنا وقدراتنا أو عندما يكون الموقف مربكاً، غامضاً أو غير مألوف لنا.
النتائج الإيجابية والسلبية للتعلم بالملاحظة
يحمل التعلم بالملاحظة معه احتمال تعليم وتعزيز سلوكيات معينة أو تقليلها تبعاً لعوامل متنوعة. يمكن أن يكون التعلم القائم على الملاحظة، المنتشر بشكل خاص في مرحلة الطفولة، جزءاً أساسياً من كيفية تعلم مهارات جديدة وتجنب العواقب.
مع ذلك، كان هناك أيضاً مخاوف بشأن كيف يمكن أن يؤدي هذا النوع من التعلم إلى نتائج وسلوكيات سلبية.
ركزت بعض الدراسات، المستوحاة من أبحاث باندورا (نظرية التعلم بالملاحظة)، على تأثيرات التعلم بالملاحظة على الأطفال والمراهقين. على سبيل المثال، استخلص بحث سابق وجود علاقة مباشرة بين لعب ألعاب فيديو عنيفة معينة وازدياد العدوانية على المدى القصير.
ومع ذلك، أظهرت الأبحاث اللاحقة التي ركزت على التأثير قصير وطويل المدى لألعاب الفيديو على اللاعبين عدم وجود علاقة مباشرة بين لعب ألعاب الفيديو والسلوك العنيف.
وبالمثل، وجدت الأبحاث التي تبحث في التعرض لوسائل الإعلام الجنسية والسلوك الجنسي للمراهقين أنه لم تكن هناك علاقة بين مشاهدة المحتوى الجنسي الصريح وممارسة الجنس خلال العام التالي بشكل عام.
تشير الأبحاث أنه عندما يتعلق الأمر بالتعلم بالملاحظة، لا يقلد الأفراد ما يشاهدونه فقط وأن السياق يلعب دوراً أيضاً. قد يشمل هذا ماهية المثل أو القدوة، الشخص الذي يكون المراقب معه واشتراك الأهل بذلك.
أشارت دراسة أخرى إلى أنه إذا شاهد المراهقون الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و 15 عاماً من نفس الجنس المحتوى الجنسي معاً و/أو إذا قيّد الأهل مقدار المحتوى الذي تتم مشاهدته، ينخفض احتمال ممارسة الجنس.
في المقابل، يزداد احتمال ممارسة الجنس عندما يشاهد الأقران من الجنسين المحتوى الجنسي سوية.
خلاصة
يمكن أن يشكل التعلم بالملاحظة أداة تعلم قوية. عندما نفكر بمفهوم التعلم، نتحدث أحياناً عن التعليمات المباشرة أو النهج التي تعتمد على التعزيز والعقاب.
لكن، يحدث مقدار كبير من التعلم بشكل خفي وحذق أكثر ويعتمد على مشاهدة الناس حولنا واعتبار تصرفاتهم مثلاً وقدوة.
يمكن أن يُطبَّق أسلوب التعلم هذا على نطاق واسع من البيئات بما في ذلك التدريب الوظيفي، التربية والتثقيف، الاستشارة والعلاج النفسي.
اقرأ أيضاً: السلوك الداخلي السلبي عند الأطفال، أمثلة عنه وعوامل الخطر
اقرأ أيضاً: انطفاء السلوك في علم النفس، أسبابه، متى يحدث والعوامل المؤثرة عليه
المصدر: How Observational Learning Affects Behavior
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم