التفكير النقدي للأطفال، ما أهميته وكيف يمكن تعليمه للأطفال؟

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

التفكير النقدي للأطفال هو واحد من أهم المهارات الحياتية، ويعد أساسياً في مهارات القرن الواحد والعشرين. كان يُعرف سابقاً باسم التفكير التأملي للأطفال، ويعتبر تعليم الأطفال التفكير الناقد من أهم المهارات التي يجب أن يتعلمها الطفل.

لسوء الحظ، فإن الذهاب إلى المدرسة يناقض إلى حد ما تعلم التفكير بشكل ناقد. يتعلم الأطفال في المدرسة ترديد ما يقوله المدرّس أو الكتاب، واتباع الخطوات الصحيحة بالترتيب الصحيح للحصول على الإجابة المناسبة. إذ تمتلئ الحصص الدرسية بالتمارين، التذكر والواجبات المنزلية بدلاً من تعليم التلاميذ كيف يفكرون.

يرجع الأمر لنا، كأهل، في تعزيز وتكميل عملية التعليم لأطفالنا بأمثلة التفكير النقدي في الحياة اليومية. 

ما هو التفكير النقدي؟

التفكير النقدي (critical thinking) عبارة عن مجموعة من المهارات والعادات العقلية التي تتضمن القدرة على تعريف المشكلة، تحديد الافتراضات، تحليل الأفكار، الجدال بشكل ناقد ثم تحديد أسباب مختلفة محتملة بشكل منهجي، وابتكار حلول منطقية أو تقييم صحتها باستخدام التفكير أو الاستقراء المنطقي، إضافة إلى القدرة على الربط الخلاق بين الأفكار من مختلف المجالات.

أطلق الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي جون ديوي (John Dewey) على ما سبق اسم             “التفكير التأملي”. وعرّف التفكير النقدي بأنه دراسة نشطة، مستمرة ودقيقة لاعتقاد أو شكل مفترض من المعرفة ينطوي على إخضاع الأفكار بشكل فعال ونشط للتدقيق والتمحيص النقدي بدلاً من القبول السلبي لقيمتها الاسمية أو الظاهرية.

يتمحور التفكير النقدي للأطفال حول مساعدة الصغار على تطوير مهارات الاستدلال والمنطق. إذ يطرح المفكر الناقد الأسئلة الصحيحة بدلاً من مجرد قول “نعم، إنه الجواب الصحيح”، ويحلل الأشياء وينظر إلى أسبابها وجميع الاحتمالات حولها.

أهمية التفكير النقدي

يعد التفكير النقدي واحداً من أثمن المهارات المعرفية وأكثرها قيمة لأنه يتيح لنا استخدام التخصص والمهارات المنطقية لحل المشكلات، وهو مهم أيضاً للتطور العقلي والمعرفي عند الأطفال.

تعد هذه المهارات ضرورية في إعداد الطفل لفهم آلية عمل الأشياء في العالم الحقيقي وابتكار أفكار مبدعة وخلاقة.

إلى جانب اكتساب مهارات حل المشكلات، فإن القدرة على التفكير بشكل مستقل يسمح للطفل أن يقاوم ضغط الأقران، تكوين آرائه الخاصة والثقة بأفكاره عندما يُطلب منه القيام بأشياء لا يرغب بها.

بالنسبة للغالبية العظمى من المشاكل اليومية، قد يكفي الاعتماد على الحفظ عن ظهر قلب، والتعلم الأقل مرتبة الذي يتلقاه أطفالنا من مدارسهم  (التذكر، الفهم والتطبيق). لكن، الأحكام المسبقة، ضيق الأفق، العاطفة، العقيدة يمكن أن تبطل فائدة هذا التعليم بسهولة. 

عند مواجهة مشاكل معقدة، فإن الأشخاص غير المعتادين على التفكير النقدي يعتمدون عادة تمثيلات العالم البسيطة التي تروجها وسائل الإعلام، والتي غالباً ما تكون غير دقيقة أو عفا عليها الزمن.

باستخدام مهارات التفكير عالية الترتيب، نستطيع تفادي ارتكاب أخطاء غير منطقية نقترفها بشكل طبيعي إذا ما نظرنا إلى العالم بعين العواطف، التحامل والأحكام المسبقة والأفكار غير العقلانية.

لماذا يصعب تعليم التفكير النقدي للأطفال؟

بما أن التفكير النقدي جزء بالغ الأهمية من التعلم، لماذا لا تركز المدارس على تعلم هذه المهارات الجوهرية والحيوية؟ الجواب هو ” إنهم يحاولون، لكنهم لا يستطيعون”

يعود السبب في ذلك إلى أنه، من أجل ” التفكير بشكل ناقد” بموضوع ما، يحتاج المرء إلى أن يمتلك معرفة مسبقة به ويطبق المنطق الصوري أو الشكلي/informal logic (علم آلي وُضع لصيانة الذهن عن الخطأ في الفكر فهو الميزان والمعيار الأساس لمعرفة التفكير الصحيح).

لا توجد طريقة فعالة لتعليم “المعرفة العامة العميقة”. إذ لا تنتقل مهارات التفكير التحليلي المتعلَّمة في البرامج الخاصة بموضوعات معينة إلى مجالات أخرى بسهولة.

آلية تعليم الطفل التفكير النقدي

على الرغم من صعوبة تعليم التفكير النقدي في مواضيع معينة، فإن هناك أشياء يمكن للأهل القيام بها لمساعدة أطفالهم على تكوين ذهنية تفكير منطقي سليمة وصحية وتطوير الرغبة في البحث عن مجال معرفة أعمق من أجل حل المشكلات بطريقة خلاقة ومبتكرة.

تكمن الفكرة الأساسية في تعليم الصغار كيفية تطبيق عمليات التفكير عالي الرتبة في أي موقف يتطلب مهارات صنع القرارات في حياتهم اليومية.

في حين أن هناك نشاطات تفكير نقدي أو ألعاب تعليمية لتحفيزه، فإن هذا التفكير أعمق من مجرد طرح أسئلة مفتوحة.

فيما يلي ما يمكن أن يقوم به الأهل لتعليم الأطفال التفكير النقدي في الحياة اليومية ومساعدتهم على أن يصبحوا مفكرين مبدعين.

ابدأ مبكراً واشرح كل شيء لهم

يطرح الأطفال الصغار عادة الكثير من أسئلة “لماذا” التي ترهق الوالدين إلى درجة تجعلهم يقولون: ” هذا ما يفترض أن يكون عليه الأمر”.

لكن معرفة السبب وطرح سؤال “لماذا” هو خطوة أولى جوهرية في التفكير النقدي (التفكير التأملي للأطفال). يمكن أن يتعلم الأطفال من جميع الأعمار التفكير النقدي. لذا، لا تغضب وتخرج عن طورك لمجرد أنهم أطفال أصغر سناً.

عندما يتم تعليم الأطفال منذ الصغر كيف يطرحون أنواعاً مختلفة من الأسئلة، صياغة الأحكام من خلال الدلائل الموضوعية والتحليل المنطقي، فإنهم يكبرون وهم يتمتعون بثقة بقدرتهم على مساءلة الافتراضات والتفكير بمنطق بدلاً من العواطف.

حاول قدر الإمكان شرح وتفسير الأشياء لهم من الصغر. عندما لا تستطيع الإجابة على أسئلة معينة، يمكنك قول: ” إنه سؤال جيد وأريد أن أعرف الجواب أنا أيضاً”.

لا تطلب منهم الطاعة العمياء

الطلب من الأطفال أن يطيعوا ويتبعوا أوامر الأكبر سناً بشكل أعمى هو أكثر الطرق تثبيطاً لتطور التفكير النقدي (التأملي للأطفال). شرحت تجارب ميليغرام في الطاعة للسلطة هذا الأمر بشكل جيد جداً.

في سلسلة التجارب الشهيرة هذه، طُلب من الخاضعين للتجربة أن يوجهوا صدمات كهربائية إلى أشخاص غرباء عندما يطلب منهم أحد شخصيات السلطة ذلك.

في بعض الحالات، كانت الصدمة مؤلمة بالفعل لدرجة التسبب بأذى. بموجب تعليمات “السلطة” قام معظم المشاركين بتوجيه مستويات عالية من التيار الكهربائي بشكل متزايد وصولاً إلى درجات مميتة دون تردد.

هنا يكمن خطر طاعة السلطة بشكل أعمى دون ممارسة التفكير النقدي لمساءلة قرارات السلطة والتشكيك في صحتها.

بينما يطلب الأهل في بعض الأحيان من أطفالهم أن يطيعوا أوامرهم من أجل مصلحتهم، إلا أننا بحاجة إلى شرح السبب لهم.

عبارة “لأنني قلت ذلك” لن تؤدي إلى تطوير مهارات التفكير والاستدلال المنطقي عند الأطفال. إذ يحتاج الطفل إلى معرفة الأسباب حتى يستطيع التفكير بشكل مستقل واتخاذ قرارات سليمة.

هناك ميزة أخرى لأسلوب التربية هذا؛ فعندما نستخدم التفكير النقدي والمنطقي لشرح ما نطلب من أطفالنا القيام به، فإننا نمارس الضبط الاستقرائي.

تشير الدراسات إلى أن الضبط الاستقرائي هو أفضل طريقة للتأديب مقارنة مع العقاب وتأكيد السلطة من قبل الأهل. إذ يعاني الأطفال مع أسلوب التربية هذا من مشاكل أقل، ويتمتعون بتنظيم عاطفي أفضل، خيارات أكاديمية أعلى ومهارات تفكير نقدي.

شجع طرح الأسئلة وعزز الفضول عند أطفالك

يستخدم التحليل النقدي ذهنية موضوعية وناقدة لتحليل الفكرة على نقيض الاعتماد على الاستجابة العاطفية أو الفهم الشخصي غير الموضوعي. يعني التفكير بشكل ناقد الرغبة بأن تكون هناك معلومات جديدة ووجهات نظر مختلفة تتحدى آراء الفرد ونظرته.

اسمح لأطفالك بطرح الأسئلة ومناقشة مشروعية ما تقوله إذا لم يشكل ذلك خطراً على صحتهم أو سلامتهم. إذ يساعد ذلك في تطوير الفضول الفكري أو العقلي ومهارات التحليل لديهم.

علمهم أن يكون عقلهم منفتحاً

يعد الحفاظ على عقل منفتح وتفكير مرن عند مقاربة أي مشكلة أمراً أساسياً في التفكير النقدي (التأملي) للأطفال. يمكننا تعليم الصغار أن يكونوا ذوي عقل منفتح من خلال طرح وجهات نظر مختلفة، تفسيرات بديلة أو حلول متباينة للمشكلات.

في بعض الأحيان، تكون الإجابات محددة ومتكررة لبعض الأشياء مثل الرياضيات والعلوم. لكن، في أحيان أخرى، توجد إجابات مختلفة بناء على وجهة نظر الفرد. 

شجع طفلك على حل المشكلات بطرق جديدة ومختلفة من خلال ربط أفكار متباينة من مجالات أخرى، وعزز مهارات التفكير النقدي لديه واعمل على تقويتها.

اشرح الفرق بين الارتباط والسببية

أحد أكبر عوائق التفكير المنطقي هو الخلط بين الارتباط والسببية. عندما يميل شيئان إلى الحدوث معاً، يعدان مرتبطين. لكن لا يعني ذلك بالضرورة أن أحدهما يسبب الآخر، إذ يمكن أن يكون الأمر كذلك أو لا يكون.

لا يمكننا المعرفة إلا إذا توافرت بين أيدينا المزيد من المعلومات لإثبات أن أحدهما هو السبب المباشر لحدوث الآخر.

على سبيل المثال، كلما ارتدى طفل ما قميصه الأزرق، طلب منه المعلم الإجابة على سؤال ما. هل يعني ذلك أن ارتداء القميص الأزرق هو السبب وراء تصرف المعلم؟ من الممكن أنه يحب حقاً أن ينادي الأطفال الذين يرتدون القمصان الزرق.

لكن ليس هذا هو الحال بالضرورة. ربما هي محض صدفة أو صدف أو أن الطفل يكون أكثر انتباهاً كلما ارتدى اللون الأزرق فيظن المعلم أنه يعرف الجواب بالتأكيد.

نحن لا نعلم الإجابة دون سؤال المعلم لإثبات ذلك أو نفيه. لذا، لا يمكننا استنتاج أن القميص الأزرق هو السبب في توجيه الأسئلة للطفل من دون أن نملك إثباتاً حقيقياً على السبب والنتيجة.

 أفكار ختامية حول التفكير النقدي للأطفال

لا يعد التفكير النقدي أمراً مهماً للأطفال فحسب، بل للبالغين أيضاً؛ فهو أهم شيء من الواجب تعليمه لأطفالنا ليس من خلال الكلمات فحسب بل الأفعال أيضاً.

حاول أن تجعل من كيفية استخدام هذه المهارة نموذجاً يُقتدى به في الحياة اليومية وفي التربية على وجه الخصوص؛ فالتفكير النقدي التأملي هو ما يبعدنا عن أسلوب التربية السيء. 

اقرأ أيضاً: التوكيد العاطفي للأطفال، أهميته لنمو الطفل وصحته النفسية

اقرأ أيضاً: مفاتيح الطفولة السعيدة وأهميتها لصحة الطفل النفسية

المصدر: Critical Thinking For Kids

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: