الأحكام المسبقة، كيف تتشكل وما أنواعها؟

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

الأحكام المسبقة (Prejudice) هي في كثير من الأحيان تصوّرٌ مسبق أو موقفٌ سلبي تجاه أفراد مجموعة ما. وقد يكون لها تأثير قوي على كيفية تصرف الناس وتفاعلهم مع الآخرين، لاسيما مع أولئك “المختلفين” نوعاً ما، حتى ولو على مستوى اللاوعي. يوجد العديد من الأنواع للأحكام المسبقة، باللإضافة لعدد من الأسباب الكامنة وراء إطلاق هكذا أحكام سواء إيجابية أو سلبية ومنها انحياز تجانس المجموعة الخارجية والتصنيف.

تشمل السمات المشتركة للأحكام المسبقة: وجود مشاعر سلبية واعتناق معتقدات نمطية عن أفراد الجماعة. فضلاً عن الميل إلى التمييز ضدهم. ففي المجتمع، كثيراً ما نرى أحكاماً مسبقة  قائمة على خصائص مثل العرق، الجنس، الدين، الثقافة وغير ذلك.

عندما يتبنى الناس مواقف سلبية مسبقة تجاه الآخرين، فإنهم يميلون إلى النظر إلى كل الأشخاص ممن لديهم سمة محددة على أنهم “متشابهون جميعاً” ورسم كل فرد يحمل خصائص أو معتقدات معينة بطريقة واحدة والفشل في النظر إلى كل شخص على أنه فريد من نوعه. 

أنواع الأحكام المسبقة

في بعض الأحيان، يتم الخلط بين الأحكام المسبقة والتمييز، ففي حين  تنطوي الأحكام المسبقة  على اتخاذ مواقف سلبية تجاه أفراد مجموعة معينة، يحدث التمييز (Discrimination) عندما يتم التصرف وفقاً لتلك المشاعر. 

هناك أنواع عديدة من الأحكام المسبقة، يشمل بعضها ما يلي:

  • على أساس السن: أيّ الاعتقاد بأن شخصاً ما “كبير جداً” أو “صغير جداً” في السن بحيث لا يستطيع أخذ دور على وجه الخصوص أو المشاركة في نشاط معين. 
  • على أساس الطبقة الاجتماعية: قد تشمل الاعتقاد السلبي عن شخص ما على أساس دخله أو النظر إلى شخص ما بازدراء لأنه “فقير” أو أحد أفراد الطبقة العاملة. 
  • رهاب المثلية: يعرف غالباً  بأنه الشعور بعدم الراحة، الخوف، عدم الثقة أو الكراهية للأشخاص الذين هم أعضاء في مجتمع المثلية ممن لا يُعرّفون على أنهم مغايرون جنسياً. 
  • القوميّة: التي تنطوي على الاعتقاد بأن مصالح مجموعة دولتك أكثر أهمية من مصالح المجموعات الأخرى. 
  • العنصرية: التي تنطوي على اتخاذ موقف سلبي تجاه أفراد مجموعة عرقية أو إثنية معينة متجذرة في أنظمة السلطة والقمع. 
  • على أساس ديني: الذي يتضمن الشعور السلبي تجاه شخص ما بسبب معتقداته الدينية أو ممارساته أو إيديولوجيته (عقيدته). 
  • على أساس الجنس: الذي ينطوي على اعتناق بعض القوالب النمطية أو المعتقدات حول شخص ما على أساس جنسه أو نوعه الاجتماعي (الجندر)، مثل الشعور كما لو كان يستطيع (أو لا يستطيع) القيام بشيء على أساس هذا العامل. 
  • رهاب الغرباء: الذي ينطوي على كره أو الخوف من شخص يعتبره الفرد “أجنبياً” أو “غريباً” في بلده الأصلي. 

أسباب تبني الأحكام المسبقة

هناك بضعة أسباب محتملة تقف وراء أنواع الأحكام المسبقة.

القوالب النمطية (stereotypes) الأحكام المسبقة

تستند الأفكار والأحكام المسبقة في كثير من الحالات إلى قوالب نمطية (والقوالب النمطية تستند إلى الأفكار المسبقة).

الصورة النمطية هي افتراض مبسط حول مجموعة استناداً إلى تجارب أو معتقدات سابقة. وقد تكون الصورة النمطية للجنسين هي أن الفتيات الصغيرات فقط هن القادرات على ارتداء الفساتين أو أن الصبيان الصغار فقط هم القادرون على اللعب بالشاحنات. 

من الأمثلة على الصور النمطية القائمة على العرق: “ذوو البشرة السوداء جيدون في كرة السلة”، “ذوو البشرة البيضاء لا يستطيعون الرقص”، أو “الآسيويون جيدون في الرياضيات”. 

وفقاً لمقال “الاتجاهات الحالية في العلوم النفسية”، تأتي الأحكام المسبقة من الأشخاص الذين لا يشعرون بالراحة إزاء الغموض لكونهم ميالين إلى التعميمات حول الآخرين. إذ تقلل هذه التعميمات من الغموض في الوقت الذي تسمح فيه أيضاً باتخاذ قرارات أسرع وأكثر ضرراً في كثير من الأحيان. 

التصنيف (Categorizing)

نحن غارقون في فيض من المعلومات حتى نصنّفها على نحو منطقيّ ومنهجيّ وعقلانيّ. لذا فنحن نعتمد غالباً على قدرتنا على وضع الناس والأفكار والأشياء في فئات مختلفة لجعل فهمنا للعالم حولنا أكثر بساطة ويسراً.

يعتقد عالم النفس غوردون ألبورت (Gordon Allport) أنه من أجل فهم العالم من حولنا، من المهم تصنيف المعلومات إلى فئات عقلية، “إن العقل البشري يعمل بمساعدة الفئات”.

أوضح ألبورت في كتابه، ‘طبيعة الأحكام المسبقة‘ أنه “فور تحديد الفئات، فإنها تشكل أساس الأحكام المسبقة الطبيعية. لا يمكن تفادي هذه العملية، الحياة المنتظمة تعتمد على ذلك”. 

تسمح لنا القدرة على تصنيف المعلومات بسرعة بالتفاعل والاستجابة بسرعة، ولكنها تؤدي أيضاً إلى اقتراف الأخطاء.

فعلى سبيل المثال، نميل إلى تقليل الاختلافات بين الناس داخل مجموعات معينة والمبالغة في الاختلافات بين المجموعات ويشار إلى ذلك باسم “التصنيف الاجتماعي”. 

إطلاق الأحكام دون أدلة كافية (Prejudgments)

في إحدى التجارب القديمة، طُلب من المشاركين الحكم على طول الأشخاص الذين تظهر صورهم. قيل لهم أن لكل امرأة ذات طول معين، وكان هناك رجل بنفس الطول. لذلك لم يكن عليهم الاعتماد على جنس الشخص لتحديد الطول.

على الرغم من عرض جائزة نقدية بقيمة 50 دولار لمن أصدر الأحكام الأكثر دقة، فإن المشاركين صنفوا الرجال على أنهم أطول ببضع إنشات من النساء.

وبسبب حكمهم المسبق واعتقادهم الراسخ بأن الرجال أكثر طولاً، لم يتمكن المشاركون من رفض معتقداتهم التصنيفية القائمة والحكم على الأطوال بدقة. 

انحياز تجانس المجموعة الخارجية (Outgroup Homogeneity Bias)

يميل الناس إلى النظر إلى أفراد الجماعات الخارجية على أنهم أكثر تجانساً من أفراد مجموعتهم الخاصة ويشار إلى هذه الظاهرة باسم انحياز تجانس المجموعة الخارجية.

هذا التصور- بأن جميع أعضاء المجموعة الخارجية متشابهون – يفترض فيما إذا كانت المجموعة مرتكزة على أساس العرق، الجنسية، الدين، العمر أو الانتماء إلى مجموعة أخرى.

يُعتبر انحياز تجانس المجموعة الخارجية أحد الأسباب الكامنة وراء إطلاق الأحكام المسبقة.

الأحداث التاريخية

في بعض الأحيان، تتطور الأحكام المسبقة كرد فعل على أحداث التاريخية، مثال على ذلك هو حمل معتقدات سلبية ضد جميع المسلمين نتيجة للهجمات التي وقعت في 11 سبتمبر 2001، المعروف باسم “الإسلاموفوبيا / رهاب الإسلام” الذي لا يزال مؤثراً على المسلمين الأمريكيين اليوم. 

العائلة والأصدقاء والمجموعات الاجتماعية

وجدت دراسة أجريت عام 2018 وشملت أطفالاً تتراوح أعمارهم بين 3 و9 سنوات أنه إذا كان الآباء يحملون أحكاماً مسبقة عرقية خفية. فإن ذلك ينبئ ما إذا كان أطفالهم يحملون ذات الأحكام المسبقة ضمنياً. بغض النظر عن أسلوب التربية.

يشير هذا إلى إن معتقدات الشخصيات الأبوية قد تؤثر في حال تطور الأحكام المسبقة. وقد وجدت دراسة أخرى في عام 2018 نتائجاً مماثلة، ولكن مع الأصدقاء مقابل العائلة.

إذ شملت هذه الدراسة 1009 مراهقاً تراوحت أعمارهم بين 13 و 16 سنة. ووجدت أن موقف أقرانهم يؤثر على مستوى الأحكام المسبقة الفردية للمشاركين. 

تأثير الأحكام المسبقة

قد يؤثر وجود الأحكام المسبقة على العديد من الناس والمجتمعات في العديد من المجالات المختلفة. 

ضعف الصحة

ربطت الدراسات وجود الأحكام المسبقة بالصحة البدنية الضعيفة، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر.

من الأمثلة على الآثار المباشرة: العيش في بيئة غير صحية والوصول المحدود إلى الموارد الصحية نتيجة الأحكام المسبقة. وتشمل الآثار غير المباشرة: الإجهاد المرتبط بتلك الأحكام وتغيير السلوكيات الصحية.

وقد ربطت أجزاء أخرى من البحث الأحكام المسبقة المتصورة مع ضعف الصحة النفسية سواء من حيث الهوية العرقية أو حتى مشاعر الأمل.

الانتماء إلى مجموعة تعاني من أحكام مسبقة حقيقية أو متصورة قد يؤثر على الصحة جسدياً ونفسياً. 

ازدياد التمييز

لا تؤدي القوالب النمطية إلى معتقدات خاطئة فقط، بل إلى التمييز والتأثير سلباً في قدرة الشخص الذي يتعرض للتمييز عند محاولة الحصول على وظيفة وسكن آمن. والأكثر من ذلك، أنه قد يسبب العنف أحياناً. 

تشير الدراسات إلى أن التمييز قد يؤثر سلباً على الصحة أيضاً. ويرجع ذلك إلى أن الشخص الذي يتعرض للتمييز قد يعاني من ظروف معيشية أسوأ وافتقاد الرعاية الصحية الجيدة وزيادة مستويات الإجهاد

وقد توصلت الأبحاث إلى أن التمييز قد يؤثر حتى على صحة الشريك مما يزيد من خطر إصابته بالاكتئاب ويزيد من الضغط ضمن العلاقة. 

التحرش

التحرش هو شكل من أشكال التمييز الذي يحدث غالباً في مكان العمل. وجد استطلاع أُجري عام 2018 أن 59% من النساء و 27% من الرجال تعرضوا للتحرش الجنسي في العمل.

وتشمل أشكال التحرش الأخرى الناتجة عن الأحكام المسبقة التحرش المتعلق بصفات مثل العرق، الجنس، التوجه الجنسي والدين.

الفصل العنصري وانخفاض تعدد الثقافات

نحن نعيش في عالم حيث يمكن للناس في كثير من الأحيان التنقل بحرية معقولة. ووفقاً لإحدى الدراسات، يؤثر مستوى تماهي الأفراد مع بلدهم الأصلي على مستوى تحاملهم ضد الأشخاص الراغبين في الهجرة إلى بلادهم. 

إن كان هناك مستوى عال من التحامل ضد مجموعة مهاجرة معينة. فمن المرجح أن تعكس سياسة الهجرة ذلك متمثلة بزيادة صعوبة هجرة أفراد تلك المجموعة. وقد يؤدي التحامل والتمييز أيضاً إلى الفصل العنصري. 

كيفية الحد من الأحكام المسبقة

بالإضافة إلى النظر في أنواع وأسباب نشوء الأحكام المسبقة، استكشف الباحثون أيضاً طرقاً مختلفة لتقليله أو حتى القضاء عليه.

من الأساليب التي أثبتت نجاحاً كبيراً هي تدريب الناس على إظهار مزيد من التعاطف مع أفراد الجماعات الأخرى.

من خلال محاكاة تجارب الآخرين، يصبح الناس قادرين على التفكير في كيفية استجابتهم واكتساب فهم أكبر لأفعالهم. 

تشمل التقنيات الأخرى التي يمكن استخدامها للحد من الأحكام المسبقة ما يلي:

  • كسب تأييد العامة والوعي بالمعايير الاجتماعية المناهضة للأحكام المسبقة. 
  • زيادة التواصل مع أفراد الفئات الاجتماعية الأخرى. 
  • المساهمة في إدراك الناس للتناقضات في معتقداتهم الخاصة. 
  • إقرار القوانين والأنظمة التي تناشد بالتعامل العادل والمتساوي لجميع الناس.

اقرأ أيضاً: كيف تتشكل المواقف والآراء؟ وما هو دور العامل الوراثي فيها؟

اقرأ أيضاً: العنصرية من وجهة نظر علم النفس وما علاقتها بالصحة النفسية؟

اقرأ أيضاً: الصدمة العرقية، أعراضها، تأثيرها وكيف تتصرف في حال تعرضك لها؟

المصدر: How People Develop Prejudices

تدقيق: هبة محمد
مراجعة: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم
خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

Clear Filters
error: