نظرية الذكاء المرن والذكاء المتبلور واحدة من نظريات الذكاء العديدة في علم النفس، وينطوي الذكاء المرن (Fluid intelligence) على القدرة على التفكير والاستناج بمرونة، بينما يشير الذكاء المتبلور (crystallized intelligence) إلى تراكم المعرفة والحقائق والمهارات المكتسبة طوال الحياة.
طرحت نظرية الذكاء المرن والذكاء المتبلور لأول مرة من قبل عالم النفس رايموند كاتل (Raymond Cattell)، وطورها فيما بعد مع تلميذه جون هورن (John Horn)، وتشير النظرية إلى أن الذكاء يتكون من قدرات مختلفة تتفاعل وتعمل معاً لتشكّل ذكاء فردياً كلياً.
هناك اعتقاد سائد لدى الناس بأن الذكاء يتراجع مع التقدم في العمر، لكن تشير الأبحاث إلى أن الذكـاء المرن يبدأ في الانخفاض بعد المراهقة بالفعل، إلا أن الذكـاء المتبلور يستمر بالازدياد طوال فترة البلوغ.
الذكاء المرن (Fluid Intelligence)
عرّف كاتل الذكاء المرن بأنه: “القدرة على إدراك العلاقات بشكل مستقل عن الممارسات أو التعليمات المحددة السابقة والمتعلقة بهذه العلاقات”.
يتضمن الذكاء المرن القدرة على التفكير والاستناج بشكل مجرد وحل المشكلات أيضاً، وتُعتبر هذه القدرة مستقلة عن التعلم والخبرة والتنشئة.
ينبغي الاعتماد على الذكاء المرن في حل المشكلات الجديدة تماماً عليك، والتي لا يمكنك حلها بالمعرفة التي بين يديك.
بعض أمثلة الذكاء المرن:
- ابتكار استراتيجيات لحل المشكلات.
- تفسير الإحصائيات.
- التفكير الفلسفي.
- حل الألغاز أو المشكلات مجردة.
يميل معدل الذكاء المرن إلى الانخفاض خلال أواخر مرحلة البلوغ، كما تتدهور بعض المهارات المعرفية المرتبطة به مع بلوغ الأشخاص سن الرشد.
الذكاء المتبلور (Crystallized Intelligence)
ينطوي الذكاء المتبلور على المعرفة المكونة من التعلم السابق وتجارب الماضي.
الذكاء المتبلور مبني على الحقائق ومتجذر في التجارب. مع تقدمنا في العمر وتراكم معارف ومفاهيم جديدة، تزداد قوة الذكـاء المتبلور شيئاً فشئياً.
أمثلة عن الذكـاء المتبلور:
- حفظ وتذكر النصوص
- حفظ وتذكر المفردات
- تذكر كيفية القيام بشيء ما
- تذكر التواريخ والمواقع
يزداد الذكـاء المتبلور مع التقدم في العمر بالتوازي مع زيادة التعلم والخبرات المكتسبة.
الاختلافات بين الذكاء المـرن والمتبلـور
الذكـاء المرن:
- يشير إلى القدرات الحالية
- ينطوي على الانفتاح على تعلم أشياء جديدة
- يتناقص مع تقدم العمر
الذكـاء المتبلور:
- يشير إلى التعلم السابق
- ينطوي على استذكار حقائق محددة
- يزداد مع تقدم العمر
يمثل كل من الذكـاء المـرن والذكاء المتبلـور عوامل تكوين ما أشار إليه كاتل بـ الذكاء العام (General Intelligence).
ينطوي الذكـاء المرن على القدرة الحالية على التفكير والتعامل مع المعلومات المعقدة من حولنا، بينما يتضمن الذكاء المتبلور التعلم والمعرفة والمهارات التي يتم اكتسابها على مدار العمر.
بغض النظر عن اسمه، لا يعد الذكاء المتبلـور شكلاً من أشكال الذكاء المـرن الذي أصبح “متبلوراً”، بل إنهما منفصلان ومتميزان عن بعضهما البعض.
مقارنة بين التغيرات التي تحدث في الذكاء المرن والذكاء المتبلور
يتغير كل من الذكاء المرن والمتبلور خلال الحياة مع بلوغ بعض القدرات العقلية ذروتها في مراحل مختلفة.
لطالما شاع الاعتقاد أن الذكاء المرن يصل إلى أوجِهِ في وقت مبكر جداً من الحياة، ولكن تشير الأبحاث المنشورة في عام 2015 إلى أن بعض جوانب الذكاء المرن قد تصل إلى ذروتها في عمر متأخر كالأربعين.
هناك بعض النقاط الواجب تسليط الضوء عليها حول الذكاء المرن والمتبلور:
- يزداد تطور كلا النوعين من الذكاء خلال مرحلة الطفولة والمراهقة.
- يستمر الذكاء المتبلور في النمو طوال فترة البلوغ.
- تصل العديد من جوانب الذكاء المرن إلى ذروتها في مرحلة المراهقة، وتبدأ في الانخفاض تدريجياً بدءاً من سن 30 أو 40 عاماً.
اختبارات الذكاء المـرن والمتبلـور
يُعتقد أن اختبارات الذكاء القياسية (IQ) لا تسجل تماماً مستويات الذكاء المتبلور والمرن للشخص. إليك الاختبارات التي تقيس هذه الأنواع من الذكاء.
اختبارات الذكاء المرن
1- اختبار مصفوفات ريفن المتتابعة (Raven’s Progressive Matrices Test): هو تقييم غير لفظي يُطلب خلاله من الشخص فحص الأشكال المختلفة والاختيار من بينها لإكمال نمط معين.
2- اختبار وود كوك – جونسون للقدرات المعرفية: يقيس المهارات المعرفية والإنجاز، ويعطى غالباً للأطفال لتقييم الدورات الدراسية الأكاديمية المتقدمة.
3- مقياس ويشلر لذكاء الأطفال (Wechsler Intelligence Scale for Children): يقيس المهارات اللفظية والمنطقية والذاكرة. يُعطى بشكل أساسي للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والثالثة عشر.
اختبارات الذكاء المتبلور
1- اختبارات المفردات والمعرفة العامة
2- مقياس ويشلر لذكاء البالغين (WAIS): هو مقياس للقدرات المعرفية المطورة للبالغين، كما يقدّم درجات ذكاء منفصلة لمجالات مختلفة، بدلاً من درجة ذكاء إجمالية.
تحسين الذكاء المرن والمتبلور
أشارت الأبحاث السابقة بخصوص الذكاء إلى أن الناس في الحقيقة ليس لديهم سيطرة كبيرة على ذكائهم، بل كان يُعتقد أن معدل الذكاء لدينا تحدده الجينات إلى حد كبير، وأن برامج التدريب التي تهدف إلى زيادة معدل الذكاء محدودة الفعالية.
على النقيض من ذلك، وجد تحليل لدراسات سابقة نشر عام 2014 أنه من الممكن تحسين الذكاء المرن من خلال تدريب الدماغ. لكن ما اكتشفه الباحثون هو أن التدريب زاد أيضاً من المهارات المعرفية التي ليس لها صلة بالأمر، بما في ذلك القدرة على التفكير وحل المشكلات الجديدة بشكل مستقل تماماً عن المعرفة المكتسبة سابقاً.
باختصار، قد يتمكن الشخص من خلال التدريب من استخراج الأفكار والآراء بنفس سهولة وسرعة استخدام المنطق القائم على المعرفة.
كيفية تحسين الذكـاء المرن
- تحدى نفسك
- امزج روتينك بأشياء جديدة
- فكر بشكل خلّاق وإبداعي
- تواصل مع من حولك بشكل منتظم
كما يمكن تحسين الذكاء المتبلور من خلال التعلم، فكلما تراكمت المعرفة لديك زاد الذكاء المتبلور الذي تمتلكه.
كيفية تحسين الذكـاء المتبلور
- تعلم لغة جديدة
- تعلم مهارة جديدة
- احضر بعض الدروس
- اقرأ بعض كتب
يساعد البحث عن معارف جديدة في بناء ذكائك المتبلور بمرور الوقت، لكن تحدي نفسك بتجارب جديدة يمكن أن يحسن ذكاءك المرن أيضاً.
كيف يعمل الذكاء المرن والذكاء المتبلور معاً؟
يقع كلا النوعين من الذكاء على نفس درجة الأهمية في الحياة اليومية، ولا يطغى أحدهما على الآخر. فمثلاً، عند إجراء اختبار علم النفس، قد تحتاج إلى الاعتماد على الذكاء المرن للتوصل إلى استراتيجية لحل مشكلة إحصائية، بينما يجب عليك أيضاً استخدام الذكاء المتبلور لتذكر الصيغ الدقيقة التي تحتاج إلى استخدامها.
وبالرغم من أن كلاً منهما هو نوع متميز، إلا أن الذكاء المرن والمتبلور متشابكان، إذ يتشكل الذكاء المتبلور من خلال استثمار الذكاء المرن عندما يتم تعلم المعلومات.
باستخدام الذكاء المرن لتحليل والتفكير في المشكلات، يمكن نقل المعلومات إلى ذاكرة طويلة الأمد بحيث يمكن أن تصبح جزءاً من الذكاء المتبلور مستقبلاً.
خلاصة
ينخرط المشاركون في الدراسات عادة في مهام تدريبية مكثفة وصعبة للدماغ خلال فترات زمنية قصيرة نسبياً، وهذا لا يعني أنه لا يمكن تطبيق ذات الأساليب على حياتك الخاصة، فالمبادئ العامة هي نفسها.
ابحث عن تحديات جديدة، لأن زيادة الذكاء لا يأتي من الالتزام بالروتين القديم نفسه، بل عليك الاستمرار في استكشاف وتعلم أشياء جديدة في الحياة مثل لغة جديدة، دروس عزف على البيانو أو زيارة بلد جديد والتعرف على شعبه وثقافته.
كل هذه الأنواع من الأنشطة تحافظ على نشاط العقل واندماجه، كم تحافظ على قدرته على المجابهة، وتركيزه على تعلم أشياء جديدة بطرق جديدة.
اقرأ أيضـاً: نظرية الذكاء المتعدد، ما هي أنواع الذكاء التي حددها العالم هوارد غاردنر؟
اقـرأ أيضاً: الذكاء العام (العامل G)، ما هو وما آلية عمله وتأثيراته؟
اقرأ أيضـاً: الذكاء العاطفي، تعريفه، مكوناته، أهميته وكيف تقوم بتحسينه؟
المصدر: Fluid vs. Crystallized Intelligence
تدقيق: أماني عباس
تحرير: جعفر ملحم