يهدف العلاج الموجه بالبصيرة (Insight-Oriented Therapy) إلى مساعدة المرضى على فهم كيف يمكن أن تؤثر تجارب الماضي على سلوكهم الحالي. على الرغم من أن له أشكالاً عدة، إلا أن هناك عناصر مشتركة بينها مثل مفهوم الصراعات الداخلية اللاواعية (الباطنية) والتي تنبع من تجارب الحياة المبكرة.
يمكن أن تسبب هذه الصراعات العالقة مشاكل في مرحلة البلوغ نظراً لكونها مخفية عن الإدراك الواعي. تشكل الأعراض التالية كالقلق، الانفعال، انخفاض تقدير الذات، الحزن، الاكتئاب، الألم الجسدي، الصعوبات الجنسية، العزلة، صعوبات العلاقات والمشقة في التكيف مع التغيير علامات تدل على أن مشكلات المريض ناجمة عن صراع داخلي أكثر من الظروف السيئة أو غيرها من العوامل الخارجية.
ما هو دور المعالج في العلاج الموجه بالبصيرة؟
يتمثل دور المعالج في مساعدة المريض على فهم كيف يمكن أن تكون المشاكل التي يواجهها في حياته الآن مرتبطة مع هذا الصراع الداخلي، من خلال استكشاف تجاربه السابقة وتحديد أنماط أو مواضيع معينة أحياناً. يمكن أن تتسم هذه العملية بالسرعة، تحدث خلال أيام أو أشهر، أو بالمدة الطويلة وذلك بناء على إرادة المريض لاستكشاف عواطفه وذكرياته.
يمكن أن يكون الشعور بعدم الراحة شائعاً خلال جلسات العلاج نظراً لأن الأشياء التي يتم الغوص بها قد تحرض المشاعر السلبية. وعندما تبرز البصيرة (الرؤية الواضحة)، يبرز معها فهم متزايد لسلوك الفرد الخاص. ومع اكتساب المرضى فهماً حول أنفسهم، يكونون أيضاً في وضع أفضل لتغيير السلوكيات غير المنظمة التي أدت إلى الصعوبات التي يواجهونها.
يعد العلاج المـوجه بالبصيرة أحد أنواع العلاج النفسي الديناميكي، والذي يعني أنه يركز على العوامل النفسية التي تؤثر على السلوك. كان هذا النهج العلاجي موجوداً منذ أكثر من 100 عام وقد أظهر فعالية في علاج حالات صحية نفسية عدة.
تقنيات العلاج الموجه بالبصيرة
تتضمن بعض التقنيات المستخدمة في العـلاج الموجه بالبصيرة ما يلي:
الارتباط الحر: في هذه التقنية يتم تشجيع المريض على قول أي شيء يخطر في ذهنه، دون رقابة، ما يتيح للمعالج فرصة اكتساب فهم أفضل لأفكار ومشاعر المريض.
تفسير أو تأويل الأحلام: يمكن أن تقدم الأحلام نظرة ثاقبة إلى داخل الصراعات الباطنية والذكريات التي قد تؤثر على سلوكيات الحاضر. يمكن أن يشجع المعالج المريض على الحديث عن أحلامه وحتى رسمها، ما يسمح له بتفسير ما يمكن أن تعني تلك الأحلام.
استكشاف الماضي: سوف يدفع المعالج المريض نحو الحديث عن طفولته وأية تجارب صادمة يمكن أن تكون قد جرت معه، ما يساعد في تحديد الأنماط والمواضيع التي يمكن أن تؤثر على السلوك في مرحلة البلوغ.
تفسير وشرح الأعراض: يمكن أن تشكل الأعراض تلميحات وإشارات دالة على الأسباب الكامنة وراء المشكلات. يعمل المعالج مع المريض لشرح هذه الأعراض وفهم كيف يمكن أن ترتبط مع الصراعات العالقة من الماضي.
استخدام الاستعارات (التعابير المجازية): يمكن أن تكون الاستعارات مفيدة في إيصال أفكار معقدة بطريقة يسهل على المريض فهمها بشكل أفضل. يمكن أن يستخدم المعالج الاستعارات للمساعدة في شرح وتفسير كيف ترتبط سلوكيات معينة بالصراعات الداخلية.
المواجهة: في بعض الحالات، يتوجب على المعالج مواجهة المريض بسلوكيات أو معتقدات معينة. يعد هذا الأمر حقيقياً بشكل خاص عندما يشترك المريض أو ينخرط في سلوكيات مدمرة مثل تعاطي المواد المخدرة. سيحاول المعالج مساعدة المريض في فهم سبب شعوره بالحاجة إلى الانخراط في هذا السلوك وتشجيعه على إيجاد سبل أكثر صحة للتأقلم مع المشاعر والمواقف الصعبة.
ـ التثقيف النفسي: يساعد العلاج المـوجه بالبصيرة المرضى على اكتساب فكرة ورؤيا أعمق إزاء عواطفهم ودوافعهم الخاصة. لكن، مجرد الحصول على تلك الرؤيا لا يعني بالضرورة أنها ستؤول إلى تغييرات إيجابية في السلوك. يمكن أن يكون التثقيف النفسي أحد الأوجه المهمة من العلاج نظراً لأنه يوفر أساساً للتغيير الإيجابي في السلوك. يستفيد المرضى من تعلم كيف تؤثر الأفكار على المشاعر وطريقة دفع الأفكار اللاواعية والحالات العاطفية للتصرفات والأفعال.
المشاكل التي يمكن أن يساعد العلاج الموجه بالبصيرة في علاجها
يمكن أن يكون العلاج المـوجه بالبصيرة مفيداً لنطاق واسع من الحالات الصحية النفسية بما فيها:
القلق والاكتئاب
يعاني الأشخاص المصابون بالقلق أو الاكتئاب من مشاعر عدم الكفاءة والتي يمكن أن تنجم عن مشاكل في المراحل المبكرة من حياتهم. يمكن أن يساعد العلاج المـوجه بالبصيرة المرضى على استكشاف هذه المشكلات واكتساب رؤيا أعمق إزاء الطريقة التي وصلوا بها إلى درجة الاعتقاد بمثل هذه الأشياء السلبية عن ذاتهم.
اضطرابات الأكل
في بعض الأوقات، ترتبط اضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية العصبي مع الرغبة في السيطرة. يمكن أن يصل المشاركون في هذا العلاج إلى مرحلة فهم سبب شعورهم بالحاجة إلى مثل هذه السيطرة الصارمة على عاداتهم في الأكل وكيف يرتبط ذلك مع صراعات الماضي. ويمكن أن يساعد العلاج الموجه بالبصيرة المرضى على تطوير طرق صحية للتأقلم مع هذه المشاعر.
تعاطي المواد المخدرة
يمكن أن يكون العلاج الموجه بالبصيرة مفيداً لأولئك الذين يرغبون في التخلص من الإدمان، إذ يفهم المرضى الدوافع وراء تعاطي المواد المخدرة ويمكن للمعالج أن يعمل معهم للتوصل إلى بدائل صحية للتعامل مع العواطف الصعبة.
اضطراب ما بعد الصدمة
يمكن أن يكون العلاج الموجه بالبصيرة مفيداً للأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة. نظراً لأنه يساعد في تحديد الأسباب الكامنة وراء الأعراض ويوجه نحو تطوير طرق أكثر صحة للتأقلم مع المنبهات والمثيرات.
الذهان
بعد علاج الذهان الحاد، يمكن أن يكون العلاج الموجه بالبصيرة مفيداً للأشخاص المناسبين لهذا النوع من العلاج. إذ يوفر لهم فرصة اكتساب رؤية ثاقبة حول ما يمكن أن يثير النوبات وكيف يمكنهم الانسجام والتعامل مع هذه المشاكل.
فوائد العلاج الموجه بالبصيرة
يمكن أن يكون العلاج الموجه بالبصيرة شكلاً مفيداً من أشكال العلاج للأشخاص الراغبين باستكشاف أفكارهم ومشاعرهم بعمق. إضافةً إلى مساعدة الأشخاص على فهم سبب شعورهم بهذه الطريقة، وتحديد أنماط السلوك غير الصحية، وإيجاد سبل أكثر صحة للتأقلم مع المشاعر الصعبة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد العلاج الموجه بالبصيرة الناس على تطوير فهم أفضل حول أنفسهم ومكانهم في هذا العالم. إذ يؤدي الوعي الذاتي المتزايد إلى تغييرات إيجابية في العلاقات الشخصية والمهنية على حد سواء.
فعالية العلاج الموجه بالبصيرة
في حين لا توجد أبحاث وفيرة تتناول العلاج الموجه بالبصيرة. إلا أن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن دمج البصيرة في العلاج يعد عاملاً مهماً في التغيير.
على سبيل المثال، عام 2018 أظهرت مراجعة منهجية وتحليل تلوي يستقصيان العلاقة بين البصيرة ونتائج العلاج النفسي أهمية البصيرة خلال العملية العلاجية.
أشياء يجب أخذها في الاعتبار
يمكن أن يكون العلاج الموجه بالبصيرة أداة قوية لاستكشاف الذات، إلا أنه ليس العلاج الصحيح للجميع. هناك بعض الأمور التي يجب أخذها في الحسبان قبل البدء بهذا النوع من العلاج.
هـل ترغب في الاستكشاف العميق لأفكارك ومشاعرك؟ إذا لم تكن مستعداً للغوص في الأسباب الجذرية للمشاكل التي تواجهك، يمكن ألا يكون العلاج الموجه بالبصيرة الحل المناسب لك. إذ يتطلب هذا النوع مقداراً هائلاً من الاستبطان والإرادة لمواجهة الحقائق الصعبة عن نفسك.
هل من الآمن بالنسبة لك مناقشة المواضيع الحساسة مع معالجك؟ حتى يكون العلاج الموجه بالبصيرة فعالاً، من الضروري أن يشعر المريض بالأمان في مناقشة أفكاره ومشاعره مع المعالج النفسي الخاص به. إذا كنت تشعر بعدم الارتياح إزاء مناقشة أي موضوع، من الضروري الحديث عن ذلك مع المعالج.
هـل أنت مستعد لإجراء تغييرات على سلوكك؟ حتى يكون العلاج الموجه بالبصيرة ناجحاً، من الضروري أحياناً أن يقوم المرضى بتغيير سلوكهم. إذا كنت غير راغب أو قادر على القيام بهذه التغييرات، فلن يكون العلاج فعالاً.
هل ستلتزم بحضور الجلسات بشكل منتظم؟ من أجل أن يكون العلاج الموجه بالبصيرة فعالاً، من المهم أن يحضر المرضى جلسات العلاج المنتظمة. إذا كنت غير قادر على الالتزام بجدول منتظم، فهذا العلاج ليس مناسباً لك.
كيف تبدأ العلاج الموجه بالبصيرة؟
إذا كنت تتساءل عن كيفية البدء بهذا العلاج، إليك بعض النصائح المفيدة.
اسأل معالجك الخاص إذا كان العلاج الموجه بالبصيرة مناسباً لك. من المهم مناقشة فيما إذا كان هذا العلاج هو الملائم أم لا. إذا كنت تعتقد أنه مفيد، أخبر المعالج بذلك.
اسأل المعالج حول مدى تدريبه وخبرته في هذا النهج، في سبيل ضمان العمل مع معالج مؤهل، اسأل عن مستوى تدريبه وخبرته في العلاج الموجه بالبصيرة.
البحث أكثر عن هذا العلاج: خذ الوقت الكافي في التعلم قدر الإمكان حول هذا النهج قبل البدء بالعلاج.
خلاصة
إذا كنت تفكر في الحصول على العلاج، من المهم أن تأخذ بالاعتبار أي نهج يمكن أن يكون الأكثر ملاءمة لك. ليس الجميع مناسباً لهذا النوع من العلاج. بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن تسأل معالجك عن خبرته به لضمان أنك تعمل مع معالج مهني ومؤهَّل.
إذا كنت قادراً على الالتزام بحضور الجلسات المنتظمة وتمتلك الإرادة لتغيير سلوكك، فربما يكون العلاج الموجه بالبصيرة هو العلاج الصائب.
اقرأ أيضاً: العلاج المستنير بالصدمة، تقنياته، فوائده وفعاليته
المصدر: ?What Is Insight-Oriented Therapy
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم