يمكن أن تتلخص الدراسة النفسية للعنصرية بكلمة واحدة: متغيرة. كيف تغير تفكير المجتمع حيال العرق والعنصرية وتغير معه الخطاب النفسي أيضاً. يستعرض المقال تاريخ العنصرية والتمييز العنصري والتفسيرات المحتملة للعنصرية في علم النفس.
كان الكثير من الأمريكيين راضين عن أنفسهم مع دخولهم عام 2020 وخاصة ذوي البشرة البيضاء. مع ظهور وباء كورونا، بدأ هذا الرضا يخبو وحل محله الخوف والشعور بعدم الاستقرار.
عندما قتل جورج فلويد على يد الشرطة في الخامس والعشرين من أيار عام 2020 توجهت الأنظار قليلاً إلى الحقيقة المرة بأن معظم ” السود، السكان الأصليون والملونون / BIPOC” الأمريكيون يعرفون مسبقاً أن العنصرية لا تزال حية ونشطة في أمريكا.
رافق هذا التوجه البسيط تجدد الاهتمام في فهم العنصرية (التمييز العنصري). لذا يناقش هذا المقال علم نفس العنصرية، بما فيه وجهات النظر عبر التاريخ بالإضافة إلى الآراء المعاصرة إزاء الطبيعة المنهجية والفردية للعنصرية.
تاريخ العنصرية النفسي
لطالما ركز علم نفس العنصرية عبر التاريخ على سيكولوجية الفرد؛ كيف تدفع المعتقدات والسلوكيات الفردية العنصرية (المقاربة النفسية الاجتماعية). لكن قيدت رؤية العنصرية من هذا المنظور وحده حدودٌ شديدة.
اليوم، يستخدم بعض الباحثين في علم النفس المقاربة الثقافية الاجتماعية ويدافعون عنها، والتي تنظر إلى العنصرية على أنها أفكار وممارسات راسخة في الثقافة وتكوّن جزءاً لا يتجزأ منها. إذ يشكل الأفراد الثقافة وتشكل الثقافة الأفراد.
النظريات الأولى حول العنصرية في علم النفس
بررت النظريات النفسية الأولى المتعلقة بالعنصرية هيمنة عرق واحد على الآخر وذلك نتيجة مفهوم تشارلز داروين (Charles Darwin) بأن البقاء للأمثل (Survival of The Fittest)، إذ افترض أن هناك بعض الإيجابيات لأن يكون الفرد عنصري لها علاقة بالبقاء.
لكن، لم تنبذ قبائل الصيد وجمع الطعام المجموعات الخارجية (الأشخاص غير المنتمين لمجموعة معينة)، وبالتالي تم رفض هذه النظرية الإشكالية.
فيما بعد، افترض علم نفس العرق أن هناك اختلافات دماغية بين الأعراق وأن اختبارات الذكاء والفصل العنصري كانت الجواب.
لاحقاً وفي عام 1954، جادل عالم النفس الأمريكي جوردون ألبورت (Gordon Allport) في كتابه ” طبيعة الأحكام المسبقة/ The Nature of Prejudice” بأن الناس يستخدمون التصنيف لفهم عالمهم بشكل أفضل وبأن العنصرية ببساطة كانت أداة في تلك العملية.
أياً كان تاريخ علم نفس العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن التاريخ الحقيقي لها هو أن ذوي البشرة البيضاء كانوا ولا يزالون يحصلون على امتيازات في المجتمع بسبب نظام بني لمصلحتهم. العنصرية (التمييز العنصري) أمر واقع بغض النظر عن إدراك ذوي البشرة له أو تقبله.
بإيجاز، كانت التفسيرات الأولى للعنصرية عنصرية بالفطرة أحياناً. لا تركز وجهات النظر المعاصرة على الأفعال الفردية للعنصرية ببساطة. بل تنظر أيضاً إلى كيفية تكريس العنصرية على المستويين الاجتماعي والثقافي.
الأحكام المسبقة مقابل العنصرية في علم النفس
يسيء الكثير من الناس فهم تعريف العنصرية والأحكام المسبقة ويخلطون بينهما. بالرغم من ارتباطهما ببعضهما البعض إلا أنهما مختلفان.
الأحكام المسبقة (Prejudice)
الأحكام المسبقة هي انطباع أو موقف سلبي تجاه أعضاء مجموعة بناء على خصائص مشتركة بينهم مثل العرق، الإثنية، الجنس، الميول الجنسية، العمر، الدين، اللغة، الطبقة أو الثقافة.
يكتسب الفرد عادة المعتقدات القائمة على الأحكام المسبقة مبكراً في حياته ويمكن أن تؤثر على السلوك بطرق خفية وعلنية. على سبيل المثال، قد يعتقد أستاذ ما أن الفتيات لا يجدن الرياضيات؛ ما قد يؤثر فيما بعد على سلوكه مع تلاميذه سواء بوعي أو دون وعي.
العنصرية (Racism)
في المقابل، فإن العنصرية موجهة نحو جماعة عرقية معينة وتستند إلى نظم من القوة والقمع. يُنظر إلى العنصرية أحياناً بأنها مشكلة مع الأحكام المسبقة العنصرية للفرد، لكن من المهم إدراك أنها متعددة الأوجه ومنهجية.
يشيع التفكير بتفسيرات العنصرية من حيث تصرفات وأيديولوجيات الفرد العلنية (الفهم الاجتماعي النفسي). إلا أنها موجودة أيضاً ضمن الأنظمة، المؤسسات، والثقافات (الفهم الثقافي النفسي). بهذه الطريقة، فإن العنصرية جزء لا يتجزأ من واقع الحياة اليومية.
وبما أن التمييز العنصري هو جزء من الحياة اليومية، الأنماط الثقافية والقصص التاريخية، فمن الصعب أحياناً على الناس رؤية كيف تحرض الأفكار المألوفة والعادية وجهات النظر والسلوكيات ذات الطابع العنصري.
لا يتمحور التمييز العنصري فقط حول إظهار الأفراد الأفكار المسبقة العرقية أو الانخراط في أفعال مباشرة تنم عن التمييز العرقي.
إذ تكون أحياناً أقل وضوحاً وأكثر مكراً، وتؤثر على المؤسسات مثل نظام العدالة، حيث يواجه المتهمون ذوو البشرة السوداء أحكاماً أقسى مقارنة بالمتهمين البيض بنفس الجريمة على سبيل المثال.
” قد يشير تزايد التعبيرات العلنية عن التحيز العرقي أن الأحكام المسبقة العنصرية (وبالتالي العنصرية) أقل تطرفاً في أمريكا المعاصرة. لكن يبين العديد من علماء النفس أن التحيز العرقي قد دفن لكنه نما وازدهر بأشكال أكثر مكراً؛ مُقدمين أدلة دامغة على ذلك.”
في حين أن أغلب التصرفات الفردية الصارخة والتي تنم عن العنصرية لم تعد مقبولة في ” الاتجاه السائد” في المجتمع الأمريكي المعاصر. إلا أن فهم مجتمعنا لماهية العنصرية يستمر في التطور والتغيّر.
في الحقيقة، فإن مؤسساتنا ليست بعيدة جداً عن سنوات الاستعمار والعبودية والفصل العنصري، ولا يزال تجاهل العنصرية أو التغاضي عنها قائماً أو حتى دعمها بشكل نشط في العديد من جوانب الحياة الأمريكية.
بإيجاز، في سبيل فهم أفضل لآلية عمل العنصرية، من المهم النظر إلى ما هو أبعد من سيكولوجية الفرد أي إلى الممارسات المنهجية والثقافية التي تستمر في دعم العنصرية.
الأدوات الثقافية التي تساهم في استدامة العنصرية
لا يزال عدم الارتياح الثقافي السائد في أمريكا إزاء العرق والعنصرية يؤدى إلى نشوء معتقدات مؤذية ومشاعر تحرض تجاهل العنصرية وتدعم الوضع الراهن الذي يتسم بالعنصرية.
ربما سمعت أحدهم يقول أنه مصاب بـ “عمى الألوان” (لا يرى الألوان) أي الكل عنده سواسية بغض النظر عن اللون، أو أن ” العرق غير مهم” وربما قلت أنت شيئاً بهذا المعنى.
على الرغم من أن هذه الأفكار يروج لها أحياناً على أنها شاملة وغير حصرية، إلا أنها تغلق فعلياً الباب أمام نقاشات وحوارات مهمة تتناول العرق وتنكر حقيقة أن العنصرية موجودة ليس فقط على المستوى الفردي بل كمشكلة ممنهجة. ذلك يشابه رد الفعل على حركة “حياة السود مهمة” بـ حركة ” حياة الجميع مهمة”.
يعد إنكار أهمية العرق أداة تسمح للمجموعة العرقية المهيمنة أو السائدة أن تضفي شرعية على العنصرية تحت غطاء الجدارة الفردية.
من هذا المنظور، يمكن أن ينسب من يتبوؤون السلطة نجاحاتهم لعملهم بجد بينما توضع الفئات العرقية المضطهدة وجهاً لوجه مع إخفاقات شخصية وليست منهجية.
أدى الاستمرار في دعم هذه الرواية الأمريكية إلى التعمية عن واقع النظم الأمريكية العنصرية. على سبيل المثال، أظهرت الأبحاث دون أدنى شك أن الأمريكيين ذوي البشرة السوداء يعانون من تفاوتات في الدخل، التوظيف، التعليم والصحة.
لكن بينت الأبحاث أن الأمريكيين ذوي البشرة السوداء لا يزالون يميلون إلى أن يكونوا أقل إدراكاً لهذه الحقائق العنصرية مقارنة بالأشخاص الذين يشكلون جزءاً من مجموعات الأقليات العرقية.
تجاهل العنصرية (التمييز العنصري) لا يلغيها يل يديمها عوضاً عن ذلك، ويسد الطريق بشكل كبير أمام احتمال المضي إلى الأمام من خلال الحد من الحوارات المهمة التي تتناول المشكلات والحلول الممكنة.
تفسيرات وجود العنصرية
مع تزايد الاهتمام بالعنصرية الراسخة في مجتمعنا، يسعى المزيد من الناس إلى إيجاد تفسيرات لها. هل هو مفهوم البقاء للأمثل، أو آلية الدفاع النفسية لمساعدة الناس على التماهي مع مجموعة رئيسية وبالتالي الشعور بأمان أكثر؟
فيما يلي قائمة بالتفسيرات النفسية المحتملة لوجود العنصرية.
انعدام الأمان الشخصي من تفسيرت العنصرية المحتملة
صحيح أن أولئك الذين يفتقرون إلى الهوية ويصارعون مع انعدام الأمان قد يسعون إلى أن يكونوا أعضاء في المجموعة.
بالتالي، وبعد العثور على تلك المجموعة، يمكن أن يبدأ أعضاؤها بإقصاء الأعضاء غير المنتمين لها. في بعض الأوقات، ينشأ العداء تجاه هؤلاء الأشخاص المستبعدين.
في عصبة أو مجموعة ما، يميل الناس إلى التفكير والتصرف بشكل يشبه أولئك الذين أحاطوا أنفسهم بهم، وتصبح مهاجمة الآخرين أكثر سهولة عندما يوجد الفرد بين أشخاص يشاركونه وجهة نظره.
تظهر العنصـرية عندما تتشكل المجموعة على أساس خصائص مثل العرق، و يعززها اعتقاد الاستعلاء والفوقية، وتدعمها أنظمة القمع.
الافتقار إلى التعاطف أحد تفسيرات العنصرية
يؤدي إقصاء الآخرين في نهاية المطاف إلى انخفاض التعاطف مع أولئك المنبوذين، إذ يظهر الناس التعاطف والرحمة فقط تجاه أولئك الذين يرتبطون بهم دائماً.
على سبيل المثال، خذ بالاعتبار أن فقرة تلفزيونية تطلب من المشاهدين التبرع لصالح قضايا تدعم الأمن الغذائي للعائلات في أفريقيا.
يمكن أن يكون التغاضي عن هذا الأمر سهلاً بالنسبة لأولئك الذين لا يرتبطون بالمجموعة أو الثقافة المحتاجة. قد يكون هذا التغاضي عنصـرية علنية وسافرة، إلا أنها تبدأ بافتقار التعاطف.
إسقاط العيوب
عندما يشعر الناس بالسوء حيال أنفسهم أو يدركون نقائصهم، قد يسقطون كراهية الذات هذه على الآخرين بدلاً من التعامل مع الأمر ومحاولة الإصلاح. يمكن أن تصبح المجموعات المنبوذة كبش فداء بسهولة لأولئك الذين يتجاهلون عيوبهم الشخصية.
ضعف الصحة النفسية أحد تفسيرات العنصرية
هل يعتبر التمييز العنصري علامة على ضعف الصحة النفسية؟ ليس بالضرورة، إلا أنه يمكن أن يكون كذلك. على سبيل المثال، اضطراب الشخصية الارتيابية والنرجسية هما اضطرابا صحة نفسية يتميزان جزئياً بالشعور بانعدام الأمان.
الأمر الذي يمكن أن يجعل الفرد أكثر عرضة للمعتقدات العنـصرية أو الانخراط في سلوكيات عنـصرية، لكن من المهم إدراك أن المعتقدات والتصرفات العنصـرية ليست محدودة بالتأكيد بالأشخاص المصابين باضطرابات نفسية.
الكراهية والخوف
تنبع الكراهية المفرطة غالباً من الخوف؛ قد يشعر الناس بالتهديد ممن يعتبرونهم ” مختلفين ” و “غرباء”، ويخافون أن يفقدوا السيطرة والقوة.
يمكن أن يسعى بعض الناس إلى الحصول على الدعم الاجتماعي من الآخرين الذين يشاركونهم الخوف ذاته في سبيل مواجهته ومحاربته، ما يؤدي إلى ديمومة حلقة الخوف والكراهية هذه.
بإيجاز، لا تعد العنصـرية مرضاً نفسياً، إلا أنها بالتأكيد مرتبطة بالتكيف النفسي. قد تساهم عوامل مثل انعدام الأمان الشخصي، الافتقار للتعاطف والإسقاط في نشوء العنصـرية.
العوامل المساهمة في العنصرية
عام 2020، نُشرت ورقة بحثية في مجلة ” American Psychologist” ناقش فيها عالما النفس ستيفين أوه روبرتس (Steven O. Roberts) ومايكل تي. ريزو (Michael T. Rizzo) العوامل التي تقود إلى العنصـرية.
هدف مؤلفو هذا البحث إلى تقديم نظرة عامة على عدد من العوامل الرئيسية التي افتُرض نظرياً أنها تساهم في نشوء العنصـرية في أمريكا. فيما يلي استعراض لتلك العوامل:
التصنيف إلى فئات
يتعلم البشر في عمر مبكر تصنيف الناس إلى فئات تبعاً للعرق. اعتقد روبرتس وريزو أن التصنيف إلى فئات عرقية ليس أمراً فطرياً بل يغدو واضحاً وملموساً فيما بعد لأن ” القانون الفيدرالي يعاقب عليه، ويتم توظيفه بسهولة من قبل الأفراد ولأنه يخبر الناس مباشرة أية فئة عرقية يشكلون”.
يمكن أن يدعم التصنيف الفئوي الاعتقاد بأن أعضاء تلك الفئات يتشاركون ذات الهوية، ما يعزز النمطية. لاحقاً، يقود هذا التصنيف ومفهوم الهوية المشتركة إلى التقسيم الطائفي.
الطوائف
يقود التصنيف الفئوي إلى التقسيم حسب الطوائف، حيث يتم إسناد الناس إلى مجموعات عرقية ويبدؤون بالتماهي بقوة مع تلك المجموعات.
يقود كل من التصور الإيجابي للمجموعة التي أُسندوا إليها والرغبة في إظهار التعاون، الولاء والتعاطف تجاه المجموعة إلى السلوك لصالح المجموعة؛ حتى وإن اقتضى الأمر إلحاق الضرر بالمجموعات الأخرى.
يبدأ أعضاء المجموعة بإظهار ما هو أبعد من الولاء لمجموعتهم الخاصة وهو العداء تجاه المجموعات الأخرى كنتيجة للمنافسة أو التهديدات الحقيقية أو المتصورة لصورة الذات، القيم ومصادر هذه المجموعة.
التفرقة والفصل القائم على العرق
تؤثر التفرقة والفصل عن المجموعات العرقية الأخرى على المواقف والمشاعر إزاء العرق بشكل كبير، إذ يميل الافتقار إلى التواصل مع المجموعات العرقية الأخرى إلى ضيق أفق معتقدات الفرد وآرائه عن الآخرين وجعلها أكثر قساوة، ويقلل فرص مواجهة المعتقدات السلبية وتحديها.
هذا ما يجعل من التفرقة والفصل القائم على العرق في وقت مبكر من الحياة يؤثر على نشوء المواقف العنصـرية.
التراتبية (التسلسل الهرمي)
يقسّم نظام التسلسل الهرمي السلطة، الثروة والتأثير بشكل غير عادل بين المجموعات. ويتم تعزيز هذا التسلسل بشكل أكثر من خلال المعتقدات التي تنسب القوة والمكانة لخصائص فردية بدلاً من التأثيرات المنهجية.
ما يؤدي في نهاية المطاف إلى إيمان المجموعة المهيمنة بأنها نادرة، وتتفوق على المجموعات غير السائدة.
السلطة
تمنح السلطة والقوة المجموعات القدرة على بناء المجتمع الذي يعمل لصالحهم، وتسمح لهم بخلق ما يعتبر معايير مقبولة ثقافياً؛ إذ يتحكمون بالموارد ويُسمح لهم استغلال الآخرين وفرض الهيمنة.
عندما يتم توزيع السلطة على التقسيمات العرقية كافة، فذلك يؤدي إلى توزع المزايا والمصالح أيضاً.
الإعلام
تلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في استمرار العنصـرية. فمن ناحية، يكون هناك تمثيل واحد فقط ببساطة (أو عدمه).
عندما يصور الإعلام بشكل متواصل طاقماً من الممثلين البيض على أغلفة المجلات وفي البرامج التلفزيونية والأفلام، فإن ذلك يجعل ثقافة ذوي البشرة البيضاء هي الثقافة ” المهيمنة” أو ” الطبيعية”.
من ناحية أخرى، هناك الطريقة التي تعرض بها وسائل الإعلام وتصور المجموعات العرقية. فعندما تعزز النمطية العرقية في أساليب العرض والتمثيل للمجموعات العرقية المختلفة، فهي تعزز أيضاً التحيز العرقي الفردي والنظم التي تساهم في ديمومة العـنصرية المؤسساتية.
السلبية
العامل الأخير وربما الأهم الذي شرحه كل من روبرتس وريزو هو العنـصرية السلبية التي تنشأ عن التجاهل، اللامبالاة أو الإنكار.
عندما تكون العنصرية منهجية و متأصلة في البنى الاجتماعية، فإن كل ما يقتضي بقاءها هو التقاعس (عدم فعل أي شيء)، إذ لا يحتاج الناس أن يكونوا عنصريين نشطين في اعتقاداتهم وتصرفاتهم حتى يدعموا النظم العنصرية، لا يحتاجون ببساطة أن يفعلوا شيئاً لتغيير هذه النظم.
بإيجاز، تشير الأبحاث إلى أن العديد من العوامل تساهم في التمييز العنصري على المستويين الفردي والمنهجي.
تشمل هذه العوامل التصنيف، الطوائف التي تضع الناس في مواجهة بعضهم البعض، التراتبيات الاجتماعية، السلطة وتأثيرات وسائل الإعلام.
مكافحة العنصرية وتعزيز مناهضة العنصرية
عندما تواجه حجم العنـصرية الكبير في العديد من البلدان، فمن السهل أن تشعر بالعجز أمامه. لكن هناك بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها على المستوى الفردي للتأثير على العنصـرية الشخصية والمنهجية على حد سواء.
فيما يلي بعض الطرق التي يمكن من خلالها مكافحة العنـصرية على المستوى الفردي:
- بناء نظام قائم على المساواة تشترك فيه المجتمعات كافة بشكل عادل.
- الانتباه المباشر إلى مشكلة التمييز العنصري بدلاً من إخفائها أو التظاهر بعدم وجودها.
- عندما تواجه موقفاً عنصرياً، تحدّاه وأسأل الناس عن سبب تفكيرهم بهذه الطريقة وشجعهم على أخذ البدائل بالاعتبار.
- تذكُّر أن التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها والتحلي بالصبر إذا كان التقدم باتجاهه بطيئاً، فحتى التغييرات الصغيرة بإمكانها أن تؤدي إلى نتائج كبيرة عندما يكون الفعل مستمراً ومتسقاً.
- تعليم الأطفال الاندماج والتعاطف مبكراً حتى يكونوا قادرين على تحديد العنصرية ومواجهتها عند البلوغ.
- إجراء بحوث نفسية تتناول كيفية تغيير المعايير الاجتماعية وأفضل الطرق لتطبيق النظم التي تؤدي بالنتيجة إلى تغيير مواقف الناس في المجموعة السائدة (المهيمنة) بحيث تتأثر النظم أيضاً بهذا الاتجاه.
- تصميم مناهج تعليمية تتناول تاريخ العنصرية وتعلم التلاميذ كيفية إدراك التحيزات الموروثة لديهم.
- التواصل في ظروف مواتية مع مجموعات أخرى، والعمل نحو تحقيق أهداف مشتركة مع أشخاص من أعراق مختلفة.
- السعي باتجاه تكوين صداقات بين الأعراق وتعزيزها بحيث يستطيع أعضاء المجموعات رؤية بعضهم كأفراد بدلاً من اعتبارهم مجرد جزء من الطائفة أو العرق.
بإيجاز، مكافحة العنصرية أبعد من مجرد أن تكون شخصاً “غير عنصري” والتي تعادل أحياناً العنصـرية السلبية؛ تعلُّم كيف يكون الفرد مناهضاً نشطاً للعنـصرية هو أمر أساسي.
على سبيل المثال، أظهرت الأبحاث أن اتباع نهج أكثر مباشرة ومناهضة للعنصـرية في تعليم الأطفال عن تاريخ العنصرية له التأثير الأكبر على فهمهم للأثر الحقيقي لها.
خلاصة
تم حصر العنصرية لزمن طويل بالماضي فقط أو اختزالها إلى معتقدات وأفعال فردية عبر التاريخ. نتيجة ذلك، تم التغاضي عن العنصرية المنهجية والمؤسساتية المستمرة في الكثير من البلدان والسماح لها بالدوام والتقدم.
إلا أن النهج والمقاربات الثقافية النفسية لفهم تاريخ العنصرية تحدّت هذه الأفكار. فالعنصـرية، في كثير من الأساليب، هي ظاهرة ثقافية أكثر من كونها ظاهرة فردية نفسية. يعني هذا أنك لا تحتاج إلى أن تكون عنصرياً حتى تدعم النظم العنصرية وتؤيّدها.
كل منا يحمل مسؤولية شخصية فيما يتعلق بتحدي العنصـرية على المستوى الفردي، إلا أنه ينبغي لنا أن نمعن النظر في البنى الثقافية التي تساهم في استدامة التحيز الفردي والظلم الذي تسببه العنصـرية.
اقرأ أيضاً: أزمة الهوية، هل تشعر بالضياع؟ ماذا يمكن أن تفعل؟
اقـرأ أيضاً: نظرية الهوية الاجتماعية وتأثيرها على السلوك
اقرأ أيضاً: مراحل تغيير السلوك الستة، كيف تبدأ بتغيير سلوكك؟
المصدر: The Psychology of Racism
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم