يمكن أن يؤدي تناول المشروبات الكحولية إلى إثارة القلق أو تفاقمه. هناك العديد من الدراسات التي تناولت العلاقة بين الكحول والقلق إذا كنت تعاني أنت أو أي شخص تحبه من القلق الناجم عن الكحول، فإن هناك عدة طرق للتعامل معه سنوضحها لك في هذا المقال.
ربما يجعلنا المجتمع نعتقد أنه لا توجد طريقة للاسترخاء بعد يوم طويل أفضل من شرب كأس من النبيذ أو البيرة الباردة أو احتساء المشروب الكحولي المفضل لديك. لكن محاولة الاسترخاء من خلال احتساء كأس أو كأسين من المشروب قد لا يمنحك الراحة من القلق الحاصل لمدة طويلة.
في الحقيقة، يمكن أن يغير المشروب كيمياء الدماغ بطريقة تجعل القلق أسوأ. إن معرفة علاقة الكحول بالقلق قد يجعل تناوله أقل إغراءً.
تمهيد عن اضطرابات القلق
بينما قد يعاني الجميع من القلق من وقت لآخر، يستمر القلق ويزداد شدةً عند المصاب باضطراب القلق دون أي سبب محرض.
يمكن أن تشوش أعراض اضطراب القلق حياة المصاب وتصعّب عليه العمل والمشاركة في الأحداث الاجتماعية والحفاظ على العلاقات.
تعتمد الأعراض الدقيقة لاضطراب القلق على النوع الذي يعاني منه الشخص ويمكن أن تختلف من فرد إلى آخر.
هناك العديد من اضطرابات القلق منها:
اضطراب القلق المعمم (GAD): يمكن أن يعاني الشخص المصاب باضطراب القلق المعمم من خوف أو قلق كبيرين معظم الأيام ولمدة ستة أشهر على الأقل.
اضطراب الهلع (Panic Disorder): يعاني الأشخاص المصابون باضطراب الهلع من نوبات هلع أو نوبات قصيرة من الخوف الشديد والتي يمكن أن تسبب أعراضاً جسدية مثل الرجفان وخفقان القلب يرافقهما الشعور بالموت الوشيك أو عدم القدرة على السيطرة.
الرهاب بأنواعه (Phobias): يتمثل الرهاب بخوف شديد أو غير عقلاني وتكثر أنواعه منها رهاب الجراثيم (germophobia) ورهاب الخلاء (agoraphobia).
قد يعاني الأشخاص المصابون باضطرابات القلق أيضاً من اضطراب تعاطي المخدرات. في الواقع، يعاني 50% من الأشخاص الذين يتلقون علاج اضطراب تعاطي الكحول من اضطراب القلق أيضاً.
كيف يؤثر شرب الكحول على القلق
وفقاً لجمعية القلق والاكتئاب الأمريكية (ADAA)، من المعتاد أن يلجأ الأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي واضطرابات القلق الأخرى لتناول المشروبات الكحولية في محاولة تهدئة القلق وتخفيف الأعراض ذات الصلة.
لكن قد يشكل تناول الكحول كوسيلة للتأقلم خطراً على الفرد، إذا كنت أنت أو أحد أفراد أسرتك يتناوله لتخفيف القلق خاصة أثناء التواصل الاجتماعي فقد يؤدي إلى الاعتماد على الكحول خاصة في البيئات الاجتماعية. في نهاية المطاف، يحتاج الاعتماد (Dependence) إلى المزيد من المادة للحصول على نفس التأثيرات.
لا يقلل تعاطي الكحول من القلق على المدى الطويل، بينما يزيد مستوى الدوبامين مباشرة بعد شرب الكحول ويجعلك تشعر بالراحة بشكل مؤقت، فعندما يتلاشى السكر والثمالة تعود الأعراض التي تم تجنبها مجدداً؛ مهما كانت.
يمكن أيضاً أن يزيد تناول الكحول القلق سوءاً بسبب تأثيره على مستويات المواد الكيميائية الأخرى التي تؤثر على الحالة المزاجية مثل السيروتونين. وجدت الأبحاث أن التغيرات في مستويات المواد الكيميائية مثل السيروتونين يمكن أن تسبب اضطرابات القلق والاكتئاب.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يثير الكحول نوبات الهلع بسبب تأثيره على الحمض الأميني غاما (GABA) وهو مادة كيميائية أخرى في الدماغ لها تأثير الاسترخاء بشكل طبيعي.
[حمض غاما-أمينوبيوتيريك ويُسمى اختصاراً (GABA)، هو ناقل عصبي مثبط رئيسي في الجهاز العصبي المركزي لدى الثدييات]
في حين أن الكميات الصغيرة من الكحول قد تنشط حمض GABA وتجعلك تشعر بالاسترخاء، فإن تناول كميات أكبر من الكحول يمكن أن يستنزف GABA، بالتالي يؤدي نضوبه إلى مزيد من القلق والشعور بالذعر.
كم يستمر قلق الناجم عن الكحول؟
القلق الناجم عن الكحول (Alcohol-induced anxiety) هو الشعور غير المريح الذي يمكن أن يحدث بعد شرب كميات كبيرة منه. بالنسبة لأولئك الذين يعانون من اضطراب تعاطي الكحول، فإن القلق أحد أعراض متلازمة انسحاب الكحول (Alcohol withdrawal syndrome).
يختلف مقدار الوقت الذي يستمر فيه القلق الناجم عن الكحول، إذ أظهرت بعض الدراسات على الفئران أن القلق المرتبط بالكحول يمكن أن يستمر من 4 إلى 14 ساعة وقد يكون موجوداً بعد يوم كامل من بدء ظهور آثار الثمالة (صداع الكحول).
قد يستمر القلق من تناول الكحوليات خلال فترة الانسحاب بأكملها. عادة تبلغ هذه الفترة ذروتها بعد 72 ساعة من انخفاض مستوى الكحول في الدم وتخف آثار الانسحاب غالباً بعد 5 إلى 7 أيام من توقف الشرب.
ولكن إذا لم تتوقف عن الشرب أبداً وأصبح تناول الكحول عادةً مزمنةً، فقد تبدأ في رؤية كيف يمكن أن يتغذى القلق وإدمان الكحول على بعضهما البعض.
هل يمكن أن تعاني من القلق الناجم عن الكحول دون أن تعاني من اضطراب القلق؟
من الممكن الشعور بالقلق بعد شرب الكحول دون الإصابة باضطراب القلق لأن القلق هو رد فعل شائع لتعاطي الكحول. من الممكن أيضاً أن يساهم تعاطي الكحول المزمن في القلق الحالي أو يقود إلى نشوء اضطراب القلق.
يمكن أن تصاحب أعراض القلق من تعاطي الكحول أعراض انسحاب أخرى، بما في ذلك:
- رجفان اليدين
- سرعة دقات القلب
- تعرق
- قياء وغثيان
- هلوسات
كيف توقف القلق بعد المشروبات الكحولية؟
قد يكون من الصعب حقاً تخفيف القلق المرتبط بالكحول تماماً، ولكن يمكنك القيام ببعض الأشياء للعناية الذاتية مثل:
- ذكّر نفسك أن نوبات القلق ليست سوى نوبات لها بداية ونهاية؛ إنها مؤقتة.
- جرب بعض تمارين التنفس العميق أو تمارين التهدئة إذا كنت تعاني من نوبة قلق.
- تعرف على القـلق وحاول تحديد سببه سواءً من الموقف الحالي أو بسبب تعاطي الكـحول أو بسبب آخر.
- تذكر أنك لست وحدك إذا كنت تعتقد أنك مصاب باضطراب القلق أو اضطراب تعاطي المخدرات أو كليهما. قد ترغب في طلب المساعدة من خلال العلاج المقدم من طبيب أو معالج نفسي أو مجموعة دعم.
- إذا كان استخدام الكحول يفاقم قلقك، يمكنك التفكير في طرق تقلل تناولك للكحول.
خلاصة
تظهر الأبحاث العلاقة الوثيقة بين الكحول والقلق، إذ أوضحت الدراسات أن تعاطي الكـحول يمكن أن يفاقم القلق بسبب قدرته على تغيير كيمياء الدماغ.
يمكن أن يؤدي اضطراب تعاطي المخدرات أيضاً إلى زيادة احتمال الإصابة باضطراب القلق.
إذا كنت تعتقد أنك أو أي شخص تحبه يعاني من القلـق الذي يزداد مع تعاطي الـكحول، فيمكنك أنت أو أحد أفراد أسرتك اتخاذ خطوات لمعالجة القلـق وتقليل تناول الكـحول أو التوقف عنه.
اقرأ أيضاً: ثمان حقائق عن تناول الكحول
اقرأ أيضاً: هل هناك علاقة بين الاكتئاب وتعاطي الكحول؟
اقرأ أيضاً: اعتلال الأعصاب الكحولي، الأعراض، الأسباب والعلاج
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم