سيكولوجيا النسيان، لماذا تخفق الذاكرة وهل يمكن قياس النسيان؟

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

النسيان جزء شائع جداً من حياتنا اليومية. في بعض الأحيان تكون غفلات الذاكرة هذه بسيطة وغير مؤذية إلى حد ما، مثل نسيان معاودة إجراء مكالمة هاتفية. وفي أوقات أخرى، يمكن أن يكون النسيان أسوأ من ذلك بكثير وله عواقب وخيمة حتى، مثل نسيان شاهد عيان تفاصيل مهمة عن جريمة ما.

يحدث النسيان وإخفاقات الذاكرة بشكل يومي تقريباً. والنسيان شائع جداً لدرجة أنك قد تعتمد على العديد من الطرق لمساعدتك في تذكر معلومات مهمة. مثل تدوين الملاحظات في مخطط يومي أو جدولة الأحداث الهامة على تقويم هاتفك.

فبينما تبحث عن مفاتيح سيارتك المفقودة بشكل منفعل، قد يبدو أن المعلومات عن المكان الذي تركتها فيه قد مُحيت تماماً من ذاكرتك. ومع ذلك، فإن النسيان عموماً لا يتعلق بفقدان هذه المعلومات أو محوها من الذاكرة طويلة الأمد.

ينطوي النسيان عادةً على فشل في استرجاع الذاكرة. في حين أن المعلومات موجودة في مكان ما في ذاكرتك الطويلة الأمد، إلا أنك غير قادر على استردادها وتذكرها بالفعل.

لماذا يلعب الوقت دوراً رئيسياً في النسيان؟

كان العالم النفسي هيمان إيبينغوس (Hermann Ebbinghaus) من أوائل الذين درسوا النسيان بأسلوب علمي. وقد استخدم نفسه كموضوع في تجاربه حيث اختبر ذاكرته باستخدام مقاطع بلا معنى من ثلاثة أحرف. واعتمد على مثل هذه الكلمات غير المفهومة لأن استخدام الكلمات المعروفة مسبقاً سينطوي على الاعتماد على معرفته والارتباطات الحالية في ذاكرته.

من أجل تجربة معلومات جديدة، اختبر إيبينغوس ذاكرته لفترات زمنية تتراوح بين 20 دقيقة إلى 31 يوماً، ثم نشر نتائجه في عام 1885 في مجلة “الذاكرة Memory” بعنوان “مساهمة في علم النفس التجريبي (A Contribution to Experimental Psychology)“.

كشفت نتائجه، التي تم رسمها في ما يعرف باسم منحنى نسيان إيبنغوس عن علاقة بين النسيان والوقت.

في البداية، غالباً ما تُفقد المعلومات بسرعة كبيرة بعد تعلّمها. وتلعب عوامل مثل كيفية تعلم المعلومات وتكرارها دوراً في مدى سرعة فقدان هذه الذكريات. المعلومات المخزنة في الذاكرة طويلة الأجل مستقرة بشكل مدهش.

أظهر منحنى النسيان أيضاً أن النسيان لا يستمر في الانخفاض حتى يتم فقد جميع المعلومات. في مرحلة معينة، تصبح كمية المعلومات المنسية مستقرة (يتسطح المنحني).

كيف يُقاس النسيان؟

في بعض الأحيان، قد يبدو أنه قد تم نسيان المعلومات، ولكن حتى إشارة بسيطة يمكن أن تساعد في تشغيل الذاكرة.

تخيل آخر مرة أجريت فيها امتحاناً في المدرسة، في حين أنك قد شعرت في البداية بالنسيان وعدم الاستعداد. إلا أن رؤية المعلومات المقدمة في الاختبار ربما ساعدت في استرجاع المعلومات التي قد لا تكون أنت نفسك تعرف أنك ستتذكرها.

كيف نعلم أن شيئاً ما قد تم نسيانه؟ هناك بعض الطرق المختلفة لقياس هذا:

  • التذكّر والاسترجاع: قد يُطلب من الأشخاص الذين طُلب منهم أن يحفظوا شيئاً ما مثل قائمة من المصطلحات، أن يسترجعوا القائمة من الذاكرة.

    ومن خلال رؤية عدد العناصر التي يتم تذكرها، يتمكن الباحثون من تحديد مقدار المعلومات التي تم نسيانها. وقد يشمل هذا الأسلوب على استخدام الاستدعاء الحر (استرجاع العناصر دون تلميحات) أو الاستدعاء المحفَّز (استخدام تلميحات لإثارة الذكريات).
  • التعرّف والاستدراك: تتضمن هذه الطريقة تحديد المعلومات التي تم تعلّمها مسبقاً. في اختبار، على سبيل المثال، قد يتعين على الطلاب التعرف على المصطلحات التي تعلموها في فصل من فصول القراءة المخصصة لهم.

نظريات في أسباب النسيان

يمكن أن تساهم عوامل كثيرة في النسيان بالطبع. في بعض الأحيان، قد يتشتت انتباهك عند تعلم معلومات جديدة. ما قد يعني أنك لم تحتفظ بالمعلومات حقاً بما يكفي لتذكرها لاحقاً.

وقد اقترحت الباحثة المعروفة اليزابيث لوفتوس والتي درست الذاكرة بشكل معمق أربعة تفسيرات رئيسية لسبب حدوث النسيان. والتي قادت بدورها إلى بعض النظريات الرئيسية لـ النسيان.

نظرية التداخل

ماذا تناولت على العشاء ليلة الثلاثاء من الأسبوع الماضي؟ هل هذا صعب التذكر؟ لو سألك أحدهم هذا السؤال صباح يوم الأربعاء، فمن المحتمل أن لا يكون لديك مشكلة في تذكر ما قد تناولته على العشاء في الليلة السابقة.

ولكن نظراً لأن الأيام تمر وتتداخل، فإن الذكريات المتعلقة بجميع الوجبات الأخرى التي أكلتها منذ ذلك الحين تبدأ في التداخل في ذاكرتك من تلك الوجبة على وجه الخصوص. هذا مثال جيد على ما يسميه علماء النفس نظرية التداخل للنسيان.

وفقاً لنظرية التداخل، فإن النسيان هو نتيجة تداخل ذكريات مختلفة مع بعضها البعض. كلما كان حدثان أو أكثر مماثلين لبعضهم البعض، كان حدوث تداخل بينهم أكثر احتمالاً.

من الصعب أن نتذكر ما حدث في يوم مدرسي عادي ​​قبل شهرين لأنه أياماً كثيرة أخرى مرت منذ ذلك الحين. غير أن الأحداث الفريدة والمميزة تكون أقل عرضة لحدوث التداخل.

ومن المرجح أن تتذكر تخرجك من المدرسة الثانوية وحفل الزفاف وولادة طفلك الأول لأنها أحداث مميزة ولا تشبه الأيام العادية وليست حدثاً عادياً بالنسبة لك.

يلعب التداخل أيضاً دوراً في ما يعرف باسم تأثير الموقف المتسلسل (serial position effect)، أو الميل إلى تذكر واسترجاع العناصر الأولى والأخيرة من القائمة.

على سبيل المثال، تخيل أنك كتبت قائمة التسوق ولكن نسيت أن تأخذها معك إلى المتجر. في كل الاحتمالات، ربما تستطيع أن تتذكر العناصر الأولى والأخيرة بسهولة في قائمتك. ولكن قد تنسى العديد من العناصر التي كانت في منتصف القائمة.

سيبرز أول شيء وآخر شيء وكأنهما أكثر تميزاً. في حين أن العنصر الرابع والسابع قد يبدوان متشابهين لدرجة أنهما يتداخلان مع بعضهما البعض.

 هناك نوعان أساسيان من التداخل يمكن أن يحدث:

  • التداخل الرجعي: يحدث التداخل ذو الأثر الرجعي عندما تتداخل المعلومات المكتسبة حديثاً مع الذكريات القديمة. على سبيل المثال، قد يجد المعلم معرفة أسماء فئة طلاب جديدة يعلّمها في بداية العام الدراسي أكثر صعوبة من تذكر أسماء الطلاب في فصل العام الماضي. تتداخل المعلومات الجديدة مع المعلومات القديمة.
  • التداخل الاستباقي: يحدث التداخل الاستباقي عندما تزيد المعلومات التي سبق أن تعلمتها من صعوبة تكوين ذكريات جديدة. على سبيل المثال، قد يكون تعلّم رقم هاتف جديد أو الأرقام السرية للخزنة أكثر صعوبة. لأن ذكريات رقم هاتفك القديم والأرقام السرية تتداخل مع المعلومات الجديدة.

يعد التخلص من التداخل بشكل كامل أمراً مستحيلاً، ولكن هناك بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها لتقليل آثاره. واحدة من أفضل الأشياء التي يمكنك القيام بها هي تكرار المعلومات الجديدة من أجل حفظها بشكل أفضل في الذاكرة.

في الواقع، يوصي العديد من الخبراء بالإفراط من تعلم المعلومات المهمة، والذي ينطوي على تكرار المواد مراراً حتى يمكن إعادة إنتاجها بشكل تام مع عدم وجود أخطاء.

يتمثل التكتيك الآخر لمكافحة التداخل في تبديل روتينك باستمرار وتجنب دراسة المواد المماثلة مراراً وتكراراً.

على سبيل المثال، لا تحاول دراسة مصطلحات المفردات لدرس اللغة الإسبانية مباشرة بعد دراسة الدرس الألماني. حاول الفصل بين المواد والتبديل إلى موضوع مختلف تماماً كل جلسة دراسية.

يلعب النوم أيضاً دوراً أساسياً في تكوين الذاكرة. يشير الباحثون إلى أن النوم بعد تعلُّم شيئ جديد هو أحد أفضل الطرق لتحويل الذكريات الجديدة إلى تلك الدائمة.

نظرية التدهور في النسيان

وفقاً لنظرية أثر الذاكرة، فإن التغيرات الفيزيائية والكيميائية في الدماغ تؤدي إلى “أثر” في الذاكرة. فالمعلومات في الذاكرة قصيرة المدى تستمر لعدة ثوان. وإذا لم يتم تكرارها فإن أثر الذاكرة العصبية الكيميائية يتلاشى بسرعة.

وفقاً لنظرية تدهور الأثر في النسيان، فإن الأحداث التي تحدث بين تكوين الذاكرة واستعادة الذاكرة ليس لها تأثير على استرجاع المعلومات (التذكر).

تقترح هذه النظرية أن طول المدة بين إرساء واسترجاع تلك المعلومات تحدد ما إذا كانت المعلومات سيتم الاحتفاظ بها أو نسيانها. إذا كان الفاصل الزمني قصيراً، فسيتم تذكر مزيد من المعلومات، أما إذا مرت فترة أطول من الوقت فستُنسى المزيد من المعلومات و ستكون الذاكرة أضعف.

إن فكرة تلاشي الذكريات مع مرور الوقت ليست جديدة، فقد اقترح الفيلسوف اليوناني أفلاطون مثل هذا الشيء منذ أكثر من 2500 عام. وفي وقت لاحق، عززت البحوث التجريبية التي أجراها علماء النفس مثل إبينغوس هذه النظرية.

من بين المشاكل التي تواجه هذه النظرية هي أنه من الصعب تبيان أن الوقت وحده مسؤول عن الانحدارات في مستوى الاسترجاع.

وفي حالات العالم الحقيقي، تحدث أشياء كثيرة في الفترة بين إرساء واستعادة تلك المعلومات. على سبيل المثال، قد يمر الطالب الذي يتعلم شيئاً ما في الفصل بمئات التجارب الفريدة والفردية بين وقت تعلم هذه المعلومات ووقت ضرورة تذكرها في الامتحان.

هناك مشكلة أخرى في نظرية التدهور وهي أنها لا تفسر السبب في أن بعض الذكريات تخبو بسرعة بينما تبقى الذكريات الأخرى. الحداثة (الشيء الجديد) هي أحد العوامل التي تلعب دوراً.

على سبيل المثال، من المرجح أكثر أن تتذكر يومك الأول في الكلية من بين كل الأيام الفاصلة بينه وبين يوم التخرج؛ لأن ذلك اليوم الأول كان جديداً ومثيراً، ولكن كل الأيام التالية له ربما بدت متشابهة تماماً مع بعضها البعض.

نظرية فشل الاسترجاع (الاستدعاء)

في بعض الأحيان تكون الذكريات موجودة لكننا لا نستطيع الوصول إليها فقط. وهناك سببان أساسيان لهذا الإخفاق في الاسترجاع يرتبطان بترميز الإخفاقات ونقص إشارات الاسترجاع.

هناك سببٌ شائعٌ لعدم تذكرنا للمعلومات يتمثل في أنها لم تصل إلى الذاكرة طويلة الأمد في المقام الأول (لم يتم إرساء هذه المعلومات فيها).

جرب هذا العرض المعروف الذي استخدمه الباحثان نيكرسون و آدمز. من الذاكرة، حاول رسم الجانب الخلفي من عملة معدنية (ليرة)، وعندما تنتهي قارن رسمك مع عملة معدنية حقيقية.

هل أنت مندهش من مدى سوء تذكرك كيف يبدو ظهر هذه العملة؟ في حين ربما كان لديك فكرة جيدة عن الشكل واللون الكلي، إلا أن  التفاصيل الفعلية ربما تكون مشوشة جداً. لماذا؟

بما أنك لا تحتاج في الواقع إلى معرفة كيف يبدو ظهر الليرة لتمييزه عن العملات المعدنية الأخرى، فإنك تركز حقاً فقط على المعلومات التي تحتاج إليها. الحجم العام للعملة وشكلها ولونها. أنت لست قادراً على تذكر كيف يبدو ظهر هذه العملة حقاً لأن تلك المعلومات لم يتم تشفيرها أو ترميزها بالفعل في الذاكرة في المقام الأول.

نظرية النسيان بالاعتماد على التلميح

اقترح باحثون آخرون أنه في بعض الأحيان تكون المعلومات موجودة بالفعل في الذاكرة، ولكن لا يمكن استدعاؤها ما لم توجد تلميحات لاسترجاعها.

على سبيل المثال، قد يكون تذكر تفاصيل موعدك الأول مع شريكك أسهل إذا شممت نفس العطر الذي كان يضعه في هذا الموعد. كانت إشارة الاسترجاع (العطر) موجودة عند خلق هذه الذاكرة. لذلك يمكن أن يؤدي استنشاق ذلك العطر مرة أخرى إلى استعادة تلك الذكريات.

خلاصة

النسيان هو ببساطة جزء من الحياة، وتفسر العديد من النظريات كيف ننسى ولماذا ننسى. في كثير من الحالات، قد تشرح العديد من هذه التفسيرات لماذا لا نستطيع أن نتذكر.

يمكن أن يزيد مرور الوقت من صعوبة الوصول إلى الذكريات. في حين أن وفرة المعلومات التي تتصارع للحصول على اهتمامنا يمكن أن تخلق منافسة بين الذكريات القديمة والجديدة. ومع ذلك، يمكننا العمل لنصبح أفضل في تذكر واسترجاع المعلومات.

اقرأ أيضاً: نصائح لـ تحسين الذاكرة في أقل من عشر دقائق

المصدر: The Psychology of Forgetting and Why Memory Failshttps

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: