التحليل السلوكي التطبيقي (Applied Behavioral Analysis/ABA) هو نهج للعلاج يركز على استخدام التعزيز الإيجابي لتحسين المهارات السلوكية والاجتماعية ومهارات التواصل والتعلم. ويستخدم المبادئ السلوكية لتحديد الأهداف وتعزيز السلوكيات وقياس النتائج، وغالباً ما يُوصَفُ بأنه “المعيار الذهبي” في علاج التوحد.
يُستخدم هذا النهج على نطاق واسع، وقد تبين أنه فعّال في تحسين مهارات محددة وفي الحد من سلوكيات المشكلة، ويعد مثيراً للجدل إذ يُنظَرُ إليه على أنه يفتقر إلى الاحترام بل ومجرد من الإنسانية في بعض الأحيان.
إن العلاج باستخدام هذا النهج متأصل في مبادئ السلوكية، وخاصة الإشراط الإجرائيّ (الاستثابيّ) واستخدام نظام المكافآت والعواقب لقولبة وتشكيل السلوك. خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، بدأ أخصائيو الصحة النفسية في استخدام مبادئ مثل الاقتصاد الرمزيّ في علاج حالات مثل الفصام وإعاقات النمو.
أنواع العلاج باستخدام التحليل السلوكي التطبيقي
في وقت لاحق، تبنى إيفار لوفاس (Ivar Lovaas) الحاصل على درجة الدكتوراه، هذا النهج لعلاج التوحد، ونصَّ أسلوبه على إمكانية تعلّم المهارات السلوكية والاجتماعية والتخلص من السلوكيات الأخرى من خلال تطبيق نظام المكافآت والعواقب.
ومنذ ذلك الحين، ظهرت مجموعة واسعة من التقنيات لعلاج التوحد وغيرها من الحالات. ولا تزال العديد من المناهج الجديدة متجذرة في أساسيات العلاج القائم على التحليل السلوكي التطبيقي. ولكنها تدمج جوانب المشاركة العاطفية والاجتماعية أيضاً.
يمكن استخدام عدد من الأنواع المختلفة من التدخلات كجزء من هذا العلاج:
التدريب التجريبيّ المنفصل
يتضمن التدريب التجريبي المنفصل ( Discrete trial training / DTT) تفكيك المهارة إلى أجزاء وتدريسها خطوة خطوة. وتشمل العناصر الثلاث لهذه العملية ما يلي:
- العنصر الأولي (إشارة أو تلميح يستحث السلوك)
- السلوك (الاستجابة للإشارة)
- الاستنتاج (ماذا يحدث بعد الاستجابة)
عندما يتم تقديم السلوك بنجاح، سوف يتلقى الفرد التعزيز الإيجابي، ولكن لن تتم مكافأته إذا لم يقم بالسلوك المطلوب.
التدخل السلوكي المكثّف المبكر (EIBI)
يمكن استخدام هذا النهج مع الأطفال الصغار لتعليمهم المهارات الاجتماعية، التكيفية، الوظيفية بالإضافة إلى مهارات التواصل، وعادةً ما يكون فردياً للغاية ومكثفاً وشاملاً.
نموذج دنفر للتدخل المبكر (ESDM)
تستند هذه التقنية على تحليل السلوك التطبيقي وغالباً ما تُستخدم مع الأطفال الذين يعانون من التوحد ممن تتراوح أعمارهم بين 12 و 48 شهراً. ويستخدم النموذج أنشطة اللعب للمساعدة في تعزيز المهارات المعرفية والاجتماعية واللغوية.
التدريب في البيئة الطبيعية
بعد اكتساب الأشخاص أو الأطفال للمهارات من خلال تدريب تجريبيّ منفصل، يبدؤون بعد ذلك في تعلم وممارسة هذه المهارات في بيئات طبيعية أكثر. فمثلاً قد يتعلم الطفل مهارة معينة ثم يبدأ في ممارستها في المنزل أو في المدرسة.
يجري العلاج باستخدام التحليل السلوكي التطبيقي غالباً بطريقتين مختلفتين ويمكن استخدامه كبرنامج شامل يوفر تدخلاً مكثفاً في العديد من البيئات والمواقف، أو قد يكون جزءاً من برنامج أكثر تركيزاً يتضمن سلوكيات أو مواقف محددة فقط.
علاج التحليل السلوكي التطبيقي الشامل
يقدم هذا النهج علاجات تستمر عادةً لعدةِ ساعات كل يوم. إذ يعمل المعالج أو أخصائي السلوك مع الفرد لعدة ساعات على الأقل كل أسبوع وغالباً ضمن بيئات مختلفة كالمنزل والمدرسة.
يعمل المعالجون مباشرة مع الفرد ولكن قد يعملون أيضاً مع الآباء ومقدمي الرعاية لتعليم المهارات التي يمكن استخدامها خارج جلسات العلاج.
علاج التحليل السلوكي التطبيقي المُركَّز
قد يركز هذا النوع من العلاج على مساعدة الفرد في موقف معين يواجه صعوبة فيه، وقد يسلط الضوء أيضاً على مهارات محددة يحتاج الفرد للعمل عليها. وغالباً ما يكون الفرد لوحده مع المعالج، ولكن يمكن ممارسة هذه المهارات أيضاً ضمن مجموعات صغيرة أو ضمن أوساط مجتمعية.
تقنيات العلاج باستخدام التحليل السلوكي التطبيقي
ينطوي العلاج باستخدام التحليل السلوكي التطبيقي عادة على بضع خطوات مختلفة، إذ توضع خطط العلاج لتناسب احتياجات الفرد.
التقييم: هو الخطوة الأولى من العلاج حيث يجتمع خلال هذه المرحلة الطفل أو الفرد مع المعالج الذي يطرح أسئلة حول نقاط القوة والضعف والاحتياجات والأهداف. واستناداً إلى هذه المعلومات يقوم المتخصص بتطوير خطة علاج.
العلاج: يشمل العلاج استخدام تقنيات مختلفة للعمل على تحقيق أهداف الفرد. قد تكون جلسات العلاج في بعض الأحيان قصيرة أي لمدة ساعة، ولكنها غالباً ما تستمر لعدة ساعات في كل مرة.
تدريب مقدمي الرعاية: ويتضمن تقديم الدعم والتدريب للأهل وغيرهم من مقدمي الرعاية وأفراد الأسرة، ويعلم المعالجون الآباء وأفراد الأسرة المهارات والاستراتيجيات التي من شأنها أن تساعد على الحفاظ على السلوكيات المرغوبة في المنزل والمدرسة الأوساط الاجتماعية.
بماذا يساعد العلاج باستخدام التحليل السلوكي التطبيقي؟
يمكن استخدام هذا العلاج لمجموعة متنوعة من الحالات، بما في ذلك:
- اضطرابات القلق
- اضطراب نقص الانتباه/فرط النشاط (Attention Deficit Hyperactivity disorder)
- اضطرابات طيف التوحد
- اضطراب الشخصية الحدية (Borderline Personality disorder)
- اضطرابات النمو
- اضطراب الوسواس القهري (Obsessive-Compulsive Disorder)
- اضطراب ما بعد الصدمة (Post Traumatic Stress Disorder)
- مشاكل النوم
- اضطرابات تعاطي المواد المخدرة.
فوائد العلاج باستخدام التحليل السلوكي التطبيقي
هذا العلاج لا “يعالج” التوحد ولكن يمكن استخدامه لتعليم السلوكيات المرغوب فيها والحدّ أو إلغاء السلوكيات غير المرغوب فيها . على سبيل المثال، يمكن استخدامه في التوحد للحد من نوبات الغضب وتعليم الطفل الجلوس بهدوء أو استخدام الكلمات لقول الطلبات.
كما يمكن استخدامه لمكافأة الطفل على مهاراته البسيطة أو المعقدة، مثل تنظيف أسنانه بشكل صحيح أو مشاركة لعبة مع صديق ما.
من الطرق التي يمكن أن يؤثر بها العلاج على حياة الفرد، ما يلي:
- اكتساب مهارات اجتماعية وتطبيقها وتحسين مهارات اللغة والتواصل.
- تقليل السلوكيات المسببة للمشاكل والتحكم بمشاعر العدوان والقلق.
- تطوير الذاكرة والقدرات الإدراكية وتحسين الانتباه والتركيز.
- تحسين العلاقات العاطفية مع الآخرين.
- تعلم مهارات الحياة اليومية.
فعالية العلاج باستخدام التحليل السلوكي التطبيقي
أصبح هذا النهج مستخدماً على نطاق واسع كمقاربة علاجية لعلاج التوحد وغيره من الحالات. وقد تم ربطه بتحسينات في المجالات الرئيسية بما في ذلك اللغة والمهارات الاجتماعية والمهارات التكيفية.
وجدت إحدى الدراسات أن هذا النوع من العلاج الشامل طويل المدى قد يساعد الأطفال المصابين بالتوحد على تحسين مهاراتهم الحياتية اليومية وتطوير مهارات اللغة والقدرات الاجتماعية والوظائف الفكرية.
أيضاً وجدت مراجعة عام 2011 لـ 27 دراسة أن تدخلات تحليل السلوك التطبيقي كانت فعالة لتحسين المهارات الاجتماعية، السلوكيات التكيفية، القدرات اللغوية والمهارات المعرفية. كما كانت مفيدة في الحد من العدوانية والقلق لدى الأطفال والمراهقين.
فيما اقترحت دراسة أجريت في عام 2012 أن الأطفال الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد يجدر بهم الحصول على إمكانية الوصول إلى ما لا يقل عن 25 ساعة في الأسبوع من العلاج الشامل القائم على التحليل السلوكي التطبيقي. والتي تم ربطها بتحسين مهارات اللعب، السلوكيات، اللغة والتواصل الاجتماعي.
ما زالت الطرق التي تُتَرجَمُ بها هذه النتائج إلى فوائد طويلة الأمد على مدى الحياة قيد الدراسة. ومن المهم أيضاً ملاحظة أن العلاج القائم على التحليل السلوكي التطبيقي لا يعالج التوحد بل يهدف إلى تحقيق نتائج محددة مثل تعديل بعض السلوكيات المرتبطة بالتوحد.
معلومات يجب أخذها بالاعتبار
إن التحليل السلوكي التطبيقي ليس المقاربة العلاجية الوحيدة، لذلك من المهم الملاحظة والنظر في كيفية استجابة الشخص من أجل تحديد العلاج المناسب لاحتياجاته.
وفي حين أن التحليل السلوكي التطبيقي يُستخدَم على نطاق واسع اليوم، إلا أنه لا يخلو من الجدل. إذ كان يتطلب في الماضي ساعات من العلاج كل يوم ويتم غالباً في بيئات قاسية. وكان الفشل في إنتاج السلوكيات المرغوبة يُقابَلُ بعقوبات شديدة لا إنسانية أحياناً وتقلل من احترام الخاضعين له.
تركز النُّهج الأحدث عهداً إما على تطبيق التعزيز أو منعه دون عقوبات. فبدلاً من الجلوس وراء مكتب لإجراء تجارب منفصلة لساعات كل يوم، يتم تقديم العلاج في بيئات طبيعية. بما في ذلك المنزل والمدرسة والأوساط المجتمعية.
يركز العلاج باستخدام التحليل السلوكي التطبيقي على انخراط الناس في سلوكيات “نموذجية”. اليوم نرى تقديراً وقيمة أكبر للتنوع العصبي.
بدلاً من محاولة إجبار الناس على ملاءمة القالب المحدد، تُركز النهج الأحدث على مساعدة الناس في تطوير وتعزيز المهارات التي ستسمح لهم بالوصول إلى إمكاناتهم وعيش حياة مُرضية.
كيفية بدء العلاج
إذا كنت مستعداً لتجربة العلاج القائم على التحليل السلوكي التطبيقي لك أو لطفلك، هناك بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها لتساعدك على إيجاد أفضل علاج لاحتياجاتك.
اعثر على المعالج الصحيح، تحدث إلى طبيبك أو طبيب الأطفال الخاص بطفلك من أجل إحالتك إلى معالج يقدم هذا النهج و تأكد من أنه محلل سلوكي معتمد.
غالباً ما تركز جلسات تحليل السلوك التطبيقي المبكرة على بناء علاقة مع المعالج. لذلك انتبه إلى ما إذا كانت علاقتكما تبدو جيدة.
كما هو الحال مع أنواع أخرى من العلاج، قد يكون من المفيد أن نحاول مراقبة كيفية سير الأمور عن كثب، وإذا لاحظت نتائج جيدة بمرور الوقت، فقد يكون من المفيد التمسك بها لأبعد مدى.
إن كنت تعاني أنت أو طفلك مع العلاج أو لم تحققا تقدماً جيداً بمرور الوقت، فقد يكون من الجيد الانتقال إلى أسلوب آخر للعلاج.
اقرأ أيضاً: العلاج عن بعد، كيف يعمل وما فوائده بالنسبة للمرضى وللمعالجين؟
تدقيق: هبة محمد
تحرير: جعفر ملحم
