يقلل بعض الناس من شأن نواياهم الحسنة وأهدافهم طويلة الأمد، حتى وإن بدا الأمر غريباً ومفاجئاً بعض الشيء. يحدث تدمير الذات (Self Sabotage) عندما يعيق الفرد نجاحه بنفسه. حين يخطو الناس مثل هذه الخطوات المدمرة، يمكن أن يؤثر سلوكهم المؤذي والضار هذا سلبياً على كل جزء من حياتهم تقريباً؛ مثل علاقاتهم وعملهم. يشرح المقال أسباب تدمير الذات الواعي وغير الواعي.
أسباب تدمير الذات
يعرقل الفرد تقدمه في الحياة لأسباب عدة، إذ قد يقوم بأفعال تؤدي إلى تدمير الذات بشكل واع أو دون وعي، وتتنوع الأسباب بدءاً من مشاكل الطفولة وصولاً إلى آثار علاقة سابقة في حياته.
قد يكون هذا السلوك المدمر نتيجة انخفاض تقدير الذات، مشاكل في التأقلم أو حتى التنافر المعرفي.
تدمير الذات الواعي وغير الواعي
قد يكون الأشخاص الذين يدمرون ذواتهم مدركين لتصرفاتهم. على سبيل المثال، يمكن أن يفسد شخص يعاني من السمنة المفرطة الجهود الكبيرة التي يبذلها لإنقاص وزنه بتناول علبة كاملة من المثلجات.
في المقابل، يمكن أن يكون تدمير الذات دون قصد أو وعي. مثلاً، عدم تسليم شخص ما للمهمة الموكلة إليه في الموعد المحدد. ظاهرياً، قد يبدو الأمر أنه تأخير لا أكثر. لكن في الحقيقة هو خائف من الفشل. إذاً، هو يفسد ذاته من خلال عدم التسليم في الموعد النهائي، وبالتالي يعرقل هدفه في الوصول إلى مكانة أفضل في الشركة.
صعوبات مرحلة الطفولة
يمكن أن يساهم النشوء ضمن أسرة مفككة في السلوك المدمر للذات، فمن دون وجود نمط تعلق آمن، قد ينشأ نمط تعلق متردد أو متجنب، نظراً لأن العلاقة مع مقدمي الرعاية في مرحلة الطفولة تؤثر بشكل كبير على تواصل الفرد مع الآخرين في المستقبل.
صعوبات العلاقات قد تكون أحد أسباب تدمير الذات
إذا تخلى عنك شريكك السابق، فقد يبقى شعور أنك ضعيف موجوداً داخلك. ربما قال لك أنه أضاع وقته في محاولة البقاء مع شخص مثلك. الآن، أنت في علاقة رائعة مع شخص جديد، لكنك تخونه، أو تنفصل عنه دون سبب، إذ تشعر أنك لست شخصاً جيداً كفاية أو تخيفك فكرة أن تتعرض للأذى ثانية.
وفقاً لدراسة حديثة تناولت تدمير الذات، حدد 15 عالماً نفسياً مختصاً في العلاقات العاطفية في استراليا المشكلات الأساسية وراء تفشي مشكلة تدمير الذات في هذه العلاقات.
تضمنت هذه الأسباب أنماط التعلق غير الآمن، تدني تقدير الذات، الخوف من التعرض للأذى، الخوف من الالتزام، معتقدات غير صحية عن العلاقات ومشاكل التأقلم عندما يتعلق الأمر بالمشاعر والقلب.
تدني تقدير الذات
يكون الأشخاص ممن لديهم تقدير منخفض للذات وصورة سلبية عن أنفسهم ضعيفين بشكل خاص أمام تدمير الذات، إذ يتصرفون بطريقة تؤكد ما يحملونه من معتقدات سلبية عن أنفسهم.
لذا، عندما يقتربون من النجاح في أي أمر، تنتابهم الخشية والريبة؛ فلطالما قيل لهم أو أخبروا أنفسهم في السابق أنهم سيفشلون.
التنافر المعرفي أحد أسباب تدمير الذات
يعاني أولئك الذين يُظهرون سلوكيات مدمرة للذات من التنافر المعرفي، أو عدم الراحة الذهنية التي يولدها وجود فكرتين متناقضتين في عقل الفرد في نفس الوقت. إذ يحبذ البشر أن يكون هناك تناسقاً وترابطاً بين معتقداتهم وأفعالهم.
على سبيل المثال، أنت مُقدِم على الزواج بشخص رائع لكنك نشأت في أسرة مفككة؛ ترك والدك المنزل ودخلت والدتك في علاقات مسيئة، ما يجعلك غير مؤمن بوجود زواج مستقر يسوده الحب؛ لكنك تتابع مراسم الزواج وإرسال الدعوات بالرغم من ذلك.
مثال من العمل: أنت على وشك إدخال زبون جديد إلى الشركة وكسب المزيد من المال. وبدلاً من دفع نفسك إلى الأمام واتخاذ ما يلزم من إجراءات، تتراجع عن ذلك لشعورك بأنك لا تستحقه. تثمل في الليلة التي تسبق يوم لقاء الزبون وتغيب عنه. أي بدلاً من التقدم إلى الأمام، تقوم بما يفسد الأمر عليك.
قد يؤدي تدمير الذات إلى مشاكل مزمنة فيما يتعلق بالطعام، الشراب، المخدرات، المقامرة وإيذاء الذات، وقد يسلب هذا السلوك من الناس دوافعهم وما يحفزهم في الحياة تاركاً إياهم في حالة من القلق.
طرق شائعة في تدمير الذات الواعي وغير الواعي
حدد العاملون في المجال الصحي النفسي طرقاً شائعاً يدمر الناس أنفسهم من خلالها منها المماطلة، المثالية والتداوي الذاتي.
المماطلة (procrastination)
يماطل أولئك الذين يدمرون ذواتهم أحياناً، والمماطلة طريقة تظهر للآخرين من خلالها أنك غير جاهز على الإطلاق وتؤجل شيئاً مهماً ينتظرونه. يعود السبب في ذلك إلى أن الناس يخشون خذلان الآخرين، الفشل أو النجاح أحياناً.
المثالية (perfectionism)
يؤدي التشبث بمعايير ذاتية مثالية مستحيلة إلى عرقلة حياة الفرد وتراجعها. في حين تبدو المثالية استراتيجية إيجابية تهدف إلى أن تسير الأمور كما هو مخطط لها دون عوائق، إلا أنها تعيق النجاح.
عندما لا تجري الأمور على ما يرام؛ وهو أمر طبيعي، تذهب كل الجهود المبذولة للوصول إلى المثالية سدى، فينتهي الأمر بالفرد وهو يشعر بالخزي، وأكثر عرضة للاكتئاب إذ يحس وكأنه خذل الجميع.
التداوي الذاتي (self – medication)
يهدئ الكثير أنفسهم من خلال تعاطي المخدرات، الكحول أو إيذاء الذات وذلك حين يحاولون التعامل مع المعركة المستمرة داخلهم بين الرغبة في النجاح من جهة والسيناريوهات التي تدور في أذهانهم والتي تخبرهم بأنهم غير قادرون على ذلك.
الوقوف في وجه تدمير الذات ومنعه
أفضل نصيحة هنا هي أن تطلب إرشاد وتوجيه معالج أو استشاري نفسي. إذا كنت تريد معرفة ما يمكن القيام به لمنع المزيد من الأذى لنفسك، فيما يلي بعض النقاط التي يمكن أخذها بالاعتبار لإيقاف هذا السلوك السلبي:
فحص الأسباب الجذرية
ابحث عن الأنماط في حياتك. مثلاً، هل تميل إلى عرقلة جهودك وإحباطها بشكل متكرر؟ هل تقوم بهذه التصرفات والأفعال وأنت على وشك النجاح أو عندما تصل إلى مشارف تحقيق رغباتك الشخصية؟
كما ذكرنا سابقاً، قد ينشأ هذا السلوك من مرحلة الطفولة، إذ يخبر بعض الأهل أطفالهم ألا يفكروا بطريقة كبيرة، سواء كان السبب أنهم لا يعرفون الإجابة على تساؤلاتهم أو يخشون عليهم من الإحباط مستقبلاً. مثلاً، قد يقولون شيئاً مثل: “من تظن نفسك حتى تعتقد أنك قادر على دخول الجامعة؟ يجب أن تعمل كما نعمل نحن”.
التوقف عن المماطلة
تعد المماطلة سلوكاً شائعاً بين أولئك الذين يدمرون أنفسهم. إذا كنت تؤجل أمراً مهماً بشكل دائم، قد يصبح أسهل عاطفياً عليك أكثر من بلوغ الهدف الذي قيل لك أنك لن تصل إليه أبداً.
عدم التطابق هذا بين ما أنت عليه الآن وبين ما تشربه عقلك على مدى سنوات عدة قد يؤدي إلى شعور رهيب بعدم الراحة والانزعاج. بالتالي، أنت تدمر ذاتك.
أجريت دراسة حديثة على طلاب يماطلون في بيئات أكاديمية. وجد العلماء عاملاً مشتركاً واحداً في المماطلة ينطوي على الافتقار للتنظيم الذاتي.
يرجع ذلك إلى المستوى الكبير من الحرية، الإغراءات، العوامل المشتتة والمواعيد النهائية الطويلة. أثّر الأقران والعوامل الاجتماعية على المماطلة أيضاً. أخيراً، ساهم الافتقار إلى المهارات المتعلقة بالدراسة في المماطلة كذلك.
التوقف عن النظر إلى الصورة الكبرى
قد يكون وضع هدف كبير لا يتناسب مع ما أنت عليه أمراً مرهقاً جداً. لذا، من أجل منع أفعال تدمير الذات، لا تعلق نفسك بالتفاصيل الدقيقة، إذ يضيع أولئك الذين يدمرون أنفسهم الكثير من الوقت على التفاصيل غير المهمة.
مثال آخر، إذا كنت تريد عيش حياة صحية، لا تأخذ قرارات يقودها تفكير كل شيء أو لا شيء. مثلاً، إذا تغيبت يوماً عن التدريب في النادي، لا يعني أن تتركه.
قم ببعض التغييرات التدريجية واعمل عليها بترو. بهذه الطريقة، يمكن أن تمنع ذهنية التدمير من عرقلة حياتك. اتخذ إجراءات بسيطة بحيث لا تعيق تقدمك.
التوقف عن التفكير المثالي
يحمل أولئك الذين يدمرون ذاتهم أفكاراً مثالية، إذ يمكن أن يفرطوا في التفكير بالتفاصيل وفي أن يكون كل شيء على أتم وجه.
ليكن التفوق والتميز هو هدفك وليس المثالية والكمال، وقم بتحسينات بسيطة لما تقوم به بشكل تدريجي ولاحظ التقدم الذي تحققه نحو هدفك المرغوب.
يتطلب التدمير الذاتي عملاً كثيراً
يعد هذا السلوك السلبي مستهلكاً للوقت ويتطلب جهداً وعملاً. أظهرت الأبحاث أن عرقلة الذات هو أمر يتطلب مصادر وموارد عدة.
بينت دراسة أجرتها جامعة هندية ونشرت في مجلة “Experimental Social Psychology” نتائج غير متوقعة؛ يدمر الأشخاص الذين يستيقظون باكراً أنفسهم أكثر في الصباح، ويدمر أولئك الذين يطيلون السهر أنفسهم أكثر في الليل.
يعني ذلك أنهم لم يقللوا من شأن أدائهم عندما كانوا يشعرون بالتعب، بل عندما كانوا يمتلكون ذروة المصادر المعرفية تحت تصرفهم. لذا، فقد استهلكوا طاقة كبيرة للاستمرار في هذا السلوك ما أدى إلى نتائج سيئة.
إذا كنت تعتقد أنك تدمر ذاتك، اسأل نفسك ما يلي:
- هل يتماشى سلوكك مع أهدافك؟
- إذا كان الجواب لا، ما الذي يمنعك من تحقيق أحلامك؟
- هل يتوافق سلوكك مع ما تعتقده من قيم؟
- في حال النفي، ما الذي يقف عائقاً أمام ذلك؟
هل تشعر بالقلق وعدم الراحة كلما تقدمت؟ إذا كان الجواب نعم، ابحث عن الأسباب العميقة:
- هل ينبع عدم الراحة هذا من كلام الآخرين لك والذي قيد طموحاتك؟
- أم من الخوف من الفشل والقلق والهم من أن تبدو مغفلاً؟
- أم أن خوفك من النجاح هو السبب؟
- هل تشعر بالهمّ من تحقيق أكثر مما توقعته؟
- عندما تقوم بما هو أفضل أو تحقق المزيد، هل تؤمن أنك لا تستحق النجاح؟
علاج تدمير الذات
قد يعاني أولئك الذين يعرقلون تقدمهم بأنفسهم من صعوبة في تنظيم عواطفهم وسلوكياتهم، والذي ينجم أحياناً عن صدمة أو إهمال في مرحلة الطفولة، إذ يمكن أن يغذي خلل التنظيم هذا ردود الأفعال الضارة.
قد يجد هؤلاء الأشخاص المساعدة في حل مشكلات بما في ذلك تعاطي الكحول والمخدرات، الأكل الشره، نوبات الغضب وإيذاء الذات.
تساعد العلاجات النفسية التالية في ذلك أيضاً:
العلاج المعرفي السلوكي: والذي يستخدم تقنيات فعالة للتخفيف من التشوهات المعرفية، إذ يساعد ذلك في استبدال أنماط التفكير السلبية وتحسين السلامة والرفاهية بشكل عام.
العلاج السلوكي الجدلي: والذي يعالج بشكل جيد المشكلات التي تحمل معها عواطف شديدة. قد يشمل ذلك السلوكيات الاندفاعية، مشاكل ضبط الاندفاعات وصعوبات في الانسجام مع الآخرين، إذ يتعلم الفرد كيفية تنظيم عواطفه بشكل أفضل.
اقرأ أيضاً: كل ما يجب أن تعرفه عن تشويه الذات
اقرأ أيضاً: هل يستطيع العلاج المعرفي السلوكي المساعدة في مشاكل إيذاء الذات؟
اقرأ أيضاً: الحديث عن الانتحار، ما الذي يجب أن تفعله أو تتجنبه؟
المصدر: Self-Sabotaging: Why Does It Happen
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم