قبل أن تفقد أعصابك للمرة الألف لتجاوز طفلك حدوده، تذكر أنّ هذا ليس خطأه وليس خطأك أيضاً، فالأطفال المصابون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (النشاط) يحتاجون أنواعاً مختلفة من طرق التربية والتأديب.
قد لا يكون تأديب وعقاب الأطفال ضمن قائمة أمور التربية المفضلة عندك وخاصة إن كان طفلك مصاباً باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (النشاط).
لكن تذكر أنك لست وحدك في هذا الموقف، فوفقاً للإحصاءات، يعاني من هذه الحالة طفل على الأقل من بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 5 إلى 17 عاماً.
نظراً لكونه اضطراباً شائعاً، فهنالك الكثير من الأبحاث حول الاستراتيجيات الممكن استخدامها لتسهيل أساليب تربية أطفالك.
يبدأ تأديب الأطفال بانضباط الوالدين الشخصي
قد تشعر بالرغبة بالصراخ على طفلك وسط نوبة غضب أو عندما يرفض ابنك المراهق الاستماع لما تقوله له.
ولكن “عندما يتعلق الأمر بتربية طفل مصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، فالشيء الوحيد الذي لن يساعدك على الضبط هو الغضب وفقدان الأعصاب” تقول الدكتورة أنجاني أملادي وهي طبيبة نفسية في كاليفورنيا.
وتضيف: “يمكن أن يكون هناك تأثير للصراخ على الأطفال غير المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ولكن بالنسبة للمصابين، به فنادراً ما يكون الأمر كذلك.”
يقول الدكتور ديفيد غرودبيرغ: “من الضروري أن تتذكر أهمية أن تكون قدوة لطفلك في هدوء الأعصاب. فالأطفال يستجيبون حتماً لسلوكيات الأهل، وعليك أن تنتبه لمدى توترك وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على طفلك. ولذلك نشجع الآباء على ممارسة الاسترخاء وتمارين التنفس العميق حتى ولو لمدة 10 ثوان فقط.”
التنظيم والروتين يُساعدان على منع نوبات الغضب قبل أن تبدأ
يؤكد الخبراء والأطباء النفسيون دوماً على أهمية الروتين والتنظيم للأطفال المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة فهما جزءان أساسيان من عملية التربية. ويمكن لك الاستفادة من خلال اتباع ما يلي:
- بالإضافة إلى الاستمرار في الدواء، تنصح معاهد الصحة النفسية الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام جداول زمنية منتظمة من أجل إنجاز الواجبات المدرسية وأعمال المنزل والأنشطة خارج المنهاج المدرسي وأوقات النوم وأوقات زيارة الأصدقاء. وتؤكد على ضرورتها من أجل مساعدة الأطفال على البقاء منتظمين بما يكفي لمنع السلوكيات العدوانية قبل أن تبدأ حتى.
- اتباع نظام غذائي متوازن بالتزامن مع ممارسة الرياضة من أجل إدارة أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.
- الحصول على قسط كاف من النوم، ففي دراسة أجريت عام 2020، وجد الباحثون أن جودة النوم المنخفضة والنعاس في فترة النهار ارتبطا بضعف الوظيفة التنفيذية عند المراهقين المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة.
التأديب بالعواقب أم التأديب بالعقوبة؟ ما هو الفرق؟
عملية التأديب هي عملية استباقية. إذ تقول الدكتورة أمالدي بأنها “تسمح للأطفال التحكم في سلوكياتهم واتخاذ القرارات عبر تزويدهم بإطار واضح عما يُتوقع منهم. فالسلوكيات الإيجابية تُكافأ والسلوكيات السلبية تخضع لعواقب مرتبطة بالمشكلة وما ينتج عن السلوك المحدد الذي يقومون به.”
تعتبر خطط إدارة سلوك اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط من الاستراتيجيات المهمة للتربية والتأديب وتوفر التعاون بين الدعم المنزلي والمدرسي لطفلك.
وعلى العكس من ذلك، تكون التربية بالعقوبة هي تربية مرتبطة برد الفعل وتأخذ القدرة على السيطرة بعيداً عن يد الطفل وتضعها في يد البالغين الذين يختارون ما يجب أن تكون نتيجة قراراته.
عزل الطفل عن المجموعة هو أحد الأمثلة الشائعة عن فكرة التأديب بالعواقب بدل العقوبة. لكن كما سوف ترى في الفقرات القادمة، فمن الضروري استخدامها بحذر.
قم باختيار إطار عمل للتربية يناسبك أنت وعائلتك
إن كنت تريد المزيد من التأسيس لمساعدتك على التعامل مع مشاكل التربية والانضباط الخاصة بطفلك، فهنالك عددٌ من نماذج العلاج النفسي الاجتماعي التي يمكن أن تساعد على قولبة عملية صنع القرار.
اثنان من أهم الخيارات الشائعة هما التدريب على الإدارة الأبوية (PMT) والحلول التعاونية الاستباقية (CPS).
أسلوب التدريب على الإدارة الأبوية يشجع الوالدين على:
- استخدام أوامر واضحة.
- استخدام عقوبة العزل بحذر واستراتيجية.
- تخصيص وقت خاص للأهل والأطفال ليعملوا معاً نحو تعزيز السلوكيات الإيجابية.
تركز هذه المقاربة بشكل أساسي على تدريب الوالدين وعلى سلوكياتهم. كما تشجع الأهل على أن تكون أفعالهم متسقة، سريعة وقابلة للتنبؤ حتى يتمكن الطفل من اتباع خطاهم. وتؤكد على التعزيز الإيجابي والمكافآت كجزء من استراتيجية تحفيز سلوك أكثر إنتاجية وعلى تقليل الانفعالات.
في استراتيجية الحلول التعاونية والاستباقية يكون الأطفال مستقبلين نشطين. وتتضمن أربع وحدات تركز على تعاون الأهل والأبناء للتنبؤ بالمشكلات والتخطيط لكيفية حلها.
كما أنّها تعيد صياغة التوقعات التي يعاني الأطفال المصابون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة من صعوبات في تحقيقها. مثل البقاء هادئين والتنظيم أو الانخراط في حل المشاكل الاجتماعية.
شملت دراسة أجريت عام 2019 ، 130 أسرة في أستراليا لديها أطفال أعمارهم بين 7 و14 عاماً تم تقسيمهم لمجموعتين لمقارنة مدى فعالية المنهجين. إذ تبين أنّ كليهما كان له ذات القدر الجيد من النجاح.
العزل يجب أن يكون محدداً واستراتيجياً
بالنسبة للأهل الذين يستخدمون استراتيجية الإدارة الأبوية مع الأطفال الأصغر سناً فإنّ الدكتور غودبيرغ يدعم استخدام العزل في المواقف شديدة التوتر. ويؤكد على اتباعه بشكل استراتيجي كاستجابة لعدد محدود من السلوكيات التي تُحاول ردعها.
يجب أن توضح لطفلك تلك السلوكيات الموجودة على هذه القائمة كي تقلّل من ارتباكه وتشويشه عندما تحدث هذه السلوكيات، ويقترح غودبيرغ:
- الإعلان بسرعة وهدوء عن بدء فترة العزل.
- تذكير الطفل بأنك تحبه.
- الوضوح بشأن مدة العقوبة واستخدام مؤقت زمني إن دعت الحاجة.
- اختيار مكان خالٍ من المحفزات لتنفيذ العقوبة.
- الحرص على أن يكون الطفل في مكان ظاهر لك في فترة العقوبة.
- مناقشة سبب العقوبة مع الطفل بعد انتهائها.
- استخدام التعزيز الإيجابي لدفع الطفل نحو مواصلة السلوكيات الإيجابية التي ظهرت أثناء اتخاذ خطوات تجنب السلوكيات السلبية واتخاذ خيارات أخرى بدلاً منها.
كل طفل يستجيب بشكل مختلف
لا يؤيد كافة علماء النفس استخدام الاستبعاد مع كل طفل. في الحقيقة، أجرى عالم النفس دان سيغل أبحاثاً عن وسائل بديلة أشار إليها بـ “الوقت في الداخل”.
يعتقد سيغل أن الاستبعاد أو العزل طريقة غير فعالة لأنها تعزل الطفل في الوقت الذي يحتاج فيه التواصل، ويعتقد أن ذلك يجعله يثور أكثر.
بدلاً من إرسال طفلك لمكان آخر كي يقضي وقتاً بمفرده، يوصي سيغل بالجلوس معه للتفكير في سلوكه وقضاء بعض الوقت في التحدث عمّّا حدث وكيف يمكنه التصرف بشكل مختلف في المرة القادمة.
تعزيز السلوك الإيجابي وتجاهل الانفعالات السلبية
تنصح المعاهد الوطنية للصحة النفسية باستخدام التعزيز الإيجابي للقواعد عند الطفل. وتذكر الأهل أن الأطفال المصابين بنقص الانتباه وفرط النشاط يتعرضون غالباً للانتقاد ومع الوقت يبدؤون بتوقع ذلك. لذا، وبدلاً من التركيز على الانفعالات السلبية ستكون الحياة أفضل لك ولطفلك عند الاهتمام بالأفعال الإيجابية.
تذكر، كل طفل يستجيب بشكل مختلف
تشير بعض الأدلة أن تعزيز السلوكيات الإيجابية بالمكافآت يمكن أن يكون له تأثير معاكس ويقوض عملية التربية لدى بعض الأطفال والمراهقين. وهنا سوف يكون من المفيد حقاً أن تقوم بمراقبة استجابات طفلك وأخذ نظرة موضوعية لترى ما إن كان يتعلم الصفات الإيجابية أو أنه يفعل ذلك من أجل الحصول على المكافأة فقط.
طريقة النقاط والرموز
توصي أملادي بنظام النقاط والرموز، إذ تتم مكافأة الطفل بنقاط أو رموز مادية أو غيرها عند إتمام مهام وأعمال محددة. بحيث يمكن للطفل تجميع هذه النقاط وصرفها للحصول على مكافآت معينة.
لتطبيق هذا النظام، حدد السلوك الذي ترغب بتعزيزه ونوع المكافأة التي سوف تُحفز طفلك على القيام بهذا السلوك. وإن كنت تريد طفلك أن يقوم بترتيب غرفته وتنظيفها باستمرار، خصص نقاطاً معينة يحصل عليها كلما نظف الغرفة. وبعد أن يقوم بذلك لعدد معين من المرات قدم له مكافأة يرغب بها.
تقول أملادي: “الهدف هو مساعدة الطفل على الشعور بالحماس للقيام بالعمل رغبةً منه في الحصول على المكافأة وبالتالي سوف يتحفز داخلياً للقيام بالأمر.”
قدم المكافآت بشكل انتقائي ومحدد
إن كنت تريد استخدام نظام للمكافآت، فمن المهم أن تكون محدداً في منحها. وفقاً للجمعية الأمريكية لعلم النفس، يمكنك أن تتجنب القول ببساطة بأن طفلك قام بـ “عمل جيد” بعد تنظيف غرفته أو عدم انخراطه في سلوك سلبي. بدلاً من ذلك، يمكن لك أن تمدح وتثني على جودة الجهد والعمل الذي قام به.
تحذر الجمعية من تقديم الثناء على الإنجازات البسيطة أو الجهود الفاترة، ففي دراسة أجريت عام 2016 وتضمنت 167 طفلاً مصاباً باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. أفاد الباحثون أنّ الأطفال عانوا من صعوبات في تنظيم السلوكيات عندما كانت المكافآت متقطعة أو حين كانت العلاقة بين السلوك والجوائز المحتملة غير واضحة.
لذلك فإنّ الباحثين يوصون الأهل بأن يكونوا واضحين في تحديد المكافآت من أجل زيادة احتمالية تحقيق أفضل النتائج.
نصيحة إضافية: احصل على فترة استراحة لك
تربية طفل يعاني من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (النشاط) يمكن أن يكون مرهقاً بالنسبة لك ويعزلك عن الآخرين، لذلك يجب أن تحرص على تخصيص الوقت للاهتمام بنفسك جيداً.
توصي أملادي بمجموعة من الاستراتيجيات لمساعدة الأهل في الحفاظ على هدوئهم مثل الانضمام لمجموعات دعم والانخراط في علاجات فردية أو أسرية أو تغييرات في نمط الحياة. مثل: ممارسة الرياضة والتأمل وتناول الطعام الصحي والحصول على قدر كافٍ من النوم. فكلها تصب في إطار إدارة الإجهاد.
وتضيف: ” في النهاية، لن تملك القدرة على الاعتناء بالآخرين إن كنت لا تهتم بنفسك أولاً.”
سواء كنت تجرب تمارين التنفس، الرياضة أو كليهما، عليك تذكُّر أنّ هذه الممارسات سوف تساعدك أنت وطفلك على البقاء هادئين والتأسيس لمستقبل أفضل لكما.
اقرأ أيضاً:أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط عند الأطفال
اقرأ أيضاً: العلاج الطبيعي لاضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط في المنزل
اقرأ أيضاً: أسباب اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط
المصدر: Parent’s Guide for Disciplining Kids Who Have ADHD
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم
