يؤثر تقدير الذات على محفزاتك، دوافعك، صحتك النفسية وجودة حياتك ككل. ولكن يعد تقدير الذات سواء كان عالياً جداً أو منخفضاً جداً إشكالية. سنتحدث في هذا المقال عن أهمية تقدير الذات، والعوامل المؤثرة عليه وكيفية تحسين تقدير الذات المنخفض وكيف تتفادى اللإفراط في تقديرك لذاتك.
يساعدك الفهم الجيد لتقـدير الذات التي تمتلكها بتحقيق توازن مناسب لك تماماً.
ما هو تقدير الذات؟
يستخدم مصطلح تقدير الذات (Self Esteem) في علم النفس لوصف الإحساس الشخصي العام بالاستحقاق والقيمة الذاتية، بعبارة أخرى يمكن أن يعرف تقـدير الـذات على أنه مدى تقـديرك وحبك لذاتك رغم الظروف.
تشمل العناصر الأساسية في تقـدير الذات كلاً من الثقة بالنفس، الإحساس بالأمان، الهوية، الشعور بالانتماء والإحساس بالكفاءة.
تستخدم مصطلحات أخرى أحياناً بالتبادل مع تقـدير الذات مثل جدارة الذات، اعتبار الذات واحترام الذات.
يميل تقدير الذات إلى أن يكون في أدنى مستوياته في مرحلة الطفولة ويزداد خلال فترة المراهقة وكذلك مرحلة البلوغ، ليصل في النهاية إلى مستوى مستقر ودائم إلى حد ما.
يجعل هذا تقـدير الذات مشابهاً لاستقرار سمات الشخصية بمرور الوقت.
أهمية تقدير الذات
يؤثر تقـدير الذات على عملية صنع القرار لديك وعلاقاتك وصحتك العاطفية والعامة، كما أنه يؤثر أيضاً على الدافع، إذ يدرك الأشخاص الذين يتمتعون بنظرة صحية وإيجابية لـذاتهم إمكانياتهم وقد يشعرون بالإلهام والقدرة على مواجهة تحديات جديدة.
يتمتع الأشخاص أصحاب تقـدير الذات السليم والصحي بإدراك عالي لمهاراتهم، القـدرة على الحفاظ على علاقات صحية مع الآخرين لأنهم يتمتعون بها مع ذواتهم، توقعات واقعية ومناسبة عن أنفسهم وقدراتهم وفهم لاحتياجاتهم والقـدرة على التعبير عنها.
يميل الأشخاص الذين يعانون من تقدير ذاتي منخفض إلى الشعور بثقة أقل بقدراتهم وقد يشككون في عملية اتخاذ القرار لديهم.
قد لا يشعرون بالحافز لتجربة أشياء جديدة لأنهم لا يؤمنون بقدرتهم على تحقيق أهدافهم. وقد يعاني الأشخاص الذين يمتلكون تقديراً منخفضاً للذات من مشاكل في العلاقات وفي التعبير عن احتياجاتهم، وأيضاً من مستويات منخفضة من الثقة ويشعرون بأنهم غير محبوبين وعديمي القيمة.
قد يبالغ الأشخاص الذين يتصفون بالتقـدير المرتفع للذات في تقدير مهاراتهم وقد يشعرون بأنهم مؤهلون للنجاح حتى بدون الـقدرة على دعم إيمانهم بأنفسهم.
أيضاً قد يصارعون مشاكل العلاقة ويمنعون أنفسهم من تحسين ذواتهم لأنهم عالقون بشدة في رؤية أنفسهم أشخاص مثاليين.
نظريات تقـدير الذات
كتب العديد من واضعي النظريات عن الديناميكيات التي ينطوي عليها تطوير تقـدير الذات. يلعب مفهوم تقـدير الذات دوراً جوهرياً في “التسلسل الهرمي للاحتياجات” الذي طرحه عالم النفس أبراهام ماسلو (Abraham Maslow) والذي يصور التقـدير كأحد الدوافع الإنسانية الأساسية.
اقترح ماسلو أن الأفراد يحتاجون إلى الثناء من الآخرين وإلى احترام الـذات الداخلي لبناء التقدير، كل من هاتين الحاجتين يجب أن تتحققا كي ينمو الفرد بصفته إنساناً متكاملاً ويحقق ذاته.
من المهم ملاحظة أن تقـدير الذات هو مفهوم يتميز عن الكفاءة الذاتية والذي ينطوي على مدى إيمانك بكيفية تعاملك مع أحداث المستقبل وأدائك أو قدراتك المستقبلية.
العوامل المؤثرة على تقدير الذات
هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر على تقـدير الـذات، منها العمر، الإعاقة، الوراثة، المرض، القـدرات الجسدية، الوضع الاجتماعي الاقتصادي وأنماط التفكير.
تبين أيضاً أن للعنصرية والتمييز آثاراً سلبية على تقـدير الذات بالإضافة إلى دور العوامل الوراثية التي تساعد في نحت شخصية الفرد. ولكن يُعتقد أن التجارب الحياتية هي العامل الأكثر أهمية.
غالباً، تُكون تجاربنا الأساس في تقـدير الـذات عموماً، مثلاً؛ أولئك الذين يتلقون باستمرار تقييمات سلبية أو انتقادات بشكل مفرط من العائلة والأصدقاء، من المرجح معاناتهم من تدني في تقدير الذات، وبالعكس فإن أولئك الذين جربوا ما أشار إليه كارل روجرز “بالاعتبار الإيجابي غير المشروط” سوف يميلون أكثر إلى التمتع بتقـدير الذات الصحي والسليم.
تقـدير الذات الصحي
توجد بعض الطرق البسيطة لمعرفة إذا كنت تتمتع بتقدير صحي لذاتك. مثلاً:
- تتجنب الخوض في التجارب السلبية السابقة.
- تؤمن أنك على قدرٍ من المساواة مع أي شخص آخر؛ لا أفضل ولا أسوأ.
- تُعبّر عن احتياجاتك.
- تشعر بالثقة.
- نظرتك إيجابية عن الحياة.
- تقول “لا” متى شئت.
- تدرك نقاط القوة والضعف لديك وتتقبلها.
يمكن أن يساعدك التمتع بتقـدير الـذات الصحي على تحفيزك للوصول إلى أهدافك، لأنك قادر على توجيه الحياة وقيادتها مدركاً أنك تستطيع تحقيق ما رسمته في ذهنك.
بالإضافة إلى ذلك، عندما يكون لديك تقـدير صحي لذاتك، يمكنك وضع حدود مناسبة في العلاقات والحفاظ على علاقة سليمة مع نفسك والآخرين. ضع اهمية تقديرك لذاتك نصب عينيك.
تقـدير الذات المنخفض
- قد يتجلى تقـدير الذات المنخفض بعدة طرق، فقد:
- تعتقد أن الآخرين أفضل منك.
- تجد صعوبة في التعبير عن احتياجاتك.
- تركز فقط على نقاط ضعفك.
- تشعر في كثير من الأحيان بالخوف والشك الذاتي والقلق.
- تكون لديك نظرة سلبية للحياة وتشعر بنقص السيطرة.
- يكون لديك خوف شديد من الفشل.
- تجد صعوبة في قبول النتائج وردود الفعل الإيجابية.
- تجد صعوبة في قول “لا” ووضع الحدود.
- تضع احتياجات الآخرين قبل احتياجاتك.
- تواجه صعوبة في الثقة.
قد يؤدي تقـدير الذات المنخفض إلى مجموعة متنوعة من الاضطرابات الصحية النفسية، بما في ذلك اضطرابات القلق والاكتئاب.
قد تجد أيضاً صعوبة في متابعة أهدافك والحفاظ على علاقات صحية. يمكن أن يؤثر تقـدير الذات المتدني بشكل خطير على جودة حياتك ويزيد من خطر توارد أفكار انتحارية.
الإفراط في تقدير الذات
غالباً ما يتم وصف التقدير المفرط للذات بشكل خاطئ على أنه نرجسية، ولكن هناك بعض السمات المتباينة والمميزة التي توضح اختلاف هذين المصطلحين.
قد يبدو أن الأفراد ذوي السمات النرجسية يتمتعون بتقدير عال للذات، ولكن يمكن أن يكون تقـديرهم لذاتهم مرتفعاً أو منخفضاً وغير مستقر ويتغير باستمرار اعتماداً على موقف محدد.
يتصف من لديه تقـدير مفرط للذات بالآتي:
- قد ينشغل بأن يكون مثالياً.
- قد يركز على أن يكون دائماً على حق.
- قد يؤمن أن الفشل ليس من صفاته.
- قد يعتقد أنه أكثر مهارة أو أفضل من الآخرين.
- قد يعبر عن الأفكار العظيمة.
- قد يبالغ بتقييم مهاراته وقدراته بشكل مفرط.
عندما يكون تقـدير الذات مرتفعاً جداً، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في العلاقة ومصاعب في المواقف الاجتماعية وإلى عدم القدرة على تقبل النقد.
كيف تحسن تقدير الذات؟
لا يحفى على أحد أهمية تقدير الذات، لذا يجب أن تعلم كيف تحسن تقديرك لذاتك ويجب أن تعرف العوامل المؤثرة على تقدير الذات.
لحسن الحظ، هناك خطوات يمكنك اتخاذها لمعالجة مشاكل تقدير الذات من خلال إدراكك لذاتك وإيمانك بقدراتك. تتضمن بعض الإجراءات التي تساعدك في تحسين تقديرك لذاتك ما يلي:
- كن أكثر وعياً بالأفكار السلبية: تعلم كيفية تحديد الأفكار المشوَّهة التي تؤثر على قيمتك الذاتية.
- تحدّ أنماط التفكير السلبي: عندما تجد نفسك منخرطاً في التفكير السلبي، حاول مواجهة تلك الأفكار بأفكار أكثر واقعية أو إيجابية أو كليهما.
- الحديث الإيجابي مع الذات: تدرب على إلقاء التأكيدات الإيجابية لنفسك.
- مارس التعاطف مع الذات: تدرب على مسامحة نفسك على أخطاء الماضي واخطُ للأمام بقبول تام لكامل كيانك الذاتي.
يمكن أن يسهم تقدير الذات المنخفض في ظهور أعراض الاضطرابات الصحية النفسية أو قد يكون أحد أسبابها، بما في ذلك القلق والاكتئاب.
ضع في اعتبارك التحدث مع طبيب أو معالج حول خيارات العلاج المتاحة والتي قد تشمل العلاج النفسي (شخصياً أو عبر الإنترنت) أو الأدوية أو مزيجاً من العلاجين معاً.
نصيحة
رغم أن بعض أسباب تقدير الذات المنخفض لا يمكن تغييرها، مثل العوامل الوراثية وتجارب الطفولة المبكرة وسمات الشخصية. إلا أن هناك خطوات يمكنك اتخاذها لتشعر بمزيد من الأمان والقيمة.
تذكر أنه لا يوجد شخص أقل جدارة من الآخر. قد يساعدك وضع ذلك نصب عينيك في الحفاظ على إحساس سليم وصحي بـ تقدير الذات.
اقرأ أيضاً: لماذا يُعدّ استعادة احترام الذات مهماً؟ وكيف تستعيد احترامك لذاتك؟
اقرأ أيضاً: كيفية الحفاظ على العلاقات الشخصية مع الآخرين
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم