بعد عقود من منع العقاقير غير المشروعة، أشادت الأبحاث عن استخدامات مفيدة لبعض منها. في الستينات، اجتاحت مخاوف المخدرات أنحاء الأمة. وفي عام 1970، أبرم قانون المواد الخاضعة للرقابة وينص على منع أو تقييد استخدام بعض هذه العقاقير ويرجع ذلك جزئياً إلى الحالة السياسية السائدة في ذلك الوقت.
عادةً ما نسمع عن أضرار الممنوعات الجسدية والنفسية، ولكن يمكن أن يكون لبعض الممنوعات فوائد طبية.
صرّح الرئيس السابق للمجلس الاستشاري البريطاني ديفيد نوت (David Nutt) بشأن إساءة استخدام المواد المخدرة والممنوعات، بأن قوانين المخدرات “هي أسوأ حالة من الرقابة العلمية منذ حظر أعمال كوبرنيكوس وجاليليو من قبل الكنيسة الكاثوليكية”.
في الوقت الحالي، سمحت إدارة الغذاء والدواء (FDA) بدراسة العديد من الأدوية التي كانت ممنوعة سابقاً. وتجري بعض البلدان أبحاثاً ضمن سياسات دوائية أقل تشدد حول استخداماتها. وقد وجد بعض العلماء أن بعض العقاقير غير المشروعة لها استخدامات طبية كبيرة، من بينها ما يلي.
الهيروين لحل مشكلة إدمان الأفيون
لا يستخدم معظم مدمني الأفيون الهيروين بل يدمنون على مستحضرات الأفيون الصيدلانية مثل “Vicodin” و”Percocet” و”Oxycontin” و”Demerol” بشكل اعتيادي لمعالجة حالات نفسية مثل القلق والاكتئاب والكوابيس واضطرابات النوم والذكريات المؤلمة.
صرح الدكتور Torsten Passie: “هؤلاء المرضى يحتاجون ببساطة إلى العلاج الدوائي..” يحاول بعض الذين يتعاطون المواد الأفيونية التحكم في أعراضهم باستخدام المخدرات الأخرى مثل الكحول والماريجوانا والبنزوديازيبينات.
لاحظ “Torsten Passie” أن الهيروين بالمقارنة مع الميثادون، العقار الذي يستخدم حالياً لعلاج إدمان المواد الأفيونية، يقلل من استخدام المرضى للأدوية الأخرى بنسبة تصل إلى الثلث. ويؤدي إلى توقف %60 منهم عن استخدام أي من الأدوية الأخرى خلال العام الأول.
وجد Passie أيضاً أنه بعد أربعة أسابيع من استخدام الهيروين، عدم اشتكاء المرضى من أي آثار إدمانية مزعجة من المخدرات. وهذا يدعم فرضية أنهم لا يتعاطون المخدرات للحصول على النشوة والمتعة فحسب.
يقول Passie: “لا يوجد تسمم يمكن اكتشافه لدى معظم المدمنين. وتظهر نتائج دراسات عديدة موجهة نحو الفحص العصبي النفسي قدرة المدمنين على أداء مهامهم بشكل جيد، وبالتالي يمكنهم قيادة السيارة. ومع ذلك، لا يجب أن يسمح لهم بالقيادة أثناء تناول مواد إضافية”.
يطمح “Torsten Passie” لتغيير تصور المجتمع تجاه المدمنين أو الأشخاص الذين يعانون من إدمان الهيروين. وأوضح أن المدمنين يحتاجون لعلاج قوي لتحسين أعراضهم الشديدة. ولا ينبغي وضعهم في السجون بل يجب معاملتهم باحترام وكرامة كأشخاص يعانون من مرض.
الكيتامين لعلاج اضطراب ثنائي القطب
يخضع الكيتامين لرقابة شديدة على الرغم من عدم حظره تماماً، ويُستخدم في الأساس كمسكن للألم ولكنه يعتبر من العقاقير غير المشروعة. وفقاً لدراسة نُشرت في عام 2012، يمكن أن يكون للكيتامين استخدامات أخرى. حيث قام مدير الأبحاث العلمية في “جمعية أبحاث ثنائي القطب لدى الأطفال” الدكتور ديميتري بابولوس (Demitri Papolos)، بتجربة الكيتامين كعلاج للاضطراب ثنائي القطب لدى الأطفال.
في الواقع، تستغرق الأدوية المستخدمة حالياً لعلاج اضطراب ثنائي القطب وقتاً طويلاً حتى تظهر نتائجها، ويسعى الكثيرون للعثور على التركيبة المثالية للأدوية التي توفر الراحة النفسية وبالتالي فإن الأدوية الجديدة قد تقدم خيارات وحلول جديدة وقيّمة للمرضى.
وجد بابولوس أن استخدام الكيتامين في علاج الأطفال أدى إلى تحسن كبير وفوري في شدة الأعراض، واستمرت هذه التحسينات لمدة أسبوعين تقريباً حتى بعد توقف استخدام الدواء. كما لم تكن الآثار الجانبية كبيرة وظهرت فقط في بداية استخدام الدواء، وانخفضت بمجرد اعتياد الأطفال على استخدامه.
استخدام “MDMA” لعلاج حالات اضطراب ما الصدمة
على الرغم من وجود عدة طرق لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، إلا أن بعض الأشخاص لا يستجيبون لهذه الطرق.
فسّر الأستاذ المساعد في الجامعة الطبية في كارولينا الجنوبية، الدكتور مايكل ميثوفر (Michael Mithoefer): “الأسباب الشائعة لعدم الاستجابة لطرق علاج (PTSD)، أنه بعد تذكر المرضى التجارب الصادمة خلال العلاج فإنهم يشعرون إما بتدفق هائل للمشاعر أو بالخدر العاطفي، وأي منهما يشكل عائقاً في طريق العلاج الناجح”.
وقد أجرى الدكتور “مايكل ميثوفر” سلسلة من الدراسات لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة لدى قدامى المحاربين الذين لم يستجيبوا للعلاجات التقليدية. ورغم أنه لم يتم استبدال العلاج بعقار MDMA بشكل كامل بل إضافته إليه. علماً أنه تم تناول بين جرعتين وأربع جرعات من MDMA خلال فترات متباعدة بشهر واحد على الأقل.
وقد صرح ميثوفر: “يبدو أن MDMA يمنح الأشخاص فترة من الوقت للتواصل مع عواطفهم، دون أن تسيطر أو تطغى عليهم؛ هذا أمر صعب ولكن يمكن القيام به”.
أثناء دراسة ميثوفر التجريبية، لاحظ أن المرضى الذين تم علاجهم باستخدام MDMA أظهروا انخفاض في حدة أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. وفي الأغلب كانت هذه الأعراض قد تقلصت إلى مستوى دون عتبة الاضطراب. ولاحظ أيضاً أن أحد المرضى قد شفي تماماً بعد تلقي جرعة واحدة فقط.
في إحصائية مثيرة للاهتمام، تشير أن 11 إلى 20 في المائة من قدامى المحاربين في العراق وأفغانستان تظهر عليهم علامات اضطراب ما بعد الصدمة. وغالباً ما يتركونهم يصارعون مرضهم مدى الحياة.
لايمكن حصر فعالية الدواء في علاج اضطراب ما بعد الصدمة فحسب، بل سيكون لا غنى عنه في الشفاء.
الفطر السحري لحل مشكلة إدمان الكحول والقلق
لا يعد عقار MDMA العقار الوحيد الذي يمكن أن يكون له تأثيرات واضحة من استخدام واحد فقط. أشار الأستاذ المساعد في كلية الصيدلة بجامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل، الدكتور ديفيد نيكولاس (David Nichols)، إلى أن بعض العقاقير المخدرة (المهلوسات) الأخرى مثل LSD والفطر السحري قد توفر تجارب روحية عميقة ومريحة.
وقد قال الدكتور نيكولاس: يموت الكثير من الناس بسبب الفزع والقلق والاكتئاب. ليس هناك الكثير للقيام به من أجل هؤلاء الأشخاص، إذ أن الأدوية التقليدية لن تعمل بشكل جيد ولا تعمل بسرعة.
في بعض الأحيان، قد يكون التغيير في وجهة النظر هو ما يحتاج إليه الناس، فقد أجرى الدكتور ستان غروف (Stan Grof) دراسة في بالتيمور، أعطى فيها مادة السيلوسيبين وهي المكون النشط في الفطر السحري للمرضى الذين كانوا سيموتون بسبب السرطان.
كانت نتائج الدراسة ممتازة لأنه بجرعة واحدة فقط، تمكن مرضاه من تغيير وجهة نظرهم حول الموت وفهم وتقبل مصيرهم.
وقد قال الدكتور نيكولاس: تلاشى خوفهم من الموت، لقد اختفى قلقهم المتعلق بالموت بشكل أساسي.
الدراسات حول الفطر السحري
يعتبر الفطر السحري من العقاقير غير المشروعة. في يومنا هذا، تبحث ثلاث دراسات أخرى في جامعة نيويورك، وجونز هوبكنز، ومركز هارفارد الطبي بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، عن تأثير مادة السيلوسيبين في علاج حالة القلق من نهاية الحياة وحالات القلق المرتبط بتشخيص الإصابة بالسرطان.
الخوف من الموت ليس هو الشيء الوحيد الذي يستطيع السيلوسيبين علاجه، فقد أُجريت دراستان في جامعة نيو مكسيكو وجامعة نيوارك، بخصوص تأثير السيلوسيبين على مدمني الكحول، بالنسبة لهم فقد يكون هذا التحول الكبير في منظور الحياة هو ما يحتاجون إليه للإقلاع عن الشرب.
قال David Nichols: “تخيل لو كان الأشخاص الذين كانوا مدمنين على الكحول ويريدون الإقلاع عن الشرب لديهم شيء أكثر موثوقية يمكن أن يساعدهم على التوقف؛ ستكون ذات فائدة كبيرة للمجتمع”.
اقرأ أيضاً: أعراض انسحاب المواد الأفيونية وخيارات العلاج المناسبة
اقرأ أيضاً: الفرق بين تعاطي العقاقير وسوء تعاطي العقاقير
اقرأ أيضاً: المعايير الخاصة بـ اضطرابات تعاطي المواد المخدرة وفق DSM-5
المصدر: four illegal drugs with medicinal qualities
تدقيق: هبة محمد
تحرير: جعفر ملحم