موت الأنا (ego death)، المعروف أيضاً باسم “تفكك الأنا” هو ظاهرة يشيع ارتباطها مع استخدام المهلوسات (العقاقير المهلوسة)؛ إذ يصفه الأشخاص الذين عايشوه على أنه الشعور بفقدان الذات. وسمِّي بهذا الاسم لأن من اختبره صوَّره بأنه شكل من أشكال الموت، حيث يفقد فيه المرء إحساسه بالذات والهوية الشخصية.
تشمل العقاقير المهلوسة التي تتسبب في تجربة موت الأنا: ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك (LSD) والسيلوسيبين (psilocybin) والكيتامين (ketamine). كما وتشمل بعض العبارات التي استخدمها الناس لوصف التجربة: مثيرة للوعي ومطهرة للروح وتجربة هنيئة ومخيفة.
يُعد فهم ما يعنيه المرء عندما يشير إلى الأنـا أمراً بالغ الأهمية من أجل فهم موت الأنا بصورة أفضل. ذلك لأن “الأنا” هي هويتك الذاتية، والتي تحددها من خلال الطريقة التي تنظر بها إلى نفسك. فقد لا تدرك ذلك، لكن تحدد الأنا كيفية تصورك للعالم وتعاملك معه، إلى جانب كيفية تفاعلك مع الآخرين ودرجة احترامك لذاتك.
الآن بعد أن فهمت جوهر الأنا، ستدرك أن “مـوت الأنا” يحمل أهمية أقل بكثير مما يعطيه معظم الناس، فيمكن أن تشبه ذاتك بمجموعة من ورق اللعب المرتبة على شكل برج، ومـوت الأنا بانهيار هذا البرج.
تاريخ موت الأنا
على الرغم من أن فكرة مـوت الأنا قد تبدو مرعبة، فقد تتفاجأ من سعي الناس إلى تجربة هذه الظاهرة. يعود تاريخ موت الأنا كفكرة إلى الممارسات الدينية والروحية والتي عمرها قرون من الزمن. حيث كان طريقة للتواصل مع الكون أو إله معين.
أما في العقود الأخيرة، فقد أصبح مرتبطاً باستخدام العقاقير المهلوسة. إذ يلجأ الناس إلى استخدام المهلوسات للترويح عن النفس لأسباب عديدة، أحدها تجربة ظاهرة موت الأنا.
ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك (LSD) وتأثيراته العلاجية
شغل استخدام المهلوسات البشر لأكثر من ألف عام. ولكن عندما ابتكر العالم السويسري ألبرت هوفمان (Albert Hoffman) عقار ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك في عام 1936، بدأ الناس في اللجوء إلى العقار نظراً لتأثيراته العلاجية المحتملة. وعلى الرغم من أن القيود التي فرضتها الحكومات أدت إلى تراجع البحث المتعلق بالعقار، إلا أن فضول المجتمع الطبي والعلمي لم يتضاءل بشأنه أبداً.
شاع في أيامنا هذه استخدام العقاقير المهلوسة لحالات مثل الاكتئاب والقلق. كما أن إمكانية استخدامها لتحسين صحة الفرد النفسية قيد الدراسة أيضاً.
أثبتت دراسات سابقة إمكانية المهلوسات في تحقيق الفائدة العلاجية للفرد، إلا أن شدة وآلية تأثيراتها ليست مفهومة تماماً.
صياغة مصطلح “موت الأنا”
يبدو أن أول من استخدم مصطلح “مـوت الأنا” للإشارة إلى تأثير المهلوسات في عصرنا الحديث، كان عالم النفس تيموثي ليري (Timothy Leary) في الستينيات، وذلك في كتابه “تجربة المهلوسات” (The Psychedelic Experience). حيث يصف فيه كيف يمكن أن يحدث مـوت الأنا أثناء استخدام عقار ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك (LSD)، ويذكُر أن التجربة قد تكون إما مرعبة أو تنويرية، وذلك اعتماداً على مدى استعدادك لها.
وبعد عقد من الزمن أي في السبعينيات، اقترح عالم النفس ستانيسلاف جراف (Stanislav Graf) أن الهدف الرئيسي من العلاج بالعقاقير المهلوسة يجب أن يكون بلوغ تجربة موت الأنا.
إحدى الطرائق التي تُظهر فوائد المهلوسات العلاجية هي الظاهرة المعروفة باسم موت الأنا أو تفكك الأنا، لا سيما عند ربطها بإحساس معروف باسم “الترابط” (connectedness). إذ يُعتقد أن كلاهما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. والترابط بأبسط العبارات هو الشعور بالارتباط مع الذات والآخرين والعالم بأسره.
تشير النظريات العلمية الحالية إلى إمكانية تأثير كلا التجربتين بشكل إيجابي في صحتك وسلامتك النفسية والجسدية، لكن يجب إجراء المزيد من الأبحاث لفهم كيفية عمل ذلك.
العلامات التي تشير إلى تجربة موت الأنا
موت الأنا هو تجربة شخصية للغاية؛ فأولئك الذين جربوه يصفون ما شعروا به بفقدان أنفسهم أو الشعور وكأنهم اتحدوا مع الكون.
في دراسة أجريت في عام 2020 حول العلاقة بين استخدام الغلوتامات (وهي أحد الأحماض الأمينية الأساسية الموجودة في الجسم) وموت الأنا، لاحظ الباحثون أن المستويات المرتفعة من الغلوتامات في قشرة الفص الجبهي الوسطي أدت إلى تجربة سلبية لموت الأنا. بينما ارتبط انخفاض مستويات الغلوتامات في الحصين بتجربة إيجابية لموت الأنا.
العلامات التي تُشير إلى موت الأنا:
- لن يكون إحساسك بالوجود منفصلاً عن العالم.
- قد تشعر وأنك متصل بالكون.
- قد تشعر وأنك متصل بكل البشر.
ما الذي يثير حالة موت الأنا؟
على الرغم من أن موت الأنا غالباً ما يرتبط باستخدام العقاقير المهلوسة. إلا أن هناك أموراً أخرى يمكن أن تؤدي إلى بلوغه، إما عن طريق استخدام عقار مهلوس أو الدخول في حالة تأمل عميقة. كما قيل إن التجارب الأخرى التي تغير نظرتنا للحياة، مثل تجارب الاقتراب من الموت والولادة، هي تجارب مشابهة لمـوت الأنا.
يعتقد الأشخاص الروحانيون أنه يمكن بلوغ مـوت الأنا من خلال عقلك وحده، وذلك عبر الدخول في حالة تأمل عميقة. حيث يصف البوذيون هذه الظاهرة بالتنوير (enlightenment)، بينما يطلق عليها الصوفيون اسم “الفناء” وتعني زوال الذات وتتحقق من خلال التأمل المستمر في صفات الله.
يتمحور موت الأنا في جوهره حول فقدان الإحساس بالذات؛ فهو يؤدي إلى انخفاض كبير في الوعي الذاتي المرجعي، مما يؤدي إلى تغيير نظرتك إلى نفسك في العالم. ويعزز أحياناً الشعور بالاتحاد مع الآخرين والعالم بشكل عام.
التأثيرات الإيجابية لموت الأنا
غالباً ما تعني محاولة تجربة حالة موت الأنا استخدام عقار أحد المهلوسات للترويح عن النفس، الأمر الذي يستهجنه العديد من مقدمي الرعاية الصحية. ومع ذلك، هناك أبحاث واعدة حول فوائد استخدام المهلوسات التي تؤدي إلى موت الأنا على صعيد الصحة النفسية والجسدية للفرد.
تعزيز السلامة
في دراسة أجريت عام 2022 حول استخدام المهلوسات والدور الذي يلعبه كل من مـوت الأنا وحالة الترابط في تحسين صحتك النفسية، وجد الباحثون أن هناك تأثيرات علاجية مفيدة محتملة، بما في ذلك حالات مثل الاكتئاب والقلق واضطراب تعاطي المخدرات.
كما أفاد الباحثون بأن العزلة والتركيز المفرط على الذات (اللذان يمثلان حالة معاكسة لحالة مـوت الأنا والترابط) قد يرتبطان بالمعاناة النفسية.
شبكة الوضع الافتراضي
تُظهر الأبحاث وجود رابط بين الأنا والشعور بالذات مع شبكة الوضع الافتراضي (DMN) الخاصة بك. إذ يُعتقد بأنها مسؤولة عن العديد من الأشياء منها الأنا والعاطفة والأخلاق والتعاطف. [DMN: شبكة عصبية في الدماغ تصبح نشطة عندما لا نركز على ما يحدث حولنا. و تصبح نشطة بشكل خاص عند الإنخراط في الأفكار الداخلية كأحلام اليقظة أو التفكير في الماضي أو المستقبل، وبالذات التصورات عن الذات. وهي المسؤولة عن التفكير الإبداعي].
إن الطريقة التي تنظر بها إلى نفسك وقدر القيمة التي تعطيها لإحساسك بالذات والهوية الذاتية كلها عوامل تساهم في تشكيل الأنا لديك.
يرى بعض الناس أن الأنا هي العدسة التي ينظرون من خلالها إلى العالم؛ حيث يشير الأشخاص الذين يؤمنون بفوائد موت الأنا (تفكك الأنا) إلى أن العدسة هذه غالباً ما تكون مقيّدة. لذلك يعتقدون في المقابل أن مـوت الأنا يعمل على تحريرك من هذه القيود، عندما تبلغ حالة موت الأنا عن طريق استخدام عقار مهلوس، يبدو أن النشاط في شبكة الوضع الافتراضي يتباطأ، والذي يُعتقد أنه قد يؤدي إلى مـوت الأنا.
التأثيرات السلبية المحتملة لموت الأنا
على الرغم من أن موت الأنا (تفكك الأنا) يمكن أن يكون تجربة سارَّة، إلا أنه يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تجربة مرعبة. فكل ردة فعل يظهرها الناس بعد أخذ العقار فريدة عن غيرها. حيث تلعب عوامل مثل تاريخ الفرد في تعاطي المخدرات والجنس والعمر والعوامل البيئية الأخرى دوراً في تحديد تجربتك مع المهلوس.
من الممكن أن تظهر ردود فعل سلبية لاستخدام المهلوس، مثل:
- الغثيان.
- مشكلات في النوم.
- جفاف الفم.
- التعرق.
- الذعر.
- جنون الارتياب.
- الذهان.
أما التأثير طويل الأمد لموت الأنا (تفكك الأنا) نتيجة استخدام عقار مهلوس، فهو غير معروف، وقد تكشف البيانات يوماً ما عن تأثيرات جانبية غير متوقعة لذلك.
ونظراً لأن العلوم المادية الحديثة تنظر إلى تصوراتنا على أنها ظواهر بيولوجية فحسب، فإنها تفتقر إلى القدرة على النظر في التأثيرات “غير العلمية” ولكن ربما ذات الأهمية الدينية أو الروحية، التي قد ترافق حالة مـوت الأنا الناتج عن أخذ عقار مهلوس.
الخلاصة
موت الأنا هو بلا شك تجربة مفعمة بالحيوية والنشاط. سواءً كان يفيدك أم لا، لكنه مازال ومنذ فترة طويلة موضوعاً مثيراً للجدل بين أوساط خبراء العقاقير المهلوسة والموالين لاستخدامها.
كما تجدر الإشارة إلى أن استخدام مواد مثل المهلوسات بغرض الترويح عن النفس يمكن أن يكون مصحوباً بالعديد من التأثيرات الجانبية المزعجة وحتى المميتة.
اقـرأ أيضاً: عناصر الشخصية الثلاثة، الهو، الأنـا والأنـا العليا
اقرأ أيضـاً: المهلوسات، تاريخ استخدامها، أنواعها وآثاره
اقـرأ أيضاً: تأثير عقار إكستاسي على الدماغ
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم
