مراحل التغيير (Stages of change) أو نموذج نظرية مراحل التغيير “Transtheoretical” هو نموذج يُستخدم لتوضيح الخطوات التي يتخذها الأفراد للتغلب على الإدمان. ويمكن تطبيق مراحل التغيير على أي سلوك يرغب الفرد في تغييره ولكنه يجد صعوبة في ذلك. علماً أن هذا النموذج حقق نجاحاً مبهراً في علاج الأشخاص الذين يعانون من الإدمان بشتى حالاته.
تم تطوير هذا النموذج من أحد الأبحاث التي تنظر في كيفية حدوث التغيير أي “التعافي الطبيعي” من الإدمان وقد تبناه مقدمو الرعاية الصحية الذين يسعون إلى الابتعاد عن أساليب المواجهة والباراثولوجية (المَرضيّة) بهدف النُهج التحفيزية التي تتمحور حول الفرد مثل المقابلات التحفيزية.
مراحل نموذج نظرية التغيير للتغلب على الإدمان
يتكوّن نموذج نظرية التغيير من أربع مراحل رئيسية للتغلب على الإدمان: ما قبل التفكير، التفكير، التحضير، والعمل. وقد يتم إضافة مراحل إضافية مثل مرحلة الالتزام والثبات كما مرحلة الانتكاس.
يمكن رسم هذه المراحل على شكل حلقة، وضمن النظرية فإنه يتوجب على الأشخاص اتباعها بالترتيب. لكن في الواقع، يمكن للفرد تخطي بعض المراحل أو العودة إليها، وقد يتم القفز في أكثر من مرحلة في كل مرة.
يوفر هذا النموذج بمراحله المتتالية طريقة مفيدة لفهم عملية التغيير وتشجيع التغييرات في السلوكيات الإدمانية والتحكم بها.
مرحلة ما قبل التفكير
تعد مرحلة ما قبل التفكير (The Precontemplation Stage) أولى مراحل التغيير في نموذج التحكم بالإدمان وتغيير السلوك.
في الحقيقة، إن الأشخاص في هذه المرحلة لا يرون سلوكهم الإدماني على أنه مشكلة، وذلك بسبب عدم تعرضهم لأي عواقب سلبية بسببه. أو بسبب إنكارهم للعواقب السلبية التي قد مروا بها والتي كانت شديدة وقاسية. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم لا يهتمون بسماع النصائح التي تتعلق بالتوقف عن الإدمان.
وعادة ما يرى الأشخاص في هذه المرحلة أن سلوكهم الإدماني هو تجربة إيجابية أو ممتعة. ولكن يجب أن يدركوا أن العواقب السلبية ستؤثر حتماً عليهم في المستقبل. وقد تدفعهم هذه العواقب السلبية إلى الدخول في مرحلة “التفكير”.
مرحلة التفكير
تشير مرحلة التفكير (The Contemplation Stage) إلى المرحلة التي يبدأ فيها المدمن في التفكير العميق في أي شيء. وفي سياق نظرية مراحل التغيير فإنه يفكر في تغيير سلوكه الإدماني. وقد يرغب في التقليل منه أو الاعتدال في إدمانه أو حتى الإقلاع عنه.
وعادةً ما يصبح الشخص في هذه المرحلة أكثر انفتاحاً واستعداداً لتلقي أي معلومة تتعلق بالعواقب المحتملة لسلوكه الإدماني. وقد يكون على استعداد لتعلم استراتيجيات وخطط مختلفة للتحكم في سلوكه الإدماني أو الإقلاع عنه، دون الالتزام بنهج محدد أو أن يقطع وعداً بإجراء تغيير.
وقد يبقى الأشخاص المصابون بالإدمان في مرحلة التفكير لسنوات عديدة، قبل الانتقال إلى المرحلة التالية (مرحلة الإعداد والتحضير) أو العودة إلى مرحلة ما قبل التفكير. وعادةً ما يستفيد المتأملون من أساليب تقديم المعلومات دون التسرع في إطلاق الأحكام والمقاربات التحفيزية لإحداث التغيير والتشجيع على القيام به، بدلاً من أساليب المواجهة.
مرحلة التحضير
تعني مرحلة التحضير (The Preparation Stage) في نموذج نظرية التغيير أن الشخص المصاب أن المدمن انتقل إلى التخطيط والاستعداد لتنفيذ التغييرات التي تعلمها في مرحلة التفكير للتعامل مع الإدمان، وإن هذا التحضير الشامل والمدروس خطوةً مهمةً للنجاح.
خلال هذه المرحلة، يمكن أن يقوم الشخص بالعديد من الإجراءات، مثل:
- تحديد نوع التغيير الذي يريد القيام به: هل يريد التقليل من السلوك الإدماني أم الإقلاع عنه تماماً؟.
- تحديد كيفية إجراء التغيير: مثلاً، إذا كان الشخص يريد الحد من تدخين السجائر، فما هي الكمية التي يجب عليه أن يقلل من تدخينها؟.
- الحصول على الموارد اللازمة: مثلاً، البحث عن أنسب أنواع اللاصقات النيكوتينية أو الحصول على مستشار أو أخصائي اجتماعي للمساعدة في السير خلال هذه المرحلة. إذ من الممكن الحصول على نتائج عكسية والعودة إلى التدخين نتيجة عدم استخدام الكمية الصحيحة من اللصاقات.
- التخلص من المحفزات التي تزيد من الرغبة الملحة في السلوك الإدماني، مثل منفضة السجائر والولاعات لدى المدخنين أو المواد الإباحية للمدمنين على ممارسة الجنس.
- الحصول على الدعم اللازم، مثل إبلاغ الأصدقاء والعائلة بشأن خططك للتغيير. أو حجز موعد في مركز للعلاج أو العثور على فريق دعم.
وقد يكون هناك العديد من الإجراءات الأخرى التي يجب العمل بها في ظروف الشخص المصاب بالإدمان. على سبيل المثال العثور على مكان نظيف وآمن لبدء حياة جديدة. في النهاية، يكون الشخص جاهزاً للانتقال إلى مرحلة العمل بعد الانتهاء من الاستعدادات اللازمة.
مرحلة العمل
مرحلة العمل (The Action Stage) هي المرحلة الأساسية التي يركز عليها العديد من الأفراد الذين يسعون إلى التغلب على الإدمان، حيث يبدأ التغيير الحقيقي في الظهور.
رغم أن هذه المرحلة غالباً ما تكون متعبة، لكن يمكن تحويلها إلى فترة مميزة وشيّقة تفسح المجال للخيارات والحلول الجديدة، وذلك بفضل التحضير الجيد.
كما تختلف مراحل العمل بين الأفراد، فقد يبدأ البعض بالتوجه إلى مركز للتخلص من السموم أو العلاج. في حين يسعى البعض الآخر إلى الاعتدال أو التحكم في السلوك بدلاً من الإقلاع الكُلّي.
وفقاً للأهداف التي وضعتَ نصابها في مرحلة التفكير والخطط التي أنشأتها في مرحلة التحضير فإن خطوات هذه المرحلة قد تكون بإحداث تغيير بسيط أو أداء خطوات تدريجية أو تغيير جذري في حياتك.
وقد يستغرق التعود على الحياة دون الإدمان بعض الوقت. فقد تشعر بالفراغ وبعض المشاعر الغريبة حتى لو كانت الطرق البديلة أو مصادر الدعم نافعة.
يمكن أن تكون مرحلة العمل مشابهة للحياة الطبيعية. ولكن مع ضبط النفس بشكل أكبر وربما حاجة أكبر إلى الدعم وطرق أخرى للتعامل مع التوتر.
علماً أن تحديد وتطوير طرق فعالة للتعامل مع التوتر أمرٌ بالغ الأهمية خلال هذه المرحلة. حيث يساعد ذلك على تجنب مرحلة الانتكاس والانتقال بفعالية إلى مرحلة الثبات والالتزام.
مرحلة الثبات والالتزام
تركز مرحلة الثبات والالتزام (The maintenance stage) على الحفاظ على التقدم الذي تم تحقيقه في مرحلة العمل، وبالنسبة للأفراد الذين يعانون من الإدمان، يعني ذلك الالتزام بالنوايا التي تم تحديدها في مرحلة التحضير والسلوكيات التي تم تطبيقها في مرحلة العمل.
يشمل ذلك: الامتناع عن تعاطي العقاقير والكحول، والحفاظ على مستوى منخفض من السلوكيات الإدمانية، والالتزام بالحدود مثل اتباع خطة إنفاق بحالة إدمان المقامرة أو إدمان التسوق، والسعي وراء أهداف الحد من الضرر مثل ممارسة الجنس الآمن.
تزداد تحديات ومصاعب مرحلة الثبات والالتزام بعد فترة زمنية وقد تقل أو تتداعى شدة التركيز على بلوغ الهدف. وقد يشعر الأفراد بالرضا عن النفس في هذه المرحلة ويفكرون بأن أي هفوة صغيرة لن تحدث فرقاً كبيراً.
ويصبح الالتزام والثبات صعباً مع استمرارية مواجهة ضغوطات الحياة. وقد تلوح الطرق القديمة والمألوفة للتأقلم في أفق العودة إلى السلوك الإدماني.
لذا من المهم تعلم طرق جديدة للتعامل مع الإجهاد أثناء مرحلة العمل حتى تصبح الاستراتيجيات البديلة متاحة للأفراد خلال مرحلة الثبات والالتزام.
مرحلة الانتكاس
تندرج مرحلة الانتكاس (The Relapse Stage) أحياناً ضمن نموذج مراحل تغيير السلوك، في حال حدوث هفوات صغيرة أو حتى العديد منها، أو حتى بسبب الانتكاسات التي مرّ بها الفرد نتيجة العودة إلى ممارسة السلوك الإدماني مرة أخرى قبل تحقيق الثبات التام.
وتؤثر عملية التغيير في الأفراد بشكل مختلف، أي يستطيع بعضهم التكيف مع التحكم في الشرب أو تعاطي المخدرات أو السلوكيات التي تسبب الإدمان دون أن يصبحوا مدمنين. وبالنسبة للآخرين فإن الإمتناع هو الطريقة الوحيدة للسيطرة على إدمانهم.
وفي بعض الأحيان، لا يكتشف الشخص ما يعنيه التعافي من الإدمان حقاً إلا بعد حدوث عدة انتكاسات. إذ يعد التعافي من الإدمان عملية صعبة ومعقدة. ولكن يمكن تحقيقها بالاستمرار في التركيز على الأهداف والعمل على تحقيقها مع وجود الدعم المناسب والتحضير الجيد.
اقـرأ أيضاً: الإدمان ومراحل تطوره النفسية
اقرأ أيضـاً: الامتناع في سياق علاج الإدمان
اقـرأ أيضاً: ماذا يجب أن يفعل المرء بعد الانتكـاس؟
المصدر: The Stages of Change Model of Overcoming Addiction
تدقيق: هبة محمد
تحرير: جعفر ملحم