علم النفس الشرعي السريري، تعريفه والمجالات التي يختص بها

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

إحدى الأشياء التي تجعل من كونك عالم نفس شرعي أمراً ممتعاً وشاقاً هي جاذبية هذا العلم، هذا صحيح، علم النفس الشرعي موضوع جذاب ومثير، فهو مُغرٍ بطبيعته سواء للمهتمين بدراسة هذا المجال أو للأشخاص العاديين. لكن يكمن التحدي في هذا الجانب الجذاب له.

 يعتقد الناس أنهم على دراية جيدة بعلم النفس الشرعي و بجوانبه المختلفة. ومن هنا تأتي مشكلة تضخيم هذه الجوانب المدهشة أو سوء فهمها. لذلك سنحاول في هذه المقالة الحفاظ على جاذبية هذا المجال بينما نقوم بتعريف علم النفس الشرعي السريري ودراسة علاقته المُعقدة مع القانون. ووصف الموضوعات التي تميّز علـم النفس الشرعي ووظيفة العالم النفسي الشرعي، بالإضافة إلى وصف التدريب والتعليم اللازمين ليكون الشخص عالم نفس شرعي.

 ما هو علم النفس الشرعي السريري؟

بقدر ما تجعل جاذبية علم النفس الشرعي منه أمراً شاقاً وعظيماً بقدر ما أن تعريف علم النفس الشرعي واضح جداً ومعقد في نفس الوقت. بشكل أساسي، فإن علم النفس الشرعي هو تطبيق علم النفس على القانون. مع ذلك فهناك الكثير من الآراء المتضاربة والجدال حول اتساع نطاق المواضيع التي يشملها هذا التعريف.

يعتقد البعض أن علم النفس الشرعي يشير فقط إلى الجوانب السريرية لعلم النفس كتقييم وعلاج المرض النفسي. ويعتقد آخرون أن علم النفس الشرعي يجب ترجمته بشكل أوسع  ليشمل المواضيع غير السريرية أيضاً كشهادة شهود العيان واتخاذ قرارات هيئة المحلفين.

في هذه المقالة سيكون تركيزنا فقط على الجوانب السريرية. لذلك سنعرّف علم النفس الشرعي على أنه تطبيق الممارسة السريرية لعلم النفس على القانون.

بعد تعريفنا هذا وقولنا “أن هذا الموضوع مثير”، سيتبادر لذهنك أن هذا التعريف لا يبدو مثيراً بشكل كافٍ، إذاًً لماذا نقول أن علم النفس الشرعي مثير للاهتمام بطبيعته؟

الجوانب المثيرة لعلم النفس الشرعي 

جاء ضمن الاقتباس المقتطف في موسوعة ويكيبيديا النص التالي: “ربما يكون علماء النفس الشرعيون معروفين بشكل كبير بمشاركتهم في عمليات مسرح الجريمة”.

هذا المقتطف هو مثال ممتاز للمعتقدات المضللة التي تظهر بشكل متكرر فيما يتعلق بعلم النفـس الشرعي ومدى التقييم الذي يجب أن تقوم به أثناء قراءتك لـ “موسوعة” إلكترونية يمكن لأي شخص أن يُساهم في المشاركة فيها في العصر الحديث. 

المشكلة الحقيقية في العبارة السابقة هي أنّها صحيحة نوعاً ما. فالمفهوم السائد لدى العوام عن علم النفـس الشرعي يأتي بالفعل من البرامج التلفزيونية والأفلام التي يشارك فيها عالم نفسي في “عمليات مسرح الجريمة “.

وغالباً ما تُصور أفلام مثل (Silence of the Lambs) أو (Kiss the Girls) علماء النفس الشرعي على أنهم محققون خارقون، يدخلون في أذهان القتلة المتسلسلين بتقنياتهم النفسية ويُحبطون خططهم الإجرامية.

وقد كان هنالك حتى برنامج عرض لعدة سنوات ولعبت فيه الدكتورة سامانثا ووترز دور عالمة نفس شرعي تعمل كمحققة نفسية اسمه “Profiler“.

المشكلة الوحيدة في مثل هذه البرامج التلفزيونية والعروض هي عدم وجود دعم تجريبي في علم النفس لوجود قوى نفسية. كما أنّ علماء النفس الشرعي لا يحلون الجرائم عبر قراءة أوراق الشاي أو تفسير الرؤى الذهنية الغامضة.

وحتى المسلسلات التلفزيونية مثل (CSI) والتي تتضمن استخدام علوم جنائية فعليّة تجعلك تعتقد بأنك علماء النفس الشرعي موجودون في مسرح الجريمة ويلقون القبض على المجرمين.

حقيقة علم النفس الشرعي 

إنّ حقيقة علم النفـس الشرعي في الواقع أقل إثارة من الصورة النمطية الشائعة التي يتصورها الناس. ولكنه رغم ذلك فإنه يحمل بعض الجوانب منها. ففي الواقع سيكون من النادر أن يُشارك علماء النفس الشرعي في أي من مناحي التحقيقات الجنائية لأنّ ضباط إنفاذ القانون هم الأشخاص الأصلح لهذه المهمة. 

وفي مسح قام به كل من (Torres) و(Boccaccini) و(Miller) في عام 2006 على عينة من علماء النفس الشرعي. تبين أنّ أقل من 10% من المشاركين قد شاركوا في تحقيقات مسرح الجريمة أو في تحليل جنائي. إذ أنّ مفهوم التوصيف (التحليل) الجنائي ظهر للمرة الأولى في مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في السبعينيات كوسيلة للمساعدة في البحث عن القتلة المتسلسلين. 

في تلك الفترة شكل مكتب التحقيقات الفيدرالي وحدة العلوم السلوكية. وأجرى العديد من المقابلات مع القتلة المتسلسلين وحدد في النهاية قائمة بالخصائص أو ملف تعريف للأنواع المختلفة من القتلة المتسلسلين. ومع ذلك فقد كانت جهود مكتب التحقيقات الفدرالي ذات طبيعة استقصائية ولم تعتمد كثيراً على الخبرة أو النهج النفسية.

لذلك، وحتى مع كون مكتب التحقيقات الفدرالي يحصل على الاستشارات من علماء النفس الشرعي بشكل متكرر. وهناك المزيد من بعض المحاولات الحديثة من قبل علماء النفس لجعل طرق التحقيق في مسرح الجريمة أكثر اعتماداً على السبل العلمية وأساليب علم النفس. إلا أنّ التوصيف الجنائي ما زال أداة تستخدمها قوى إنفاذ القانون وتتضمن تطبيقاً محدوداً لطرق علم النفس.

بدلاً من العمل في التحقيق ضمن مسارح الجرائم، فإنّ عمل علماء النفس الشرعي يبدأ حالما تبدأ الإجراءات القانونية التالية لارتكاب الجريمة. وإن كنت تذكر فقد وصفنا علم النفـس الشرعي سابقاً بأنّه تطبيق الممارسة السريرية لعلم النفس على النظام القانوني.

يركز علم النفس السريري على تقييم الشخصية وعلاج الأمراض النفسية. فقد يقوم عالم النفس السريري بتقييم أو تقدير ما إذا كان الطفل يُعاني من إعاقة في التعلم أو اضطراب نقص الانتباه مثلاً، وقد يُساعد أيضاً في علاج أو تخفيف الألم العاطفي لشخص يعاني من الاكتئاب أو تعرض لاعتداء جنسي. 

وفي المقابل، يمكن أن يتصرف علماء النفس السريري المتخصصون بعلم النفـس الشرعي بطريقة مشابهة ضمن القضايا المرتبطة بالنظام القانوني. فيمكن أن يقيّم علم النفس الشرعي حالة شخص تعرض لحادث مروري ويقدّر إن كان يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة. أو قد يقوم بتقييم للحضانة وتقديم معلومات للمحكمة حول أفضل ترتيبات للحضانة بين الوالدين في حالات الطلاق. 

الصعوبة في تطبيق علم النفس على النظام القانوني

كما سبق لنا أن ذكرنا، هنالك العديد من الفرص أمام التفاعلات الإيجابية بين مجالات علم النفس والقانون. ومع ذلك فإنّ التزاوج بين هذين التخصصين لا يأتي دون بعضٍ من التضارب المتأصل. 

يتم تدريب القضاة والمحامين على النظر إلى السلوك البشري بصورة مختلفة نوعاً ما عن نظرة علماء النفس. وهذا الاختلاف هو ما يفرض تحديات فريدة على التعاون بين المجالين. ولكن مع فهم لهذه التحديات، فما زال هنالك أمل في شراكة إيجابية ومناسبة بينهما. 

قضايا هامة في علم النفس الشرعي

عموماً، يحاول علماء النفس الشرعي مساعدة المحاكم في صنع القرارات من خلال تقديم خبراتهم النفسية لتقييم بعض المواقف على الرغم من وجود بعض التعارضات أو الصعوبات بين علم النفس الشرعي ومجال القانون. هذه الخبرات يمكن توظيفها في مجموعة متنوعة من المواقف والحالات. 

علماء النفس الشرعي يمكن أن يقدموا آراءهم في بعض القضايا الجنائية أو المدنية. وقد يعملون مع البالغين أو الأطفال، وقد تقتصر مهماتهم على إجراء التقييم أو تمتد إلى تقديم العلاج النفسي

ولكن نظراً لعدم إمكانية الحديث عن كافة القضايا المحتملة التي يمكن أن يشتركوا في حلها ، فقد اخترنا التركيز على خمسة من أكثر القضايا الشائعة التي يتم اللجوء إلى علم النفس الشرعي فيها وهي السيكوباتية (الاعتلال النفسي)، تقييم المخاطر، جرائم الاعتداء الجنسي، تقييم الجنون والكفاءة العقلية وتقييمات حضانة الأطفال

وهنا سوف نعرّف كل حالة ونصف دور عالِم النفس الشرعي ونستكشف الأساس التجريبي لممارسة علم النفس الشرعي في كل منها. 

السيكوباتية (الاعتلال النفسي)

مصطلح السيكوباتية هو أحد المصطلحات التي كانت موجودة ومستخدمة لوقت طويل، ولكنه أصبح موضوعاً يحظى باهتمام كبير ومتزايد من قبل علماء النفس الشرعي خلال السنوات الثلاثين الماضية فقط. في الحقيقة، يمكننا أن نُجادل أنّ السيكوباتية هي محور أبحاث حالية متزايدة في علم النفس ويتم التركيز عليها أكثر من بقية المواضيع تقريباً. ورغم ذلك فما زال هناك بعض الالتباس والجدل حول معنى السيكوباتية حتى بين علماء النفس. 

بالعموم، السيكوباتية هي بنية نفسية تصف مجموعة من السمات العاطفية والشخصية والسلوكية والتي ترتبط بالسلوك المعادي للمجتمع. 

تقييم المخاطر 

تقييم المخاطر هو أحد المواضيع الحيوية المرتبطة بالسيكوباتية والتي يهتم بها علم النفس الشرعي. وقد أشير لتقييم المخاطر بشكل شائع أكثر على أنه تنبؤ بالعنف وذلك لأنّ التركيز الأساسي لعلم النفس الشرعي كان على محاولة معرفة ما إذا كان شخصٌ معين سيصبح عنيفاً أم لا. 

ومع ذلك، فإنّ تقييم المخاطر لا يتعلق فقط باتخاذ قرارات قسرية بشأن إن كان الشخص سوف يتحول إلى السلوكيات العنيفة أم لا. بل يتعلق أيضاً بتحديد العوامل التي يمكن أن تزيد خطر التحول إلى العنف وفورية العنف وشدة أي عمل عنيف محتمل وتحديد بعض الطرق من أجل التعامل مع هذا العنف. 

الاعتداءات الجنسية 

مرتكبو الجرائم الجنسية هم شريحة أساسية تركز عليها عملية تقييم المخاطر والعديد من التشريعات والمحاولات السريرية من أجل تقليل العنف الجنسي. كتعريف يمكن أن نقول أنّ المعتدي الجنسي هو الشخص الذي ارتكب فعلاً جنسياً يشمل على استخدام القوة أو التهديد ضد شخص غير راغب بالمشاركة في هذا النشاط الجنسي.

تشمل الاعتداءات الجنسية طيفاً واسعاً من الأفعال الجنسية ضد مجموعة واسعة من الضحايا، فقد أصبح الشعب والنظام القضائي أكثر اهتماماً بالمعتدين الجنسيين في الفترة الأخيرة. 

تقييم الكفاءة العقلية والجنون 

سبق وذكرنا أنّ علم النفس الشرعي يمثل التفاعل بين الممارسة السريرية لعلم النفس وتطبيق القانون. ولذلك كان من الطبيعي أن يهتم بمسائل مثل الكفاءة والجنون. 

الكفاءة العقلية والجنون مسألتان قانونيتان تفحصان جوانب صحية نفسية محددة من الممارسات السريرية في سياق قانوني. 

تستخدم المحاكم علماء النفس الشرعي كخبراء للمساعدة في التوصل إلى قرارات قانونية في كلا المجالين القانوني والنفسي. ولكن التركيز الأكبر ينصبّ على الحصول على إجابة وافية أمام المحكمة وليس الإجابة على سؤال نفسي. 

على الرغم من أن الجنون والكفاءة العقلية يركزان كلاهما على جوانب صحية نفسية من القانون. إلا أن القضايا المرتبطة قد تكون مختلفة بشكل كبير ومشوشة للغاية. ولذلك فتقييم الجنون يركز على الحالة العقلية للشخص في وقت ارتكاب الجريمة. في حين يركز تقييم الكفاءة على الحالة العقلية له في اللحظة الحالية. 

تقييم شروط وظروف حضانة الطفل

لا يقتصر دور علم النفس الشرعي على القضايا الجنائية. فغالباً ما يُطلب منه المشاركة في قضايا مدنية أقل إثارة ومنها قضايا الخلافات على الوصاية. عندما ينفصل الوالدان عن بعضهما ويتشاجران على حضانة الأطفال فقد يضطر النظام القضائي إلى التدخل لحل النزاع. وفي السنوات الأخيرة، تزايدت مشاركة علماء النفس الشرعي في مساعدة المحاكم على تسوية هذه الخلافات.

الدراسة والتدريب اللازمان من أجل العمل في مجال علم النفس الشرعي 

يسأل العديد من الطلاب كيف يمكن لهم أن يدخلوا في حقل علم النفس الشرعي. أو أن يعملوا في بعض المجالات التي سبق ذكرها، والإجابات على هذا السؤال تتنوع كثيراً بقدر تنوع المهام التي يمكن لعالم النفس الشرعي أن يحملها على عاتقه. ولكن الشيء الوحيد الواضح هو أنّك تحتاج إلى شهادة جامعية كي تصبح طبيباً نفسياً. 

يتطلب العمل في كثير من المجالات الحصول على درجة دكتوراه PHD أو الدكتوراه في علم النفس PsyD. ولكن في بعض الحالات قد يمكن لك ممارسة العلاج النفسي وحتى إجراء تقييمات نفسية باستخدام شهادة الماجستير في بعض البلدان. 

خلاصة 

حاولنا في هذا القسم توضيح بعض المفاهيم الخاطئة حول دور عالم النفس الشرعي. وكذلك تسليط الضوء على التحديات والتطبيقات والتدريب الضروري من أجل ممارسة هذه المهنة. وبالرغم من اختلاف الحقيقة عما تشاهده في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية. إلا أنّ مهنة علم النفس الشرعي ما تزال مثيرة للاهتمام بشكل كبير. 

يُعتبر مجال علم النفس الشرعي طريقة مثالية للعمل في حقل علم النفس والمجال القانوني في ذات الوقت. ولكن يترافق ذلك بالطبع مع العديد من التحديات. مجالات البحث التي يتناولها علم النفس الشرعي كثيرة ولكن أهمها هو السيكوباتية وتقييم المخاطر والجنون والكفاءة وبعض المسائل المدنية مثل حضانة الأطفال بعد الطلاق. ويمكن أن يتخصص عالم النفس السريري في أكثر من مجال مما سبق. وإن كنت تخطط للعمل في مجال علم النفس الشرعي، فعليك أن تدرس ضمن برنامج للدراسات العليا. على الرغم من أن الطريق الذي يختاره الشخص يمكن أن يختلف اعتماداً على اهتماماته وقدراته الفردية.

اقرأ أيضاً: الاعترافات الكاذبة، لماذا يعترف الأبرياء بجريمة لم يرتكِبوها؟

المصدر: Clinical Forensic Psychology

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: