يؤدي الفشل في إدارة الغضب إلى مجموعة مختلفة من المشكلات مثل قول أشياء تندم عليها أو الصراخ في وجه أطفالك، تهديد زملائك في العمل، إرسال رسائل إلكترونية عشوائية، ظهور مشكلات صحية أو حتى اللجوء إلى العنف الجسدي.
لكن ليست كل مشاكل الغضب بهذه الخطورة. بدلاً من ذلك، قد ينطوي غضبك على إضاعة الوقت في التفكير في الأحداث المزعجة أو الشعور بالارتباك من ازدحام المرور أو تنفيس الغضب من العمل.
إدارة الغضب لا تعني عدم الشعور به على الإطلاق. بدلاً من ذلك، فهي تنطوي على تعلم كيفية إدراك غضبك والتأقلم معه والتعبير عنه بطرق صحية وفعالة.
إدارة الغضب مهارة يمكن للجميع تعلمها. حتى في حال كنت تعتقد أنك تسيطر على غضبك، فهناك دائماً مجال للتحسين.
ما هي إدارة الغضب؟
بما أن نتيجة الغضب غير المضبوط هي السلوك العدواني غالباً، تستخدم إدارة الغضب تقنيات مختلفة لمساعدة الشخص على التعامل مع الأفكار والمشاعر والسلوكيات بطريقة صحية ومثمرة.
لماذا يجب التحكم بالغضب؟
الغضب هو عاطفة يمكن أن تتراوح من انفعال خفيف إلى غيظ شديد. بينما يصنف الكثير من الناس الغضب على أنه “عاطفة سلبية”، إلا أنه يمكن أن يكون إيجابياً. إذ قد تدفعك مشاعر الغضب إلى مساندة شخص ما أو الدفاع عنه أو قد تقودك إلى إحداث تغيير اجتماعي.
ولكن عند تركها دون ضوابط، يمكن أن تؤدي مشاعر الغضب إلى سلوك عدواني، مثل الصراخ في وجه شخص ما أو الإضرار بالممتلكات. قد تسبب مشاعر الغضب أيضاً انسحابك من العالم وتحويل غضبك إلى الداخل مما قد يؤثر على الصحة ورفاه النفس.
يصبح الغضب إشكالياً عندما يسيطر على الشعور في كثير من الأوقات أو يكون قوياً جداً أو عندما يتم التعبير عنه بطرق غير صحية ذات تأثير جسدي ونفسي واجتماعي. لهذا السبب، قد تكون استراتيجيات إدارة الغضب فعالة ومفيدة و تساعدك على اكتشاف طرق صحية للتعبير عن مشاعرك.
استراتيجيات إدارة الغضب
تظهر الأبحاث باستمرار أن التدخلات السلوكية المعرفية فعالة في تحسين إدارة الغضب وتتضمن تغيير الطريقة التي تفكر وتتصرف بها، فهي تستند إلى مفهوم أن أفكارك ومشاعرك وسلوكياتك كلها مرتبطة ببعضها البعض.
يمكن لأفكارك وسلوكياتك إما أن تؤجج مشاعرك أو تخمدها، لذا إذا أردت تغيير حالتك العاطفية بعيداً عن الغضب، يمكنك تغيير ما تفكر فيه وما تفعله. فبدون صب الزيت على نار غضبك، ستبدأ مشاعر الغيظ داخلك في التضاؤل وستشعر بالهدوء أكثر من ذي قبل.
أفضل طريقة لضبط غضبك هي رسم خطة للتحكم به. بعد ذلك، ستعرف ما يجب فعله عندما يبدأ شعور الانزعاج بالتغلغل داخلك.
فيما يلي إحدى عشرة استراتيجية قد ترغب في تضمينها ضمن خطتك لإدارة الغضب، فقد تم تصميم هذه الأدوات لمساعدتك على التحكم بغضبك والسيطرة عليه.
تحديد ما يثير الغضب
في حال اعتدت على أن تفقد أعصابك، قم بتقييم الأمور التي تثير غضبك. سواء كانت الطوابير الطويلة أو الازدحام المروري أو التعليقات الساخرة أو الإرهاق المفرط فهي مجرد أشياء قليلة قد تقلص درجة تحملك.
بينما لا يجب أن تلوم الأشخاص أو الظروف الخارجية على عجزك عن الحفاظ على هدوئك، إلا أن فهم الأشياء التي تثير غضبك يمكن أن يساعدك على التخطيط وفقاً لهذا.
قد تقرر تغيير كيف تُمضي يومك كي يساعدك على إدارة التوتر بشكل أفضل. أو يمكنك التدرب على بعض تقنيات إدارة الغضب قبل أن تواجه ظروفاً تقلقك عادةً.
يمكن أن يساعدك القيام بهذه الأشياء على إطالة صبرك ما يعني أن حدثاً واحداً مزعجاً لن يغضبك.
قيّم غضبك
قبل أن تشرع بتصرف ما كي تهدئ من روعك، اسأل نفسك عما إذا كان غضبك ودوداً أو لدوداً. إذا كنت شاهداً على انتهاك حقوق شخص ما أو كنت في حالة غير صحية، فقد يكون غضبك مساعداً.
في هذه الحالات، يمكنك أن تستمر بتغيير الموقف بدلاً من تغيير حالتك العاطفية. في بعض الأحيان، يكون غضبك علامة تحذير على أن شيئاً آخر يحتاج إلى التغيير مثل علاقة مسيئة عاطفياً أو صداقة سامة.
قد يمنحك الشعور بالغضب الشجاعة التي تحتاجها لاتخاذ موقف أو إجراء تغيير.
ومع ذلك، إذا تسبب غضبك في الضيق أو إلحاق الضرر بعلاقاتك، فقد يكون عدواً لسلامتك. تشمل العلامات الأخرى لهذا النوع من الغضب الشعور بالعجز وفقدان السيطرة والندم على ما تفوّهت به أو ما تصرّفته لاحقاً. في هذه المواقف، من المنطقي العمل على مواجهة مشاعرك وتهدئة نفسك.
تعرّف على علامات التحذير
إذا كنت مثل البعض، ستشعر أنك تغصب بسرعة، وربما تنتقل من الهدوء إلى الغضب خلال أجزاء من الثانية. لكن لا تزال هناك علامات تحذيرية من المحتمل أن تؤشر إلى أن الغضب يتصاعد، ويساعد إدراكها مبكراً على التحرك ومنع الغضب من الوصول إلى أوجه.
فكّر في علامات التحذير الجسدية للغضب التي تشعر بها، فربما ينبض قلبك بشكل أسرع أو تشعر بحرارة في وجهك أو تبدأ في قبض كفيك. وقد تلاحظ أيضاً بعض التغييرات المعرفية، إذ ربما تتسارع أفكارك أو تتشوش رؤيتك.
من خلال التعرف على علامات التحذير الخاصة بك، تكون الفرصة أمامك لاتخاذ إجراءات فورية ومنع نفسك من أداء أو قول أشياء تخلق مشاكل أكبر. تعلم أن تنتبه لما تشعر به وستدرك علامات التحذير بشكل أفضل.
ابتعد قليلاً
لن تؤدي محاولة كسب أي جدال أو اقتحام موقف سلبي إلا إلى تأجيج غضبك. من أفضل الأشياء التي يمكنك فعلها عندما يستعر غضبك هو إبعاد نفسك عن الموقف إن أمكن.
عندما يحتد الحديث أو النقاش، خذ قسطاً من الراحة واترك الاجتماع إذا كنت تعتقد أنك ستنفجر غضباً، واذهب في نزهة إذا أزعجك أطفالك. يمكن أن يكون الابتعاد والعزلة قليلاً مفتاحاً لمساعدتك على تهدئة عقلك وجسمك.
إذا كان هناك شخص ما تدخل في خلافات محتدمة معه بشكل روتيني مثل صديق أو أحد أفراد الأسرة، فتحدث معه حول أهمية أخذ مهلة واستئناف الحديث عندما يشعر كلاكما بالهدوء.
عندما تحتاج إلى الابتعاد، اشرح أنك لا تحاول التملص من الموضوعات الصعبة لكنك تعمل على إدارة غضبك.
لا يمكنك إجراء محادثة مثمرة أو حل خلاف ما عند شعورك بالانزعاج حقاً. ويمكنك العودة إلى المناقشة أو معالجة المشكلة مرة أخرى عندما تشعر بالهدوء.
من النافع أحياناً تحديد وقت ومكان معينين يمكنك فيهما مناقشة المشكلة مرة أخرى. يمنح ذلك صديقك أو زميلك أو أحد أفراد أسرتك إحساساً بالطمأنينة لأن القضية سيتم نقاشها بالفعل لكن في وقت لاحق.
تحدث إلى صديق
إذا كان هناك شخص له تأثير مهدئ عليك، ربما من المفيد التحدث معه عن مشكلة أو التعبير عن مشاعرك. رغم ذلك من المهم ملاحظة أن التنفيس عن المشاعر يمكن أن يؤتي بنتائج عكسية.
الشكوى من رئيسك في العمل وشرح جميع أسباب عدم محبتك لأحد ما أو التذمر من كل ما تعتقده ظلماً قد يؤجج غضبك.
أحد المفاهيم الخاطئة الشائعة أنه يجب عليك التنفيس عن غضبك لتشعر بتحسن، لكن تظهر الدراسات أنك لست بحاجة إلى “إخراج غضبك”. في الواقع يمكن أن يجعلك تحطيم الأشياء عند انزعاجك أكثر غضباً، لذلك من المهم استخدام مهارة التأقلم هذه بحذر.
وبالمثل، إذا أردت الحديث مع صديق، تأكد من أنك تعمل على إيجاد حل أو تقليل غضبك، وليس التنفيس فقط، ليس من العدل استخدامه لسماعك فقط. بدلاً من ذلك، قد تجد أن أفضل طريقة لاستخدام هذه الاستراتيجية هي التحدث عن أمر آخر غير الموقف المسبب للغضب.
تحرّك
يشعرك الغضب باندفاع الطاقة بداخلك، لذا فإن الانخراط في نشاط بدني سواء كنت تمارس رياضة المشي السريع أو الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية من أفضل الطرق للاستفادة من هذا الهيجان، فالتمارين الرياضية يمكن أن تحرق التوتر الإضافي.
يساعدك التمرين المنتظم أيضاً على تخفيف الضغط إذ تقلل التمارين الهوائية من التوتر، ما قد يساعد في تحسين قدرتك على تحمل الارتباك.
بالإضافة إلى ذلك، يسمح لك التمرين بتصفية ذهنك. قد تجد أنه بعد الجري الطويل أو التمرين الشاق أصبحت لديك رؤية ومنظور أوضح لما كان يزعجك.
حاول إدارة أفكارك
تزيد الأفكار الغاضبة من ثورة غضبك، ويرفع التفكير بأشياء مثل “لا يمكنني تحمل ذلك، هذا الازدحام المروري سيدمر كل شيء” من درجة إحباطك. أعد صياغة أفكارك عندما تجد نفسك تفكر في أشياء تشعل غضبك.
عوضاً عن ذلك، فكر في الحقائق كقول: “هناك ملايين السيارات على الطريق كل يوم. أحياناً سيكون هناك ازدحام مروري”.
يمكن أن يساعدك التركيز على الحقائق دون إضافة تنبؤات كارثية أو مبالغات مشوهة على البقاء أكثر هدوءاً. يمكنك أيضاً صياغة شعار أو مقولة تكررها لطرد الأفكار التي تعزز غضبك.
إن قول “أنا بخير، ابقَ هادئاً” أو “غير مفيد” مراراً وتكراراً يمكن أن يساعدك في تصغير أو تقليل الأفكار المسببة للغضب.
تغيّير مجرى تفكيرك
التفكير مطولاً في موقف مزعج يغذي مشاعر الغضب. مثلاً، إذا كان يومك سيئاً في العمل، فإن إعادة صياغة كل ما حدث بشكل خاطئ طوال المساء يبقيك عالقاً في حالة من الإحباط.
أفضل طريقة لتهدئة نفسك هي تغيير مجرى تفكيرك والتركيز على شيء آخر كلياً.
أن تقول لنفسك “لا تفكر في ذلك” ليس ناجحاً دائماً، أفضل طريقة لتغيير منحى ذهنك هي تشتيت انتباهك بنشاط ما. افعل شيئاً يتطلب تركيزك واجعله أكثر صعوبة أمام تسلل أفكار الغضب أو السلبية إليه.
قد تشمل بعض الأمثلة تنظيف المطبخ مطولاً أو إزالة الأعشاب الضارة من الحديقة أو دفع بعض الفواتير أو اللعب مع الأطفال.
ابحث عن شيء تفعله يجعل عقلك مشغولاً بما يكفي بحيث لا تفكر كثيراً في الأشياء التي تزعجك. بعد ذلك ، يمكن لجسمك وعقلك أن يصبحا أكثر هدوءا.
التركيز على الاسترخاء
تساعد ممارسة تمارين الاسترخاء المختلفة على الحد من الغضب، والمفتاح هو العثور على التمرين الأفضل لك. تمارين التنفس واسترخاء العضلات التدريجي هما استراتيجيتان شائعتان لتقليل التوتر.
أفضل جزء هو أنه يمكن إجراء كلي التمرينين بسرعة وسرية (دون أن يلاحظ أحد ذلك). لذا في حال أحسست بالإحباط من العمل أو غضبت من حفل عشاء، يمكنك التخلص من التوتر بسرعة وعلى الفور.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن تمارين الاسترخاء تتطلب تدريباً. قد لا تشعر بفعاليتها في البداية أو تتساءل عما إذا كانت ستفيدك. ولكن مع الممارسة، يمكن أن تختارها كاستراتيجيات لإدارة الغضب.
استكشاف مشاعرك
من المفيد أحياناً أن ترتاح لحظة وتفكر في المشاعر الكامنة وراء غضبك. يعمل الغضب غالباً كقناع واق لمساعدتك على تجنب الشعور بمزيد من المشاعر المؤلمة مثل الإحراج والحزن وخيبة الأمل.
مثلاً، عندما يعطيك شخص ما ملاحظات يصعب سماعها قد تستشيط غضباً بسبب شعورك بالإحراج. إن إقناع نفسك أن الشخص الآخر أقل من أن ينتقدك ربما يشعرك براحة آنيّة ويبعد إحراجك عنك، لكن الاعتراف بالعواطف الكامنة يساعدك في الوصول إلى جذر المشكلة، وبعدها يمكنك أن تقرر اتخاذ الإجراء المناسب.
مثلاً، إذا ألغى شخص ما مخططاً لك وكانت مشاعرك الكامنة خيبة الأمل، يمكنك محاولة شرح كيف يجعلك الإلغاء هذا تشعر بالغضب. عندما تكون صادقاً بما يتعلق بمشاعرك، فمن المرجح أن تحل المشكلة، فرد الفعل الغاضب عادةً لا يحقق شيئاً سوى إبعاد الناس عنك.
قم بإنشاء مجموعة أدوات “تهدئة”
إذا كنت تعود من العمل مرهقاً دائماً وتصب جام غضبك على عائلتك، أو كنت تعلم أن اجتماعات مكان العمل تسبب لك الكثير من الإحباط والارتباك، فقم بإنشاء مجموعة أدوات “تهدئة” يمكنك استخدامها للاسترخاء.
فكر في المواضيع التي يمكن أن تشترك جميع حواسك بها، فعندما تستطيع النظر والاستماع والرؤية والشم ولمس الأشياء المهدئة، يمكنك تغيير حالتك العاطفية.
لذلك قد تتضمن مجموعة أدوات “التهدئة” مرطب اليدين، المعطر، صورة لمنظر طبيعي هادئ، مقطعاً روحياً يمكنك قراءته بصوت عالٍ وبعض قطع الحلوى المفضلة لديك. ضع الأشياء التي تعلم أنها ستساعدك على البقاء هادئاً أمامك.
يمكنك أيضاً إنشاء مجموعة “تهدئة” افتراضية لتكون معك في أي مكان وعند استحضارها وقت الحاجة تكون متوفرة مثل الموسيقى والصور المهدئة وتمارين التأمل الموجه وإرشادات لتمارين التنفس، وكلها يمكن تخزينها في مجلد خاص ضمن جهازك المحمول.
الحصول على مساعدة
إذا تسبب الغضب في مشاكل في حياتك وكنت تكافح لكبح جماح ثورة أعصابك بمفردك، فقد ترغب في طلب المساعدة المتخصصة. إذ يمكن أن ترتبط بعض مشكلات الصحة النفسية بمشاكل التحكم في الغضب.
على سبيل المثال، تم ربط اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بالنوبات العدوانية، ويمكن أن تسبب الاضطرابات الاكتئابية أيضاً انفعالاً وقد تزيد من صعوبة إدارة الغضب. من المهم الكشف عن أي مشكلات تتعلق بالصحة النفسية والتي يمكن أن تعيق قدرتك على إدارة الغضب.
ابدأ بالتحدث مع طبيبك عن حالتك المزاجية وسلوكك، وسوف يتأكد من عدم وجود أي مشاكل صحية جسدية تساهم في الغضب، وقد يحيلك إلى أخصائي الصحة النفسية لمزيد من التقييم.
قد يشمل العلاج جلسات فردية بالإضافة إلى حضور صفوف إدارة الغضب وذلك عتماداً على أهدافك واحتياجاتك العلاجية.
خلاصة
تخدم نوبات الغضب هدفاً عند الكثير من الناس، فالصراخ في وجه شخص ما قد يجعله يمتثل لمطالبك. ولكن في حين أن السلوك العدواني قد يلبي احتياجاتك على المدى القصير، إلا أن هناك عواقب طويلة المدى له، إذ قد تتسبب كلماتك ضرراً دائماً للعلاقة أو حتى تؤدي إلى زوالها.
إذا كنت تستخدم غضبك كأداة، فقد تستفيد من تعلم استراتيجيات صحية مثل طلب المساعدة أو التحدث بطريقة حازمة وليست عدوانية. تحدث إلى طبيبك حول مشكلات إدارة الغضب إذا كنت بحاجة إلى مزيد من المساعدة.
اقرأ أيضاً: معلومات مهمة عن المشاعر يجب معرفتها
المصدر: Anger Management Strategies to Help You Calm Down
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم