يتضمن الاستدلال المجرد (Abstract Reasoning) المعروف أيضاً باسم التفكير المجرد، القدرة على الفهم والتفكير بمفاهيم معقدة.
على الرغم من كون هذه المفاهيم حقيقية، إلا أنها غير مرتبطة بتجارب، أشياء، أشخاص أو مواقف ملموسة. ويتضمن هذا النوع من الاستدلال الأفكار والمبادئ التي غالباً ما تكون رمزية أو افتراضية.
يُعتبر التفكير المجرد نوعاً من التفكير عالي الرتبة، وهو أكثر تعقيداً من أنواع التفكير التي تركّز على حفظ وتذكّر المعلومات والحقائق.
يتطلب الاستدلال المجرد التفكير في الأفكار والمبادئ والأشياء بطرق جديدة إبداعية.
أمثلة حيوية على الاستدلال المجرد
تتضمن أمثلة المفاهيم المجردة مجموعة من الأفكار أو الأحاسيس مثل: الفكاهة والدعابة، الخيال، الصداقة، الحرية، الغيرة، النجاح، النمو، السعادة، الأمل والحكمة.
في حين أن هذه الأشياء حقيقية، إلا أنها ليست أشياء ملموسة يمكن للناس تجربتها مباشرة من خلال حواسهم الخمس.
الاستدلال المجرد مقابل الاستدلال الملموس
تتمثل إحدى طرق التفكير حول المفاهيم المجردة في مقارنتها بالمفاهيم الملموسة. ويرتبط الاستدلال الملموس بتجارب أو أشياء محددة يمكن ملاحظتها مباشرة.
تشير الأبحاث إلى أن أصحاب التفكير الملموس يميلون إلى التركيز أكثر على الإجراءات التي تنطوي عليها كيفية أداء المهمة. في حين أن أصحاب التفكير المجرد هم أكثر تركيزاً على أسباب وجوب أداء المهمة.
من المهم تذكر أنك بحاجة إلى مهارات تفكير ملموسة ومجردة على حد سواء لحل المشكلات في الحياة اليومية. في كثير من الحالات، يمكنك استخدام جوانب من كلي النوعين من التفكير للتوصل إلى حلول.
كيف يتطور التفكير المجرد؟
في حين أن التفكير المجرد هو مهارة أساسية، إلا أنه ليس شيئاً يولد معه الناس. بدلاً من ذلك، تتطور هذه القدرة خلال فترة الطفولة إذ يكتسب الأطفال قدرات ومعرفة وخبرات جديدة.
وصف عالم النفس السويسري جان بياجيه (Jean Piaget) نظرية التطور المعرفي التي حددت هذه العملية من الولادة حتى المراهقة والبلوغ المبكر.
ووفقاً لنظرية بياجيه، فإن الأطفال يمرون بأربع مراحل متميزة من التطور الفكري:
- المرحلة الحسية الحركية: خلال هذه الفترة المبكرة، تُستمد معرفة الأطفال في المقام الأول من حواسهم.
- مرحلة ما قبل التشغيل: في هذه المرحلة، يطور الأطفال القدرة على التفكير بشكل رمزي.
- المرحلة التشغيلية الملموسة: في هذه المرحلة، يصبح الأطفال أكثر منطقية لكن فهمهم للعالم يميل إلى أن يكون ملموساً للغاية.
- المرحلة التشغيلية الرسمية: تستمر القدرة على التفكير بالمعلومات الملموسة في النمو خلال هذه الفترة، لكن تظهر أيضاً مهارات التفكير المجرد.
تبدأ هذه الفترة من التطور المعرفي عندما يصبح التفكير المجرد أكثر وضوحاً؛ عادة في سن الـ 12 عاماً.
في هذا العمر يصبح الأطفال أكثر مهارة في التفكير بالأشياء من منظور شخص آخر، و أكثر قدرة على التلاعب عقلياً بالأفكار المجردة وكذلك ملاحظة الأنماط والعلاقات بين هذه المفاهيم.
استخدامات التفكير المجرد
التفكير المجرد هو مهارة ضرورية للقدرة على التفكير النقدي وحل المشكلات. يرتبط هذا النوع من التفكير أيضاً بما يعرف باسم “الذكاء السائل”، أو القدرة على التفكير وحل المشكلات بطرق فريدة.
ينطوي “الذكاء السائل/ fluid intelligence” على التفكير بشكل تجريدي في المشكلات دون الاعتماد فقط على المعرفة الموجودة.
يُستخدم التفكير المجرد بعدة طرق وخلال مواقف مختلفة من حياتك اليومية. وفيما يلي بعض الأمثلة على الأوقات التي قد تستخدم فيها هذا النوع من التفكير، عندما:
- تصف شيئاً ما باستخدام الاستعارة أو التشبيه.
- تتحدث عن شيء مجازياً.
- تتوصل إلى حلول إبداعية لمشكلة ما.
- تقوم بتحليل موقف ما.
- تلاحظ العلاقات أو الأنماط.
- تشكل نظرية حول سبب حدوث شيء ما.
- تفكر في مشكلة من منظور آخر.
تشير الأبحاث أيضاً إلى أن التفكير المجرد يلعب دوراً هاماً في الإجراءات والقرارات التي يتخذها الناس، وقد وُجد أن أصحاب التفكير المجرد أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات محفوفة بالمخاطر، وأنه من المرجح أن يتجنب أصحاب التفكير الملموس الوقوع في المخاطر.
تأثير الاستدلال المجرد
يميل الأشخاص الذين لديهم مهارات تفكير مجرد قوية إلى الحصول على درجات جيدة في اختبارات الذكاء. نظراً لأن هذا النوع من التفكير يرتبط بالإبداع، يميل أصحاب التفكير المجرد أيضاً إلى التفوق في المجالات التي تتطلب الإبداع مثل الفن والكتابة وغيرها من المجالات التي تستفيد من قدرات التفكير المتباينة.
يمكن أن يكون للاستدلال المجرد آثار إيجابية وسلبية على حد سواء، إذ يمكن استخدامه كأداة لتعزيز حل المشكلات المبتكر، ولكنه يمكن أن يؤدي أيضاً إلى مشاكل في بعض الحالات:
- التحيز: تشير الأبحاث أيضاً إلى أن التفكير المجرد يمكن أن يعزز في بعض الأحيان أنواعاً مختلفة من التحيز. بينما يسعى الناس إلى فهم الأحداث، يمكن أن يؤدي التفكير المجرد أحياناً إلى بحثهم عن أنماط ومواضيع وعلاقات قد لا تكون موجودة.
- التفكير الكارثي: في بعض الأحيان يمكن أن تؤدي هذه الاستدلالات والسيناريوهات المتخيَّلة والتنبؤات حول المستقبل إلى مشاعر الخوف والقلق. بدلاً من وضع تنبؤات واقعية، قد يهوّل الناس الأحداث ويتخيلون أسوأ النتائج المحتملة.
- القلق والاكتئاب: وجدت الأبحاث أيضاً أن أساليب التفكير المجرد ترتبط أحياناً بالهمّ واجترار الأفكار، ويرتبط أسلوب التفكير هذا أيضاً بمجموعة من الحالات بما في ذلك الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
الظروف التي تؤثر على الاستدلال المجرد
يمكن أن يؤثر وجود صعوبات التعلم والحالات الصحية النفسية على قدرات التفكير المجرد.
تشمل الحالات المرتبطة بضعف مهارات التفكير المجرد التوحد، الخرف، إعاقات التعلم، الفصام وإصابات الدماغ الرضية.
يمكن أن يكون للتقدم في العمر الطبيعي (الشيخوخة) أيضاً تأثير على مهارات التفكير المجرد، إذ تشير الأبحاث إلى أن مهارات التفكير المرتبطة بالذكاء السائل تبلغ ذروتها في سن 30 أو 40 عاماً وتبدأ في التراجع مع تقدم العمر.
نصائح للاستدلال والتفكير بشكل مجرد
في حين يعتقد بعض علماء النفس أن مهارات التفكير المجرد هي نتاج طبيعي للنمو الطبيعي، يقترح آخرون أن هذه القدرات تتأثر بالوراثة والثقافة والتجارب. قد يمتلك بعض الأشخاص هذه المهارات بشكل طبيعي، ولكن يمكن أيضاً تعزيز هذه القدرات بالممارسة.
فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي قد تستخدمها للمساعدة في تحسين مهارات التفكير المجرد.
فكّر في الأسباب وليس فقط في كيفية حدوث الشيء
يميل أصحاب التفكير المجرد إلى التركيز على معنى الأحداث أو على النتائج المفترضة. بدلاً من التركيز فقط على الخطوات اللازمة لتحقيق هدف ما، فكر في بعض الأسباب التي تجعل هذا الهدف ذا قيمة أو ما قد يحدث إذا حققته.
أعد صياغة أفكارك
عندما تواجهك مشكلة ما، قد يكون من المفيد أن تحاول عن قصد التفكير في المشكلة بطريقة مختلفة، كيف يمكن لشخص آخر التعامل معها؟ هل هناك طريقة أسهل لإنجاز نفس الشيء؟ هل هناك أي عناصر لم تفكر فيها؟
فكر في الصورة الشاملة
بدلاً من التركيز على تفاصيل الموقف، حاول التراجع خطوة إلى الوراء من أجل رؤية الصورة الكاملة له. في الوقت الذي يميل فيه أصحاب التفكير الملموس إلى التركيز على التفاصيل، يركز أصحاب التفكير المجرد على كيفية ارتباط شيء ما بأشياء أخرى أو كيف يتناسب مع المخطط الكبير للأشياء.
خلاصة
يسمح التفكير المجرد للناس بالتفكير في العلاقات المعقدة، التعرف على الأنماط، حل المشكلات، واستخدام الإبداع في العديد من الأمور.
في حين أن بعض الناس يميلون إلى أن يكونوا أفضل بشكل طبيعي في هذا النوع من التفكير، إلا أنه مهارة يمكنك تعلم استخدامها وتعزيزها بالممارسة.
من المهم أن تتذكر أن كُلاً من التفكير الملموس والمجرد هما مهاراتان تحتاجهما لحل المشكلات والأداء بنجاح.
اقرأ أيضاً: التفكير الإيجابي، وما علاقته بالعيش حياة أطول؟
المصدر: ?What Is Abstract Reasoning
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم