الاعتقاد والإيمان، ما الفرق بينهما؟ وكيف تتشكل المعتقدات؟

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

الاعتقاد هو الحالة النفسية التي يحمل فيها الشخص فكرةَ أن نظريةً أو فرضيةً ما صحيحة.

الاعتقاد والمعرفة ونظرية المعرفة

تَستخدم الفلسفة مصطلحَي الاعتقـاد والمعرفة بشكل مختلف عن بعضهما. حيث أنّ نظرية المعرفة (Epistemology) هي الدراسة الفلسفية للمعرفة والاعتقاد.

تكمن مشكلة علم المعرفة الأساسية في فهم ما هو المطلوب حتى نحصل على المعرفة الحقيقية.

في مفهومٍ مستمد من محاورات أفلاطون “محاورة ثياتيتوس”، عرّفت الفلسفة المعرفة بشكل تقليدي بأنها “اعتقـاد صحيح له مبرّر”.

تكمن العلاقة بين الاعتقاد والمعرفة في كون الاعتقاد معرفةً عندما يكون هذا الاعتقاد صحيحاً. ويكون المُعتَقِد (المؤمن) يملك مسوّغاً ومبرراً (تأكيدات منطقية ومعقولة بالضرورة أو دليلاً أو توجيهات أو إرشادات) لتصديق هذا الاعتقـاد.

لا يُعد الاعتقاد الخاطئ معرفةً حتى لو كان اعتقاداً صحيحاً، على سبيل المثال لا يَعلم المُعتقِد (المؤمن) المُخلص بنظرية الأرض المسطحة أن الأرض مسطحة.

في وقت لاحق، شكك علماء المعرفة أمثال غيتيير 1963 (Gettier) وغولد مان 1967 (Goldman) في تعريف الفلسفة للمعرفة بأنها “اعتقاد صحيح له مبرر”.

الاعتقاد كنظرية نفسية

يعامل علم النفس السائد والتخصصات ذات الصلة بشكل تقليديّ موضوع الاعتقاد كما لو كان أبسط شكلٍ من أشكال التّمثيل العقلي. وبالتالي أحد اللّبِنات الأساسية للتفكير الواعي.

يميل الفلاسفة إلى أن يكونوا أكثر تجريداً في تحليلاتهم، وتنبع الكثير من الأعمال التي تدرس مدى صلاحية مفهوم الاعتقاد من التحليل الفلسفي.

يفترضُ مفهوم الاعتقاد شخصاً (المؤمن) وموضوعاً للإيمان (الافتراض)، لذلك يدلّ الاعتقاد، مثله مثل الاتجاهات الافتراضية الأخرى، على وجود حالات ذهنية (mental states). وعلى وجود “القصديّة” (intentionality) وكلاهما يشكلان موضوع نقاشٍ ساخن في فلسفة العقل ولا تزال أُسسهما وعلاقتهما بحالات الدماغ مثيرة للجدل.

تنقسم المعتقدات في بعض الأحيان إلى معتقدات جوهرية (core belief) والتي يتم التفكير بها بنشاط، ومعتقدات فطريّة (dispositional belief) والتي قد تـُعزى إلى شخص لم يفكّر أبداً في الأمر المطروح.

على سبيل المثال إذا سـُـئل هذا الشخص: “هل تعتقد أن النّمور يرتدون لباس نوم ورديّ اللون؟”  قد يجيب بأنهم لا يفعلون ذلك. على الرغم من حقيقة أنه لم يفكر أبداً في هذا الموقف من قبل.

رأى البعض بأن اعتبار الاعتقاد على أنه “حالة عقلية” هو أمر مثير للجدل. إذ جادل بعض الفلاسفة بأن المعتقدات تتمثّل في العقل كبُنىً شبيهة بالجُمَل.

بينما وصل آخرون في جدالهم هذا إلى القول بأنه لا وجود لتمثيل عقليّ ثابت أو متّسق (مترابط) يكمُن وراء استخدامنا الشائع لمفهوم الاعتقاد. وبالتالي فقد عفا عليه الزمن ويجب رفضه.

إن لهذا الأمر آثاراً مهمة في فهم علم النفس العصبيّ (neuropsychology) وعلم الأعصاب (neuroscience) المتعلقان بالاعتقاد.

 إذا كان مفهوم الاعتقاد غير متّسق أو لا يمكن الدفاع عنه في النهاية، فإن أية محاولة للعثور على العمليات العصبية الأساسية التي تدعمه ستبوء بالفشل.

وإذا كان مفهوم الاعتقاد مفيداً، فيجب أن يكون هذا الهدف في العثور على العمليات العصبية الأساسية التي تدعم هذا المفهوم (من حيث المبدأ) قابلاً للتحقيق.

مناهج الاعتقاد

حددت الفيلسوف لين رودر بيكر (Lynne Rudder Baker) أربعة مناهجَ معاصرة رئيسية للاعتقاد وذلك في كتابها المثير للجدل “إنقاذ المُعتَقد(Saving Beliefs)

فهمنا الفطريُّ للاعتقاد صحيح ويسمّى أحياناً “نظرية الأحكام العقلية” (mental sentences theory)

توجد المعتقدات في هذا المفهوم على شكل كياناتٍ متّسقة (مترابطة). وتشكل الطريقة التي نتحدث عن هذه المعتقدات في الحياة اليومية أساساً صحيحاً للمسعى العلمي. 

 كان جيري فودور (Jerry Foodor) أحد المدافعين الرئيسيين عن وجهة النظر هذه.

فهمنا الفطريّ للاعتقاد ليس صحيحاً تماماً، لكنه قريبٌ بما يكفي لتكوين بعض التنبؤات المفيدة.

 تُجادل وجهة النظر هذه بأننا سنرفض في النهاية فكرة الاعتقاد التي نستخدمها في الوقت الحاليّ. ولكن قد يكون هناك ارتباط بين ما نعتبره “اعتقاداً” عندما يقول شخص ما: “أعتقد أن الثلج أبيض” و كيف ستشرح نظرية علم النفس هذا السلوك في المستقبل.

جادل الفيلسوف ستيفن ستيتش (Stephen Stich) على وجه الخصوص بهذا الفهم الخاص للاعتقاد.

فهمنا الفطري للاعتقاد خاطئ تماماً، وستحلّ محلّه نظرية مختلفة اختلافاً جذريّـاً. ولن تستفيد هذه النظرية من مفهوم الاعتقاد الذي نعرفه؛ تسمى وجهة النظر هذه بـ “الإقصائية” (Eliminativism)، أبرز من اقترحها هو بول تشيرش لاند (Paul Churchland) وباتريشيا تشيرش لاند (Patrichia Churchland).

تُجادل الإقصائية بأن مفهوم الاعتقاد يشبه النظريات التي عفا عليها الزمن في الماضي، مثل نظرية الأخلاط الأربعة في الطبّ أو نظرية  ‘فلوجستون‘  للاحتراق.

 في هذه الحالات لم يزوّدنا العلم ببيانات أكثر تفصيلاً لهذه النظريات. لكنه رفضها تماماً كمفاهيم علمية صالحة لتحلّ محلّها سرديات مختلفة تماماً. 

يجادل باول وباتريشيا تشرشلاند بأن مفهومنا الفطريَّ للاعتقاد متشابه في أننا عندما نكتشف المزيد عن علم الأعصاب والدماغ. فإن الاستنتاج الحتميّ سيكون رفضَ فرضية الاعتقاد في مجملها.

الفهم الفطري للاعتقاد

إنّ فهمنا الفطريّ للاعتقاد خاطئ تماماً. ومع ذلك فإن معاملة الأشخاص والحيوانات وحتى أجهزةَ الحاسوب كما لو كان لديهم معتقدات، هي في كثير من الأحيان استراتيجية ناجحة.

المؤيدان الرئيسيان لهذا الرأي هما دانييل دينيت (Daniel Dennett) ولين رودر بيكر (Lynne Rudder Baker). كلاهما يتبعان النظرية الإقصائية من ناحية اعتبار أنّ الاعتقاد ليس مفهوماً صحيحاً علمياً، لكنهما لا يصلان إلى حدّ رفض مفهوم الاعتقاد كأداة تنبؤيّة.

يعطي دينيت مثالاً على مشاركة الحاسوب في لعبة الشطرنج، فبينما يوافق عدد قليل من الناس على أن الحاسوب يمتلك “معتقدات” إلا أن  التعامل معه كما لو كان ذو معتقد، مثل أن الحاسوب يعتقد أن أخذ ملكة الخصم يعطيه ميزة كبيرة فمن المرجح أن يكون استراتيجيةً ناجحة وتنبؤية.

في هذا الفهم للاعتقاد المسمّى من قبل دينيت بـ “الموقف المُتعمَّد” (intentional stance) تكون تفسيرات العقل والسلوك القائمة على الاعتقاد على مستوى مختلف ولا يمكن اختزالها إلى التفسير القائم على علم الأعصاب الأساسي، على الرغم من أن كل منهما قد يكون توضيحياً على المستوى الخاص به.

كيف تتشكل المعتقدات؟

درس علماء النفس تشكيلَ المعتقدات والعلاقة بينها وبين الأفعال، إذ تتشكل المعتقدات عبر طرق متنوعة:

1ـ نميل إلى تشرُّب المعتقدات عن الأشخاص المحيطين حولنا خلال فترة الطفولة. يقول ألبرت أينشتاين: “الحسّ العام (الفطرة السليمة) هو مجموعة التحيزات (الأحكام المسبقة) المكتسبة في عمر الثامنة عشرة”.

تعتمد المعتقدات السياسية بشكل قوي على تلك الأكثر شيوعاً في المجتمع الذي نعيش فيه. ويؤمن معظم الأفراد بالدّين الذي تعلموه في طفولتهم.

2ـ يتبنّى الناس أحياناً معتقدات قائدٍ مُلهِم، حتى لو كانت هذه المعتقدات تتناقض مع كلّ سابقاتها وتؤدي إلى أفعال تبدو بوضوح بأنها ليست من مصلحتهم.

يحتاج الأشخاصُ العقلانيون إلى ملائمة واقعهم المباشر مع أيّ معتَقد مذكور. لذلك إذا لم يكن المعتَقَد موجوداً أو ممكناً فهو بالتالي يعكس حقيقةَ أنه تمّ حتماً التغلّب على التناقضات الناجمة عن التنافر المعرفي (cognitive dissonance).

3ـ يكمن التوجّه الأساسي لصناعة الإعلان في أن التكرار يشكّل المعتقدات، كما يفعل ربط المعتقدات بالصور الجنسية والحبّ وغيرهم من المشاعر المفضلة والقوية.

4ـ يمكن للصدمة الجسدية وخاصة في الرأس، أن تغيّر من معتقدات الفرد بشكل جذري. لكن حتى الأشخاص المثقفون والذين يدركون جيداً الطريقة التي تتشكل فيها المعتقدات، يظلّون متشبثين بمعتقداتهم ويتصرفون اعتماداً عليها. حتى لو تعارضت مع مصالحهم الشخصية.

قالت أنّا رولي (Anna Rowley) في “نظرية القيادة(leadership theory) : “إذا كنت ترغب أن تتغير معتقداتك، فهو دليلٌ على أنك شخص متيّقظ وتعيش حياتك بأكملها وترحّب بكل شيء يعلمك إياه العالم والأشخاص من حولك”.

هذا يعني أن ما يعتقده الأفراد يجب أن يتطوّر كلّما خاضوا تجاربَ جديدة.

الإيمان

أن “تؤمن” بشيء أو شخص ما، هو مفهوم مختلف عن “الإيمان بأن” شخصاً أو شيئاً ما. 

هناك نوعان من الإيمان:

  • إيمانٌ مَدحيّ، يعبّر عن الثقة بشخص أو كيان ما. مثل القول: “أنا أؤمن بقدرته على إنجاز هذا العمل”.
  • المطالبة الوجودية، إدعاء اعتقاد وجود كيان أو ظاهرة مع الحاجة الضمنيّة لتسويغ المطالبة بوجوده. يـُـستخدم هذا النوع من الإيمان عادةً عندما يكون الكيان غير حقيقي أو أن وجودَه مشكوك فيه.

 من الأمثلة الشائعة: “يؤمن شخص ما بالسّحرة والأشباح” أو “يؤمن الكثير من الأطفال بالجنيّات”.

المعتقدات المُضلّلة (الوهمية)

تعرّف معاييرُ التشخيص النفسي مثل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الأوهام بأنها معتقدات.

تحدّى المؤرخ وعالم النفس جي أي بيريوس (G.E. Berrios) النظرةَ القائلة بأن الأوهام هي معتقداتٌ حقيقية واستبدلها بمسمّى “أفعالُ الكلام الفارغ(empty speech actions).

إذ يندفع الشخص المتأثر بها إلى التعبير عن المعتقدات الزائفة أو الغريبة وذلك بسبب اضطرابات نفسية كامنة.

لكن يتعامل غالبية الاختصاصيين في الصحة العقلية والباحثين مع الأوهام على أنها معتقدات حقيقية.

في رواية لويس كارول “عبر المرآة” (Through the Looking Glass)، قالت الملكة البيضاء: “لماذا في بعض الأوقات أصدّق ما يصل إلى ستة أشياء مستحيلة قبل وجبة الإفطار!”. غالباً ما يُستشهد بهذه الجملة بشكلٍ ساخر على القدرة المشتركة بين الناس على الاستمتاع بمعتقدات تتنافى مع الحقيقة.

اقرأ أيضاً: الكد العاطفي، تعريفه وأين يظهر؟

المصدر: Belief

تدقيق: هبة محمد

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: