يُعرّف الاكتئاب الجزئي على أنه تحول اكتئابي مزمن في المزاج بدرجة خفيفة ويستمر لمدة سنتين على الأقل بشكل مستمر. إذ يشعر المصابون بالتعب والحزن والقصور بالإضافة للنوم السيئ. وتتحول كافة النشاطات لإرهاق فضلاً عن فقدان المتعة والتلذذ بكافة جوانب الحياة، لكن عادة ما يكون هؤلاء الأشخاص قادرين على القيام بالمهام اليومية. يبدأ هذا الاضطراب عادة في الفترة المبكرة من البلوغ ويشترك بالكثير من الصفات مع المصطلح القديم المعروف بالعُصاب الاكتئابي (Depressive Neurosis)، والذي تم استبداله بالاكتئاب الجزئي.
معايير التشخيص
مزاج الاكتئاب في أغلب أوقات النهار وفي أغلب أيام السنة لمدة لا تقل عن سنتين بدون فترة خالية من الأعراض تفوق شهرين، وبدون وجود أعراض الاكتئاب الشديد (Major Depression) أو نوبات هوسية.
يتميز الاكتئاب الجزئي عن الاكتئاب الشديد بجانبين مهمين وهما: أولاً شدة الأعراض الخفيفة مقارنة بالاكتئاب الشديد وثانياً أن تطور وإنذارالاكتئاب الجزئي يكونان أكثر إزماناً واستقراراً.
أعراض الاكتئاب الجزئي
عند البالغين
- الشعور بالحزن.
- الإحباط.
- فقدان الاهتمام.
- نقص الطاقة.
- مشاكل التركيز.
- صعوبات اتخاذ القرار.
- نقد الذات الزائد.
- الغضب الشديد.
- انخفاض الإنتاجية.
- تجنب النشاطات الاجتماعية.
- انخفاض أو زيادة الشهية.
- مشاكل النوم.
عند الأطفال
- الانزعاج العام خلال النهار.
- انخفاض المستوى الدراسي في المدرسة.
- السلوك المتشائم.
- نقص العلاقات الاجتماعية أو الانعزال الاجتماعي.
- نقص المهارات الاجتماعية.
من الناحية السريرية
يسبب الاكتئاب الجزئي حالة مزاجية منخفضة غير طبيعية وشعور عام بالضعف. غالبًا ما تكون هذه الأعراض النموذجية المرضية مصحوبة بتظاهرات جسدية أخرى وأكثرها شيوعًا هي الدوخة، الخفقان، تقلبات ضغط الدم، فقدان الشهية والاضطرابات الوظيفية في الجهاز الهضمي.
يزداد المزاج سوءًا بمرور الوقت وتصبح مشاعر الحزن أكثر وضوحًا في حياة الشخص المصاب. حيث تتطور حالة من اللامبالاة بشكل ملحوظ كما يواجه صعوبات في الشعور بالأحاسيس المُفرحة والعواطف الإيجابية. قد يتظاهر العصاب الاكتئابي في العديد من الحالات بأعراض أخرى مثل انخفاض النشاط الحركي وضعف التعابير الوجهية وبطء التفكير والكلام البطيء بشكل غير طبيعي.
تؤثر عادة هذه الأعراض على حياة الشخص اليومية. ومع ذلك، فمن الشائع للأشخاص الذين يعانون من العصاب الاكتئابي أن يستمروا بالمثابرة. حيث يمكنهم الاحتفاظ بوظائفهم مع العلم أن التركيز وأداء مهامهم بشكل صحيح، كذلك الحصول على علاقات مستقرة وحياة عائلية أفضل يكلفهم الكثير من الجهد. ومع ذلك، فإن أداء هذه الأنشطة لا يُشعر المصاب بالرضى أبدًا. حيث يقوم بهذه الأنشطة بغاية الواجب أو الالتزام، ولكن ليس بغاية الرغبة في القيام بها.
من ناحية أخرى؛ فإن معظم حالات العصاب الاكتئابي تُصاحب باضطرابات النوم. إن صعوبة النوم والاستيقاظ أثناء الليل هما العرضان الأكثر شيوعًا. وقد تكون هذه التغييرات مصحوبة بخفقان قلبي أو علامات أخرى للقلق.
أسباب الاكتئاب الجزئي
تلعب العديد من العوامل الحيوية (البيولوجية) والوراثية والبيئية دوراً مهماً في تطور الاكتئاب الجزئي:
العوامل الحيوية
من أهم الموجودات هي انخفاض كُمُون نَومُ الرِّيم (نوم حركات العين السريعة – REM)، وهو الوقت بين بداية النوم وبداية أول فترة من حركات العين السريعة. حيث تنخفض بشكل واضح عند مرضى الاكتئاب الشديد والاكتئاب الجزئي. كذلك لوحظ عبر اختبار تحمل “الديكساميتاسون” وجود مستويات مرتفعة من الكورتيزول في الدم، لكنها تبقى بنسبة أقل من الاكتئاب الشديد. كما تقترح بعض الدراسات وجود عدد أقل من مستقبلات السيروتونين في الدماغ.
العوامل الوراثية
إن وجود حالات اكتئاب لدى الأقرباء يرفع من احتمال اصابة الاشخاص بـ الاكتئاب الجزئي.
العوامل البيئية
تلعب متغيرات الحياة والمواقف التي يصعب على الفرد التغلب عليها دوراً مهماً في تطور الأعراض.
تشخيص الاكتئاب الجزئي
في الوقت الحاضر تم هجر مصطلح العُصاب الاكتئابي، لكن لا يعني هذا أن الاضطراب لم يعد موجوداَ. حيث استبدل بمصطلح الاضطراب الاكتئابي المستمر (persistent depressive disorder) أو الاكتئاب الجزئي أو عسر المزاج (Dysthymia). أوجه التشابه بين كلا المرضين كثيرة، لذا يمكن اعتبارهما اضطرابين متكافئين.
المعايير الموضوعة لتشخيص الاضطراب الاكتئابي المستمر
- المزاج المكتئب معظم أوقات اليوم في أغلب الأيام لمدة لا تقل عن عامين.
- وجود عرضين أو أكثر من الأعراض التالية:
- قلة أو فرط الشهية.
- الأرق أو فرط النوم.
- انخفاض مستوى الطاقة أو التعب.
- تدني احترام الذات.
- قلة التركيز أو صعوبة اتخاذ القرارات.
- مشاعر اليأس.
- خلال فترة السنتين (سنة واحدة عند الأطفال والمراهقين) لم يكن الفرد أبدًا بدون أعراض المعيار 1 و 2 لأكثر من شهرين على التوالي.
- يمكن أن تكون معايير اضطراب الاكتئاب الشديد موجودة بشكل مستمر لمدة عامين.
- لم تكن هناك مطلقًا نوبة هوسية أو نوبة هوسية خفيفة (تحت هوسية)، حيث أن معايير اضطراب دوروية المزاج غير مستوفاة.
- لا يمكن تفسير الاضطراب بشكل أفضل من خلال الاضطراب الفصامي العاطفي، أو الفصام (الشيزوفرينيا)، أو الاضطرابات الوُهَامِيّة، أو اضطراب آخر محدد، أو غير محدد من طيف الفصام والاضطرابات الذهانية الأخرى.
- لا يمكن أن تُعزى الأعراض إلى التأثيرات الفسيولوجية لمواد دوائية أو مخدرات أو إلى حالة طبية أخرى (مثل قصور الغدة الدرقية).
- تسبب الأعراض انزعاجًا سريريًا كبيرًا أو تدهورًا في المجالات الاجتماعية أو المهنية أو غيرها من مجالات الأداء المهمة.
علاج الاكتئاب الجزئي
يشمل العلاج الحالي عادة كل من العلاج النفسي والعلاج الدوائي:
العلاج الدوائي
العلاج الدوائي للـ الاكتئاب الجزئي محل جدل وبالتالي لا يوجد حاليًا دواء قادر على عكس التغيير تمامًا. ومع ذلك فإن مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) هي أكثر مضادات الاكتئاب فعالية. وبالتالي فهي العلاج الدوائي المفضل ومن أكثر الأدوية الأكثر استخدامًا فلوكستين وباروكستين وسيرترالين وفلوفوكسامين.
إن تأثير هذه الأدوية بطيء ولا تظهر التأثيرات عادة إلا بعد 6-8 أسابيع من العلاج. في المقابل، فإن فعالية الأدوية المضادة للاكتئاب محدودة أيضًا في علاج الاكتئاب الجزئي. إذ أظهرت العديد من الدراسات أن فعالية هذه الأدوية أقل من 60٪، بينما الدواء الوهمي سيصل إلى 30٪ فعالية.
العلاج النفسي
يأخذ العلاج النفسي أهمية خاصة في علاج الاكتئاب الجزئي بسبب انخفاض كفاءة مضادات الاكتئاب. حيث أن أكثر من نصف المصابين بهذا الاضطراب لا يستجيبون للأدوية بشكل جيد، لذا تعتبر العلاجات النفسية أساسية في هذه الحالات.
يُعد العلاج السلوكي المعرفي (CBT) حاليًا أداة العلاج النفسي التي ثبت أنها أكثر فاعلية في علاج الاضطرابات المزاجية. ومن أكثر التقنيات السلوكية المعرفية شيوعًا في الاكتئاب الجزئي هي:
- تعديل البيئة المحيطة
- زيادة النشاط الجسدي.
- تحسين المهارات السلوكية.
- إعادة الهيكلة المعرفية.
اقرأ أيضاً: الاكتئاب، أعراضه وأنواعه.
المصدر: كتاب Duale Reihe Psychiatrie, Psychosomatik und Psychotherapie، لتحميل الكتاب انقر هنا.