قد يجد الوالدان صعوبة في ترك ابنهما البالغ يتحرر من سلطتهما، وقد تجد أنت صعوبة في الانفصال عن سلطة والديك. يمكّن وضع الحدود بين الآباء والأبناء من الشعور بالاستقلالية ويحسن من مرونة علاقاتكم. تشبه الحدود مع الوالدين إطارات المركبات؛ يمتلكها الأغلبية، لكن لا أحد يعرف أداءها حتى تسير المركبة على الطريق. إن وضع الحدود في العلاقات الأسرية بين الأهل والأطفال سيعود بالنفع على الجميع.
ربما تتمتع بعلاقة جيدة معهما ولكنكم تتدخلون في حياة بعضكم البعض، إذ يبالغ بعض الآباء والأمهات في حماية أطفالهم وهم يكبرون أمامهم، وينبع هذاعادة من المحبة والحنان، ومع ذلك، فإنهم يواجهون صعوبة في الاستغناء عنهم.
في المقابل، قد يكون بعض الآباء الآخرين سامين، متلاعبين أو مسيئين وأنت بحاجة إلى اتخاذ موقف حاسم تجاههم.
سواء كانت الحدود بين الآباء والأبناء هشة أو صارمة، فإن عدم وضع حدود صحية يمكن أن يؤدي في الواقع إلى حالة من التوتر والاستياء، مما يعيق العلاقة السليمة معهما.
علاقة الوالدين – الطفل والثقافة
قد تكون هناك اختلافات عائلية أو ثقافية من حيث المشاركة الأبوية المتوقعة والمقبولة في حياة الطفل؛ وهذا عادي، ولا مكان لإطلاق الأحكام هنا.
تتعمق الدراسات القديمة في تأثير الوالدين بما يتماشى مع المعايير الثقافية على الأبناء البالغين من حيث اختيار الشريك، اختيار المهنة، الحدود ومستوى التعلق.
لكل شخص الحق في اتخاذ قرارات بشأن مدى مشاركة الوالدين في حياته، وقد تختلف قراراتك عن قرارات الآخرين، فيمكنك فعل ما تراه منطقياً بالنسبة لاحتياجاتك الشخصية وأولوياتك في سياق قيمك الثقافية والعائلية.
وضع حدود حيث يوجد اختلال في القوة في العلاقات الأسرية
العلاقة بين الأبناء والأهل أطول من معظم العلاقات الأخرى، فقد تكون العلاقة الأسرية طويلة الأمد مستقرة أو متينة، لكنها يمكن أن تصبح عائقاً أمام النمو.
يوجد اختلال في توازن القوة فيما يتعلق بأن هذا الشخص أو الأشخاص قاموا بواحد أو أكثر مما يلي:
- جلبوك إلى هذا العالم
- قدموا لك الرعاية
- كانوا يدعمونك مادياً
- ضحوا لكي تبقى على قيد الحياة
لكن كحال معظم الكائنات الحية التي تعيش على هذه الأرض، فمع نمو الأطفال، يصبح من الضروري وضع الحدود بينهم وبين الأهل، فمن المهم بالنسبة لهم أن يشقوا طريقهم بأنفسهم. وهذا قد يسبب الصراع بطبيعة الحال. لذا، قد يكون وضع الحدود مع والدتك أو والدك أو مقدم الرعاية أمراً صعباً وغير مريح.
توضح ستيفاني جان (Stephani Jahn) استشارية معتمدة في الصحة النفسية، ولاية فلوريدا، واستشارية وطنية معتمدة متخصصة في مساعدة البالغين في التغلب على الصدمات المتعلقة بأسرهم الأصلية بالقول: “بالنسبة للأبناء البالغين، قد يكون وضع الحدود مع الوالدين أمراً شبه مستحيل.”
العلاقة بين الوالدين والطفل قوية، حتى لو كانت سامة أو سلبية. توضح د.جان أكثر بالقول: “يخشى الطفل داخلنا دائماً رفض الوالدين لأي شيء إذا أزعجناهم لأننا في الطفولة كنا بحاجة إلى الأهل من أجل البقاء على قيد الحياة.”
وتتابع لتشرح أننا كـ “بالغين” يجب على أن نتحمل المسؤولية عن حياتنا ورفاهنا، لذا فإن وضع الحدود مع الوالدين في بعض الأحيان هو الحل الوحيد لتحديد حجم السلطة الأسرية علينا.
فوائد وضع الحدود بين الآباء والأبناء البالغين
يمكن أن يؤدي وضع حدود صحية مع الوالدين إلى إحداث فرق في حياتك وعلاقاتك الأسرية.
توضح الأخصائية الاجتماعية السريرية المعتمدة والممرضة جوديث أرونويتز (Judith Aronowitz) أن وضع الحدود للعلاقة الأسرية لها بعض الفوائد على كلي الطرفين، إذ تشمل:
- منع الاستياء
- إنشاء حالة تعلق عاطفي أكثر صحة وطويلة الأمد
- دعم الاستقلالية والفردية
- السماح بالتفرد والشعور بصدق مع الذات
علامات تدل على أن الحدود في العلاقات الأسرية بين الأطفال والأهل ضرورية
تختلف مشكلات الحدود بين الأطفال والأهل حسب كل علاقة، ومع هذا، توضح عالمة النفس لورين نابوليتانو (Lauren Napolitano) أن بعض العلامات تظهر عندما تكون الحدود ضرورة حتمية لوالديك:
علامات تدل على أن عليك رسم حدود مع والديك (والدك/والدتك):
- تاريخ من الأبوة والأمومة المفرطة “الآباء الهليكوبتر”(التي يقول الخبراء إنها شائعة عند الآباء حين يكون الأولاد في سن الجامعة)
- زيارة أبنائهم البالغين في المنزل دون الاتصال أو إخبارهم مسبقاً
- استهلاك كامل وقت ابنهم
- إبداء رأيهم بخصوص أمر معين للابن دون أن يطلب منهم ذلك
- التدخل في مهنة الابن أو حياته الشخصية
- محاولة التحكم في قرارات ابنهم
- مقارنة ابنهم بالآخرين
- التعليق سلباً على ابنهم
- ابتزاز الابن عاطفياً
- عدم الاعتراف بالتفضيل الشخصي للابن
- جعل الابن يشعر بحالة كبيرة من الذنب
لا يقتصر الأمر على الأمور الواقعة على الابن، فبعض الأشخاص يكبرون وهم يتلقون المساعدة من والديهم لدرجة يصبح الانفصال عنهم صعباً عليهم.
علامات تدل على حاجتك لوضع حدود عند التعامل مع والديك:
- زيارتهم إلى منزلهم دون إخبارهم أولاً
- غسل ملابسك في منزل والديك، وتناول معظم وجباتك هناك (دون أن تساهم في مصروف البيت) أو إرسال الفواتير إليهم ليدفعوها عنك
- دفع فواتيرك بغض النظر عن الظروف المؤقتة أو خطة السداد المتفق عليها
- الاتصال بهم في كل مرة تواجه فيها مشكلة ما أو قراراً يتعين عليك اتخاذه، دون البحث عن حل للمشكلة أولاً.
- التدخل في حياتهم الشخصية اليومية.
- الاعتماد عليهم بشكل كامل في مواجهة التحديات أو المهام اليومية (خارج نطاق تقديم الرعاية أو امتلاك عمل تجاري معاً).
- معرفة تفاصيل كثيرة عن علاقاتك أو أن شريكك (شركاؤك)، إذ يسمع منك كثيراً عبارة: قالت أمي / أبي أنه ينبغي علينا…..
- الافتقار العام إلى النضج عندما يتعلق الأمر بالبلوغ أو الذكاء العاطفي (EQ) بسبب التمكين السلبي.
دليلك لوضع حدود بين الأبناء والآباء
يمكنك وضع الحدود من خلال ملاحظة الجوانب غير الصحية في علاقتك وتحديد قيمك واحتياجاتك.
قم برسم الحدود بشكل تدريجي بحيث تضع واحداً في كل مرة وذلك حتى تمنح نفسك ووالديك وقتاً للتكيف، من الضروري وضع نموك ورفاهيتك في المقام الأول، لذا افعل ما يجعلك تشعر بالراحة.
قد تشعر بالذنب لأنك وضعت حدوداً للعلاقة مع والديك، لكن حاول أن تتحمل المشاعر السلبية. ستشعر على الأرجح بالراحة لأنك قمت برسم الحدود بمجرد تلاشي الشعور الأولي بالإحراج. حاول أن تكون واضحاً وصريحاً بشأن ما تتوقعه منهم ومن نفسك، لمنع الارتباك أو سوء التواصل.
كيف تضع الحدود مع الأهل السامّين؟
قد يكون التعامل مع الوالدين السامين أمراً صعباً، لكن من المحتمل أن تشعر بتحسن عندما تضع صحتك ورفاهك في المرتبة الأولى. يمكن أن تعيق السُّمية صحتك النفسية، وقد يمكن أن تساعدك الحدود في تجاوز ذلك.
حاول أن تحافظ على هدوئك عند التعامل معهم، إذ قد لا يأخذون الأمر بجدية أو يحاولون استفزازك لمعرفة ردود فعلك. لن يجدي الجدال مع والديك نفعاً، وقد يجعلكم تشعرون بالسوء جميعاً.
يمكنك أن تكون واضحاً بخصوص ما سيحدث إذا لم تحترم أو يحترموا الحدود الجديدة، إذا لم تشعر بأنك قادر على التمسك بالحدود، ففكر في تقليص الوقت الذي تقضيه معهم قليلاً.
كمثال، يمكنك أن تقول: “أمي أنا أقدر اهتمامك بحياتي العاطفية، ولكن إذا واصلت التواصل مع الأشخاص الذين أواعدهم على Facebook وإرسال رسائل إليهم، فلن أتمكن من التحدث معك عن هذا الجزء من حياتي في المستقبل”.
كيف تضع الحدود مع الآباء كبار السن؟
قد يرى الآباء كبار السن أنك طفلهم الصغير دائماً ويريدون معاملتك بهذه الطريقة، ولكن، وضع الحدود يساعدك على الشعور بالثقة في استقلاليتك، فيمكنك أن تقول لهم “لا” دون تبرير السبب، بغض النظر عن عدد المرات التي سألوا فيها عن ذلك.
قد لا يتراجعون على الفور، لكن مع تكرارك لإجابتك ذاتها ستساعدهم في فهم الحدود التي ترسمها، لذا حاول التحلي بالصبر مع والديك خلال تأقلمهما مع التغييرات المطلوبة.
والدك/ والدتك ليس شخصاً مثالياً، ويمكن أن يساعده التعاطف في التعلم.
هناك طريقة أخرى مفيدة لوضع الحدود مع الآباء الأكبر سناً وهي التعبير عن التقدير عندما تراهم يحترمون حدودك التي وضعتها، فعندما تُظهر تقديرك لتفهمهم حدودك الشخصية، قد يروا مدى أهمية ذلك بالنسبة لك.
خلاصة
قد لا يكون وضع الحدود مع والديك بالأمر السهل، ولكنه يحسن من صحتك وجودة حياتك ويساعد كلا الجانبين على الشعور بالتقدير والاستقلالية، إذ ستشعر على الأرجح بشعور أفضل عندما تعرف أنك تتمتع بالخصوصية والحرية كأي شخص بالغ. لا يتخلى الآباء دائماً عن السيطرة على حياة أطفالهم بهذه السهولة، وقد يكون من الصعب عليهم ذلك.
أنت تستحق أن تعيش كما تحب ويناسبك، لذلك لا تخف من المواجهة. بمجرد أنك بدأت بوضع حدودك، يمكنك العمل على تحسين علاقتك بوالديك، عندها سوف يتعلمون احترام رغباتك ويدركون أنك ستكون بخير دون وجودهم الدائم حولك أو سماع آرائهم بما يتعلق بك.
اقرأ أيضاً: أنواع التعلق عند الأطفال والبالغين، وكيف تؤثر على أسلوب التربية؟
اقرأ أيضاً: عشر عادات صحية يجب على الأهل تعليمها لأطفالهم
اقرأ أيضاً: 10 عادات يومية تجعلك صانع قرار ناجح
المصدر: Setting Boundaries with Your Parents
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم