انحياز الفاعل-المراقب (actor-observer bias) هو مصطلح في علم النفس الاجتماعي يشير إلى الميل إلى نسب أفعال المرء الخاصة إلى أسباب خارجية، بينما ينسب سلوكيات الآخرين إلى أسباب داخلية.
وهو نوع من التحيز المنسوب (attributional bias)، يؤثر في كيفية إدراك الشخص للآخرين من حوله وكيف يتفاعل معهم. بشكل أساسي، يميل الناس إلى ابتكار سمات مختلفة اعتماداً على ما إذا كانوا الفاعل أو المراقب في موقف ما.
طُرح مفهوم عدم تماثل الفاعل-المراقب (actor-observer asymmetry) لأول مرة عام 1971 من قبل عالمي النفس الاجتماعي جونز (Jones) ونيسبت (Nisbett).
يتناول هذا المقال ماهية انحياز الفاعل-المراقب وآلية عمله. ويقدم بعض الأمثلة عن الطريقة التي يؤثر بها على السلوك، إضافةً إلى بعض الخطوات التي يُمكن اتخاذها للتخفيف من حدة آثاره.
ما هو انحياز الفاعل-المراقب؟
وفقاً لانحياز الفاعل-المراقب، يفسّر الناس سلوكهم الخاص بأسباب ظرفية، بينما يُنسبون سلوك الآخرين لأسباب داخلية.
يزداد وضوح انحياز الفاعل-المراقب في المواقف التي تكون فيها النتائج سلبية. ففي المواقف التي يعاني فيها الشخص من شيء سلبي وسيئ، يلقي باللوم على الموقف بحد ذاته أو الظروف. أما عندما يحدث شيء سلبي لشخص آخر، يُلام هذا الشخص على اختياراته وسلوكياته وأفعاله الشخصية.
على سبيل المثال، عندما يخبر الطبيب شخصاً ما أن مستويات الكوليسترول لديه مرتفعة، قد يلقي المريض باللوم على عاتق عوامل خارجة عن إرادته، مثل التأثيرات الجينية أو البيئية.
ولكن ماذا عن اكتشاف شخص آخر أن مستويات الكوليسترول لديه مرتفعة للغاية؟ عندها سيعزو الناس ذلك إلى أشياء مثل سوء التغذية وعدم ممارسة الرياضة.
علامات انحياز الفاعل-المراقب
توجد بعض الدلائل المختلفة التي تشير إلى أن انحياز الفاعل-المراقب ذو تأثير على تفسيرات الحدث. بعض المؤشرات تشمل:
- لوم الآخرين على التسبب في الأحداث دون الاعتراف بالدور الخاص الذي لعبته أنت.
- التحيز من خلال إلقاء اللوم على الغرباء لما يحدث لهم، وفي المقابل نسب النتائج إلى القوى الظرفية عندما يتعلق الأمر بالأصدقاء وأفراد الأسرة.
- التركيز فقط على الجوانب السلبية للموقف وتجاهل الإيجابيات.
- تجاهل الأسباب الداخلية التي تساهم في نتيجة الأشياء التي تحدث لك.
- عدم الالتفات إلى العوامل الظرفية عند تقييم سلوك الآخرين.
- إلقاء الكثير من اللوم على القوى الخارجية عندما لا تسير الأمور بالطريقة التي تريدها.
بعبارة أخرى، عندما يحدث لك شيء ما، فهذا خارج عن إرادتك، ولكن عندما يحدث ذلك لشخص آخر، فهذا كله خطأه.
توصّل الباحثون إلى أن احتمال إظهار الأشخاص لهذا الانحياز يقل مع الأشخاص الذين يعرفونهم جيداً، مثل الأصدقاء المقربين وأفراد الأسرة. والسبب في ذلك يعود لامتلاكهم كم كبير من المعلومات حول احتياجات هؤلاء الأفراد ودوافعهم وأفكارهم، فمن المرجح أن يفسر الشخص هنا القوى الخارجية التي تؤثر في السلوك.
أسباب انحياز الفاعل-المراقب
عندما يكون الشخص هو الفاعل في موقف ما، سيواجه صعوبة أكبر في إدراك وضعه بموضوعية. بينما في حال كان هو المراقب لموقف يمر به شخص آخر، سيتمكن من رؤية الموقف من منظور أبعد.
على سبيل المثال، تخيل أنك أنت وزملاء صفك الدراسي تستعدون لإجراء اختبار مهم. عندها ستتجاهل أو تتناسى سلوكيات الدراسة (أو ربما لم تكون موجودة أساساً) التي سبقت الاختبار، ولكنك تركز على المتغيرات الظرفية التي أثرت على أدائك في الاختبار. منها أن الغرفة حارة وخانقة، واستمرار انكسار قلمك الرصاص، والطالب بجانبك ظل يصدر أصواتاً مشتتة للانتباه طوال الاختبار.
وحين تحصل على نتائجك وتدرك أنك أديت بشكل سيئ، فإنك تلقي بكامل اللوم على تلك الملهيات الخارجية، معتبراً إياها ما سببت أدائك السيئ، بدلاً من الاعتراف بعاداتك الدراسية السيئة قبل الاختبار.
وبنفس السيناريو، أحد أصدقائك لم يبلي حسناً هو الآخر، لكن أول ما يتبادر إلى ذهنك حوله هو كيفية تخطيه للفصل الدراسي، وأنه نادراً ما يقرأ ولا يدون الملاحظات أبداً.
في سيناريو صديقك أصبحت مراقب، لذا فإن السمات التي تصب تركيزك عليها هي الخصائص الداخلية، بدلاً من نفس المتغيرات الظرفية التي تشعر أنها ساهمت في درجاتك في الاختبار وجعلتها دون المستوى المطلوب.
خلاصة القول، أن النظر إلى المواقف من منظور داخلي أو خارجي، من شأنه أن يجعل الناس يرون المواقف بشكل مختلف. ومن المرجح أن يأخذ الناس في الاعتبار القوى الظرفية عند تفسير أفعالهم. بينما يركزون على الخصائص الداخلية أو السمات الشخصية عند شرح سلوكيات الآخرين.
تأثير انحياز الفاعل-المراقب
يمكن أن يكون انحياز الفاعل-المراقب إشكالياً، وغالباً ما يُسفر عن سوء الفهم وجدال حتى. فمثلاً في أثناء الجدل، قد تلوم شخصاً آخر على حدث ما دون مراعاة العوامل الأخرى التي لعبت دوراً هي الأخرى.
يؤدي انحياز الفاعل-المراقب أيضاً إلى تجنب تحمل الشخص المسؤولية عن أفعاله. فبدلاً من الاعتراف بدوره في الموقف، يتهرب ويلقي باللوم على شيء آخر. وهذا تحديداً ما يمكن له أن يخلق نزاعاً في العلاقات الشخصية.
إن انحياز الفاعل-المراقب يجعل من الصعب على الناس إدراك أهمية تغيير سلوكهم لمنع حدوث مشكلات مماثلة في المستقبل.
كيف تتجنب انحياز الفاعل-المراقب؟
لا يمكن القضاء تماماً على هذا الانحياز، ولكن توجد خطوات يمكنك اتخاذها للمساعدة في تقليل تأثيره. وفيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تكون مفيدة.
لا تلُم الضحية
يساهم انحياز الفاعل-المراقب في الميل إلى إلقاء اللوم على الضحايا ونسب الخطأ إلى سوء حظهم. بدلاً من التفكير في الأسباب الأخرى، وغالباً ما يسارع الناس على الفور إلى إصدار الأحكام، مشيرين إلى أن أفعال الضحية هي التي تسببت في الموقف.
عندما تجد نفسك تفعل هذا، تريث قليلاً وذكّر نفسك أنك قد لا ترى الصورة كاملة. وبدلاً من إصدار الأحكام، حاول أن تكون متعاطفاً، وفكر في القوى الأخرى التي ربما تكون قد ساهمت في تشكيل الأحداث.
ركز على حل المشكلة
في حين أن غريزتك الأولى قد تكون رغبة في معرفة سبب الموقف، فإن توجيه طاقتك نحو إيجاد حل قد يساعد في التخلص من التركيز المنصب على إلقاء اللوم.
يمكن أن يمنحك أيضاً صورة أوضح لجميع العوامل التي ساهمت في الموقف، وبالتالي سيساعدك في النهاية على إصدار أحكام أكثر دقة.
تدرب على الامتنان
بدلاً من إلقاء اللوم على الأسباب الأخرى عندما يحدث شيء فظيع، اقضِ بعض اللحظات في التركيز على الشعور بالامتنان.
رغم أنك قد تكون شهدت عقبة كبيرة أمامك في تلك اللحظة، لكن حفاظك على موقفك ضمن إطار التفاؤل والامتنان من شأنه أن يعود بالنفع على رفاهيتك العامة. علامات انحياز الفاعل المراقب
قد يساعدك أيضاً على التفكير في بعض العوامل الأخرى التي ساهمت في التسبب في الموقف، سواء كانت داخلية أو خارجية.
بالملخص، انحياز الفاعل-المراقب أمر طبيعي، ولكن توجد خطوات يمكنك اتخاذها لتقليل تأثيره. ووعيك لذلك يُمثل خطوة أولى مهمة. يمكن أن يساعد تجنب اللوم والتركيز على حل المشكلات والتعبير عن الامتنان في التعامل مع هذا التحيز.
كيف يمكنني تجنب انحياز الفاعل-المراقب؟
حقيقة الأمر هي أنه ليس بالإمكان القضاء على انحياز الفاعل-المراقب تماماً، لكن إدراك وجود هذا الانحياز، واتخاذ خطوات واعية للتغلب عليه قد يكون مفيداً. أسباب انحياز الفاعل المراقب, علامات انحياز الفاعل المراقب.
فعندما تجد نفسك تلقي باللوم اعتباطياً على ما حولك، تريث وحاول التفكير في تفسيرات أخرى. هل هناك جوانب للموقف قد تغفل عنها؟ هـل يمكن أن تؤثر القوى الخارجية على تصرفات شخص آخر؟ هل هناك أشياء كان من الممكن أن تفعلها بشكل مختلف وتؤثر على النتيجة؟
طرحك لمثل هذه الأسئلة على نفسك سيساعدك على تعميق نظرتك تجاه الموقف ورؤيته من جانب موضوعي.
ما الفرق بين انحياز الفاعل-المراقب وانحياز الخدمة الذاتية؟
ينطوي انحياز الخدمة الذاتية إلى المطالبة بالفضل الشخصي للأحداث الإيجابية من أجل حماية احترام الذات.
في هذه الحالة، التركيز منصب فقط على “الفاعل” في موقف ما، وتحفزه الحاجة إلى تحسين الصورة الذاتية والدفاع عنها.
بالمقابل، يركز انحياز الفاعل-المراقب على تصرفات الشخص المنخرط في السلوك وكذلك أولئك الذين يراقبونه.
ما الأشياء التي يمكن أن تجعل الشخص متحيزاً؟
تحدث العديد من التحيزات النسبية والمعرفية نتيجة للطريقة التي يعمل بها عقل الفرد وحدوده. وعلى اعتبار أن الدماغ يواجه صعوبة في التعامل مع الكثير من المعلومات، يعتمد الناس على الاختصارات الذهنية للمساعدة في تسريع عملية اتخاذ القرار.
على الرغم من أن هذه الاختصارات مفيدة في بعض الأحيان، لكنها غالباً ما تؤدي إلى أخطاء وسوء تقدير وتفكير متحيز.
الخلاصة
انحياز الفاعل-المراقب هو نوع من خطأ الإسناد يمكن أن يكون له تأثير سلبي على قدرتك على الحكم بدقة على المواقف. إضافةً إلى أنه يخلق صراعات مع الآخرين، ويمكن أن يؤثر على قدرتك في تقييم سلوكك الخاص وإجراء تغييرات عليه. كيف تتجنب انحياز الفاعل المراقب, علامات انحياز الفاعل المراقب.
يمكن أن يساعدك إدراك هذا الانحياز في إيجاد طرق للتغلب عليه. بدلاً من التركيز على العثور على سبب لإلقاء اللوم عليه عندما تسوء الأمور، ابحث عن طرق يمكنك من خلالها فهم الموقف بشكل أفضل أو حتى تحسينه. كن متعاطفاً وابحث عن حلول بدلاً من محاولة إلقاء اللوم.
اقـرأ أيضاً: الانحيازات المعرفية، أسباب حدوثها وبعض الأنواع الشائعة
اقرأ أيضـاً: كيف يؤثر انحياز الارتساء على صنع القرار
اقـرأ أيضاً: الانحياز الضمني، أسبابه، تأثيراته وكيفية الحد منه
المصدر: Actor-Observer Bias in Social Psychology
تدقيق: لبنى حمزة
تحرير: جعفر ملحم