إن وجود طفل يجادل في كل شيء تقوله يمكن أن يكون أمراً مستنزفاً. يستمتع الكثير من الصغار (والبالغين) بالنقاش من حين لآخر، لكن عندما يصرون أن تكون الكلمة الأخيرة لهم كل مرة، أو عندما يترافق الجدال المستمر بألفاظ فظة أو سلوك سيء، فقد ينفذ صبر ذويهم.
قد تتساءل كيف يمكنك التعامل مع الطفل كثير الجدال دون أن تحبط معنوياته أو تكسر خاطره.
تحديات التعامل مع طفل كثير الجدال
يتمثل التحدي الأكبر هنا في أن الأهل وأفراد العائلة الآخرين ينجرّون بشكل دائم إلى الكثير من النقاش، وبدلاً من أن يتحدثوا مع الطفل بأسلوب هادئ ورباطة جأش، تغدو التفاعلات بينهم حادة، وتتسم بالغضب والصوت المرتفع، وسرعان ما يبدأ تبادل الكلمات القاسية بين الطرفين؛ ما يؤدي إلى جرح مشاعر الأهل والطفل على حد سواء.
تؤدي المواجهات المتكررة بين الأهل والأطفال في النهاية إلى شعور الطرفين بالإرهاق والإحباط، وتتضرر العلاقة بينهما على المدى الطويل. يعد سلوك الجدال المبالغ به عرضاً شائعاً من أعراض اضطراب المتحدّي المعارض عند الأطفال (ODD).
لماذا يجادل الطفل في كل شيء يقوله الأهل؟
لنرجع خطوة إلى الوراء ونقوم ببعض البحث. عندما يرغب طفلك بالجدال في كل شيء تقوله وبالفوز في كل مرة على الأغلب، ما الذي يريده حقاً؟ هل يتعلق الأمر بالفعل بقضاء وقت أطول أمام الشاشة أو عدد أقل من المهام المنزلية؟
الافتقار للاستقلالية في الحياة
على الأرجح، الأطفال الذين يجادلون بكثرة أو ينخرطون في صراع قوة وسلطة يرغبون بالشعور بالسيطرة.
لننظر إلى الموضوع من زاوية أكبر. خلال اليوم، ما الذي يمتلك طفلك السيطرة عليه؟ هل فكرت كيف ستبدو الأمور إن تبادلتما الأدوار وأصبح كل شيء في حياتك خاضعاً لتحكم شخص ما؟
يستخدم الأطفال الجدال والتفاوض أحياناً للتأقلم مع فقدانهم السيطرة على جوانب معينة من حياتهم. عندما يجادل الطفل في أمر ما، فإن احتمال أنه لا يملك السيطرة على كل شيء يكون أكبر، إذ يكون الجدال محاولة منه للحصول على بعض الاستقلالية.
يحتذي بشخص كثير الجدال
من المحتمل أيضاً أن يكون طفلك قد تعلم هذا السلوك من أحد ما، إذ أظهرت عدد من الدراسات أن الأطفال يتعلمون من خلال التقليد.
هل تتجادل أنت وشريك حياتك كثيراً؟ هـل تتشاجران بشكل مستمر أمام طفلكما؟ هل لديك أحد الأقرباء، الجيران أو الأصدقاء ممن يجادلون كثيراً؟ إذ يمكن أن يؤثر سلوك الجدال الدائم عند أحد البالغين الآخرين على طفلك.
ماذا عن أصدقائه؟
ينقل الصغار الذين يتعلمون من البالغين في حياتهم ذات السلوك لغيرهم من الأطفال. هل لدى طفلك أصدقاء كثيرو الجدال؟
عشر نصائح للتعامل مع طفل كثير الجدال
لا تدع الأمور تتفاقم بينك وبين طفلك، تحلّى بالهدوء والصبر ولا تستلم للغضب. إليك عشر نصائح للتعامل مع طفلك كثير الجدال.
1ـ ابحث عن السبب الجذري
أفضل طريقة للتعامل مع الطفل المجادل هي البحث عن السبب الكامن وراء هذا السلوك. في المرة القادمة التي يبدأ فيها طفلك الجدال، خذ نفساً عميقاً حتى تستطيع تمالك نفسك، ثم اسأله: ” يبدو أنك تستمتع بالجدال حول كل شيء؟”
” هل هذا لأنك تعتقد أنني لا أسمح لك بالقيام بالأشياء كما يحلو لك؟” ” أو لأنك تتصرف مثل شخص ما تعرفه؟”
إن مخاطبته بهدوء وبنبرة صوت تتسم بالاحترام قد تجعله يتوقف ويفكر قبل أن يبدأ بالجدال بشكل غريزي. يمكنك بعدها الانتقال لعلاج السبب الفعلي لاختلافه معك.
2ـ تفقّد حدودك معه
الدفع باتجاه الاستقلالية هو مفتاح النمو والتطور النفسي الاجتماعي عند الطفل. إذا كان طفلك كثير الجدال لأنه لا يشعر بالسيطرة على حياته، أعد النظر في القواعد السارية في المنزل.
يعتقد الأهل أحياناً أنه يتوجب عليهم تقييد أو تحديد ما على الطفل فعله حتى لا يقع في الخطأ. لكن، في بعض الأوقات، التعلم من العواقب الطبيعية يمكن أن يكون أكثر فاعلية.
إذا لم يكن الأمر يشكل خطراً على صحة أو سلامة طفلك، دعه يقرر بنفسه حتى يمارس ويتدرب على صنع القرارات بمفرده.
من المستحيل تعلم المشي دون التعثر والسقوط مئات المرات وتعلم صنع القرارات دون ارتكاب بعض الأخطاء. امنح طفلك الفرصة ليعيد النظر في أحكامه ويصقلها، وفي المرة القادمة التي يبدأ فيها بالجدال، ذكره باتفاقكما سوية.
3. ضع حدوداً أساسية
تطوير القوانين المنزلية سوية يقلل من الصراع على السلطة ومن فرص الجدال أيضاً. كقاعدة عامة، الأمور الهامة التي تتعلق بالسلامة والصحة غير قابلة للنقاش.
ضع قواعد أساسية واضحة وحدوداً صارمة لهذه الأمور. أخبر طفلك أنه يجب عليه اتباع قراراتك المرتبطة بالبنود الأساسية لأنك تحبه كثيراً وتريد حمايته (لا السيطرة عليه).
أما بالنسبة للمسائل الأخرى، يمكنك مناقشة الحدود الملائمة والتفاوض بشأنها. مثل الروتين اليومي الذي يجب أن يتم الاتفاق عليه مسبقاً بحيث لا يكون هناك مجال للجدال عندما يحين وقت مغادرة المنزل في الصباح.
ضع حداً زمنياً بحيث إذا كان النقاش والتفاوض ضروريان في هذه اللحظة، ستناقش ذلك لهذه المدة فقط ثم تمضي.
ناقش معه متى يكون الوقت مناسباً للتفاوض ومتى لا يكون كذلك. على سبيل المثال، إذا كنت ستتأخر عن موعد طيارتك، فليس الوقت ملائماً للجدال.
4. كن مثالاً جيداً يحتذى به
يؤثر سلوك الوالدين بشكل كبير على أطفالهم وصولاً إلى مرحلة البلوغ. لذا فمن المهم أن ينتبه الأهل على ردات أفعالهم عندما يتعاملون مع الأطفال كثيري الجدال.
خذ بعض اللحظات للتأمل والتفكير في رد فعلك عندما يجادلك طفلك. هل تقوم بنفس تصرفاته وتجادل مثله؟ إذا كان الأمر كذلك، ستجد نفسك في موقف الخاسر أنت وطفلك.
كشخص بالغ، التغيير يبدأ منك. وحتى تقلب الموازين وتدير النقاش في الاتجاه الصحيح، يجب أن تمثل قدوة صالحة يحتذى بها ومثالاً يتبعه طفلك من خلال إظهار كيفية التواصل بفعالية واحترام.
5. ضع حداً للتأثيرات السيئة
إذا كان أحد الأطفال أو البالغين الآخرين هو السبب في تصرفات طفلك، حاول الحد من علاقته معه. وتكلم مع طفلك حول هذا الموضوع وأخبره بسبب رغبتك في أن يبتعد عن مثل هؤلاء الأشخاص (القدوة السيئة). وإذا كانوا أحد أفراد الأسرة، تحدث معهم عن الأثر السلبي والسيئ لهم على أطفالك.
6. اشرح الأسباب المنطقية للخلاف مع طفلك كثير الجدال
يتصاعد الجدال عندما يعتقد الطرفان أن أسباب كل منهما أفضل من الآخر. إذا كنت تخبر طفلك ما يجب عليه فعله، تأكد أن تكون الأسباب مقنعة جداً. فعبارة ” لأنني قلت كذلك” لن تجدي نفعاً.
نريد الأفضل دائماً لأطفالنا، وندرك أننا نتخذ قراراً معيناً لمصلحتهم لكنهم قد لا يعلمون (أو يفهمون) ذلك بمقدار فهمنا له.
على سبيل المثال، تريد أن يتوقف طفلك عن الجدال المستمر في كل شيء. أخبره بأن هذا الجدال يؤثر عليك، على العائلة والعلاقات.
علاوة على ذلك، لا يحبذ أحد النزاع المستمر؛ فالشخص الذي يجادل كثيراً في المواقف الاجتماعية يعاني بشكل كبير على الصعيد الاجتماعي أيضاً لافتقاره للمهارات الاجتماعية.
لذا، تعد هذه العادة غير مفيدة له، سواء داخل المنزل أو خارجه. لكن إذا لم تكن هناك أسباب مقنعة للطلب من طفلك أن يمتثل لقراراتك أو أن أسبابه وحججه تفوق ما لديك.
خذ بعين الاعتبار إعادة تقييم وفحص سبب إصرارك على القيام بالأمور كما تشاء أنت. باختصار، اختر ما تخوضه من معارك بذكاء.
7. استمع للطرف الآخر
يصبح أي شخص (سواء طفلاً أو بالغاً) كثير الجدال عندما يشعر أن الطرف الآخر لا يصغي إليه جيداً. قد يلجأ الطفل في هذه الحالة إلى أفضل ما يعرفه لإثبات وجهة نظره. يُظهر الإصغاء الفعال مدى اهتمامك برأيه وقد تجد أن رأيه قوي ومدعوم بأسباب وحجج جيدة.
8. ركز على الأسباب الجيدة لا على كونك أنت المحق
لن يجادل الطفل بنفسه؛ فالجدال قائم على وجود طرفين. عندما تصر على أنك المحق، لن يتوقف الجدال.
أكد على أن ما تتخذه من قرارات يصب في صالحه، ولا تركز على فكرة من هو الصحيح بينكما، وبيّن أن قرارك نابع من اهتمامك به ومحبتك له.
يعتمد مدى تحفيز طفلك على فعل ما تطلبه منه على نوع العلاقة التي تربطكما سوية. إذا شعر طفلك بالحب، فمن الأرجح أن يمتثل لطلبك. لكن إذا كانت علاقتكما متوترة جراء جدالكما المستمر، ستجد صعوبة في إقناعه.
9. ضع الخيارات أمام طفلك كثير الجدال
يمكن أن يكون منحهم بعض الخيارات هو أفضل ما يمكنك القيام به أحياناً. على سبيل المثال، عندما يجادل طفلك بما يريد ارتداءه، يمكنك بسهولة تخطي المشكلة بطرح خيار أو أكثر من اللباس ويبقى القرار والاختيار له.
10. علمه الاختلاف القائم على الاحترام و تقنيات حل المشكلات
علم طفلك كيف يناقش الآخرين بطريقة تنمّ عن الاحترام في حال كان يخالفهم الرأي والعثور على أفضل حل ممكن يرضي الطرفين، إذ تعتبر مهارات حل المشكلات تلك أمراً أساسياً لنجاح طفلك في المستقبل.
أفكار ختامية حول جدال الطفل في كل شيء
لا تعتبر نزعة الشجار عند الأطفال شيئاً سيئاً بالضرورة، إذ تظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين يتمتعون بشخصية قوية يميلون إلى أن يكونوا أكثر سعادة في العمل. في نهاية اليوم، نرغب أن يكون أطفالنا مسرورين وناجحين.
تنشئة طفل مفعم بالحيوية ويتخذ السلوك الصحيح يعتمد بشكل كبير على تعليمه كيف يطلب ما يريد بطريقة يقودها الاحترام والتقدير للطرف الآخر.
اقرأ أيضاً: كيفية تأديب الطفل الغاضب الذي لا يحترم الآخرين ونصائح للوالدين
اقـرأ أيضاً: الطفل المشاغب، سلوكياته وعشرة طرق فعالة للتعامل معه
اقرأ أيضاً: مفاتيح الطفولة السعيدة وأهميتها لصحة الطفل النفسية
المصدر: How To Handle When Your Child Argues With Everything You Say
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم
