لوم الذات، ما هو وكيف يرتبط بسوء معاملة الأطفال وإهمالهم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

وفقاً لأخصائيي الصدمات، يُعد لوم الشخص لنفسه على عار كونه ضحية بمثابة دفاع ضد العجز الشديد الذي يشعر به في أعقاب حدث صادم، لذلك يلوم ضحايا الصدمات أنفسهم عادة. يستمر لوم الذات في تدمير وهم سيطرة الصدمة، لكنه يمنعنا من العمل الضروري مع المشاعر والذكريات المؤلمة للشفاء والتعافي، على حسب قول ساندرى لي دين (Sandra Lee Dennis). 

ما هو لوم الذات (self-blame)؟

يعاني عدد هائل من الأشخاص بشكل روتيني من أعراض الصدمة الخفيفة أو المعقدة من البيئة التي عاشوها في سنوات تكوينهم. أحد هذه الأعراض هو لوم الذات السام (Toxic Self-Blame).

في الحقيقة، لوم الذات ليس أمراً سيئاً بالضرورة، بالفعل يبعدنا الشعور بالمسؤولية، الذنب، الخجل عن إيذاء الآخرين. ويتيح لنا التعلم من عثراتنا ويساعدنا على أن نصبح أكثر تعاطفاً مع بعضنا بعضاً؛ الأمر الذي يحافظ على طبيعتنا كبشر.

ومع ذلك، قد تكون مشكلة وهي بالفعل كذلك عندما نلوم أنفسنا على أشياء لم نفعلها أو يجب ألا نشعر بشكل شخصي بالمسؤولية أو الخجل منها. سنتحدث في هذا المقال عن تأثيرات لوم الذات السامة والضارة.

أصل لوم الذات

غالباً، عندما يعاني الأطفال من الصدمة، سواءً كانت شديدة مثل الاعتداء الجنسي والجسدي أو خفيفة مثل قلة الانتباه، لا يُسمح لهم بالإحساس بالألم، الغيظ، الغضب، الخيانة، التخلي والرفض وما إلى ذلك.

أو إذا تم السماح لهم بالإحساس حقاً بتلك المشاعر، فلا يتلقون عادة حلاً نفسياً مهدئاً ومناسباً ليتمكنوا من الشفاء وإكمال حياتهم. 

ويمنع عليهم خصوصاً الشعور بالغضب من الأشخاص الذين سببوا لهم الأذى إذا كانوا من أفراد عائلتهم. ومع ذلك، يعتمد الأطفال على مقدمي الرعاية حتى لو كانوا نفس الأشخاص الذين من المفترض أن يحموهم ويلبون احتياجاتهم، إلا أنهم يفشلون في ذلك بشكل ما.

من الطبيعي كبشر رغبة الأطفال في فهم ما حدث ولماذا، نظراً لأن نفسية الطفل تطور دائماً. إذ يستمر في رؤية العالم وكأنه يتمحور حوله، لذا يميل عند حدوث الخطأ إلى الاعتقاد أن ما حدث مرتبط به بطريقة أو بأخرى. وربما يكون ذلك خطأه، مثلً إذا كان الأب والأم يتشاجران فإن الأمر يتعلق بي، أي خطأ ارتكبت؟ لماذا لا يحبانني؟

علاوة على ذلك، يتم إلقاء اللوم على الطفل بشكل صريح لشعوره بالألم، سمعنا جميعاً بشكل مباشر أو غير مباشر عبارات مثل: “لا داع للانزعاج”. “إنه يكذب”، “سأعطيك شيئاً تبكي عليه بالفعل”، “أنت جعلتني أفعل ذلك”، “إنها لا تؤلم”. “توقف عن اختلاق الأشياء”، “إذا لم تتوقف سأتركك هنا لوحدك”. 

ليس كل ذلك عكس ما يحتاج الطفل الذي يشعر بالألم وحسب بل أيضاً يجعل الطفل يلوم نفسه لما حدث ويقمع مشاعره الحقيقية. ولاحقاً في الحياة، تنتقل هذه المشكلات معه نظراً لأنها لم تحل أو حتى تحدد. 

ومن المحتمل، في حال عدم حلها أن ترافقه في مرحلة المراهقة والبلوغ وحتى مراحل أكبر سناً بعد، وتتجلى بعدد كبير من مشكلات سلوكية عاطفية وشخصية.

كيف يظهر لوم الذات؟

فيما يلي ست طرق يظهر لوم الذات من خلالها في حياة الفرد.

أولاً، النقد الذاتي السام

يكون الشخص الذي يعاني من لوم الذات غير الصحي أكثر عرضة للنقد الذاتي السام نظراً لتعرضه لانتقادات علنية واللوم ظلماً وتمسكه بمعايير غير واقعية. عندما يكبر، يكون قد تشرب هذه الأحكام والمعايير وتكون هي الطريقة التي يرى ويتعامل بها مع نفسه.

يغلبه التفكير بالآتي أحياناً: أنا سيء أو لا قيمة لي أو أنا لست جيداً بما يكفي.

تتسم هذه المعتقدات الخاطئة بأنها مضنية وتدل على تدني تقدير الذات. وتظهر غالباً في أشكال مختلفة من المثالية مثل وجود معايير غير واقعية وغير قابلة للتحقيق.

ثانياً، تفكير الأبيض والأسود

يعني تفكير الأبيض والأسود أن الشخص يفكر بشكل متطرف للغاية حيث يوجد أكثر من خيارين أو أن هناك مشكلة في مجال معين ومع ذلك لا يرى أياً منها.

فيما يتعلق بالذات، قد يفكر الشخص الذي يلوم نفسه بشكل مستمر أنه فاشل دائماً، لا يستطيع فعل أي شيء بشكل صحيح، أنه دائماً على خطأ وأن الآخرين يعرفون دائماً أفضل منه. إذا كان هناك شيء غير مثالي، ينظر إلى كل شيء على أنه سيئ.

ثالثاً، الشك الذاتي المزمن

يكون لدى الشخص شكوك كثيرة بسبب كل هذه الأفكار. حسناً، هل أفعل ذلك بصورة صحيحة؟ هل أفعل ما يكفي؟ هل يمكنني أداء ذلك بالفعل؟ يبدو أنني فشلت مرات عديدة، هل يمكنني أن أكون على صواب؟ أعلم أنني أحياناً أميل إلى المبالغة في رد الفعل والتفكير في الأسوأ، لكن ربما هذه المرة هذا صحيح حقاً؟

رابعاً، ضعف العناية بالنفس وإيذاء النفس

يميل الأشخاص الذين لُقنوا إلقاء اللوم على أنفسهم على تعرضهم للأذى إلى قلة العناية لحد إيذاء النفس أحياناً. 

يواجه الشخص الذي يعاني من لوم الذات السام صعوبات في رعاية نفسه بسبب الافتقار إلى الاهتمام والحب والحماية عندما يكبر. كثير من الناس من هذا القبيل تربوا على تقديم الاهتمام والرعاية للآخرين، لذلك يشعرون أنهم لا يستحقون حتى تلبية احتياجاتهم.

وبما أن مثل هذا الشخص يميل إلى إلقاء اللوم على نفسه، فإن إيذاء النفس يبدو عقاباً مناسباً في عقله اللاواعي لكونه سيئاً، تماماً كما عوقب عندما كان طفلاً.

خامساً، علاقات غير مُرضية

يمكن أن يلعب لوم الذات السام دوراً كبيراً في العلاقات. في العمل، قد يتحمل الشخص الكثير من المسؤوليات ويصبح عرضة للاستغلال. في العلاقات الرومانسية أو الشخصية، قد يقبل الإساءة وكأنها سلوك طبيعي، لا يمكنه حل النزاعات بشكل بناء، أو لديه فهم غير واقعي لماهية العلاقات السليمة والصحية.

المشاكل الشخصية الأخرى ذات الصلة هي الاعتماد على الآخرين، إرضاء الناس، العجز المكتسب، الحدود ضعيفة بينه وبين الآخرين، عدم القدرة على قول لا، إلغاء الذات ومتلازمة ستوكهولم (ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع من أساء إليه بشكل من الأشكال)

سادساً، الخجل، الذنب والقلق بشكل مزمن

يعاني الأشخاص ممن  يلقون اللوم على أنفسهم من المشاعر الغامرة والمرهقة أو المؤلمة والدخيلة. وأكثر العواطف والحالات النفسية شيوعاً هي الخجل، الخزي، الذنب والقلق، ولكنها قد تكون أيضاً شعوراً بالوحدة، الارتباك، الافتقار إلى الحافز، انعدام الهدف، العجز، الإرهاق أو التنبّه المستمر.

ترتبط هذه المشاعر والحالات المزاجية ارتباطاً وثيقاً بظواهر مثل الإفراط في التفكير أو التهويل. إذ يعيش الفرد فيما يدور داخل رأسه أكثر من حضوره الواعي في الواقع الخارجي المحيط به.

خلاصة حول لوم الذات

تجعلنا التنشئة المتطلّبة أو المؤلمة عرضة للوم الذات، وهي أحد الآثار العديدة لبيئة الطفولة هذه. إذا لم يتم التعامل مع لوم الذات السام (لوم النفس) وحل هذه المشكلة بالكامل، ستنتقل مع الفرد حتى وقت لاحق من حياته. وتتجلى في مجموعة واسعة من المشاكل العاطفية، السلوكية، الشخصية والاجتماعية.

تشمل هذه المشكلات، على سبيل الذكر لا الحصر، تدني احترام الذات، النقد الذاتي المزمن، التفكير السحري وغير العقلاني، الشك المزمن بالنفس، الافتقار إلى حب الذات والرعاية الذاتية، العلاقات غير الصحية ومشاعر مثل العار السام، الذنب والقلق.

عندما يحدد الشخص هذه المشكلات وأصلها بشكل صحيح، يمكنه حينها البدء في العمل من أجل التغلب عليها، مما يجلب المزيد من السلام الداخلي والرضا العام في الحياة.

اقرأ أيضاً: الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة، آثاره السلبية وكيف يمكن تجاوزها

اقرأ أيضاً: دليل موجز حول سلوك إيذاء النفس وصدمة الطفولة التي لم تُشفى بعد

اقرأ أيضاً: دليل موجز للعار السام خلال مرحلة الطفولة الذي لم تتم معالجته

المصدر: Six Ways Childhood Abuse and Neglect Leads to Self-Blame in Adulthood

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: