التربية المهملة، والتي يشار إليها أحياناً بالتربية المبتعدة (Uninvolved parenting)، هي أسلوب يتميز بالافتقار إلى تلبية حاجات الطفل. من خصائص هذا النمط من التربية أن يطلب الأهل طلبات قليلة أو معدومة من أبنائهم ويتصفون أحياناً باللامبالاة، الابتعاد أو الإهمال التام. لكن ما هي تبعات وأسباب التربية المهملة؟
خلال ستينيات القرن الماضي، وصفت عالمة النفس ديانا بومريند (Diana Baumrind) ثلاثة أساليب مختلفة للتربية اعتماداً على بحثها الذي تناول الأطفال قبل عمر المدرسة: السلطوية، الحازمة والمتساهلة. في السنوات التالية، أضاف الباحثون التربية المهملة إلى هذه القائمة.
خصائص التربية المهملة (المبتعدة)
حددت بومريند خصائص أنواع التربية التي صاغتها وفقاً لبعدين أساسيين: الاستجابة الأبوية، المتطلبات الأبوية.
تنخفض درجة التربية المتساهلة ضمن إطار هذين البعدين، إذ لا يستجيب الأهل بشكل جيد لاحتياجات أبنائهم ويُظهرون القليل من التعاطف، الدعم أو الحب، ويطلبون عدداً قليلاً من الطلبات منهم أيضاً ونادراً ما يضعون القواعد ولا يعمدون إلى توجيه أو تقديم توقعات خاصة بسلوكهم.
أنماط السلوك الشائعة الخاصة بالأهل المهملين
- يتصرفون بطريقة منفصلة عاطفياً عن أطفالهم
- يتفاعلون بشكل محدود مع أطفالهم لأنهم منشغلون بمشاكلهم
- يوفرون إشرافاً أو معلومات قليلة لإطفالهم
- يضعون توقعات أو متطلبات سلوكية قليلة أو معدومة
- يظهرون القليل من الدفء، الحب والعاطفة تجاه أطفالهم
- يتغيبون عن حضور المناسبات الخاصة بأبنائهم واجتماعات الأساتذة مع أولياء الأمور.
التربية الحرة مقابل التربية المهملة
من المهم ملاحظة أن التربية المهملة لا تشبه التربية حرة النطاق (Free – Range Parenting). فبينما لا تُعير التربية المهملة أي اهتمام لحياة الأطفال، يكون الأهل في النمط الآخر من التربية محبين ومصغين، إلا أنهم يمنحون صغارهم بعض الحرية في اختيار العواقب الطبيعية لتصرفاتهم.
الأهل المشغولون
من المهم أيضاً الانتباه إلا أنه لا يمكن اعتبار الأب أو الأم مهملين لمجرد أن أحدهما أو كليهما مشغول بالعمل أو الالتزامات الأخرى، فالنية والرعاية مهمان هنا.
فبينما يعمل الأهل لساعات طويلة، هم غير مهملون إذا ما عمدوا إلى قضاء وقت الفراغ مع أطفالهم والتأكد من رعايتهم في حال لم يتواجدوا معهم.
أمثلة على التربية المهملة
لا يشترك الأهل المهملون عاطفياً مع أطفالهم، وبينما يؤمّنون الاحتياجات الأساسية من الطعام والسكن، فهم، إلى حد كبير، لا دور لهم في حياة أطفالهم. ويمكن أن تختلف درجة اشتراكهم بها بالضبط بشكل كبير.
يمكن ألا يتدخل بعض الأهل المهملين في حياة أطفالهم نسبياً. لكن يحافظون على بعض الحدود الأساسية مثل منع الخروج من المنزل.
قد يكون آخرون مهملين تماماً أو حتى يرفضون أطفالهم بالمطلق. يمكن أن يحصل الأطفال على الحد الأدنى الذي يحتاجونه للبقاء على قيد الحياة مثل المأوى والغذاء والملابس ولكن القليل أو اللاشيء من الإرشاد أو التعاطف.
أسباب التربية المهملة
من المهم ملاحظة أن التربية المهملة لا تكون متعمّدة أحياناً. إذ يمكن أن تنشأ من عدة أسباب مختلفة، بما فيها تجربة الوالدين السابقة والتوتر.
قد يكون الوالدان اللذان يظهران نمط تربية مهملاً أحياناً نشؤوا ضمن عائلة مهملة وبعيدة عنهم. وعندما يصبحون أشخاصاً بالغين، من الممكن أن يجدوا أنفسهم يكررون الأنماط ذاتها التي تربوا عليها. والبعض الآخر يمكن أن يكون أسير الحياة المليئة بالأشغال فيجد من الأسهل له عدم التدخل في حياة أطفاله.
في بعض الحالات، يمكن أن يكون الأهل مقيدين تماماً بقيود مشاكلهم الخاصة ( مثل العمل الإضافي، التأقلم مع الاكتئاب، تعاطي المواد المخدرة وما يحمله من صراعات.) ما يجعلهم يفشلون حقاً في إدراك أنهم مهملون في تربية أطفالهم وبعيدون عنهم أو ببساطة غير قادرين على توفير الدعم العاطفي الذي يحتاجه هؤلاء الأبناء.
كما لاحظنا، تتعدد خصائص وأسباب التربية المهملة، لكن ما هي التبعات المترتبة على التربية المهملة؟
تبعات التربية المهملة
ربطت الأبحاث أنماط التربية بنطاق من النتائج المؤثرة على الطفل في عدة نواحي مثل المهارات الاجتماعية والأداء الدراسي. إذ يكون أداء هؤلاء الأطفال عموماً ضعيفاً في كل جوانب الحياة تقريباً، ويميلون إلى إظهار عجز في الجانب المعرفي، التعلق والمهارات العاطفية و الاجتماعية.
نظراً لافتقارهم إلى الاستجابات العاطفية والحب ممن يعتنون بهم، تنشأ لديهم صعوبة في تكوين أنماط تعلق في وقت لاحق من الحياة.
يجعل نقص الحدود والضوابط التام في المنزل من تعلم السلوك المناسب والحدود في المدرسة والمواقف الاجتماعية الأخرى أمراً صعباً. ما يفسر سوء السلوك عند معظم الأطفال الناشئين ضمن هذا النمط من التربية.
النتائج المرتبطة بالتربية المهملة
يمكن أن يعاني هؤلاء الأطفال من:
- القلق أو الإجهاد بسبب نقص الدعم العائلي.
- الانسحاب العاطفي.
- الخوف من أن يعتمدوا على الآخرين.
- خطر متزايد لتعاطي المخدرات.
- وجوب تعلم توفير احتياجاتهم بأنفسهم.
- الجنوح في مرحلة المراهقة.
الاستجابة لهذا النمط من التربية
يمكن أن يترك الأهل المهلمون (الذين يتبعون نمط التربية المهملة) علامة دائمة في حياة أطفالهم، والتي من المحتمل أن تمتد إلى مرحلة البلوغ أيضاً. إذ يشعرون بالخوف من تكرار هذا النمط من التربية مع أطفالهم في المستقبل.
هناك العديد من الأشياء التي يمكن القيام بها لتحسين مهارات التربية لديك مثل:
- تعلم المزيد حول أساليب التربية: اقرأ الكتب، تصفح المواقع الإلكترونية وطالع المقالات التي تتناول تربية الطفل من أجل تعلم المزيد عن النهج الفعالة والمفيدة للأطفال.
- انضم إلى صفوف التربية: تبين أن التدريب على التربية يساعد في تحسين انخراط الأهل في عملية التربية بشكل أكبر. ابحث في المدارس، المكتبات وغيرها لإيجاد دورات وصفوف التربية في منطقتك.
- فكر في العلاج النفسي: يمكن أن يساعد التحدث إلى أخصائي صحة نفسية في تحديد سياق تجربتك الخاصة وتطوير مهارات جديدة من أجلها مساعدتك في بناء روابط وحدود صحية مع صغارك.
- اشترك أكثر مع أطفالك: ابذل جهوداً حثيثة في قضاء وقت أكبر مع أطفالك. أصغ لهم واعرف أكثر عن حياتهم. ليس التغيير بالأمر السهل ويمكن أن يزداد صعوبة في حال كنت تعمل وتنشغل على الدوام. ركز على تخصيص ما توفر من وقت وكرّس انتباهك التام نحو أطفالك.
إذا أدركت أنك والد مهمل، يمكن أن تجد العلاج النفسي مفيداً لك. إذ يمكن أن يساعدك المعالج في تحديد الاستراتيجيات التي تعينك على تكوين تواصل أقرب، روابط أعمق واستجابات أفضل ضمن خلية العائلة.
بينما تعجز عن تغيير الماضي، توجد أيضاً أشياء يمكنك القيام بها تساعدك في الشفاء من تجربتك السابقة مع الأهل المهملين مثل الاعتناء بالنفس ورعايتها، تطوير أنماط تعلق مع الآخرين في الحياة والتحدث إلى أخصائي صحة نفسية، إذ تشكل جميعها خطوات تعزز عملية التعافي.
خلاصة
عند النظر في عواقب هذا النمط من تنشئة الأطفال، يتجلى بوضوح أن أسلوب التربية المهملة بعيد كل البعد عن المثالي. في سبيل تنشئة أطفال واثقين من أنفسهم، أصحاء ومرنين عاطفياً، يحتاج الأطفال إلى الدعم، الحب، أسلوب تأديب مناسب، تنظيم وإرشاد من البالغين الذين يثقون بهم.
اقرأ أيضاً: علاج التعلق، تقنياته، فوائده وفعاليته
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الشجار الأسري على الطفل؟ وكيف تتخلص من آثاره السلبية؟
المصدر: Characteristics and Effects of Uninvolved Parenting
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم