علم النفس السلوكي، تاريخه، أنواعه، تأثيراته واستخداماته

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

المذهب السلوكي (Behaviourism) أو ما يعرف بـ علم النفس السلوكي (Behavioural Psychology)، هو عبارة عن نظرية تعلم تستند على فكرة اكتساب جميع السلوكيات من خلال التكيف، والذي يحدث بدوره عبر التفاعل مع البيئة المحيطة. و يعتقد أصحاب المذهب السلوكي أن سلوكياتنا تتشكل بسبب المحفزات البيئية.

 تبعاً لهذه المدرسة الفكرية، يمكن دراسة السلوك وملاحظته بطريقة منهجية بغض النظر عن الحالات العقلية الداخلية، حيث تنص النظرية السلوكية على اعتبار السلوك الملحوظ فقط و على أن الإدراك والمشاعر والمزاج هي أمور ذاتية للغاية.

يعتقد أتباع المذهب السلوكي المتعصبون أنه يمكن تدريب أي شخص لأداء أي مهمة بغض النظر عن جيناته، سماته الشخصية وأفكاره الداخلية، وذلك ضمن حدود قدراته الجسدية؛ ويتطلب ذلك التكيف الصحيح فقط. 

تاريخ النظرية السلوكية وعلم النفس السلوكي

تأسس المنهج السلوكي عام 1913 بعد  نشر جون بي واتسون (John B. Watson) لبحثه التقليدي (علم النفس من وجهة نظر السلوكية). وأفضل تلخيص له هو الاقتباس التالي لـ واتسون والذي يعتبر أب السلوكية حيث يقول:

“أعطوني عشرات الرضّع الأصحاء بقوام سليم ودعوني أضمهم الى عالمي الخاص لتنشئتهم، وسأختار أحدهم عشوائياً وسأضمن لكم أنه سيصبح بعد تدريبه، بغض النظر عن مواهبه، نزعاته، ميوله، قدراته، ومهامه، وعرق أسلافه في أي اختصاص اختاره؛ سواء طبيباً، أو محامياً، فناناً، تاجراً، ونعم حتى متسولاً أو لصاً. “

يعتقد أتباع المنهج السلوكي المتعصبون ببساطة أن السلوكيات ما هي إلا نتاج التجربة، ويمكن تدريب أي شخص، بغض النظر عن خلفيته، على التصرف بسلوك معين في ظل الشروط المناسبة.

نما المنهج السلوكي منذ عشرينات حتى منتصف خمسينات القرن المنصرم، ليصبح المدرسة الفكرية المهيمنة في علم النفس. وساد الاعتقاد عند البعض أن شعبية علم النفس السلوكي تبلورت نتيجة الرغبة بجعل علم النفس علماً موضوعياً وقابلاً للقياس.

اهتم الباحثون في ذلك الوقت بخلق نظريات واضحة سواء في شرحها أو قياسها عملياً، ولكنها استُخدمَت أيضاً في تقديم مساهمات مؤثرة على نسيج الحياة البشرية اليومية. المذهب السلوكي, أنواع علم النفس السلوكي, النظرية السلوكية.

أنواع علم النفس السلوكي

يوجد نوعان أساسيان من المنهج السلوكي تم استخدامهما في شرح كيفية تشكل السلوك وهما:

  • السلوكية المنهجية (Methodological Behaviorism)

تنص السلوكية المنهجية على ضرورة دراسة السلوك الملحوظ علمياً، ولا ترتبط الحالات العقلية والعمليات المعرفية بفهم السلوك. وتتوافق السلوكية المنهجية مع أيديولوجيات واتسون ونهجه.

  • السلوكية الراديكالية (Radical Behaviorism)

يتجذر هذا النوع في النظرية القائلة بأنه يمكن فهم السلوك من خلال معرفة بيئة الفرد السابقة والحالية ومعززاتها الداخلية، وبالتالي يكون تأثير على السلوك إما إيجابياً أو سلبياً. أنشأ هذا النهج السلوكي عالم النفس بي إف سكنر (B.F Skinner). المذهب السلوكي.

الإشراط الكلاسيكي (Classical Conditioning)

الإشراط الكلاسيكي هو تقنية تُستخدم باستمرار في التدريب السلوكي، حيث يتم ربط محفز محايد بمحفز آخر يحدث بشكل طبيعي. ويأتي المحفز المحايد في نهاية المطاف ليثير نفس الاستجابة الناتجة عن التحفيز الطبيعي، حتى بدون أن يظهر المحفز الطبيعي.

خلال مراحل الإشراط الكلاسيكي الثلاثة المختلفة، يصبح المحفز المُقترِن معروفاً باسم المحفز المشروط والسلوك المكتسب معروفاً بالاستجابة المشروطة

التعلم من خلال الربط (الاقتران)

تحدث عملية الإشراط الكلاسيكي من خلال تطوير علاقة ارتباط بين المحفز البيئي والمحفز الطبيعي.

في اختبارات الفيزيائي إيفان بافلوف (Ivan Pavlov) التقليدية على الكلاب، بدأت هذه الكلاب تربط تقديم الطعام (شيء يحرض بشكل طبيعي وتلقائي على الاستجابة المتمثلة بسيلان اللعاب). بدايةً بصوت الجرس ثم برؤية معطف المختبر الأبيض. وفيما بعد أصبح معطف المختبر وحده يثير هذه الاستجابة.

العوامل المؤثرة على عملية الإشراط

خلال الجزء الأول من عملية الإشراط الكلاسيكي، المعروفة بـ الاكتساب، يتم خلق استجابة وتعزيزها. ويمكن لعوامل مثل إبراز المحفز و توقيت التقديم أن تلعب دوراً ملحوظا في سرعة تشكيل الاقتران.

عند زوال الارتباط (الاقتران)، تضعف استجابة السلوك تدريجياً أو تزول تماماً وهو ما يعرف بالتثبيط (extinction). وتلعب عوامل مثل قوة الاستجابة الأصلية  دوراً مهماً في سرعة حدوث تثبيط السلوك.

على سبيل المثال، كلما طالت فترة إشراط الاستجابة كلما استغرقت مدة التثبيط وقتاً أطول.

الإشراط الفعال (Operant Conditioning)

يشار إليه بـ الإشراط الإجرائي، وهو طريقة للتعلم من خلال التعزيز والعقاب. حيث يتم من خلاله خلق علاقة بين السلوك ونتيجته.

ينص هذا النهج السلوكي على أنه عندما تتبع الفعل نتيجةٌ مرغوبة، تزداد فرص هذا السلوك في الحدوث مستقبلاً. والعكس صحيح، فالاستجابات المتبوعة بنتائج سلبية تقل فرص تكرارها مستقبلاً. 

تأثير النتائج على التعلم

يصف العالم السلوكي سكينر الإشراط الفعال على أنه العملية التي يُكتسب فيها التعلم من خلال التعزيز والعقاب. بمعنى أدق، أنت تتعلم من خلال خلق علاقة بين سلوك معين ونتيجته. المذهب السلوكي, أنواع علم النفس السلوكي, النظرية السلوكية.

فالطفل يصبح أكثر قابلية لتنظيف الفوضى حوله ويتعزز هذا السلوك المرغوب في حال قام أحد الوالدين بالثناء عليه في كل مرة يُرَتّب فيها ألعابه. 

دور التوقيت

تبدو عملية الإشراط الفعال واضحة ومباشرة إلى حد ما، فقط راقب السلوك وقدّم المكافأة أو العقاب. ولكن اكتشف سكينر أن توقيت هذه المكافآت والعقوبات له تأثير هام على مدى سرعة اكتساب سلوك جديد وقوة الاستجابة المقابلة.

وهذا ما يجعل جداول التعزيز مهمة في عملية الإشراط الفعال إذ يمكن أن تنطوي إما على تعزيز مستمر أو جزئي.

التعزيز المستمر

ينطوي على مكافأة كل حالة فردية من السلوك، وكثيراً ما يُستخدم في بداية عملية الإشراط الفعال، وعندما يتم تعلم السلوك، قد يتحول الجدول الزمني للتعزيز المستمر إلى تعزيز جزئي. المذهب السلوكي, أنواع علم النفس السلوكي, النظرية السلوكية.

التعزيز الجزئي 

ينطوي التعزيز الجزئي على تقديم مكافأة بعد عدة استجابات أو بعد فترة من الزمن. وفي بعض الأحيان، يحدث التعزيز الجزئي على جدول زمني ثابت أو مستمر.

في حالات أخرى، يجب أن يحدث عدد لا على التعيين من الاستجابات أو انقضاء مقدار من الوقت قبل تقديم المكافأة.

استخدامات علم النفس السلوكي

يحوي المنظور السلوكي عدداً قليلا من الاستخدامات المختلفة، ويتعلق اثنان منها بالتعليم والصحة النفسية.

التعليم

يمكن استخدام المنهج السلوكي في مساعدة الطلاب على التعلم، مثل التأثير على تصميم الدرس. 

حيث  يستخدم بعض المعلمين على سبيل المثال التشجيع المستمر لمساعدة الطلاب على التعلم (الإشراط الفعال)، بينما يركز آخرون بشكل أكبر على خلق بيئة محفزة لزيادة المشاركة (الإشراط الكلاسيكي). 

تعد القدرة على ملاحظة وقياس السلوكيات بوضوح واحدة من أكبر نقاط القوة في علم النفس السلوكي. ولأن المنهج السلوكي يقوم على سلوكيات يمكن مراقبتها، فمن الأسهل في بعض الأحيان أيضا قياس وجمع البيانات عند إجراء البحوث.

الصحة النفسية

يعد العلاج السلوكي وليد المنهج السلوكي، وقد استُخدم في الأصل في علاج التوحد والفصام. يتضمن هذا النوع من العلاج مساعدة الأشخاص على تغيير الأفكار والسلوكيات الإشكالية، وبالتالي تحسين الصحة النفسية.

تتجذر في السلوكية تقنياتٌ علاجية فعالة مثل التدخل السلوكي المكثف، تحليل السلوك، الاقتصادات الرمزية والتدريب على التجارب المنفصلة. وكثيرا ما تكون هذه المقاربات مفيدة جدا في تغيير السلوكيات الضارة أو غير القادرة على التكيف لدى الأطفال والبالغين على حد سواء.

انتقادات علم النفس السلوكي

يجادل العديد من النقاد بأن السلوكية هي نهج أحادي البعد لفهم السلوك البشري. ويعتقدون أن النظريات السلوكية لا تفسر الإرادة الحرة أو التأثيرات الداخلية مثل المزاج والأفكار والمشاعر.

وجد فرويد (Sigmund Freud) على سبيل المثال، أن السلوكية فشلت في قدرتها على تفسير أفكار العقل الباطن، المشاعر، والرغبات التي تؤثر على سلوكيات البشر. المذهب السلوكي, أنواع علم النفس السلوكي, النظرية السلوكية.

ويعتقد مفكرون آخرون ، مثل كارل روجرز وغيره من علماء النفس الإنسانيين، أن السلوكية جامدة للغاية ومحدودة، ولا تأخذ في الحسبان العامل الشخصي. 

شدد علم النفس الحيوي (البيولوجي) في الآونة الأخيرة على الدور الذي يلعبه كل من الدماغ والمورثات في تحديد الأفعال البشرية والتأثير عليها.

و تركز المقاربة المعرفية لعلم النفس على العمليات العقلية مثل التفكير، صنع القرار، اللغة وحل المشاكل. وفي كلتا الحالتين، تهمل السلوكية هذه العمليات والتأثيرات لصالح دراسة السلوكيات التي يمكن ملاحظتها فقط.

كما أن علم النفس السلوكي لا يمثل الأنواع الأخرى من التعلم التي تحدث دون استخدام التعزيز والعقاب. وعلاوة على ذلك، يستطيع الناس والحيوانات تكييف سلوكهم عند إدخال معلومات جديدة ، حتى ولو نشأ هذا السلوك من خلال التعزيز.

تأثير علم النفس السلوكي

أثّر العديد من المفكرين في علم النفس السلوكي، بالإضافة إلى أولئك الذين سبق ذكرهم، هناك عدد من أصحاب النظريات البارزين وعلماء النفس الذين تركوا علامة أزلية في علم النفس السلوكي.

ومن بين هؤلاء إدوارد ثورندايك (Edward Thorndike)، عالم النفس الرائد الذي شرح قانون التأثير، و كلارك هول (Clark Hall) الذي اقترح نظرية المحفز (الدافع) للتعلم.

هناك عدد من التقنيات العلاجية المتأصلة في علم النفس السلوكي. و على الرغم من اتخاذه لعدة خلفيات وأسس بعد عام 1950، إلا أن مبادئه لا تزال مهمة. 

غالباً ما يستخدم تحليل السلوك كتقنية علاجية لمساعدة الأطفال المصابين بالتوحد وتأخر النمو على اكتساب مهارات جديدة حتى يومنا هذا.

وكثيراً ما تحتوي هذه العملية على عمليات مثل التكوين أو التشكيل (مكافأة النتيجة الأقرب للسلوك المرغوب) والتسلسل (تقسيم المهمة إلى أجزاء أصغر، ثم تدريس وتجميع الخطوات اللاحقة معاً).

تشمل تقنيات العلاج السلوكي الأخرى علاج النفور، إزالة التحسس المنهجية، الاقتصاد الرمزي، تشكيل السلوك ، وإدارة الطوارئ.

خلاصة

لا يزال تأثير المنهج السلوكي واضحاً في فهمنا لعلم النفس البشري على الرغم من أن شعبيته ليست كسابق عهدها، إذ استُخدمَت عملية التكييف وحدها لفهم العديد من الأنواع المختلفة من السلوكيات بدءا من كيفية تعلم الناس إلى كيفية تطور اللغة.

لكن ربما تكمن أكبر مساهمات علم النفس السلوكي في تطبيقاته العملية، ويمكن لتقنياته أن تلعب دوراً مهماً في تعديل السلوك الإشكالي وتشجيع المزيد من الاستجابات الإيجابية والمفيدة. المذهب السلوكي, أنواع علم النفس السلوكي, النظرية السلوكية.

بعيدا عن علم النفس، يستخدم كلّ من الآباء، المعلمين ، مدربي الحيوانات والعديد من الآخرين  المبادئ السلوكية الأساسية للمساعدة في تعليم السلوكيات الجديدة والعزف عن السلوك غير المرغوب فيه.

اقـرأ أيضاً: السلوك غير القابل للتكيف، تعريفه، أسبابه وعلاجه

اقرأ أيضـاً: الاضطرابات السلوكية وتأثيراتها على الفرد منذ الطفولة وحتى البلوغ

اقـرأ أيضاً: السلوك الخارجي ذو الطابع العدواني، أسبابه وعلاجه

المصدر: Behaviorism

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

Clear Filters
error: