“ولدي يمر الآن بمرحلة المراهقة وهو سعيد، منضبط ومتزن ويتكيف مع هذه المرحلة بشكل جيد. لذا أعتقد أنني أبليت حسناً في تربيته حتى الآن. لكن هناك مشكلة وهي أنه غير ممتن أبداً لكل ما فعلته من أجله. كيف لي أن أتعامل مع مراهق ناكر للجميل (مراهق ناكر للمعروف)؟ “. قد يكون من الصعب بمكان أن تقول “ولدي ناكر للجميل” لكن يجب عليك أن تتعامل مع هذه الحالة، لذلك يجب أن تتعرف أولاً إلى معنى الامتنان ولماذا يعد الامتنان مهماً.
هل تبدو تلك الحالة مألوفة؟
غالباً ما يتعرض الآباء لمثل هذه المشاعر خلال مرحلة المراهقة التي يمر بها أطفالهم، ويبذلون ما في وسعهم لدعمهم ويطمحون أن يكونوا آباء صالحين. لكن، وبالرغم من جميع تلك الجهود، لا يقدّر المراهق الناكر للجميل (المراهق الناكر للمعروف) ذلك إطلاقاً، وهذا ما يفطر قلب ذويهم.
إن وجود مراهق ناكر للجميل مدلل أمر مؤلم، فلا يرغب أي والدين بتربية مراهق مدلل، لا يبدي احتراماً ولا يشعر بالامتنان والتقدير تجاه جهودهم المبذولة من أجله.
ما هو الامتنان؟
الامتنان (Gratitude) هو التقدير الذي يشعر به الفرد عندما يُمنح أشياءً جيدة من قبل شخص ما بدافع الإيثار. سواء كان ذلك الشيء ماديّاً ملموساً كالهدية، أو معنوياً محسوساً مثل اللطف أو المساعدة، حتى وإن كان الطرف المُعطى ليس بحاجة لذلك الشيء؛ إنه فضيلة وعاطفة أخلاقية.
من المهم فهم أن الامتنان الصادق هو النابع من القلب والمدفوع بشعور خاص من الشكر والاعتراف بالجميل؛ هو عاطفة أخلاقية تدل على دماثة الخلق.
ماذا يعني أن تكون ممتناً؟
أن تكون ممتناً يعني أن تكون شاكراً لشخص قدم لك المساعدة أو فعل شيئاً لطيفاً من أجلك. لا بد وأننا جميعنا قد اختبرنا ذاك الشعور من قبل.
مثلاً عندما نتلقى هدية ما، نشعر بالامتنان للشخص الذي أعطاها لنا ونحن على يقين تام بأنه ليس مجبراً على فعل ذلك بل يقوم به بدافع حسن النية تجاهنا فقط.
لماذا يعد الامتنان مهماً؟
يغمر الآباء شعور رائع عندما يُبدي أطفالهم الامتنان لهم، لأنه يعكس القيمة والحب الذين مُنحا لهم. إذ لا يمكن أبداً التقليل من أهمية الامتنان لدى الأطفال، فقد يكون لذلك الشعور قوة كبير في حياتهم تساعدهم في النجاح.
تجدر الإشارة إلى أن للامتنان ارتباطاً وثيقاً بزيادة الرضا عن الحياة، التفاؤل والرفاهية وأيضاً التقليل من الاكتئاب والحسد مقارنة بالأشخاص الأقل امتناناً.
إذ يظهر الأشخاص الممتنّون سلوكاً وسمات مؤيدة للمجتمع بشكل أكبر. وأهم ما في الأمر، أن الامتنان يشكّل قوة بشرية تعزز شخصية الفرد والعلاقات بين الأفراد؛ تطال فوائد الامتنان المجتمع ككل.
لماذا يتصف ابني المراهق بالجحود ونكران الجميل كثيراً؟
يحتاج الامتنان إلى أن يصاغ ويُعلَّم، تماماً كاللطف أو الاحترام، إذ أن التوبيخ أو المعاقبة أو حتى فرض “عقوبات طبيعية” مثل أخذ ما بحوزة الابن وترديد عبارة “لقد فعلت الكثير من أجلك.
لماذا لا تكون شاكراً؟”، هو أحد أكثر الأخطاء الشائعة التي يقترفها الآباء عند تعاملهم مع مراهق ناكر للجميل (مراهق ناكر للمعروف). فكل تلك الأفعال والأقوال لن تجعله يشعر بالامتنان، بل على العكس ستزيد الطين بلّة.
حتى ينبع الامتنان من داخل المرء بصدق، يجب أن يدرك أن مصدر الخير الذي يحصل عليه هو مساعدة خارجية يقدمها شخص آخر عن قصد وبدافع الإيثار المطلق. وغالباً على حساب منفعته الشخصية أيضاً ولا يطلب أي شيء في المقابل؛ هذا هو المفتاح لفهم معنى الامتنان.
لنفترض أن أحد أفراد الأسرة قام بمبادرة لطيفة تجاهك، إلا أنك ولسبب ما لم تشكره على الفور، ربما كنت مشتتاً أو متعباً جداً أو متحمساً جداً أو أيّاً كان.
ثم جاء ذاك الشخص إليك وقال: “مهلاً، لم تشكرني على ما فعلته من أجلك. أنت متبجح كثيراً”. هل ستشعر بالامتنان لتصرف هذا الشخص “الإيثاري” الآن؟
لم يعد يبدو تصرفه بدافع الإيثار والغيرية، أليس كذلك؟ فهو توقع تقديرك له وطالب به. رغم أنك لا زلت ممتناً له بداخلك، إلا أن إجبارك على شكره لا يبدو جيداً.
هذا بالضبط ما يتعرض له بعض المراهقين، عندما نتّهمهم بعدم تقديرهم للهواتف أو ألعاب الفيديو التي قدمناها لهم، نشعر بإحساس استحقاقنا لامتنانهم وكأنهم مدينون لنا بشيء.
في الواقع، إنهم مدينون لنا بالامتنان؛ لكن عندما نطالبهم بذلك (خاصة بنبرة صوت اتهامية)، فإن أي رغبة في التعبير عن الامتنان، إن وجدت سوف تتلاشى.
إليك بعض النصائح حول كيفية التعامل مع مراهق ناكر للجميل (مراهق الناكر للمعروف).
لا تطلب الامتنان والتقدير
جوهر الموضوع أن الآباء هم من قرروا إنجاب الأطفال وليس العكس. وبما أنك والد وأحضرت إنساناً ضعيفاً إلى هذا العالم، فهذا يعني إقرارك وموافقتك على تأمين احتياجاته وحمايته. وهذه مسؤوليتك تجاه طفلك وليست عمل خيري.
وهنا ليس القصد التقليل من أهمية الأعمال البطولية والتضحيات والوقت الكبير الذي يقضيه الآباء في تربية أطفالهم. بل الإشارة إلى أن العديد من الأشياء التي يقوم بها الآباء هي بالضبط ما سيفعله أي شخص بالغ مسؤول.
فلنتخيل السيناريو التالي:
أنت في مطعم وقام النادل بإحضار الطعام لك، ستشكره على الفور عندما يصل الطعام. النادل هنا يستحق التقدير لمجهوده بكل تأكيد، لكن هل سيطالبك بالاعتراف بذلك إن نسيت أو تشتت انتباهك؟
هذا هو الاختلاف الدقيق الذي يغفل عنه بعض الآباء عندما يحاضرون بأبنائهم بسبب موقفهم الجاحد. إنهم يطالبونهم بشكرهم على القيام بأشياء يقوم بها جميع الآباء.
من المهم فهم أن الامتنان عاطفة يجب الشعور بها كي يتم التعبير عنها بشكل صادق. وإذا كنت تريد أن يكون ابنك المراهق ممتناً، لا يمكنك مطالبته بذلك إلا في حال أردته أن يقول “شكراً” ببرود لأنه مجبر فقط.
أشر إلى الجحود بشكل لائق
عندما يُظهر ابنك المراهق عدم امتنانه أو سلوكاً لا يتصف بالاحترام، يمكنك تنبيهه على ذلك دون إهانة أو شتم. لا تقل كلمات مثل “أيها الشقي” أو “أيها المتبجح” أو ما يرادفهما.
عوضاً عن ذلك، يمكنك قول “لقد قدم لك والداك الكثير، ولكن بدلاً من أن تكون ممتناً، أنت تشتكي من عدم الحصول على مايرضيك. لماذا تشعر بذلك؟”.
بهذه الطريقة أنت لا تعلمهم الامتنان فقط بل أيضاً تعلمهم كيف يعبرون عن الاعتراض بشكل محترم ولائق.
عليك أن تساعدهم على فهم طبيعة المشكلة وتشرح لهم بلطف لماذا من المهم والجيد أن يظهروا امتنناهم لما يملكونه بالفعل، وذلك من خلال طرح أسئلة تحثهم على التفكير بصور إيجابية بدلاً من إلقاء اللوم عليهم أو تعييب تصرفهم.
غرس القيم وليس المادية
هل يربط ابنك المراهق الأشياء المادية بحبك؟ يلجأ العديد من الآباء إلى التعويض عن عدم توفر الوقت الكافي لإظهار حبهم لأولادهم بالماديات، وهذا ما سيجعل المراهقين يعتقدون بأن الأشياء الملموسة كالهدايا يمكن أن تعوضهم عن الحب.
هنا يأتي دور الآباء في غرس قيم الحب والمعروف، وكيف أنها تختلف تماماً عن الأشياء المادية التي لا يمكن أن تحل محل الحب.
يمكنك أن تبدأ ذلك بتخصيص وقت كافٍ للتواصل مع ولدك المراهق بطريقة هادفة وذلك في سبيل تقوية العلاقة والرابط بينك وبينه.
وهذا ما يجب عليك أن تضعه في قائمة أولوياتك بما يخص حياتك العائلية. عندها ستلاحظ أن ولدك أكثر استجابة لك عندما تعلّمه الامتنان في حال كانت علاقتكما وطيدة.
ساعدهم على الانتباه إلى ما يظهره الآخرون لهم من لطف
تساعدنا العواطف على فهم البيئة المحيطة، لذا نميل بطبيعتنا كبشر لملاحظة المشاعر السلبية أكثر من الإيجابية. فمثلاً معرفتنا مكان الخطر والتهديدات المحتملة قد ينقذ حياتنا، وهذا هو السبب في أن المشاعر السلبية، كالقلق أو الإحباط، تجذب انتباهنا أكثر.
في المقابل، الأحداث الإيجابية أقل أهمية لأننا لا نحتاج لتغيير أي شي لمواجهتها. كل ما علينا فعله هو مواصلة ما نقوم به بالفعل، وهذا ما قد يؤدي إلى حدوث أحداث إيجابية بالفعل دون أن يلاحظها أحد.
لذا، من أجل مساعدة المراهقين على الشعور بالامتنان، يجب الإشارة إلى الأوقات التي تسير فيها الأمور على ما يرام بالنسبة لهم، إضافة إلى مساعدتهم على فهم و تذكر الأسباب والأشخاص وراء تلك الأحداث. على سبيل المثال: “التقطت سيدة للتو المحفظة التي أسقطتها وأعادتها لك، هذا لطف كبير منها”.
علمهم التعاطف
ساعد ابنك المراهق على تنمية التعاطف داخله، يمكّننا التعاطف من التعرف على تصرفات الآخرين اللطيفة النابعة من القلب. يعلم المراهق المتعاطف بأنه يستفيد عندما يكون شخص ما لطيفاً معه وهو مدرك تماماً أن ذاك الشخص ليس مجبراً على القيام به.
أحد الطرق الرائعة لبناء التعاطف داخل طفلك هي بتعاطفك معه عندما يشعر بمشاعر سلبية، عليك أن تظهر تفهمك لما يواجهه من خلال تسميتك للمشاعر التي يختبرها وتوضيح أثرها عليه.
ساعدهم على تنظيم المشاعر السلبية
يصعّب الشعور باليأس والعجز تجاه المشاعر السلبية الشعور بالامتنان. إذ تعد سنوات المراهقة الفترة التي تخضع فيها أدمغة المراهقين لتغييرات هائلة تؤدي إلى تقلبات مزاجية. لذا من المهم تعليم المراهقين التنظيم العاطفي جنباً إلى جنب مع التعاطف.
عندما يقدم الآباء الاستجابة والحنان والرعاية الكافية، فإنهم يساعدون الأطفال على تطوير التنظيم الذاتي (Self -Regulation). كما أن التدريب على المشاعر من قبل الآباء يعتبر وسيلة فعالة لتعليم تنظيم المشاعر (Emotion Regulation).
أظهر امتنانك لهم
غالباً ما نقلل من قيمة ما يفهمه ويتشرّبه الأطفال من البيئة المحيطة، هم يتعلمون الأشياء دون أن ندرك ذلك. ويلتقطون مشاعرنا، مواقفنا، معتقداتنا وسلوكياتنا أيضاً.
لذا، فإن ممارسة وتقييم تعابير الامتنان تبدأ من الوالدين، فالآباء والأمهات الذين يعربون عن الامتنان ويقدرون قيمته سينشئون أطفالا يعرفون تماماً ما هو الامتنان ويشعرون به.
كيف يمكن للوالدين ممارسة الامتنان والتعبير عنه؟ الطريقة الأكثر مباشرة هي أن نثني على أطفالنا عندما يظهرون سلوكاً جيداً.
إلا أن العديد من الأباء قد يقولون “لماذا عليَّ شكر طفلي على القيام بالأعمال المنزلية؟ فهذا ما يفترض عليه القيام به”. إذاً، لماذا يجب أن يشكرنا المراهقون على الاهتمام بهم؟ كآباء أليس هذا ما يفترض بنا أن نفعله.
على الرغم من أننا نفعل ما يفترض بنا القيام به كآباء، فمن اللطيف أن يعترف أطفالنا بجهودنا المبذولة. وهذا الأمر ينطبق بدوره على المراهقين. إذ أن شكرنا وتقديرنا لجهودهم هو أفضل طريقة لتعليمهم الامتنان.
شجعهم على التطوع
يعتمد تكوين علاقات اجتماعية داعمة على التعبير على كون المرء كريماً ويعبر عن الشكر. لا يساعد الكرم على تقوية العلاقات مع الآخرين وغرس شعور الامتنان فحسب. بل يعلم الأطفال معنى أن تكون لطيفاً مع الآخرين وتقدر لطفهم في المقابل.
في صدد ذلك، عليك تشجيع ابنك المراهق على التطوع والمبادرة بانتظام، بالرغم من أنه عمل بسيط. فإنه يعلمهم الكثير عن الامتنان. ابحث أيضاً عن طرق تحفز بها طفلك على أن يكون كريماً، مثل التبرع بالألعاب أو الملابس أو الهدايا التي تلقوها من الآخرين.
لا بأس في الاحتفاظ بيوميات عن الامتنان
أظهرت بعض الدراسات أن كتابة اليوميات يمكن أن تزيد من الامتنان، رغم أن النتائج لم تتكرر بسهولة في الدراسات اللاحقة. وذلك يعود إلى تصميم التجارب أو الطريقة التي تم بها تأهيل المتطوعين؛ حسب ما أظهرت الفحوصات الدقيقة لتلك الأبحاث.
لكن لا ضير في أن تشجع ابنك المراهق الناكر للمعروف على التفكير وكتابة ما يشعره بالامتنان له بشكل منتظم. حتى لو لم تكن طريقة موثوقة تماماً، فإن هذا التفكير العميق يساعد على إعدادهم ليصبحوا بالغين مستقلين والذي يعد جزءاً من تطورهم وتنميتهم وتجاربهم الحياتية.
اقرأ أيضاً: المراهق الغاضب، كيف تتعامل معه وتضبط سلوكياته؟
اقرأ أيضاً: السلوك الخطر عند المراهقين وكيف يمكن للوالدين الحدّ منه؟
اقرأ أيضاً: المراهق الهارب، ما الذي يجب فعله عند عودته إلى المنزل؟
المصدر: How To Deal With An Ungrateful Teenager
تدقيق: هبة محمد
تحرير: جعفر ملحم