استجابة الدماغ للصدمة, أثر اضطراب ما بعد الصدمة على الدماغ, أجزاء الدماغ التي تتأثر بالصدمة, تأثير الصدمة على الذاكرة.
يمكن أن تؤثر الصـدمة على الناس بطرق متنوعة، وقد يكون ذلك الأثر دائماً على الدماغ. في بعض الحالات، قد تؤدي إلى نشوء اضطـراب ما بعد الصـدمة، وهو اضطراب يتعلق بالصدمة وعوامل الضغط وينتج عن معالجة وتخزين غير ملائمين للذكريات المؤلمة.
نظراً للطريقة التي تخزن من خلالها الذكريات، يظهر المصابون باضطراب ما بعد الصدمة أعراضاً مثل استرجاع أحداث الصدمة بشكل متكرر، كوابيس مؤلمة لها علاقة بالصدمة، ذكريات انفصالية، يقظة مفرطة، الانخراط في سلوكيات محفوفة بالمخاطر واستجابة ذعر مفاجئة ومبالغ بها.
لا يختبر كل المصابين باضطراب ما بعد الصدمة الأعراض ذاتها أو يحدث نفس نمط تغييرات الدماغ عندهم، لكن استطاع الباحثون استخدام تقنيات التصوير العصبي للنظر إلى المناطق الدماغية المختلفة التي تلعب دوراً في تطور هذه الحالة.
أفاد المعهد الوطني للصحة النفسية أن حوالي 3.6% من البالغين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة في السنة الأخيرة، وأن ما يقارب من 6.8% من البالغين سيعانون من هذه الحالة في مرحلة ما من حياتهم.
أجزاء الدماغ التي تتأثر باضطراب ما بعد الصدمة
ترتبط بنى دماغية معينة بشكل وثيق مع بعض أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وتتضمن اللوزة الدماغية والحصين (وهما جزءان من الجهاز الحوفي)؛ أجزاء عدة من القشرة الجبهية الأمامية، القشرة الحزامية الأمامية الوسطى، والتلفيف الجبهي السفلي الأيمن.
يسبب اضطراب ما بعد الصدمة تنشيطاً مفرطاً لبعض البنى الدماغية بينما يخفّض نشاط مناطق أخرى.
يزداد تحفيز كل من اللوزة الدماغية والقشرة الحزامية الأمامية الوسطى عند المصاب باضطراب ما بعد الصدمة، لكن يقل نشاط الحصين، التلفيف الجبهي السفلي الأيمن، القشرة الجبهية الأمامية البطنية، القشرة الجبهية الأمامية الظهرية والقشرة الجبهية الحجابية؛ حد الضمور أحياناً.
اللوزة الدماغية (Amygdala)
اللوزة الدماغية هي منطقة من الدماغ على شكل لوزة صغيرة وتلعب دوراً في وظائف عدة بما فيها:
- بعض وظائف التزاوج
- تقييم المنبهات المتعلقة بالتهديد (ما هي الأشياء الخطرة في البيئة المحيطة)
- تكوين وتخزين الذكريات العاطفية
- إشراط الخوف (إقران محفز محايد مع محفز مكروه مثير للخوف)
- ترسيخ الذكرى
القشرة الجبهية (Prefrontal Cortex)
منطقة في الدماغ موجودة في الفص الجبهي وتلعب دوراً مهماً في اضطراب ما بعد الصدمة. أبرز وظائفها:
- تنظيم العواطف
- السلوك الواعي
- تنظيم الانتباه
- صنع القرار
- تفسير العواطف
القشرة الجبهية الأمامية البطنية (ventromedial PFC)
تساعد في قمع العواطف السلبية وتلعب دوراً في اتخاذ القرارات الشخصية والاجتماعية وفي الجزء الأخير من ترسيخ الذكرى، إضافة إلى تنظيم التثبيط وهو إضعاف الاستجابة المشروطة وتلاشيها في نهاية المطاف.
القشرة الجبهية الأمامية الظهرية dorsolateral) PFC)
تنظم وتعدل اتخاذ القرارات والذاكرة العاملة. تحمل الذاكرة العاملة بشكل نشط المعلومات العابرة أو الانتقالية قبل أن تصبح جزءاً من الذاكرة طويلة الأمد وذلك خلال عملية ترسيخ الذكرى.
القشرة الجبهية الأمامية الحجابية (orbitofrontal cortex)
إحدى أقل الأجزاء المفهومة بالدماغ، لكن يبدو أنها تشترك في الدمج الحسي وتأشير المكافآت و/أو العقوبات المتوقعة في موقف معين. كما أنها تعدل العاطفة وصنع القرارات. استجابة الدماغ للصدمة, أثر اضطراب ما بعد الصدمة على الدماغ, أجزاء الدماغ التي تتأثر بالصدمة, تأثير الصدمة على الذاكرة.
بشكل عام، ترتبط القشرة الجبهية بالعديد من وظائف الدماغ، بما فيها ترسيخ الذكريات وتنظيم نوم الموجة البطيئة (slow-wave sleep) وهي “النوم العميق”.
القشرة الحزامية الأمامية الوسطى (Mid-Anterior Cingulate Cortex)
الوظيفة الأساسية لها هي رصد ومراقبة النزاعات. وتلعب دوراً في:
- الوعي العاطفي (التعاطف على وجه الخصوص)
- تسجيل الألم الجسدي
- تنظيم الوظائف اللاإرادية مثل ضربات القلب وضغط الدم.
وجدت الأبحاث أن الانخفاض في ثخانة القشرة الحزامية الأمامية الوسطى يرتبط بتفاقم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.
الحصين (Hippocampus)
يساعد الحصين في تنظيم حاسة الشم والترميز المكاني والذاكرة. وبشكل أكثر تحديداً، يساعد الحصين في تخزين الذكريات طويلة المدى، مما يساعد بشكل أساسي على تحديد ما ينتقل من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى.
هذه العملية لتحويل الذكرى قصيرة المدى إلى ذكرى طويلة المدى هي ما يشار إليه باسم ترسيخ الذكرى (memory consolidation). يمكن أن يؤدي تلف الحصين أيضاً إلى تحرير المزيد من الكورتيزول (هرمون التوتر). استجابة الدماغ للصدمة, أثر اضطراب ما بعد الصدمة على الدماغ, أجزاء الدماغ التي تتأثر بالصدمة, تأثير الصدمة على الذاكرة.
التلفيف الجبهي السفلي الأيمن (Right Inferior Frontal Gyrus)
يشارك التلفيف الجبهي السفلي الأيمن في تعديل تجنب المخاطرة، تظهر الدراسات أن التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS) لمنطقة الدماغ هذه قد يقلل من السلوك المحفوف بالمخاطر.
استجابة الدماغ للصدمة
عندما يحدد الدماغ بعض أشكال التهديد، تكون اللوزة مسؤولة عن بدء رد فعل لا إرادي سريع يُعرف باسم استجابة القتال أو الهروب. فكر في اللوزة على أنها الإنذار الذي يصدر صوتاً عندما يشكل شيء ما خطراً عليك؛ هذا الإنذار يجهز جسمك للاستجابة، إما بالتعامل مع التهديد أو الابتعاد عنه.
تتواصل اللوزة أيضاً مع مناطق أخرى من الدماغ، بما في ذلك منطقة ما تحت المهاد (الوطاء)، والتي تطلق بعد ذلك هرمون التوتر (الكورتيزول).
يجب على القشرة الجبهية في الدماغ بعد ذلك تقييم مصدر التهديد وتحديد ما إذا كان الجسم بحاجة إلى البقاء في حالة تأهب قصوى للتعامل مع التهديد أو إذا كان الدماغ بحاجة إلى البدء في تهدئة الجسم.
تعمل قشرة الفص الجبهي كنظام فرامل يساعد على إعادة الجسم إلى حالته الطبيعية عندما تدرك أن التهديد لا يشكل خطراً أو بعد مرور التهديد. استجابة الدماغ للصدمة, أثر اضطراب ما بعد الصدمة على الدماغ, أجزاء الدماغ التي تتأثر بالصدمة, تأثير الصدمة على الذاكرة.
عندما يعاني الناس من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، تصبح اللوزة مفرطة النشاط بينما تصبح القشرة الجبهية الإنسية (medial prefrontal cortex) أقل نشاطاً.
بعبارة أخرى، يستجيب جزء الدماغ الذي يحرض استجابة القتال أو الهروب بقوة كبيرة، وغالباً بطريقة لا تتناسب مع الخطر الذي يشكله التهديد. في نفس الوقت، لا يعمل جزء الدماغ المسؤول عن تهدئة رد الفعل هذا بشكل جيد بما فيه الكفاية.
آثار الصدمة وتبعاتها
عند فحص وظائف البنى المختلفة في الدماغ، تصبح العلاقة بين التغير في مستويات نشاط تلك البنى وبعض أعراض اضطراب ما بعد الصدمة أكثر وضوحاً.
اليقظة المفرطة (Hypervigilance)
يظهر النشاط الزائد للوزة الدماغية على شكل أعراض يقظة مفرطة وذهول مبالغ به. نظراً لأن اللوزة تتفاعل بشكل مفرط، يتم إطلاق النورايبينفرين ولكن بعد ذلك لا يتم التحكم فيه بشكل كافٍ أو التعامل معه بواسطة قشرة الفص الجبهي. استجابة الدماغ للصدمة, أثر اضطراب ما بعد الصدمة على الدماغ, أجزاء الدماغ التي تتأثر بالصدمة, تأثير الصدمة على الذاكرة.
نتيجة لذلك، يعاني الأشخاص المصابون باضطراب ما بعد الصدمة من أعراض اليقظة المفرطة. يُثار المريض بشكل مفرط ويكون في حالة تأهب قصوى، ما يجعل الاسترخاء والنوم أمراً صعباً.
قد يشعر الشخص أنه متوتر دائماً ويمكن أن تؤدي المحفزات الصغيرة حتى إلى رد فعل كما لو أنه يواجه الصدمة الأصلية أو يعيد تجربتها.
استرجاع مشوه للذكرى
يشارك الحصين في عمليات الذاكرة الصريحة وفي ترميز السياق خلال إشراط الخوف. عندما يفشل الحصين في العمل بشكل مثالي، فإنه يؤثر على الطريقة التي يستدعي بها الشخص الذكريات ويتذكرها، وخاصة الذكريات التي تحتوي على عنصر الخوف – مثل تلك المتعلقة بالصدمة.
فيما يتعلق بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، ينتج عن ذلك:
- ذكريات متكررة بخصوص الحدث
- معتقدات سلبية مشوهة
- ذكريات انفصالية عن الماضي
- السلوك الاندفاعي
تساعد التغيرات في التلفيف الجبهي السفلي الأيمن في تفسير السبب وراء انخراط المصابين باضطراب ما بعد الصدمة في نشاطات محفوفة بالمخاطر فجأة ودون سابق إنذار.
وجدت الأبحاث أن انخفاض سماكة القشرة في مناطق معينة من الدماغ مرتبط بالتنظيم العاطفي وتثبيط الاستجابة. بما في ذلك التلفيف الأمامي الأيمن، مرتبط بمشاكل التحكم في الاندفاع في اضطراب ما بعد الصدمة.
خلاصة
عند الفحص الدقيق للعلاقة بين وظائف الدماغ وأعراض المريض، يصبح من الأسهل فهم العديد من التجليات المعقدة لاضطراب ما بعد الصدمة.
على الرغم من أن فهم الدماغ بهذه الطريقة قد لا يوفر راحة مباشرة من الأعراض لشخص مصاب باضطراب ما بعد الصدمة. فقد يكون مفيداً في فهم سبب حدوثها، وبالتالي يساعد المجتمع الطبي في الاستمرار لتطوير تدخلات علاجية أكثر فعالية.
اقـرأ أيضاً: نصائح للتحكم بكوابيس اضطراب ما بعد الصدمة
اقرأ أيضـاً: نمو ما بعد الصدمة، فوائده، وكيفية بلوغه
اقـرأ أيضاً: العلاج النفسي الديناميكي في علاج اضطراب ما بعد الصدمة
المصدر: How Trauma and PTSD Impact the Brain
تدقيق: هبة محمد
تحرير: جعفر ملحم
