اختبار بقع الحبر لـ رورشاخ (Rorschach Inkblot Test) هو نوع من الاختبار النفسي الإسقاطي حيث يطلب من الأفراد أن يلقوا نظرة على عشر صور من بقع الحبر الغامضة ثم وصف ما يرونه في كل منها.
في اختبار رورشاخ، يطلب من الفرد وصف ما يراه في صور من بقع حبر غامضة، ثم يقوم المعالج النفسي بتفسير إجاباته. يظهر هذا الاختبار الإسقاطي عادة في الثقافة الشعبية ويصوّر غالباً على أنه طريقة للكشف عن أفكار، دوافع أو رغبات الشخص اللاواعية.
تاريخ اختبار رورشاخ
كانت إحدى ألعاب هيرمان رورشاخ (Hermann Rorschach) المفضلة كصبي صغير هي رسم الصور بالحبر وتتضمن اللعبة إنشاء صور من بقع الحبر واستخدامها لابتكار قصص أو شعر عنها. كان رورشاخ يستمتع بهذه اللعبة كثيراً لدرجة أن أصدقاءه في المدرسة كانوا يلقبونه بـ “كليكس/klecks” وهي الكلمة الألمانية لـ “بقعة الحبر”.
استمر اهتمامه في فن صناعة الصور من بقع الحبر إلى مرحلة البلوغ. وبينما كان رورشاخ يعمل في مستشفى للأمراض النفسية، لاحظ أن المصابين بمرض الفصام استجابوا لبقع الحبر بطرق مختلفة عن أولئك الذين يعانون من تشخيصات أخرى.
هذا ما جعله يتساءل فيما إذا كان بالإمكان استخدام بقع الحبر هذه لإنشاء ملفات تعريف لاضطرابات نفسية مختلفة.
مستمداً إلهامه ربما من هواياته في طفولته ودراساته حول رمزية الحلم لـ سيغموند فرويد، قام رورشاخ بتطوير أسلوب منهجي لاستخدام بقع الحبر كأداة للتقييم.
لم يكن رورشاخ بالتأكيد أول من اقترح بأن تفسير شخص ما لمشهد غامض قد يكشف جوانب خفية من شخصيته، إذ جرب عالم النفس الفرنسي ألفريد بينيه (Alfred Bennett) فكرة استخدام بقع الحبر بصفتها اختباراً للإبداع، وكان قد خطط أصلاً لأن تشمل اختبارات الذكاء لديه على بقع الحبر.
استخدامات اختبار رورشاخ
يستخدم اختبار رورشاخ في العلاج النفسي والاستشارة، ولكن ليس بكثرة كما كان في الماضي، إذ يستعين به الممارسون للحصول على معلومات نوعية عن مرضاهم، بما في ذلك شخصياتهم، أداؤهم العاطفي وأنماط تفكيرهم.
تعد النتائج بمثابة نقطة انطلاق لمزيد من النقاش حول المشكلات التي يُزعم أنها توضحها. في الواقع، استخدم علماء النفس ذات مرة اختبار رورشاخ لتشخيص الحالات النفسية مثل الفصام.
وبالمثل، تستخدم المؤسسات الاختبار لقياس سمات مثل: الإبداع، الذكاء، المزاج، تقييم مدى ملاءمة الفرد للوظيفة، القبول في المنظمات والمؤسسات والموافقة على التبني.
تطبيق اختبار رورشاخ
توجد عشر بقع حبر أساسية، كل منها مطبوع على بطاقات بيضاء منفصلة. خمس بقع حبر باللونين الأسود والرمادي، اثنتان منها باللون الأسود والرمادي والأحمر، وثلاثة متعددة الألوان عدا الأسود.
أثناء تطبيق الاختبار، سيجلس القائم على الاختبار بجانبك، وهذا ما يساعده على رؤية ما تراه. يتضمن الاختبار خطوات محددة:
- عرض الصور: يعطيك القائم على الاختبار بطاقة واحدة في كل مرة ويسألك: “ماذا يمكن أن يكون هذا الشيء؟”.
- الإجابة: لك الحرية في تفسير الصورة الغامضة كيفما شئت. يمكنك أن تستغرق الوقت الذي تريده لتفسير كل بطاقة، وتستطيع إعطاء العديد من الإجابات كما تريد، كما يمكنك الإمساك بالبطاقات في أي وضعية؛ سواء بالمقلوب أو بشكل جانبي.
- التسجيل: أثناء الاختبار، يسجل القائم عليه كل شيء تقوله مهما كان بسيطاً وبلا معنى أو عديم الأهمية، ويدون الوقت المستغرق لكل إجابة، وضعية البطاقة التي تمسك بها وتعبيراتك العاطفية.
- التأكيد: بمجرد مراجعة جميع بقع الحبر مرة واحدة، سيعرض عليك كل بقعة حبر مرة ثانية. الهدف من ذلك ليس الحصول على معلومات جديدة، ولكن لمساعدة القائم على الاختبار على رؤية ما تراه. وسيطلب منك تحديد أين ترى ما كنت قد رأيته بالأصل، وما الميزات التي تجعله يبدو هكذا. يستغرق الأمر وسطياً حوالي الساعة ونصف الساعة لتطبيق وقياس درجات الاختبار.
درجات اختبار رورشاخ
إذاً ما الذي يبحث عنه مفسرو اختبار رورشاخ بالضبط عندما يقومون بتحليل الردود على بقع الحبر؟ المحتوى الفعلي للردود هو أحد الأشياء ولكن هنالك عوامل أخرى ضرورية أيضاً تؤخذ بعين الاعتبار.
المحتوى
يشير المحتوى إلى اسم أو فئة العناصر المستخدمة في ردودك، إذ تتضمن بعض المحتويات الشائعة:
- إنسان كامل : شخصية بشرية كاملة.
- تفاصيل بشرية: شكل إنسان غير مكتمل، على سبيل المثال: ساق، أو شكل كامل بدون جزء من الجسم (على سبيل المثال: شخص بلا رأس).
- تفاصيل بشرية: خيالية أو أسطورية، شخصية بشرية خيالية أو أسطورية غير مكتملة، مثل أجنحة الملاك.
- تفاصيل حيوانية: شكل حيوان غير مكتمل، على سبيل المثال: رأس قطة .. مخلب سلطعون.
- الجنس: أي شيء يتضمن الأعضاء الجنسية أو نشاطاً ذا طبيعة جنسية أو التكاثر الجنسي، مثل: الجماع الجنسي أو الأثداء.
- الطبيعة: أي شيء فلكي أو متعلق بالطقس، مثل: الشمس، الكواكب، الماء أو قوس قزح.
بعض الاستجابات شائعة جداً، في حين أن البعض الآخر قد يكون فريداً من نوعه. تكون الاستجابات غير النمطية ملحوظة لأنها قد تشير إلى اضطرابات في أنماط التفكير.
الموقع
تحديد موقع إجابتك هو عنصر آخر يتم قياسه في نظام رورشاخ. يشير الموقع إلى مقدار استخدامك لبقعة الحبر للإجابة عن السؤال.
- “D”: إذا استُخدم الجزء الذي تم وصفه بشكل شائع.
- “Dd”: إذا استُخدمت تفاصيل غير عادية أو غير مألوفة.
- “S”: إذا استخدمت المساحة البيضاء الموجودة خلف بقعة الحبر.
- “W”: إذا استخدمت بقعة الحبر بشكل كامل للإجابة عن السؤال.
المحددات
يعد ترميز المحددات أحد أكثر الميزات تعقيداً في قياس اختبار رورشاخ. هنا يأخذ القائم على الاختبار بعين الاعتبار الأسباب التي تجعلك ترى ما تراه، ما هي ميزات بقعة الحبر التي ساعدت في تحديد استجابتك وكيف؟
هناك ست فئات واسعة من محددات بقع الحبر التي يمكن أن تستجيب لها وهي اللون، الشكل، الحركة، الأزواج، الانعكاسات وأخيراً الظلال.
على سبيل المثال، إذا أفدت عن رؤية زهرة في البطاقة رقم 8 بسبب لونها الأحمر، فإن القائم على الاختبار سيقوم بترميز تلك الإجابة كـ محدد اللون.
لكل فئة فئات فرعية، وهنالك ما لا يقل عن 26 رموز محددة محتملة، ويمكن استخدام أكثر من محدد في الإجابة الواحدة.
تفسير اختبار رورشاخ
إن تفسير تقرير رورشاخ هو عملية معقدة نوعاً ما ويتطلب معرفة واسعة بخصوص ديناميكيات وتغيرات الشخصية بشكل عام بالإضافة إلى خبرة كبيرة بطريقة رورشاخ بشكل خاص.
بالإضافة إلى درجات التسجيل الرسمية، يعتمد تفسير رورشاخ أيضاً على السلوكيات التي يتم التعبير عنها أثناء الاختبار، وكذلك أنماط الدرجات خلال الردود، والموضوعات الفريدة أو المستمرة فيها، وأخيراً إدراكات التحساس الذاتي (idiosyncratic perceptions).
قد تشير الاستجابة السريعة نسبياً إلى الشعور بالراحة مع الآخرين وفي العلاقات الاجتماعية. ومع ذلك، قد تكشف الاستجابة المتأخرة أن الفرد يكافح مع التفاعلات الاجتماعية.
انتقادات اختبار رورشاخ
على الرغم من شعبيته، يعد اختبار رورشاخ اختباراً مثيراً للجدل، إذ تركز العديد من الانتقادات على كيفية وضع درجات الاختبار وما إذا كان للنتائج أي قيمة تشخيصية.
تعددية أنظمة القياس
قبل عام 1970، كان هناك ما يصل إلى خمسة أنظمة قياس اختلفت بشكل كبير لدرجة أنها تمثل بشكل أساسي خمسة إصدارات مختلفة من الاختبار. كان ذلك إلى أن نشر جون إكسنر (John Exner) نظاماً جديداً وشاملاً يجمع أقوى عناصر الأنظمة السابقة.
يعد نظام إكسنر الآن هو الطريقة القياسية المستخدمة في إدارة اختبار رورشاخ وتسجيل درجاته وتفسيره.
مع ذلك، يحذر بعض الخبراء من أنه ونظراً لاحتواء نظام إكسنر على بعض الأخطاء، فقد يكون الأطباء عرضة للإفراط في تشخيص الاضطرابات الذهانية إذا كانوا يعتمدون بشدة على نظام إكسنر.
الافتقار إلى الموثوقية
يتمثل الانتقاد الرئيسي الآخر لاختبار رورشاخ في أنه يفتقر إلى الموثوقية. الموثوقية تعني حصولك على نفس النتائج بغض النظر عمن يقيم الاختبار، إذ يعتمد وضع الدرجات بشكل كبير على تفسيره. ولهذا السبب، يمكن لاثنين من المختبرين التوصل إلى نتيجتين مختلفتين تماماً عند النظر إلى ردود نفس الشخص.
ضعف المصداقية
بالإضافة إلى النقد الأول لأنظمة القياس المتضاربة، يجد المنتقدون أيضاً عيباً في مصداقيتها، بمعنى آخر، هل تقيس ما تدعي أنها تقيسه؟ في هذه الحالة، هل يمكن لاختبار رورشاخ أن يقيّم السمات الشخصية والأداء العاطفي بشكل صحيح؟
لسوء الحظ ، فإن الإجابة هي “لا” صارخة، إذ تظهر الأبحاث أن اختبار رورشاخ غالباً ما يكون غير قادر على التشخيص الدقيق لمعظم الاضطرابات النفسية، بما في ذلك الاكتئاب أو القلق أو اضطرابات الشخصية. ومع ذلك، تظهر الأبحاث أن اختبار رورشاخ يمكن أن يكون ذا قيمة عند تقييم اضطرابات التفكير والأعراض المرتبطة بالفصام.
بسبب كل هذه المشكلات، أوصى العديد من علماء النفس في عام 1999 بوقف استخدام الاختبار للأغراض السريرية والطب الشرعي. على الأقل حتى تحدد المزيد من الأبحاث مدى مصداقيته الحقيقية.
هل لا زال اختبار رورشاخ مستخدماً؟
اليوم، يرفض بعض علماء النفس اختبار رورشاخ ويعتبرونه مجرد بقايا من ماضي علم النفس، أي أنه زائف وعلى قدم المساواة مع علم فراسة الدماغ.
مع ذلك، على الرغم من أن اختبار بقع الحبر قد لا يكون أداة مثالية. إلا أنه لا يزال يستخدم على نطاق واسع؛ لا سيما لتشخيص الفصام الذي كان هدف رورشاخ الأصلي للاختبار.
يُستخدم الاختبار في مجموعة متنوعة من الأوساط مثل المدارس والمستشفيات وقاعات المحاكم.
اقـرأ أيضاً: ألفريد بينيه واختبارات الذكاء
اقرأ أيضـاً: نظرية موراي للحاجات النفسية
اقـرأ أيضاً: تاريخ مرض الفصام، التشخيص، العلاج والتخلص من وصمة العار
