الترابط الصادم، مراحله، علاماته، أعراضه وعوامل الخطر

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
مبادرة الدعم النفسي للمعتقلين السوريين وذويهم
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي

الترابط الصادم أو الترابط المؤلم (Trauma Bonding) وهو الارتباط القوي الذي يشعر به المعتدى عليه تجاه المعتدي، وتحديداً في العلاقات ذات النمط المستمر والمتكرر من سوء المعاملة.

ينشأ هذا الترابط نتيجة حلقة مستمرة من الإساءة تارة ًوالتعزيز الإيجابي تارةً أخرى، إذ يصرّح المعتدي بعد كل موقف من مواقف إساءة المعاملة بالحب والندم ويحاول خلق شعور الأمان والحاجة في هذه العلاقة لدى الطرف الآخر الذي تعرض للإساءة.

الترابط الصادم هو أحد الأسباب التي تجعل موضوع تجاوز موقف مسيء أمراً محيراً ومربكاً؛ إذ يشعر المعتدى عليه بمشاعر إيجابية و محبة تجاه المعتدي ولا يمكنه الاستغناء عنه. 




 تاريخ الترابط الصادم

صاغ مصطلح “الترابط الصادم” باتريك كارنس (Patrick Carnes)، الحائز على درجة الدكتوراه في الفلسفة عام 1997. وهو أخصائي في علاج الإدمان ومؤسس المعهد الدولي لأخصائيي الصدمات والإدمان (Institute for Trauma and Addiction Professionals) ويرمز له اختصاراً (IITAP).

شارك كارنس نظرية الترابط الصادم في عرض تقديمي بعنوان “الروابط المؤلمة، لماذا يرتبط الناس مع من يؤذونهم”. 

عًرًّف كارنس ارتباط الصدمة على أنه “ارتباطات مضطربة تتبلور عند وجود خطر أو خجل أو استغلال”. واعتبرها واحدة من تسعة ردود فعل محتملة لموقفٍ صادم أو مؤلم.

وقد توقع أن الارتباط الناتج عن الصدمة يحدث بسبب الطريقة التي تتعامل بها أدمغتنا مع الصدمة. وهي الطرق تستند على الأساليب التي يجب أن نتكيف معها عندما يؤول الأمر للبقاء على قيد الحياة. ووجد أن أهم جانبين من جوانب الصدمة هما: كيف يستجيب الناس لقسوة الصدمة ومدة استمرارها.

وما يزال هذا المفهوم قائماً حتى يومنا هذا. إذ يركز العلاج في الوقت الحاضر على الطرق التي تمكّن الضحايا من التخلي عن العلاقة الناشئة إثر الصدمة وتجنب الشعور بالخجل أو الذنب تجاه طريقة تفاعلهم مع موقف محتمل يهدد حياتهم.

قبل أن يظهر مصطلح “الترابط الصادم” كان المصطلح الوحيد الذي يُستخدم لوصف الارتباطات العاطفية في المواقف المؤذية والمسيئة هو “متلازمة ستوكهولم” (Stockholm syndrome). ومع ذلك فإن هذا المصطلح لا يغطي العديد من المواقف المختلفة التي يمكن أن يحدث فيها هذا الارتباط أو حتى الطرق المختلفة التي يمكن أن يظهر بها.

علامات وأعراض الترابط الصادم

نظراً لأن جميع المواقف المؤذية لا تؤدي إلى الترابط الصادم، قد لا تكون متأكداً مما إذا كان هذا المصطلح ينطبق عليك أم لا. لذلك إليك بعض العلامات التي تشير إلى وجوده:

  • تستر ضحية الإساءة أو تقديم الأعذار حول سلوك المعتدي أمام الآخرين.
  • كذب الضحية على الأصدقاء أو العائلة بشأن الإساءة.
  • عدم شعور الضحية بالراحة أو القدرة على الانسحاب من الموقف المسيء.
  • اعتقاد الضحية أن الإساءة خطأها.
  • تتبع الإساءة وفق حلقة مستمرة (على سبيل المثال، يحاول المعتدي التعويض عن الموقف المسيء ثم يعود للإساءة وهكذا).
  • وعود المعتدي بأنه سيتغير لكنه لا يفعل ذلك أبداً.
  • يتحكم المعتدي بالضحية (كاستغلالها أو التلاعب النفسي بها).
  • يعزل المعتدي الضحية عن الأصدقاء والعائلة.
  • يكسب المعتدي الأصدقاء والعائلة في صفه.
  • استمرار ثقة الضحية في المعتدي رغم كل شيء.

 مراحل الترابط الصادم

على الرغم من أن كل ارتباط مؤلم أو صادم هو حالة فريدة من نوعها. إلا أن جميعها قد يتضمن نمط من الأنماط 7 لمراحل الترابط الصادم المعروفة والمدرجة أدناه:

  • قصف الحب
  • اكتساب الثقة
  • نقد الضحية
  • التلاعب بالضحية 
  • الخنوع
  • الضغط النفسي
  • تكرار الحلقة من الإرضاء والإساءة 

قصف الحب (Love bombing)

يقصد به إرباك شخص لك بإظهاره الكثير من المودة، قد يرسل باقات زهور باهظة الثمن كل يوم لمدة أسبوع، أو يعلن لك عن حبه في مرحلة مبكرة من العلاقة.

لاحظ علماء النفس أن النرجسيين والسيكوباتيين يفعلون هذا الأمر بقصد كسب ثقة الشخص الآخر.

كسب الثقة (Gaining trust)

قد يؤدي المعتدي سلوكيات معينة حتى يكون جدير بالثقة، وينزعج في حال شككت في مصداقيته.

نقد الضحية (Criticizing the Victim)

ينتقد المعتدي الضحية غالباً، حتى تصل الضحية لدرجة لوم النفس.

وفي كثير من الحالات، تعتقد الضحية أنها تستحق هذا النقد حتى لو لم ترتكب أي خطأ.

التلاعب بالضحية (Manipulation)

يدافع المعتدون عن سلوكهم عن طريق التلاعب بضحاياهم. فعندما تحاول الضحية التحدث علناً منتقدةً المعاملة غير العادلة. قد يقوم المعتدي بالتلاعب النفسي بها بالقول، “أنت تتخيل الأمر” أو “أنت تبالغ”. حتى أنهم قد يقنعون الضحية أن الإساءة التي حصلت هي أمر طبيعي ولا خطأ بها.

الخنوع (Resignation)

غالباً ما تعرف هذه المرحلة بالاستجابة المزيفة للصدمة. تستسلم الضحية بعد حوادث الاعتداء المتكررة لتتماشى مع السلوك المسيء وتقبل ما يريده المعتدي.

وغالباً ما يشار إلى الاستجابة المزيفة على أنها إرضاء الناس وبنفس الوقت تُعد بمثابة آلية تأقلم للبقاء.

الضغط النفسي (Psychological Distress)

تعاني الضحية من ضغوط نفسية شديدة نتيجة سوء المعاملة. ولسوء الحظ، قد تعاني الضحية خلال هذه المرحلة أيضاً من خدر عاطفي وشعور الشخص كما لو أنه فقد نفسه. ويبتعد عن الأشخاص من حوله وعن جميع أنشطة حياته حتى أنه قد يصل للتفكير بالانتحار.

تكرار الحلقة من الإرضاء والإساءة 

للأسف دائرة الإساءة تتميز بتكرارها. فغالباً ما يستهل المعتدي مراحل “الترابط الصادم” من جديد، إذ أنه بعد كل موقف إساءة يعيد قصف الضحية بالحب ويستعيد ثقتها.

وربما تختلق الضحية أعذاراً لسلوك المعتدي، ليبدو بعدها وكأن الأمور عادت إلى مجراها وأن الوضع “طبيعي” حتى 

 تقع حادثة إساءة أخرى.

لكن الأمر المطمئن أن دائرة الإساءة هذه يمكن إنهائها، رغم أن الأمر قد يبدو مستحيلاً في بعض الأحيان. إلا أن العديد من الأشخاص ينهون العلاقات المسيئة ويجدون الأمان في العلاقات الصحية.

أسباب الترابط الصادم

يمكن أن يظهر الترابط الصادم في أي حالة من حالات سوء المعاملة، بغض النظر عن طول أو قصر المدة التي تستغرقها.

وبذلك، من المرجح أن يحدث هذا بشكل كبير في موقف يعبر فيه المعتدي عن حبه للشخص الذي يسيء معاملته، ويتصرف كما لو أن الإساءة لن تحدث مرة أخرى وتتكرر بعدها.

يخلق هذا المزيج من الإساءة والتعزيز الإيجابي الترابط الصادم أو شعور الضحية أن المعتدي ليس سيئاً بالصميم.

هناك أنواع عديدة من المواقف المسيئة التي يمكن أن يحدث بها الترابط الصادم. علماً أن التعلق العاطفي أمر شائع في المواقف المسيئة.

من المهم ملاحظة أن “الترابط الصادم” لا يعني الارتباط مع شخص آخر بسبب الصدمات المشتركة. بل هو رابط يشعر به الناجي من الإساءة تجاه الشخص الذي ارتكب الإساءة.

لا يدعو الترابط الصادم للخجل، لأنه نتاج عقولنا التي تبحث عن طرق للبقاء على قيد الحياة. ويشار إليها أيضاً باسم الارتباط المتناقض، يمكن أن تحدث هذه الظاهرة بسبب مجموعة متنوعة من المواقف. فيما يلي أكثرها شيوعاً:

  • العنف المنزلي
  • زنا المحارم
  • الخطف
  • العنف الجنسي
  • المذاهب الدينية المنحرفة
  • إساءة معاملة المسنين
  • الاتجار بالبشر

قد يكون من الصعب فهم كيف يمكن لشخص ما خاض موقفاً رهيباً كأي موقف مما سبق أن يشعر بالحب أو التبعية أو الاهتمام نحو شخص أو أشخاص يسيئون معاملتهم.

رغم أنك قد لا تفهم ذلك إذا لم تجرب موقفاً يتخلله إساءة دورية، إلا أن الأمر واضح جداً. 

يتشكل هذا الرابط من حاجة الإنسان الأساسية إلى التعلق كوسيلة للبقاء، انطلاقاً من هذه النقطة قد تصبح ضحية الإساءة معتمدة على المعتدي.

أضف إلى ذلك الدوامة التي يتعهد فيها المعتدي بعدم تكرار الإساءة أبداً ويكسب ثقة الضحية مراراً وتكراراً، وتعيش الضحية موقف عاطفي معقد يؤثر حتى على الأشخاص الذين يبدون أقوياء جداً من الناحية العاطفية.

 عوامل خطر الترابط الصادم

العوامل التالية قد تجعل الشخص أكثر عرضة للترابط المؤلم في العلاقات المؤذية:

تأثير الترابط الصادم

أكبر وأسوأ تأثير للارتباط الناتج عن الصدمة هو أن المشاعر الإيجابية التي تطورت تجاه المعتدي يمكن أن تدفع الشخص إلى البقاء في حالة الإساءة هذه. يمكن أن يؤدي ذلك إلى استمرار سوء المعاملة في أحسن الأحوال، والموت في أسوأ الأحوال.

وبمجرد الانفصال عن المعتدي، قد يعاني الشخص الذي لديه هذا النوع من الارتباط ابتداءً من الصدمة المستمرة وصولاً إلى تدني احترام الذات. وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن التأثير على احترام الذات استمر حتى بعد ستة أشهر من الانفصال عن المعتدي.

علاوةً على ذلك، يمكن أن تشمل الآثار اللاحقة للترابط المؤلم الاكتئاب والقلق، وقد تؤدي تجربة الترابط الصادم إلى زيادة احتمالية حدوث دورة من سوء المعاملة تمتد لأجيال متعاقبة.

كيفية التخلص من الترابط الصادم

إذا كنت قد واجهت موقفاً مسيئاً أدى إلى الترابط الصادم، فإن أولويتك الآن هي أن تتخطى رابط الصدمة حتى تتمكن من رؤية الموقف كما كان وتتجاوزه.

إذا كنت قد تخطيت الموقف بالفعل، فلا حاجة للقيام بالخطوة الأولى أو ربما سبق وفعلتها. بغض النظر عن الخطوة الأولى، فإن جميع الخطوات المتبقية مساعدة ومفيدة لأي ضحية إساءة إثر علاقة الترابط الصادم.

خطة للسلامة

إذا كنت تعيش حالياً موقف مسيء، فيجب عليك تركه طالما لديك خطة أمان. وهذا يعني وجود مكان آمن للذهاب إليه مرفقاً بالدعم الذي تحتاجه.

لست بحاجة إلى معرفة كل ذلك بنفسك، فهناك العديد من طرق الدعم المتاحة والتي يمكن أن تساعدك وتمنحك النصائح على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع عبر الإنترنت مثلاً.

العلاج النفسي

العلاج النفسي أداة رائعة لمساعدة الناس على تجاوز الصدمات السابقة ولا تقتصر على تجاوز المشاعر المعقدة والصعبة التي يمر بها الشخص بعد خوضه لموقف مسيء، بل تمكين الشخص من اتخاذ خيارات مختلفة في المستقبل.

ويمكن أن يساعد أيضاً في الانتباه إلى علامات التحذير من سوء المعاملة حتى لا ينتهي الأمر بالشخص في موقف مسيء مرة أخرى.

تتوافر العديد من أنواع العلاج النفسي المختلفة، ويمثل علاج صدمات الخيار الأفضل دوماً للأشخاص الذين عانوا من الإساءة.

الحديث الذاتي الإيجابي والرعاية

كما ذكرنا فإن أحد الآثار المهمة التي تخلفها المواقف المسيئة أنها تقلل من تقديرك لذاتك. إن اعتماد المرء على شخص مسيء، والتحدث إليه باحتقار من قبل شخص ما، وببساطة فعل الإساءة أفعال تؤدي إلى تدمير تقدير الشخص لذاته.

من أجل التصدي لذلك ولكسر ذلك الرابط الذي يجمعك بمن يسيء إليك، تحدث بلطف مع نفسك وابذل قصارى جهدك لترسخ فكرة أن الموقف المسيء لم يكن خطأك.

بالإضافة إلى ذلك، تصرفك بلطف مع نفسك من خلال أساليب الرعاية الذاتية يمكن أن يسهل التعافي. إذ أن وضع نفسك في مواقف تكون فيها أفعالك هي السبب في شعورك بالرضا، يمكن أن يعزز فكرة أنك لست بحاجة إلى شخص آخر يجعلك تشعر بأنك بخير.

أنت تتمتع بحكم ذاتي، وكلما ذكّرت نفسك بذلك من خلال أفعال المحبة تجاه نفسك، كان من الأسهل أن تشعر بالحب تجاه نفسك وأن تؤمن أنك كيان مستقل.

مجموعات الدعم والأقران

العلاج هو أداة ضرورية للغاية للتعافي، لكن في بعض الأحيان وفي تجارب معينة من ارتباط الصدمة قد لا يكفي العلاج لوحده.

في هذه الحالة، قد يكون التواصل مع الآخرين الذين مروا بشيء مشابه مفيد للغاية، إذ أنه قد يساعدك على تقليل الشعور بالوحدة والخجل من التعرض للإيذاء.

إذا كنت لا تشعر بالقدرة على التعامل مع مجموعة دعم، فكر في مشاركة ما مررت به مع الأشخاص المقربين منك والذين تثق بهم بشدة. «ليس هناك ما تخجل منه» كلما سمعت ذلك أصبح تصديقه أسهل.

وتذكر جيداً، الترابط الصادم هو استجابة عاطفية للإنسان، وليس عيباً في الشخصية ويمكن أن يحدث لأي شخص يعيش حلقة من الإساءة. قد يمنحك الكشف عن تجربتك إحساساً بالراحة بمجرد أن ترى مدى تعاطف من حولك حيال ذلك.

الخلاصة

إذا كنت في موقف مسيء من أي نوع، فربما تكون قد تعرضت للترابط المؤلم وهذا ليس بشيءٍ يدعو للخجل أو حتى الشعور بالذنب تجاهه. ببساطة هو استجابة طبيعية للصدمة وتتوافر مساعدة متاحة لك.

يمنحك الحديث مع أخصائي الصحة النفسية ومجموعة الدعم وحتى الأحباء الموثوق بهم عن هذه العلاقة عوناً كبيراً لتدرك أنك لست مسؤولاً عن تعلقك بالشخص الذي أساء إليك، وأنه يمكنك تخطي ذاك الارتباط والتعافي منه.

اقرأ أيضاً: ما هي الصدمة (Trauma)؟ وما أسبابها؟ وهل يمكن التأقلم معها؟

اقرأ أيضاً: نمو ما بعد الصدمة، فوائده، وكيفية بلوغه

اقرأ أيضاً: العلاج المستنير بالصدمة، تقنياته، فوائده وفعاليته

المصدر: ?What Is Trauma Bonding?

تدقيق: هبة محمد

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
مبادرة الدعم النفسي للمعتقلين السوريين وذويهم
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: