يوصف الذهان (psychosis) على أنه انفصال عن الواقع وقد يشمل الهلوسة، الأوهام والتفكير والكلام المضطربين. يواجه ثلاثة أشخاص من أصل 100 نوبة ذهان في مرحلة ما من حياتهم ويعانون من هلوسات بصرية وسمعية تختلف من شخص لآخر.
الهلوسات (hallucinations) هي تصور أشياء لا تتطابق مع الواقع الملموس يمكن أن تؤثر على معظم حواسك، إذ قد ترى أو تسمع أو تشعر أو تشم شيئاً غير حقيقي، أما الأوهام (delusions) فهي معتقدات خاطئة ثابتة تستمر رغم ظهور الأدلة التي تناقضها.
الذهان عَرَض وليس مرضاً، يمكن أن يحدث في عدة حالات بما فيها:
- الفصام.
- اضطراب ثنائي القطب.
- الاضطراب الفصامي العاطفي.
- الاكتئاب الشديد.
- الاضطراب الوهامي.
- الذهان الناجم عن المخدرات أو الكحول.
- إصابة بالرأس.
- عدوى.
- أمراض الدماغ مثل مرض هنتنغتون أو داء باركنسون.
- أورام المخ أو الخراجات.
- الخرف مثل مرض الزهايمر.
- الإجهاد الشديد أو القلق أو قلة النوم.
كيف يبدو الشعور بالذهان
يشرح الشخص المصاب بالفصام كيف يبدو الأمر بالفعل، بدءاً من الأعراض اليومية إلى نوبات الذهان الكاملة. تشارك راشيل ستار ويذرز (Rachel Star Withers) نظرة متعمقة لما يشعرك به الذهان؛ وهي فنانة ومحاورة تلفزيونية؛ كما أنها مصابة بالفصام.
عانت راشيل من هلوسات بصرية منذ الطفولة حسب ما تتذكر. تقول: “لقد نشأت وأنا أرى وحوشاً وأشياءً مخيفة واعتقدت أن هذا أمر طبيعي”.
توضح راشيل أنه نظراً لمشاركة الجميع الحديث حول “الوحوش الموجودة تحت سريرك” و “الوحوش في خزانتك”، فقد افترضت بطبيعة الحال أن الآخرين شاهدوا هذه الأشياء أيضاً وإلا لماذا قد يتحدث الناس عنها؟
هلوسات بصرية
تقول: “لقد نشأت أيضاً في الكنيسة وسمعت الواعظ يوم الأحد يتحدث عن الجن والملائكة والشيطان. لذلك عندما كبرت هذا ما افترضت أنني كنت أراه، أي أنني رأيت العالم الروحي”.
مرة أخرى، كانت راشيل تعتقد أن شعور الهلوسات البصرية أمر عادي “وإلا لماذا يتحدث الناس كثيراً عن الشياطين والملائكة والعالم الروحي إلا إذا كان الجميع يراه؟”.
“لم أقل شيئاً عن رؤية الوحوش إلا عندما كنت في المدرسة الثانوية وكان رد أحد أصدقائي: “ما الذي تتحدثين عنه يا راشيل؟”. “كانت تلك هي اللحظة التي أدركت فيها عدم رؤية الجميع لهذه الأشياء وتعلمت بسرعة كبيرة أن أكتم الأمر لأن لا أحد يريد [أن يكون] لديه سبب آخر ليذيع سيطه في المدرسة الثانوية”.
بالنسبة لـ راشيل، هذه الهلوسة ثابتة إلى حد ما لا بل أكثر صفاتها ثباتاً كشخص، إذ قدرت أنها تحدث حوالي 90% من الوقت الذي شعرت فيه بالانفصال عن الواقع.
“هذا يحدث دائماً، يجب أن أكون حذرة لأن بوسعي إثارته. إذا نظرت في المرآة لأكثر من ثانية تبدأ ملامحي بالتغير وتصبح مشوهة وغريبة ويجب علي الابتعاد عنها”.
وتضيف عن شعورها بالهلوسات البصرية: “يمكن رؤيتها في أي نوع انعكاس حتى لو كانت نافذة متجر أو شيئاً من هذا القبيل، لقد أصبحت جيدةً حقاً في إلقاء نظرة خاطفة فقط على أي شيء يعكس”.
إذا نظرت راشيل إلى السجادة لفترة كافية فستبدأ في رؤية الوجوه. “إنها ليست وجوهاً سعيدة، ليست مثل رمز تعبيري”. تقول وترتسم على وجهها ضحكة خافتة: “إنها تشوهات.”
تقول أيضاً: “كنت أنظر إلى الأشجار وتتحول الأوراق إلى وجوه. أحياناً إذا نظرت إلى إنسان آخر، يتشوه شكله، وأنا أعلم أن شيئاً ما ليس على ما يرام، لكن لا يمكنني تحديد ماهيته. يبدو الأمر وكأن عقلي يعاني من خلل وليس بمقدوره فهم ما أمامه تماماً”.
أصوات وهلوسات سمعية أخرى
تختلف الهلوسات البصرية والسمعية بشكل كبير بالنسبة للأشخاص المصابين بالذهان، إذ قد يسمع بعض الناس صوتاً معيناً بينما يسمع الآخرون عدة أصوات. يشعر بعض الناس أن الأصوات تتحدث إليهم مباشرة أو تتحدث بشيء عنهم.
بالنسبة لراشيل، الهلوسات السمعية مختلفة بعض الشيء إذ تقول: “لم يكن الصوت الذي أسمعه صوتاً يتحدث معي مباشرة؛ لقد كان الأمر أشبه بجهاز راديو عالق بين القنوات في غرفة أخرى من المنزل. لذا كان بإمكاني سماع الأصوات التي كانت تتحدث لكن لم أستطع معرفة ما كانوا يقولون. كنت ألتقط كلمة أو كلمتين لكنها لم تكن مثل محادثة كاملة ولم أعتقد ابداً أنهم يتحدثون عني.”
“لم يكن يملي علي الصوت أن أفعل أشياء سيئة، سمعت الأصوات البعيدة تتحدث منذ أن كنت صغيرةً”.
“معظم الوقت، لا يسمع الأشخاص المصابون بالفصام أصواتاً في رأسهم. إنه ليس صوتاً داخلياً يتحدث، يبدو الأمر وكأنه شخص من حولك”. قد تبدو هذه الأصوات وكأنها تأتي من داخل الجدار أو من غرفة أخرى مثلاً.
بالنسبة لـ راشيل، يمكن أيضاً أن تثار الهلوسات السمعية أو الأصوات من خلال الضوضاء البيضاء (هو مجموعة من الضجيج أو الأصوات التي تجمع كافة الترددات التي يستطيع الإنسان سماعها) مثل صوت الكنس أو الحفر. عندما يحدث هذا، قد تسمع صوتاً وكأن شخصاً يتحدث خلفها لكنها لا تستطيع تحديد ما يقوله تماماً.
تسمع راشيل أيضاً أصوات طقطقات أو تكات خلال الفترة التي تشعر بها بالانفصال عن الواقع، وتقول إن الأمر يشبه شخصاً ما يحمل ساعة يد مثبتة على أذنها، وتصدر صوت ” تيك تيك تيك” مستمر.
قد يعلو صوت التكتكة ويصبح خافتاً أو أسرع وأبطأ. يبدو أنه قادم من الجدران أو من غرفة أخرى أو خلفها من جهة اليسار؛ إنه يصب في مصلحة التشويش الذي يسببه الذهان.
“الفصام مثل الأسلاك المتقاطعة [أي اختلاط الأمور في الرأس]”.
نوبات كاملة من الذهان
تميز راشيل أعراض الذهان “اليومية” هذه (الهلوسات السمعية والبصرية) عن نوبات الذهان الكاملة مع قدرتها على الأداء في الواقع.
“يمكن أن تستمر النوبات من بضع دقائق إلى أيام، وبالنسبة لبعض المصابين بالفصام والذين يختبرون شعور الانفصال عن الواقع قد تستمر لفترة أطول. وأطول فترة مررت بها كانت بضعة أيام فقط”.
“إذا كنت في نوبة ذهانية كلياً… فأنا لا أزال هنا، أنا فقط بعيدة”.
“أعلم أن هناك خطباً ما وليس الأمر كأنني في واقع بديل، أعلم أن هناك شيئاً خاطئاً للغاية ولا يمكنني فعل أي شيء حياله. وحتى في تلك اللحظات كان لدي القدرة على التفكير (أوه لا، ماذا لو لم أخرج من هذا؟)“
في الوقت الحاضر، تستطيع راشيل التعرف على العلامات المبكرة للنوبة؛ فإحداها هي البدء بالتفكير بضمير الغائب. “لذا، بمجرد أن أدرك أن لدي إحدى تلك العلامات التحذيرية فذلك يعني أنني أحتاج إلى العودة إلى المنزل والنوم، أنا فقط بحاجة إلى الأمان”.
تقول راشيل: “في كثير من الأحيان عندما أعاني من نوبة ذهانية، أفقد أجزاء من جسدي”.
تتذكر مرة عندما ظلت ذراعها تهرب منها، كانت في سريرها وذراعها تنزلق بعيداً مثل ثعبان. حتى عندما حاولت والدتها أن تشرح لها أن ذراعها ما زالت متصلة بجسدها، ظلت راشيل تحاول العثور عليها. تقول: “يختفي المنطق في الحديث معي حول هذا الموضوع”.
اعتاد الناس سؤال راشيل عما إذا كانت الإصابة بالفصام أشبه بفيلم رعب، كانت تجيب: “ليس تماماً، يبدو فقط أكثر إرباكاً وتشويشاً وكأنني لا أفهم ما يحدث هنا، يمكن أن يكون الأمر عارماً”.
تشرح كيف يمكن أن تصبح عمليات التفكير فوضوية ومشوهة للغاية. قد تفكر فجأة “كيف تعمل السحّابات؟ هل أحتاج معرفة هذا؟ هـل لدي أجنحة؟ هَل يجب أن أضع شيئاً فوق الأجنحة؟؛ هكذا يبدو، هذا ما يبدو عليه الذهان”.
كيف يبدو الذهان للآخرين؟
تقدم وسائل الإعلام الترفيهية والإخبارية صورة درامية ومشوهة للذهان، إذ تميل إلى التأكيد على النشاط الإجرامي وتقلبات لا يمكن توقعها. تلاحظ راشيل أن الأفلام والثقافة الشعبية تنحو باتجاه تصوير الذهان كما لو كنت تمثل خطراً على الآخرين.
تقول راشيل: “لا شيء يشبه الأفلام”. وتضيف: “إنه حقاً مجرد ارتباك وتشويش، المخيف في الانفصال عن الواقع هو أنه محير للغاية، لأن لا شيء منطقي وتحاول طوال الوقت فهم كل شيء يدور من حولك”.
ومع ذلك، قد يبدو الأمر مخيفاً بالتأكيد إذا كنت تشاهد شخصاً تهتم به يعاني من الانفصال عن الواقع. قد يبدو أنه يتحدث إلى نفسه أو يتصرف بشكل عشوائي أو يتحدث عن مواضيع غير اعتيادية أو تبدو عليه علامات الحيرة والذهول. في هذه الحالة تذكر، هو ربما خائف أكثر منك.
“إذا كان لديك شخص في حياتك يعاني من نوبات الذهان، فلا تخف، هذا الشخص يمر بشيء محير ومشوش للغاية، ومن الصعب عليه معالجة والتفكير في أي شيء يحدث في العالم الحقيقي.”
تقول راشيل: “لا تبدو أجسادهم ذات معنى أو مفهومة بالنسبة لهم، الأشياء التي كانت دائماً منطقية لم تعد منطقية بعد الآن”.
ما الذي يسبب الذهان؟
أثناء نوبة الذهان، هناك غالباً اختلال وظيفي في دوائر الدماغ التي تستخدم الدوبامين، والدوبامين هو ناقل عصبي يلعب دوراً مهماً في التفكير والانتباه والمزاج.
دعمت أبحاث مختلفة اعتقاد أن اختلال وظيفة الدوبامين هي سبب في الذهان، وتتضمن فحوصات التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET scan) والدراسات التي تجرى على الحيوانات، أبحاث الجثث، وفي الدراسات السريرية التي تُظهر كيف تؤثر بعض الأدوية والعقاقير على مستقبلات الدوبامين.
يبدو أن الهلوسة والأوهام مرتبطان خصوصاً بفرط نشاط مستقبلات الدوبامين (مستقبلات D2) في أجزاء معينة من الدماغ.
هناك مادة كيميائية أخرى مهمة في الدماغ تسمى الجلوتامات قد تلعب دوراً في ظهور الذهان. مثلاً تظهر الأبحاث ظهور أعراض الذهان عندما يتعطل مستقبل معين للجلوتامات المسمى مستقبل (NMDA).
ما يجب فعله إذا اعتقدت أنني مصاب بالذهان؟
إذا كنت تعتقد أنك مصاب بالذهان، من الجيد طلب مساعدة أخصائية على الفور حتى تتمكن من بدء العلاج المناسب.
قد تتضمن بعض العلامات المبكرة للذهان ما يلي:
- صعوبات جديدة في التركيز أو التفكير.
- الانسحاب الاجتماعي.
- أفكار غريبة ومكثفة.
- مشاعر غريبة أو انعدام العاطفة.
- قلة النظافة الشخصية.
- الشك أو الارتياب أو الشعور بعدم الارتياح مع الآخرين.
- صعوبة التمييز بين الواقع والخيال.
- اضطراب في الحديث أو صعوبات في التواصل.
- ضعف الأداء في المدرسة أو العمل.
ماذا بعد اكتشاف الإصابة بالذهان؟
يمكن أن يحدث الذهان في مجموعة متنوعة من الحالات ولكنه أكثر شيوعاً في الفصام.
في معظم الحالات يمكن للأدوية المضادة للذهان مثل Abilify أو Risperdal أن تساعد في ضبط أعراض الذهان في مرض الفصام أو اضطرابات المزاج.
إذا كنت أنت أو أحد يعني لك الكثير مصاباً بالذهان، فاعلم أنك لست وحدك. هناك الكثير من مصادر المعلومات والدعم يمكنك الاستفادة منها.
اقرأ أيضاً: اضطراب الشخصية شبه الفصامية، أعراضه، تشخيصه، أسبابه وعلاجه
اقـرأ أيضاً: اضطراب الشخصية الفصامية، الأعراض، الأسباب، التشخيص والعلاج
اقرأ أيضاً: مراحل الفصام الثلاثة وأعراض كل مرحلة، التشخيص والعلاج
المصدر: ?What Does Psychosis Feel and Look Like
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم