النبوءة المحققة لذاتها هي افتراض أو تنبؤ، كنتيجة بحتة لحدوث الحدث المتوقع، وبالتالي تؤكد “دقة” النبوءة (ميرتون ، 1948).
تأخذ النبوءات التي تتحقق ذاتيًا حدثها عندما تساعد توقعاتنا لحدث ما في خلق الظروف ذاتها التي تسمح بحدوث ذلك الحدث، أو عندما يقوم الشخص بتصرفات تؤكد توقعات الآخرين. اُستخدمت النبوءة التي تحقق ذاتها في العديد من السياقات لتفسير العديد من الظواهر.
على سبيل المثال، يمكن تفسير الصور النمطية من خلال نبوءة محققة لذاتها، وذلك عندما يحمل الشخص معتقدات معينة حيال مجموعة ما. ثم يعامل هولئك الأشخاص المنتميون إلى المجموعة وفقًا لذلك، مما يعزز بدوره الصورة النمطية الأولية.
وبالمثل، يتم دعم مفهوم الذات للفرد من منظور آخر عندما يتصرف الشخص بطريقة تتفق مع كيفية تصور الشخص لذاته وكيانه.
علاقة النبوءة المحققة لذاتها بقانون الجاذبية
أخذ العديد من علماء النفس الاجتماعي ضمن اعتباراتهم العلاقة بين هذه النبوءة وقانون الجاذبية، وكيف تصبح المعتقدات الاجتماعية حقيقة اجتماعية واسعة.
إذ وجدوا أنه في حين أن كلاً من قانون الجذب والنبوءة التي تتحقق ذاتيًا يمتلكان آثارًا روحية وعملية. حيث النبوءة تميل بطبيعتها أكثر نحو الطبيعة العملية للحياة وبنية البشر النفسية.
إذا كنت “تؤمن” بأن كل الصداقات تنتهي بالقتال والمشادات الكلامية، عندها يصبح من المحتم أن تتصرف وفقاً لذلك في علاقاتك الاجتماعية.
إذ سيقوم الشخص تقوم بإسقاط إشارات غير واعية مثل لغة الجسد والنغمات الصوتية للشخص الآخر، على هذه النبوءة. مما يؤدي إلى تحقيق هذا الاعتقاد من خلال التسبب في قتال، سيضطر من خلاله الشخص الأول إلى إنهاء العلاقة بناءً على اعتقاده المسبق.
ضمن هذا السياق، صمم “مارك سنايدر” دراسة ليلاحظ فيها الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع الآخرين الذين يُنظر إليهم على أنهم جذابون، والأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم ليسوا كذلك.
لاحظ مارك أنه عندما ينظر الناس إلى شخص ما على أنه جذاب، فإنهم يميلون إلى التعامل معه بشكل أكثر ودية والتفاعل معه بدرجة أكبر. مما يمنح الشخص الآخر فرصة أكبر للانخراط في الاستجابة الراجعة معهم. وفقًا لسنايدر، فإن هذا النوع من السلوك يديم الصورة النمطية بأن الأشخاص الجذابين أكثر ودية وانخراطًا من غيرهم.
تماشيًا مع هذه الأمثلة، تُوصف النبوءات المحققة لذاتها عموماً على أنها معتقدات خاطئة. تصبح صحيحة نتيجة لاتخاذ إجراءات من قبلنا بناءً على اعتقادنا المسبق تجاهها.
النقطة المهمة الواجب التكلم عنها، هي أنه حتى من غير قصد، من الممكن أن تؤدي جوانب اللاوعي للتفاعل البشري المبني على اعتقاد ما إلى نبوءة تحقق ذاتها.
خطوات النبوءة التي تحقق ذاتها
يتم تضمين ثلاث خطوات في عملية النبوءة التي تحقق ذاتها:
- يجب أن يحمل شخص ما اعتقاداً خاطئاً حول شخصًا آخر.
- يتوجب على الشخص الحامل للاعتقاد الخاطئ، أن يتصرف بناءً عليه بمعاملة الشخص الآخر كما لو أنه كان صحيحًا.
- يتوجب أن يتصرف لاحقًا الشخص الذي تم الاعتقاد الخاطئ بشأنه بطريقة تتفق مع الاعتقاد.
منشأ النبوءة
صاغ عالم الاجتماع “روبرت ميرتون” عبارة نبوءة تحقق ذاتها. واقترح أن هذه النبوءات تحدث عندما تصبح المعتقدات الخاطئة للناس تجاه الآخرين حقيقة واقعة من خلال التفاعل الاجتماعي.
أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل من علماء النفس الاجتماعي مهتمين بدراسة آثار النبوءة المحققة لذاتها. هو ميلها إلى المساهمة في إخلال توازن المساواة الاجتماعية.
على سبيل المثال، قد يطوّر المعلم المنحاز عرقيًا لأبناء عرقه اعتقادًا خاطئًا. بأن طالب الأقلية المخالف لعرقه أقل قدرة وذكاء من هولئك الطلاب الآخرين.
قد يتصرف المعلم بعد ذلك بناءً على معتقداته الخاطئة، من خلال معاملة الطالب كما لو أنه غير قادر وذو مقدرات عقلية قليلة. بالمقارنة مع الطلاب الآخرين في الفصل. إذ من الممكن أن يتصرف المعلم بشكل أقل ودية تجاه هذا الطالب ويقضي وقتًا أقل معه. ويعلمه مادة أقل صعوبة مقارنة مع باقي الطلاب.
قد يؤكد الطالب بعد ذلك المعتقد الخاطئ الأصلي لمعلمه، من خلال إظهار أداء أكاديمي ودراسي ضعيف. وبحكم أن الطالب تعلم أقل من أقرانه سيصبح أداءه ضعيفًا، وأقل احتمالية للالتحاق بفصول متقدمة في مدرسته. وأقل احتمالية للالتحاق بالجامعة والتوظيف في وظيفة جيدة.
وبهذه الطريقة، تبدأ تحيزات الأشخاص في سلسلة من الأحداث التي من المحتمل أن تقوض فرص وكفاءات الأفراد المستهدفين بالتوقعات السلبية. مثل النساء والأقليات العرقية. من خلال تسلسل الأحداث السابقة، يمتلك الناس القدرة على بناء الواقع اجتماعيًا، وذلك من خلال النبوءة المحققة لذاتها.
اقـرأ أيضاً: التمسك بالمعتقدات، تعريفه، أسبابه وأمثلة عليه
اقرأ أيضـاً: الاعتقاد والإيمان، ما الفرق بينهما؟ وكيف تتشكل المعتقدات؟
اقـرأ أيضاً: أنواع علم النفس واهتمامات كل نوع
تدقيق: محمود خضرة
تحرير: جعفر ملحم
المصدر: ifioque