يعد تدريب تلقيح الإجهاد (Stress inoculation training/SIT) شكلاً من أشكال العلاج المعرفي السلوكي (CBT) لاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
العلاج المعرفي السلوكي هو أحد أكثر أشكال العلاج النفسي (العلاج بالكلام) استخداماً والتي قد تساعدك في إدراك الأفكار الخاطئة و/أو السلبية التي تؤثر على سلوكك وتغييرها. ومن الأمثلة الأخرى على هذا النوع من العلاج هي “العلاج بالتعرض” و”العلاج بالمعالجة المعرفية”.
تدريب تلقيح الإجهاد
يعمل تدريب تلقيح الإجهاد بنفس مبدأ عمل اللقاح، إذ يُساعد في تهيئة الجسم وجعله يدافع ضد الخوف والقلق المرتبطين بنوبات اضطراب ما بعد الصدمة عندما يتعرض لما يذكره بالصدمة ويحفز هذه الأعراض.
من خلال التعرض لأشكال خفيفة من التوتر، تتعزز ثقة الفرد بحيث يستجيب بسرعة وفاعلية عندما يحدث ما يذكر بالصدمة
قد يجري هذا النوع من العلاج النفسي خلال جلسات علاجية تمتد ساعة ونصف على مدار أسابيع عدة، أو من خلال مجموعة علاجية. ولكن المهم هنا هو أن العلاج يتم بشكل أساسي شخصاً لشخص مع معالج مختص.
تقنيات تدريب تلقيح الإجهاد
يتعلم الفرد مهارات التأقلم خلاله؛ فإذا كنت مصاباً باضطراب ما بعد الصدمة وتلقيت تدريب تلقيح الإجهاد، يساعدك المعالج على أن تصبح أكثر إدراكاً ووعياً لبعض المحفزات التي قد تسبب لك الخوف والقلق المرتبطين بالصدمة.
علاوة على ذلك، ستتعلم مجموعة متنوعة من مهارات التأقلم المفيدة في إدارة القلق، مثل:
التنفس الحجابي العميق: يقسم هذا النوع من التدريب على التأقلم لقسمين، الأول هو تعلم كيفية التنفس بعمق أما الثاني هو ممارسته بين جلسات العلاج بحيث يصبح عادة صحية.
تعلم التحدث إلى نفسك بصمت: يستخدم الكثيرون ممن يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة أو ممن لا يعانون منه هذه التقنية سلفاً، ولكنك عندما تخضع لتدريب تلقيح الإجهاد، تتعلم أن تركز الحوارات الداخلية على التعرف بسرعة على الأفكار السلبية المحبطة، إيقافها وتحويلها إلى عبارات إيجابية ومشجعة.
تدريب استرخاء العضلات: ستتعلم كيف ترخي كل مجموعة من مجموعات عضلات جسمك الرئيسية عن طريق شدها وإرخائها بالطريقة الصحيحة. يتم تسجيل هذه التمارين كي تتمكن من ممارستها بين الجلسات التدريبية.
لعب الأدوار: هنا تبدأ الممارسة العملية لتقنيات التأقلم التي تعلمتها. بعد أن تقوم برفقة المعالج بإعداد موقف مثير للقلق، تلعب دوراً ينص على التأقلم بفعالية باستخدام استراتيجيات محددة لإدارة قلق.
التفكير في السلوكيات السلبية وتغييرها: حيث تتعلم استخدام مخيلتك لممارسة التأقلم الفعال. يرشدك المعالج عبر موقف مثير للقلق بشكل كامل تتعرف فيه بنجاح على المحفزات المتعلقة بالصدمة. وتتخذ إجراءات لمنعها من الخروج عن نطاق السيطرة.
ستتعلم أيضاً كيف تستخدم مهاراتك الجديدة. بمجرد تحديد المحفزات التي قد تثير مشاعر القلق والخوف، سيساعدك معالجك في تعلم تقصي واكتشاف هذه الإشارات والتعرف عليها لحظة ظهورها.
يتيح لك هذا تطبيق مهارات التأقلم التي تعلمتها حديثاً لإدارة قلقك وتوترك فوراً قبل أن يصبح الوضع خارج نطاق السيطرة.
العـلاج بالتعـرض
مع مرور الوقت، قد يتطور لدى المصابين باضطراب ما بعد الصدمة خوف مما يذكرهم بالحدث الصادم؛ قد يكون موجوداً في البيئة المحيطة بهم.
على سبيل المثال، تثير بعض الصور، الروائح أو الأصوات أفكاراً ومشاعراً مرتبطة بتلك الصدمة وقد تكون هذه المحفزات على شكل ذكريات أو كوابيس أو أفكار دخيلة. نظراً لأن هذه المحفزات تسبب إجهاداً ملحوظاً غالباً، فقد يخافها الشخص ويتجنبها.
الهدف من العـلاج بالتعـرض هو مساعدتك في تقليل مستوى الخوف والقلق المرتبطين بما يذكر بالصدمة، وبالتالي تقليل تفاديها أيضاً. قد تحتاج لمواجهة (أو التعرض لـ) المحفزات التي تخاف منها دون تجنبها.
يمكن القيام بذلك عن طريق تعريضك لها. مثلاً، عرض صورة تذكرك بالحدث الذي سبب لك تلك الصدمة أو تخيلها.
من خلال التعامل مع مشاعر الخوف والقلق، سيكون بإمكانك تعلم بأنهما يصبحان أقل فأقل من تلقاء نفسيهما، مما يقلل في النهاية من مدى اعتبار هذه المحفزات مهددة أو مخيفة.
عادةً ما يقترن العلاج بالتعرض بتعلم مهارات استرخاء مختلفة، وبهذه الطريقة يمكنك إدارة مشاعر القلق والخوف بشكل أفضل عند نشوئها بدلاً من تجنبها.
يُعد العلاج بالتعرض وتدريب تلقيح الإجهاد من أنوع العلاج المعرفي السلوكي.
عـلاج المعالجة المعرفية
عـلاج المعالجـة المعـرفية (CPT) هي طريقة فعالة لعلاج المصابين باضطراب ما بعد الصدمة ممن تعرضوا للاعتداء الجنسي، سوء المعاملة في الطفولة، المعارك أو الكوارث الطبيعية.
يستغرق هذا النوع من العلاج عادة اثنتي عشرة جلسة وقد تشمل العلاج المعرفي والعلاج بالتعرض معاً.
يشبه علاج المعالجة المعرفية العلاج المعرفي من حيث استناده إلى فكرة أن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة تنبع من التعارض ما بين معتقداتك ما قبل الصدمة عن نفسك والعالم حولك (مثلاً، الاعتقاد بأن لا شيء سيئ سيحدث لك وأن كل شيء بخير) والمعطيات الموجودة بعد الصدمة (مثلاً، الصدمة كدليل على أن العالم ليس مكاناً آمناً).
تسمى هذه الإشكالات والصراعات الداخلية بـ “النقاط العالقة/Stuck Points” ويتم معالجتها من خلال الكتابة عن الصدمة (وهي المكون الثاني لعلاج المعالجة المعرفية).
كما هو الحال في العلاج بالتعرض، يُطلب منك الكتابة عن الحدث الصادم الذي تعرضت له بالتفصيل ثم قراءة القصة بصوت عالٍ مراراً وتكراراً داخل وخارج الجلسة العلاجية.
يساعدك المعالج على تحديد ومعالجة النقاط العالقة والأخطاء في التفكير من خلال عملية تعرف بـ “إعادة الهيكلة المعرفية”.
قد تشمل الأخطاء في التفكير أن تقول مثلاً: “أنا شخص سيء” أو “لقد فعلت شيئاً أستحق عليه ذلك فعلاً”. قد يساعدك معالجك في معالجة هذه الأخطاء أو النقاط العالقة من خلال جمع الأدلة المؤيدة والمعارضة لتلك الأفكار.
تتعدد الدلائل الدالة على فعاليات العلاجات السابقة بما فيها تدريب تلقيح الإجهاد.
دلائل على فعالية العـلاجات السابقة
وُجد أن جميع العلاجات التي ذكرت سابقاً ناجحة في علاج اضطراب ما بعد الصدمة، رغم أن الأبحاث تميل بشكل أقوى إلى صالح العلاجات التي تركز على الصدمات مثل علاج المعالجة المعرفية وعلاج التعرض. العلاج المناسب لك يعتمد على ما تشعر براحة أكبر به.
مثلاً، لا يشعر بعض الناس بالراحة تجاه مواجهة ما قد يذكّرهم بالصدمة أو الكتابة أو التحدث عن تجربة صادمة سابقة. لذلك، قد تكون تقنية تدريب تلقيح الإجهاد خياراً أفضل. الشيء الأكثر أهمية من طريقة العلاج هو أن تجد معالجاً تشعر بالراحة معه والثقة به.
اقرأ أيضاً: اضطراب ما بعد الصدمة المعقد، أعراضه، تشخيصه وعلاجه
اقـرأ أيضاً: علاج اضطراب ما بعد الصدمة PTSD، والأدوية المستخدمة لهذا الغرض
اقرأ أيضاً: الصدمة الثانوية، أعراضها، أسبابها، علاجها وكيفية التأقلم
المصدر: How Stress Inoculation Training Treats
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم