دليل موجز حول سلوك إيذاء النفس وصدمة الطفولة التي لم تُشفى بعد

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

سلوك إيذاء النفس هو ظاهرة نفسية عادةً ما يساء فهمها، ويعتقد بعض الناس أن الذين يؤذون أنفسهم هم ببساطة أغبياء من منطلق “لو لم يكن كذلك لن يؤذي نفسه”.

ويعتقد آخرون أن إيذاء النفس هو فقط سلوك الفرد الذي يسعى للحصول على الاهتمام، وقد يسميه البعض سلوكاً أناني.

ما هو إيذاء النفس؟

 قبل البحث بعمق، دعنا أولاً نحدد ما يشكل سلوك إيذاء النفس.

السلوك الضار بالنفس هو نمط سلوكي يؤدي إلى إيذاء النفس ومثالٌ بسيط جداً على ذلك هو تمرير أداةٍ حادة على الجلد. مثالٌ وشكلٌّ آخر أكثر شيوعاً من إيذاء النفس هو ضعف الرعاية الذاتية. وهنا على الرغم من أن الشخص لا يؤذي نفسه بشكل مباشر أو حتى فوري، إلا أن عدم وجود مظاهر المحبة الذاتية والعناية الذاتية ثد يكون ضاراً للغاية وخاصةً على المدى الطويل.

الشكل النهائي لإيذاء النفس هو الانتحار، وهنا يكون ألم الفرد كبيرٌ جداً حيث لم يعد يرى أي أمل في الشعور بتحسن.

أمثلة شائعة عن إيذاء النفس وسوء الرعاية الذاتية:

  • مشاكل الأكل: على سبيل المثال، القُهم (فقدان الشهية)، النُّهام (الشره المرضيّ)، الإفراط في الأكل، الأكل القليل.
  • تشويه الذات: على سبيل المثال، قص الشعر أو شد الشعر أو خدش الجلد.
  • تجنب الرعاية الطبية.
  • الإدمان.
  • عدم أخذ قسط كافي من الراحة: على سبيل المثال، نظام نوم سيء أو العمل كثيراً أو التمارين الرياضية المُفرطة.
  • تعريض النفس للخطر: على سبيل المثال، القيادة دون ارتداء حزام الأمان أو ممارسة الجنس دون استخدام وسائل حماية.
  • المعتقدات غير الواقعية التي تهاجم الذات: على سبيل المثال، لا أستطيع فعل أي شيء بشكل صحيح أنا إنسان فاسد.

أصل سلوك إيذاء نفسك

لا أحد يولد راغباً في إيذاء نفسه أو أن يتم إيذائه أو إهماله، ولا أحد يولد وهو يرغب في العمل ضد مصالحه أو تجاهل احتياجاته الأساسية. أي إن هذا السلوك هو سلوكٌ مكتسب ويكتسبه الناس في سنوات تكوينهم.

السلوك المؤذي للذات، مثل جميع السلوكيات ينبع من معتقداتنا وعواطفنا. وبعبارةٍ أخرى نحن نتصرف بطريقة معينة بسبب معتقداتٍ ومشاعرٍ معينة لدينا وجميعها تحدد الإجراءات التي نتخذها.

إذاً ما هي المعتقدات والحالات العاطفية التي تؤدي إلى إيذاء النفس؟ إنّ سلوكيات إيذاء النفس متجذرة في كراهية الذات والرغبة بمحو الذات.

يعتقد الشخص الذي يكره نفسه في أعماقه أنه ناقص ولا قيمة له، وغالباً ما يشعر بأنه سيء الأخلاق. وبالتالي يستحق الأمور السيئة التي تحدث له، حتى قد يعتقد أنه يستحقُ العقاب والمعاناة.

وصف Darius Cikanavicius أولئك الأشخاص في كتاب التنمية البشرية والصدمة النفسية على النحو التالي:

لم يهتم أحد بما يحتاجونه ويشعرون به ويريدونه في طفولتهم، بحيث أصبحوا مع مرور الوقت منعزلين عن أنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، إذا تمت معاقبتهم أو توبيخهم بسبب مصداقيتهم، تعلموا منذ سن مبكرة أن بعض المشاعر والأحلام والأهداف محفوفة بالخطر.

ومن الناحية العاطفية يشعر هؤلاء الناس بالعزلة وسوء الفهم والخجل (الشعور بالعار بشكل سام) والذنب (لوم الذات) ويتعاملون مع كل هذا الألم العاطفي بالتصرف بطريقة مُسيئة للذات.. هذا يعني أنها أفضل طريقة يتكيف بها الشخص للبقاء على قيد الحياة في بيئة الطفولة غير الصحية. أي من هذا المنظور يصبح الأمر منطقياً تماماً.

آليات إيذاء النفس

تتعدد الأساليب التي يتبعها الأشخاص لإيذاء ذاتهم ومن هذه الأساليب ما يلي.

المعتقدات غير الصحية

يأتي الأشخاص الذين يتصرفون على نحو يضر بالذات من بيئات يفتقرون فيها بشدة إلى الحب والرعاية من مقدمي الرعاية الرئيسيين حيث كانت الرسالة التي أدركوها أنهم لا يستحقون الحب أو الرعاية وعلى هذا الأساس بُنيَّ اعتقادهم حول أنفسهم.

 لم يتعلموا أن يحبوا أنفسهم ويعتنوا بها لأنه لم يسبق لأحد أن أهتم بهم أو أشعرهم بمشاعر الحب فعلياً أو على الأقل ليس بطريقة صحية من شأنها أن تؤدي إلى معتقدات أساسية مختلفة وحالات عاطفية وأنماط سلوكية مختلفة.

لذا هم لا يهتمون بأنفسهم ولا يكترثون لقيامهم بعمل غير صحي بشكل روتيني لأنهم في أعماقهم لا يأبهون ما إذا كانوا يتعافون أو إذا كانوا يتقدمون في السن أو إذا كانوا يعتنون بأنفسهم جيداً.

لا يرغب بعض الناس دون وعيهم حتى البقاء على قيد الحياة ولا يقدمون على الانتحار أيضاً، لذلك يقتلون أنفسهم ببطء بالتدخين وشرب الكحول والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر وهلم جرا. أو قد يؤذون أنفسهم مع عدم الاكتراث لذلك أو عدم اتخاذ أي خطوات لتحسين حياتهم.

التنظيم العاطفي غير الصحي

 إذا تمت معاقبة الطفل بشكلٍ روتيني إيجابي أو سلبيّ، سوف يدرك العقاب بنفسه ويقوم به في وقت لاحق من حياته. 

وإذا لم يسمح للطفل بالتعبير عن مشاعر معينة مثل الغضب، سوف يتعلم التعامل مع تلك المشاعر نفسها بطرق مدمرة للذات والتي غالباً ما تنطوي على إيذاء النفس وسوء الرعاية الذاتية، وهذه هي الطرق الأكثر ملائمةً لإظهارها.

 أحياناً يؤذي الناس أنفسهم لأنهم يشعرون بالخدر والشعور بالألم يعني الشعور بأنهم على قيد الحياة. يتعلم آخرون ربط الألم بالمتعة، وغيرهم من الناس يؤذون أنفسهم عندما يشعرون بالارتباك لأنها طريقتهم المثلى في الإفراج عن المشاعر.

إتخاذ إيذاء النفس كاستراتيجية للبقاء على قيد الحياة

إنّ تطوير ميول أذية الذات كان أمراً ضرورياً لبقاء الشخص على قيد الحياة، لذا من المهم تذكر أن هذا السلوك ليس بالضرورة غبياً أو ساعياً للانتباه أو سلوكاً أنانيّ. وبالطبع، يتصرف بعض الناس في بعض الأحيان بغباء أو أنانية أو ضمن سلوكيات بحثاً عن جذب الانتباه.

من المهم أن تحمي نفسك من فئة الأشخاص الذين يسببون الأذى لك أو المتلاعبين ولكن ما نتحدث عنه هنا هي مجموعة فرعية منفصلة فالكثير من الناس الذين يقومون بأذية أنفسهم على سبيل المثال لا يفعلون ذلك من أجل التلاعب بالآخرين حيث يشعر معظمهم بالخجل إزاء ما فعلوه ويحاولون إخفاءه (وهذا ما نطلق عليه “محو الذات”).

 لذا من غير العادل وضع كل من يتصرف بطريقة مدمرة أو مبغضة للذات في نفس الفئة، على الرغم من أن كل هذه السلوكيات تنبع من تأثير الصدمة وغير ذلك من مشاكل التنشئة حيث كانت سلوكيات إيذاء النفس هي الطرق التي تعلم الناس بها كيفية التعامل مع الألم العاطفي.

وأياً كانت الحالة، فإن المشكلة الأساسية هنا هي أن ما ساعد الشخص على تحمل بيئة طفولته المؤلمة والمخيفة وغير المثالية والبقاء على قيد الحياة قد انتقل معه إلى مرحلة البلوغ وما كان مفيداً بشكل كبير أصبح الآن عائقاً ويؤثر كثيراً على جميع مجالات حياة الشخص.

إن ما شكل تكتيكاً للبقاء على قيد الحياة سابقاً، يشكلُ الآن مجموعة من الميول غير الصحية التي تقف عائقاً في طريق السلام الداخلي والسعادة.

إنّ طلب المساعدة صعب

والعائق الكبير أنّ الذين يعانون معتقدات وسلوكيات إيذاء النفس يشعرون بالخجل إزاءَ طلب المساعدة.

سبق وأن تعرَّضوا للأذى والخيانة من قبل الناس وخاصةً عندما كانوا أطفالاً صغاراً اتكاليين وعاجزين. لذا فإن التحدث عن مشاكلهم ونقاط ضعفهم قد يبدو محفوفاً بالمخاطر ومربكاً بالنسبة لهم.

العائق الآخر هو وجود وصمة اجتماعية فيما يتعلق بالصحة العقلية والتي لا وجود لها فيما يتعلق بصحتنا الجسدية حيث لا أحد يدين غيره إذا ذهب إلى مدرب شخصي أو أخصائي تغذية أو طبيب.

يعتقد الكثير من الناس أن الأشخاص المجانين حقاً هم فقط من يجب أن يطلبوا المساعدة النفسية والعاطفية. ولكن الحقيقة هي أن أي شخص بمقدوره البحث عن مساعدة مهنية وتحقيق الاستفادة منها.

لذلك إذا كانت لديك مشاكل شخصية مهما كانت تلك المشاكل، الخطوة الأولى هي التعرف عليها وتعلَّم طرق جديدة صحية أكثر للتعامل مع الألم العاطفي.

رُبَّما يجب أن تعمل على ذلك بنفسك أولاً ولكن فكر في طلب المساعدة إذا احتجت إليها، فلا عيب في ذلك.

اقرأ أيضاً: دليل موجز للعار السام خلال مرحلة الطفولة الذي لم تتم معالجته

اقرأ أيضاً: تأثير صدمة الطفولة على العلاقات في مرحلة البلوغ

اقرأ أيضاً: الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة، آثاره السلبية وكيف يمكن تجاوزها

المصدر: A Brief Guide to Self-Harm and Unhealed Childhood Trauma

تدقيق: محمد

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: