الكارثة من وجهة نظر علم النفس، مراحلها، نظريات عنها والتأقلم معها

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

لحسن الحظ، علمتنا الأفلام والكتب الكثير عن الكوارث. لكن، ما هي إلا لقطات وقصص درامية سريعة عن حياة الأشخاص، الأحداث والأعمال البطولية، ونادراً ما تظهر التأثير الذي تحدثه الكوارث على الحياة البرية، النفس، الثقافة أو الاقتصاد. سنتحدث في هذا المقال عن الكارثة من منظور علم النفس (سيكولوجيا الكارثة)، مراحل الكارثة وكيف يمكن التأقلم مع الكارثة.

وفي حين كُتب الكثير عن المرونة النفسية بعد الأحداث المأساوية، يمكن القول أن بيئة الكوارث تفرض فرصة نشطة ومستمرة لإعادة تأطير، إدراك وتكوين معنى جديد لتلك الأحداث في خلال فترة قصيرة.

في اليابان، تحدى الدمار الذي واجهه المجتمع قدرته على الاستجابة والتعامل مع خسارة أرواح بشرية وخراب البيئة والبنى التحتية على نطاق واسع.

أذهل حجم الفاجعة التي كان للطبيعة والإنسان يد فيها عقول الآخرين؛ أي المتفرجين. ربما نشارك اليابانيين بعض القلق والخوف الشديدين، لكن الأثر النفسي على الفرد والمجتمع أكبر من ذلك بكثير.

الكوارث الطبيعية هي أبعد من كونها مجرد أحداث نادرة تقتل ملايين البشر على مدى عقود من الزمن

ما هي سيكولوجيا الكارثة؟ ينص أحد التعاريف على أن الكارثة هي “مأساة تنتج عن خطر طبيعي أو من صنع الإنسان (الخطر هو موقف أو حدث يشكل درجة من التهديد للحياة، الصحة، الممتلكات أو البيئة.) وتؤثر سلباً على المجتمع والبيئة”.

وكما ذكرنا، فالكارثة الطبيعية تتجاوز كونها أحداثاً نادرة تزهق ملايين الأرواح تاركة خلفها عدداً هائلاً من المشردين وتكاليف مالية ضخمة مما يجعل من الصعب التأقلم مع الكارثة.

الأزمات العالمية

يعتبر الزلزال في سورية وتركيا أزمة كارثية سببت للكثيرين انعكاسات مأساوية، وسلبت منهم الأمن والأمان وهددت بقاءهم وجردتهم من مهاراتهم أو مصادرهم المعرفية.

يمكن التنبؤ ببعض الكوارث الطبيعية مثل ثوران البراكين، ما يمنح الناس الوقت لشراء المؤن الضرورية، تأمين منازلهم ومغادرة الأماكن المعرضة للخطر.

أما بالنسبة لكوارث أخرى كالزلازل والتسونامي، فإن القدرة على توقع حدوثها قليلة لأن إشعارات خطرها  قصيرة أو معدومة.

تؤثر الإشعاعات على صحة الناس بشكل بطيء.

يمكن أن تؤدي الكوارث التكنولوجية مثل التسرب الإشعاعي إلى تلوث التربة ومجاري المياه. فتفتك بالحياة البرية وتقتل أولئك القريبين من موقع الكارثة، بينما تؤثر بصمت على الحياة بطرق يصعب تقصّيها.

على عكس الزلازل وتسونامي، بإمكان الكوارث الكيميائية والإشعاعية تدمير المناطق الجغرافية والإخلال بتوازن البيئة تاركة إياها غير قابلة للسكن والحياة.

لا تهدد الإشعاعات بالموت المباشر، بل تؤثر ببطء على حياة القاطنين بالقرب من موقعها والبعيدين أميالاً عنها بطرق يصعب التنبؤ بها، وذلك حسب الرياح والأمطار التي تحملها معها.

بعد أن تحدثنا في المقدمة عن سيكولوجيا الكارثة سنتعرف الآن على مراحل الكارثة وكيفية التأقلم معها.

مراحل الكارثة

وفقاً لبعض الباحثين، لردود الأفعال العاطفية على الكوارث أنماط يمكن التنبؤ بها. فيما يلي مراحل الكارثة وانعكاساتها على المجتمع.

مرحلة ما قبل الكارثة (Pre-Disaster Phase)

يختلف مقدار التحذيرات التي يتلقاها المجتمع باختلاف نوع الكارثة، ويتنوع التهديد المتصور تبعاً لعوامل عدة.

مرحلة التأثير (Impact Phase)

كلما اتسع نطاق الكارثة، وازداد دمار المجتمع وخسارة الأرواح البشرية كلما كان الأثر النفسي أكبر.

المرحلة البطولية (Heroic Phase)

تتسم هذه المرحلة بدرجة عالية من الإيثار بين الناجين والمستجيبين لحالة الطوارئ من مسعفين ومنقذين وغيرهم. إذ يبدأون في عمليات البحث والإنقاذ دون توقف وتقديم المساعدة وتبدأ مصادر الدعم والعون بالوصول.

يكافح الناس في هذه المرحلة للبقاء على قيد الحياة، ويكون الهدف فيها هو منع خسارة المزيد من الأرواح وتقليل الأضرار المادية.

مرحلة شهر العسل (Honeymoon Phase)

يشعر الناجون فيها بإحساس تفاؤل قصير الأجل يدوم فترة أسبوعين إلى شهرين. تعزز جهود الإغاثة الجبارة هذه الروح المعنوية للناجين ويكون الناس شاكرين ومقدرين لها.

يأمل الناجون أن تتحسن الأمور وتشفى الجراح بسرعة وتعود الحياة إلى طبيعتها.

مرحلة الخيبة وزوال الوهم (Disillusionment Phase)

بمرور الوقت، يدخل الناجون في عملية جرد للأحداث حيث يدركون قيود المساعدة المتاحة ومحدوديتها. يخبو التفاؤل مع بدء انقشاع الضباب وتوضح صورة ما حدث وتظهر خيبة الأمل، الاستياء والإحباط ما يقود إلى مرحلة زوال الوهم حيث يقترب الناجون من عتبة التعامل مع واقعهم. 

قد تستمر هذه المرحلة من عدة أشهر حتى سنة أو أكثر، وتثير أحداث معينة، مثل الذكرى السنوية للكارثة، ما حدث مرة أخرى في أذهان الناجين؛ فتنتابهم العواطف السلبية المرتبطة بالكارثة من جديد.

يمكن اعتبار هذه المرحلة “الكارثة الثانية” نظراً لأن المساعدة المقدمة للناجين تغدو بطيئة والعون المؤسساتي رتيباً وتطول مدة الشفاء والتعافي.

مرحلة الإحياء وإعادة البناء (Reconstruction Phase)

المرحلة الأخيرة من مراحل الكارثة. تدريجياً، يغادر المستجيبون لحالة الطوارئ ويبدأ الناس في استيعاب هول ما حدث ومؤالفة “الواقع الجديد”.

يمر الناجون ببعض النكسات ويعملون على معالجة حزنهم وأساهم والتأقلم مع محيطهم وظروفهم الجديدة في نهاية المطاف، ويدركون أنه ينبغي عليهم فعل شيء ما لذواتهم وأن الحزن والغضب مصيرهما الزوال وأن القبول التسليم هما البديل.

لن تحدث المعجزات، وسيصل أولئك الذين ظلوا على قيد الحياة إلى حلول لمشكلاتهم ويعيدون لملمة شتات حياتهم وبناءها من جديد. هي عملية قد تستغرق سنوات عدة حتى يُعاد تأسيس وترسيخ الحياة “الطبيعية الجديدة” بكافة جوانبها تدريجياً.

يفيد التعرف إلى سيكولوجيا الكارثة في التأقلم مع الكارثة بشكل أفضل.

التأقلم مع الكارثة

يمكن النظر للتأقلم بعدة طرق أحدها تشبه عملية عمل الـ أنا والتي تعمل على تقليل التوتر العاطفي (Folkman and Lazarus, 1980). يعتبر آخرون التأقلم كـ “سمة” (Conway & Terry, 1992) لكن لا يستجيب الناس لجميع الأحداث المجهدة في الحياة بشكل متطابق.

أخيراً، يمكن النظر إلى التأقلم على أنه تفاعل بين كيفية تقدير الفرد لحجم الحدث وتأثيره على صنع القرارات لديه.

جودة المواءمة (Goodness of Fit)

لطالما اعتبرت آليات الفرد في التأقلم عاملاً مهماً لمساعدة ضحايا الكوارث في التكيف مع البيئة الجديدة كلياً. يُعرف التأقلم بأنه ” التغيير الدائم للجهود المعرفية والسلوكية من أجل إدارة متطلبات خارجية وداخلية معينة تعتبر مرهقة لمصادر الفرد أو متفوقة عليها” (Lazarus & Folkman, 1984,p.141).

يمكن أن تأخذ أحد شكلين: مرتكز على العواطف (الحالة العاطفية الداخلية) أو مرتكز على المشاكل (تغيير عامل التوتر من خلال الفعل المباشر).

اقترح بعض الباحثينأن أولئك الذين يحاولون تغيير ما هو قابل للتغيير سوف يتأقلمون بشكل أفضل من الذين يبذلون جهداً في تغيير ما هو غير قابل لذلك.

وبذات الطريقة، يتأقلم الأشخاص الذين يتقبلون الموقف غير القابل للتغيير أو يعيدون صياغته بطريقة ما بشكل أفضل مقارنة بأولئك الذين يستنزفون طاقتهم الجسدية والنفسية لتغيير ما لا يمكن التأثير فيه.

في سيكولوجيا الكارثة يعرف هذا باسم نظرية “جودة المواءمة” (Lazarus and Folkman, 1984). تتطلب طريقة التأقلم مع الكارثة الأولى تغييراً في الفعل، بينما تتطلب اللاحقة القبول والتكيف العاطفيين.

من أجل التأقلم مع الكارثة بشكل فعال، يطرح الفرد سلسلة من الأسئلة ويجيب عليها حول البيئة، السيطرة على الموقف والموارد المتاحة:

  1. لماذا يُعتبر هذا الموقف مجهداً؟ وإلى أي مدى؟
  2. ما هي المتطلبات المفروضة على عاتقي؟
  3. هل أستطيع ضبط هذه المتطلبات وإدارتها؟ كيف أستجيب عاطفياً لها؟ هل هناك ما يمكنني القيام به استجابة لهذه المتطلبات لتغيير البيئة الجديدة التي أواجهها؟

نقوم بداية بتقييم ما إذا كان الموقف الذي نواجهه غير ذي صلة، إيجابي إلى حد ما أو مجهداً. بمجرد أن نحدد أنه مجهد، يمكن أن ندرجه ضمن ثلاث مجموعات تقدير، والتي تقيم درجة سيطرتنا والموارد المتاحة بين أيدينا:

أذى/فقدان: ما هي الأضرار الجسدية التي لحقت بي أو بمن حولي؟

تهديد: ما هو احتمال الضرر، الأذى أو الخسارة والذي أتوقعه؟

تحدي: هل هذا موقف يمكنني السيطرة عليه أو الاستفادة منه؟

التأقلم العاطفي مع الكارثة

حسب سيكولوجيا الكارثة، إذا كان تقديرك للوضع يقول بأنه لا يوجد شيء يمكن القيام به لتغيير الظروف البيئية المحيطة المؤذية، المهددة أو الصعبة، فإن التأقلم العاطفي هو الأكثر رجحاناً هنا.

إذ يمكن أن تنخرط في استراتيجيات إيجابية مثل إعادة الصياغة، التأمل والقبول، وأخرى سلبية مثل التفكير الرغبوي، التجنب، التقليل من شأن الحدث وقدرتك على التعامل معه.

التأقلم المرتكز على المشكلة

من جهة أخرى، إذا كنت تعتقد أن بإمكانك تغيير الموقف، قد تتضمن استراتيجيات حل المشكلات تعلم مهارات جديدة، إيجاد قنوات بديلة لتلبية حاجاتك أو تطوير معايير سلوكية جديدة.

تتداخل استراتيجيات التأقلم مع الكارثة التي تتناول الوظائف العاطفية والمرتكزة على المشكلة على حد سواء، وتشمل السعي للحصول على الدعم الاجتماعي.

لا تعد الاستراتيجيات العاطفية والاستراتيجيات المرتكزة على المشكلة قطبين متناقضين على سلسلة وحيدة من “التأقلم” بل هيكليتين منفصلتين؛ لا تعني الزيادة في أحدهما نقصاناً في الآخر.

لذلك، يتطلب التأقلم “الحكمة لمعرفة الفرق” بين ما هو قابل للتغيير وما لا يمكن تغييره. ويعد مدى تصورك للقدرة على السيطرة بدقة أساسياً في تحديد فيما إذا كانت استراتيجيتك في التأقلم فعالة أم لا.

إذا استطاع الفرد السيطرة على الحدث المجهد، من الأفضل أن يركز على المشكلة بحد ذاتها. وفي حال العكس، ستضيع جهوده سدى أو تغدو ضارة وسلبية.

الإيمان الخاطئ بالقدرة على السيطرة

فكر للحظة بأولئك الذين تاهوا في البراري أو الصحراء. تقدير ما إذا كنت قادراً أو لا على “إيجاد مخرج” سوف يحثّ على التصرف أو لا.

الاعتقاد بأن الشخص لن يبقى “ضائعاً” أدى إلى مصرع الكثيرين من المسافرين عبر البراري والصحاري؛ فإيمانهم بكفاءتهم هذا جعلهم يجازفون، ما صعّب على فرق الإنقاذ مهمة تحديد مواقعهم.

عندما تقدر أن الموقف “خارج عن نطاق السيطرة”، ما يخدمك أكثر هو الحد من التوتر، التهرب، التقليل من هول الحدث، لوم الذات، محاولة إيجاد معنى للموقف، تعلم تقنيات الاسترخاء والتنفس أو “إدارة الأفكار السلبية”.

حسب سيكولوجيا الكارثة فإنه عندما تستطيع التأثير على عوامل التوتر، من خلال الأفعال المفيدة، فإن تطوير خطة واتباعها هي استراتيجية ذات فعالية أكبر في خفض الأعراض النفسية.

يؤكد الباحثون أن “فعالية التأقلم” أومدى شعورك بأنك تعاملت بشكل جيد مع عامل التوتر يلعب دوراً مهماً.

أيضاً، يمكن أن تؤثر التشوهات المعرفية مثل “لا أستطيع أبداً التأقلم مع هذه الصدمة” على التقديرات الدقيقة للموقف والقدرة على التعامل معه؛ وبالتالي التأثير على قدرة الفرد في تحديد آلية التأقلم الواجب استخدامها، خاصة لدى الأشخاص الذين يغمرهم شعور الإجهاد.

أخيراً، خفض الإجهاد ليس هدفاً عند الجميع. على سبيل المثال، قد تفاقم بعض المواقف المعقدة والصعبة الإجهاد على المدى القصير(مثلاً، الحفاظ على علاقة ما).

تكون الأعراض النفسية للإجهاد أكثر احتمالاً عندما يوجد ضعف توافق أو عدم تلاؤم بين تقديرات الفرد وبين استراتيجياته للتأقلم (يحاول تغيير ما هو غير قابل للتغيير أو لا يحاول تغيير ما يستطيع تغييره).

فيما يلي نظريات عن الكارثة من منظور علم النفس (سيكولوجيا الكارثة).

نظريات أخرى عن الكارثة

وجد توبن وآخرون (1989) أن هناك هيكلية هرمية من التأقلم مع الكارثة لها ثلاثة مستويات:

في المستوى الأساسي، وُجدت ثماني استراتيجيات تأقلم وهي: حل المشكلات، إعادة الهيكلة المعرفية، الدعم الاجتماعي، التعبير عن العواطف، تجنب المشكلة، التفكير الرغبوي، الانسحاب الاجتماعي والنقد الذاتي.

يتكون المستوى الثاني من نوعين من التأقلم المرتكز على المشكلة: التفاعل مع المشكلة والانفصال عن المشكلة. ونوعين من التأقلم المرتكز على العواطف: التفاعل العاطفي والانفصال العاطفي.

في المستوى الثالث هناك مقاربتان أساسيتان للتعامل مع المواقف المجهدة: الانخراط والتفاعل، والابتعاد والانفصال.

الصحة النفسية (Psychological Health)

بعد تلبية الحاجات الطبية والجسدية، يجب تقييم الحاجات النفسية للناجين. تنطوي ردود الفعل النفسية على الكارثة تغيرات وتراجعاً من الناحية السلوكية عند الأطفال؛ بما في ذلك الخوف والقلق من تكرار الحدث، اضطرابات النوم وتجنب الذهاب إلى المدرسة ما يؤدي إلى تطور رهاب المدرسة.

إعادة تأسيس العادات اليومية ضرورية للأطفال والبالغين على حد سواء مثل تناول الطعام سوية بانتظام، النشاطات، التفاعل الاجتماعي، وروتين وقت النوم.

قد يشعر البالغون بالاكتئاب أو القلق، يظهرون مشاعر الغضب، تقلبات المزاج، الشك والريبة، الهيجان و/أو اللامبالاة والخمول.

قد تزداد درجة الأمراض النفسية الجسدية وتتفاقم المشكلات الصحية الموجودة مسبقاً مثل الأزمات القلبية، السكري أو القرحة وذلك استجابة لازدياد مستوى التوتر. كما يمكن أن تراود الفرد ذكريات مرئية مزعجة وقد يلجأ إلى الانسحاب الاجتماعي أيضاً.

أفكار عشوائية (Flight of Thought)

يعاني الناجون من الكارثة ومن الصدمة أحياناً من أفكار متداخلة ومشوشة، ما يؤثر سلباً على صنع القرار لديهم.

يبحثون في أعماق عقولهم عن حل يساعدهم في الموقف الصادم، لكن دون جدوى. ويستمرون في البحث بشكل جنوني ما يجعلهم يشعرون بالتشتت والضياع وعدم التنظيم.

في حين أن هذه الأفكار العشوائية مؤقتة، إلا أنها لا تتوقف عادة حين يكونون في مكان آمن، وتكون عملية اتخاذ القرار عندهم فوضوية معظم الوقت. يركزون على الأفكار المتكررة دون قدرة على التركيز على ما بين أيديهم من أشياء ومهام.

ازدياد الخلل الوظيفي (Exaggeration of Dysfunction)

تُفاقم الصدمة ردود الفعل المختلة وظيفياً، إذ تصبح العائلة أو المؤسسة المفككة والتي تسودها الفوضى وتعاني من مشكلات في الغضب أكثر حنقاً وهيجاناً عند الصدمة، ما يزيد من حدة الفوضى ويقف عائقاً في طريق قدرتهم على إدارة الأزمة بفاعلية.

بالنسبة للكثيرين، تعني الكوارث خسارة كل شيء: المنزل أو الاستقرار المادي والعادات الروتينية اليومية. ويستمر الفقدان مع الاشتياق للأحبة والأصدقاء الذين فارقوا الحياة. يغيب الجيران وتختفي معهم طقوس الجيرة المألوفة كالمشي سوية في المساء أو التسوق معاً.

يرحل كل ما يربط الناس بماضيهم؛ صورهم، زينة المنزل المعلقة على الحائط، رموزهم الدينية، ألعابهم وكل أشيائهم الحميمة. يصبح التعبير عن الزمن مرتبطاً بـ “قبل” أو “بعد” الكارثة. وبالنسبة للبعض، فقط عندما يبدأون في إعادة بناء حياتهم من جديد، تظهر الأعراض المجهدة.

في صباح أحد أيام السبت في شباط 1972 ، انفجر سد محجوز مملوك لشركة بيتستون للفحم في جنوب غرب ولاية فرجينيا بافالو كريك. كان واحداً من أعنف الفيضانات في تاريخ الولايات المتحدة. قُتل 125 شخصاً على الفور، وأصيب أكثر من 1000، وشرد أكثر من 4000 شخص فجأة.

يقول أحد الناجين: ” بدا المشهد كله وكأنه لوحة رُسمت بظلال رمادية. لا يلعب الأطفال ولا يضحكون، ويتصرف البالغون وكأنهم محاطون بغلاف من الهواء الثقيل لا يستطيعون الحراك فيه دون أن يكلّفهم ذلك جهداً….. شعرت كما لو أنني مع أشخاص مكلومي الروح لا أعرفهم، بدوا لي من ثقافة أخرى وكأن اللغة التي نتشاركها لا تكفي لتجاوز الفجوة العميقة التي خلفتها آثار الكارثة على كل منا، فما اختبروه كان مختلفاً ولا يشبه أحدهم الآخر”.

في زلزال عام 2011 في اليابان كان عدم بكاء الأطفال وصراخهم صادماً، وبدا كل شيء مرتباً ومنطماً. عموماً، طغى الهدوء المخنوق على الناس المجبرين على التأقلم مع الواقع الجديد؛ فبلدتهم المسالمة التي اعتادوا الصيد فيها لن تعود كذلك.

عندما سئلوا عن طريقة تأقلمهم، أجاب مدير المدرسة: “الشعب الياباني شعب صبور قادر على التحمل. التعبير عن الحزن والغضب ليس من ثقافتنا، نحن نبتسم ونحاول المضيّ حاملين أعباءنا وحدنا. لم تحدث أعمال نهب أو سرقة أو شغب بعد الكارثة؛ ففي ثقافتنا نحن نقدر النظام والنزاهة ونساعد بعضنا البعض. أنا فخور جداً بهذا الشعب.”

الاستجابات النفسية على الكارثة أو الأحداث الصدمة

“يتعرض معظم الناس للعنف أو موقف مهدد للحياة مرة واحدة على الأقل خلال حياتهم. المرونة النفسية شائعة والعديد من السبل تصل إليها.”(Bonanno 2004)

توضّح سيكولوجيا الكارثة أنه على الرغم من أن الكثير من الناس ممن تعرضوا لكوارث وأحداث صادمة ومؤلمة اختبروا إجهاداً نفسياً كبيراً، فذلك ليس مؤشراً على حالة مرضية ( Grey,2004).

فمعظمهم أبلوا بلاء حسناً وعانوا من أعراض خفيفة وعابرة فقط (Ursano,et al., 1995) وكانت استجاباتهم طبيعية للـ “البلاء الشديد” (Gray, et al., 2004).

أفاد فلاين و نوروود (2004) أن الاستجابات الجسدية الشائعة إلى الكارثة تشمل الإرهاق، الغثيان، ارتعاشات حركية، تشنجات لا إرادية، تنميل، والتعرق المفرط وغير المتوقع، دوخة، اضطراب الجهاز الهضمي، خفقان القلب والإحساس بالاختناق أو الخنق.  

تشمل الاستجابات المعرفية فقدان الذاكرة، حبسة التسمية (Anomia), وهي مشكلة في إيجاد الكلمات أو ضعف في تذكرها دون اضطراب في الاستيعاب, كذلك صعوبات اتخاذ القرار، الخلط بين ما هو سطحي وبين والقضايا المهمة، مشاكل التركيز والتشتت، انخفاض مدى الانتباه وصعوبات الحساب. 

تشمل الاستجابات العاطفية القلق، الحزن، الهيجان، الشعور بالإرهاق وتوقع الأذى للذات أو للآخرين، بينما تشمل الاستجابات السلوكية الأرق، تغير المشي، فرط اليقظة، البكاء بسهولة وروح الدعابة السوداء والسلوك الشعائري (فلين ونوروود، 2004).

التفكير في ما لا يمكن تصوره

لا أحد منا يرغب في التفكير بالأشياء السيئة واحتمال حدوثها للأشخاص الطيبين. لكن للأسف، قد يصيبهم السوء.

وجميعنا ندرك كم نحن ضعفاء أمام الكارثة، لذا فإننا نشعر بالأسى الكبير والتعاطف العميق مع كل الذين تغمرهم قساوة المأساة وألمها، وترحل قلوبنا إليهم لتعانق نفوسهم المتعبة آملين أن تُشفى وتسلى. 

اقرأ أيضاً: عقدة ذنب الناجي، أعراضها، أسبابها، التأقلم معها وعلاجها

اقرأ أيضاً: ما هي الصدمة (Trauma)؟ وما أسبابها؟ وهل يمكن التأقلم معها؟

المصدر: The psychology of disaster

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

Clear Filters
error: