الحزن هو أحد التجارب الإنسانية التي تجمعنا سوية عالمياً. ولكن، عندما يُكتب لنا أن نواجهه، فكل منا يتعامل معه بطريقته الخاصة. بالنسبة لأولئك الذين يرافقهم اضطراب الحزن المطول (اضطراب الحزن طويل الأمد أو الحزن المعقد أو اضطراب الفقد المعقد المستمر) في حياتهم، يمكن أن تكون تلك العملية شاقة بشكل خاص وتبدو بأن لا نهاية لها.
إذا كنت تواجه أوقاتاً صعبة بعد الفقدان، فلتعلم أنك لست وحيداً وأن الشفاء من ذلك ممكن. يمكن أن ترغب في المضي قدماً، لكنك غير واثق من الطريق إلى ذلك، أو ربما تشعر بأن حياتك بلا هدف بعد الآن.
يعد الشعور بذلك أمراً طبيعياً وشائعاً، وبينما يمكن أن يبدو مستحيلاً الآن، إلا أن هناك طرقاً لإدارة ما تشعر به من حزن والوصول إلى الشفاء.
ما هو اضطراب الحزن المطول (طويل الأمد)؟
يعد الحزن استجابة طبيعية لفقدان شخص تحبه. لكن بالنسبة للكثير من الناس، فإن الحزن هو تجربة مؤقتة بالرغم مما تحمله من تحديات ومشقات وألم. ومؤقتة هنا لا تعني بأنها قصيرة، إذ يمكن أن تستغرق معالجة الفقدان أشهراً أو أكثر في بعض الأوقات. ولكن، ينحسر الحزن ويتلاشى بشكل تدريجي عادة.
يمر معظم الأشخاص بمراحل الحزن بعد الفقدان حتى يبلغوا درجة من القبول والتسليم. لكن، يمكن أن يصبح الحزن أكثر حدة واستمرارية بالنسبة لآخرين.
ربما خسرت طفلك، أو سرق منك المرض حبّ حياتك أو ابتعدت حديثاً عن شخص عزيز في لحظاته الأخيرة لسبب أو لآخر.
كل هذا من شأنه أن يؤدي بك إلى المعاناة من مشاعر حادة، والتي يمكن أن تستمر لأشهر أو حتى سنين. ربما تعتقد أنك لن تتجاوز ذلك أبداً؛ فقد مرت أشهر عدة ولا زلت تشعر ذات الشيء دون أي تغيير.
يتشارك حوالي 2.4 إلى 6.7 بالمئة من الناس هذه التجربة. ويشار إليها عادة بـ الحزن المعقد (Complicated Grief).
في عام 2020، وافقت الجمعية الأمريكية للطب النفسي على إضافته للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، النسخة الخامسة، تحت اسم اضطراب الحزن المطول (Prolonged Grief Disorder)، وحلّ هذا المصطلح محل اضطراب الفقد المعقد المستمر، والذي يشار إليه أيضاً بـ “تجربة الحزن المعقد” .
أضاف التصنيف الدولي للأمراض، المراجعة الحادية عشر، اضطراب الحزن المطول إلى قائمة تشخيصات الصحة النفسية عام 2018.
أسباب اضطراب الحزن المطول (طويل الأمد)
لا تزال أسباب اضطراب الحزن المطول غير واضحة إلى الآن، لكن يمكن أن تنطوي على عدة عوامل وهي الصدمة، البيولوجيا والبيئة.
يكون بعض الأشخاص أكثر عرضة للحزن وقتاً أطول. على سبيل المثال، تُبين بعض الأبحاث أن أولئك الذين لديهم تاريخ من اضطراب تعاطي المواد المخدرة يمكن أن يكونوا أكثر ميلاً إلى نشوء اضطراب الحزن المطول (طويل الأمد) عندهم.
اقترحت دراسة علم 2020 أيضاً أن الذين يعانون من الحزن المطول يُظهرون عجزاً في القدرة على المعالجة العاطفية، إضافة إلى نشاط متزايد في اللوزة الدماغية.
تشكل اللوزة الدماغية ” جرس إنذار الحرائق ” في الدماغ. عندما يحدث أمر صادم أو مجهد، فهي المنطقة من الدماغ التي ترسل إشارات حتى نكون على درجة عالية من التنبه، وتحرّض على زيادة هرمونات التوتر، مثل الكورتيزول، في أنحاء الجسم.
بشكل أساسي، أولئك الذين يعيشون مع الحزن المعقد لديهم نشاط دماغي مشابه لنشاطه عند استجابة الكرّ والفرّ، ما يجعل من التكيف مع التغييرات والمضي قدماً بعد الفقد أمراً صعباً.
اقترحت دراسة عام 2015 أن أحد الأسباب المحتملة وراء اضطراب الحزن المعقد هو فقدان الإحساس بالهوية بعد خسارة شخص مقرب جداً.
لكن، هذا لا يشير إلى أن العلاقة بينهما هي علاقة سببية؛ إذ هناك حاجة ماسة للمزيد من الأبحاث من أجل فهم ما يؤدي بالشخص إلى أن تنشأ لديه أعراض الحزن المعقد.
أعراض اضطراب الحزن المطول (طويل الأمد)
يختبر كل منا الحزن بطريقة مختلفة وفريدة عن الآخر. لكن، حدد الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية، النسخة الخامسة، المعايير الرسمية حتى يتم التشخيص بـ اضطراب الحزن المطول.
الفقدان، يتمثل المعيار الأول للتشخيص في موت شخص عزيز عليك، الشعور بالإجهاد الكبير والتأثير السلبي على حياتك في المنزل، الحياة الاجتماعية، العمل أو غيرهم من المجالات .
استجابة الحزن، في الشهور الأخيرة أو أكثر منذ الفقدان، تنطوي استجابتك على حنين قوي للشخص الراحل وانشغال دائمٍ بذكريات عنه.
علامات سريرية، المعاناة من ثلاثة أعراض على الأقل مما يلي، وذلك خلال شهر على الأقل بشكل يومي غالباً:
- إنكار أو عدم تصديق الفقدان.
- الشعور وكأنك فقدت جزءاً منك أو من هويتك.
- صعوبة في التفكير بالشخص الراحل إلى درجة تجنب أي شيء يذكرك به.
- مشاعر شديدة تتعلق بالفقدان، بما فيها الغضب، اليأس والانفعالية.
- صعوبة في العودة إلى النشاطات الاجتماعية، المدرسية، الترفيهية أو المهنية المعتادة.
- الشعور بالفتور العاطفي.
- الوحدة أو الابتعاد عن الآخرين.
- الشعور بأن حياتك بلا هدف.
العجز والضعف، الشعور بالإجهاد الشديد إلى درجة أنك تواجه مشقة أو استحالة في الأداء الاجتماعي المهني ومناحي الحياة الأخرى.
تنبؤات تتعلق بالثقافة، لا يمكن تفسير ما تشعر به اعتماداً على المعايير الثقافية أو الجينية، بما فيها مدة شعورك بهذا الحزن.
حالات صحية نفسية، لا يمكن تفسير استجابتك للفقدان وما تعانيه من أعراض على أنه اضطراب تعاطي المخدرات أو غيره من الحالات الصحية النفسية.
اضطراب الحزن المطول مقابل أنواع الحزن الأخرى
ساد الاعتقاد لفترة طويلة أننا نمر عبر خمس مراحل للحزن بعد الفقدان وهي الإنكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب والقبول والإذعان.
يمكن أن تختبر كل مراحل الحزن هذه بعد الفقدان، أو بعضاً منها. لكن، في نهاية المطاف يخبو الحزن بمرور الوقت حين تبلغ القبول من تلقاء نفسك.
في بعض الأوقات، يمكن أن تعاني من الحزن الاستباقي (anticipatory grief)؛ إذ يمكن أن يحدث هذا قبل وفاة الشخص العزيز، كإصابته بمرض عضال مثل السرطان أو الخرف على سبيل المثال.
في حالة الحزن المعقد (المعروف سابقاً بـ اضطراب الفقد المعقد المستمر)، يمكن أن تجد صعوبة أكبر في الانتقال عبر مراحل الحزن المختلفة، إذ يمكن أن تشعر بأنك عالق في مرحلة أو أكثر منها. وغير قادر على الوصول إلى نهاية لها حتى تبلغ القبول والإذعان. يمكن أن يستمر ذلك شهوراً أو عدة سنوات، ويقتضي الحل دعماً من أخصائي صحي.
هل يشبه الحزن المعقد الاكتئاب؟
يمكن أن يتم الخلط بين الحزن المعقد والاكتئاب في بعض الأوقات وذلك بسبب تداخل الأعراض، وعلى الرغم من ذلك فهما أمران مختلفان.
يمكن أن يكون للاكتئاب مكوّن وراثي، إذ يُعتقد أنه اختلال توازن كيميائي في الدماغ مرتبط بالنواقل العصبية مثل السيروتونين. على الرغم من أنه يمكن أن يزداد سوءاً عند وجود عامل ضغط نفسي، إلا أنه ليس المسبب الرئيسي لذلك.
يرتبط الاكتئاب أحياناً بصدمة عالقة لم تحل بعد، مواقف مسيئة وخلل في التنظيم العاطفي. لا يوجد إلى الآن دلائل كافية لتحديد فيما إذا كانت هذه العوامل تساهم في اضطراب الحزن المطول أم لا.
من جهة أخرى، ينجم الحزن المعقد مباشرة عن ظرف مجهد معين؛ أي وفاة شخص عزيز.
من وجهة نظر سريرية، تتنوع الأعراض أيضاً، إذ يمكن أن يتم تشخيصك بالاكتئاب بعد أسبوعين من ظهور الأعراض مثل المزاج المنخفض، افتقار الحافز والانسحاب الاجتماعي.
في حالة الحزن، من المتوقع بشكل طبيعي أن تستغرق العملية وقتاً، بالتالي لا يتم تحديد التشخيص إلى بعد انقضاء مدة سنة. تتمحور الأعراض الأساسية أيضاً حول الفقدان بطريقة تختلف عن الاكتئاب، مثل الحنين للشخص الراحل أو الانشغال الدائم بذكريات عنه.
يشكل عدم القدرة على الاستمرار والمضي دون وجود هذا الشخص عرضاً محدداً لاضطراب الحزن المطول وليس الاكتئاب. بعد كل ما ذكر سابقاً، من الممكن أن تعاني الحزن المطول والاكتئاب في الوقت ذاته.
هل يمكن علاج اضطراب الحزن المطول؟
يختلف علاج الحزن المعقد من شخص إلى آخر، لكن إيجاد مساحة آمنة لمشاعرك وعواطفك هو الخطوة الأولى التي ينصح بها الخبراء.
العلاج النفسي
يمكن أن يكون العلاج بالكلام مفيداً خلال معالجة العواطف المرافقة للفقدان الذي مررت به إضافة إلى تطوير مهارات تأقلم للاستمرار في المضي قدماً في حياتك.
بينت دراسة أجريت عام 2018 أن العلاج المعرفي السلوكي على وجه التحديد يمكن أن يساعد في إدارة أعراض الحزن المطول.
العلاج الدوائي
إذا كنت تعاني من الحزن المعقد المترافق مع القلق أو الاكتئاب، فيعد العلاج الدوائي خياراً مفيداً للتأقلم. تُستخدم مضادات الاكتئاب أحياناً، مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية، في علاج أعراض الاكتئاب.
يمكن أن يصف الطبيب أيضاً أدوية مضادات القلق مثل بينزوديازيبين (فاليوم أو إكساناكس) ويساعدك طبيبك على اكتشاف فيما إذا كانت الأعراض تستوجب تناول الأدوية أم لا إضافة إلى مدة تناولها.
مهارات التأقلم مع اضطراب الحزن المطول
هناك العديد من أدوات التأقلم التي يمكن استخدامها للمساعدة في معالجة الحزن، أحد أهم هذه الأدوات هو الانخراط في النشاطات التي كانت تبعث على المتعة والفائدة قبل الفقدان.
رعاية الذات
عندما تواجه صعوبة في التواصل مع الآخرين، يكون الاعتناء بالنفس أمراً أساسياً. هناك عادة قديمة جيدة مكونة من ثلاثة عناصر: الغذاء المتوازن، التمرين المنتظم والنوم ثماني ساعات كل ليلة.
تشمل استراتيجيات رعاية الذات الأخرى:
- قضاء وقت في الطبيعة.
- ممارسة التأمل اليومي.
- قضاء وقت مع الأصدقاء والعائلة حتى لو لم تكن ترغب بذلك في البداية.
- مشاهدة فيلم أو برنامج مفضل.
- ممارسة اليوغا.
- كتابة يوميات عما تشعر به.
خلاصة
الحزن استجابة طبيعية للفقدان، وهو اختبار لمدى حبك لهذا الشخص. شعورك هذا مسوغ له، فلا ضير في الحزن مطلقاً.
يستغرق الحزن وقتاً عند الجميع، ولكن إذا استمر لمدة تزيد عن الشهر، تمر بأوقات عصيبة، ويؤثر بشكل كبير على نظرتك إزاء نفسك وإزاء الحياة بشكل عام، فمن الممكن أنها أعراض الحزن المعقد.
يعد اضطراب الحزن المطول (المعروف سابقاً بـ اضطراب الفقد المعقد المستمر) تشخيصاً صحياً نفسياً رسمياً يمكن معالجته.
يبعث إدراكك أنك لست وحدك شعور الراحة داخلك. وفي حال كنت تحتاج دعماً إضافياً، تستطيع دائماً إيجاد مختص في استشارات الحزن.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن التأقلم مع الفقدان؟
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر وفاة أحد الوالدين على الطفل؟
المصدر: All About Prolonged Grief Disorder
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم