الإلغاء العاطفي، ما هو وما تأثيره على الفرد خلال مرحلة الطفولة وحتى البلوغ؟

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

“أشعر بالسوء”، “أوه، كلا، لا يجب أن تشعر بهذه الطريقة لأنه … يجب أن تنظر إليها بشكل مختلف …”، إنها محادثة أجريناها جميعاً، سواء مع الأصدقاء أو أفراد العائلة أو أطفالنا. عندما يشعر شخص ما بالسوء، نقول على الفور أي شيء يشعره بتحسن. لكن، أتعلمُ أن رفض مشاعر الأطفال وإلغاءها يساهم في شعور الناس بالسوء وليس التحسن؟ وقد يكون الإلغاء العاطفي من قبل الوالدين مضراً بشكل خاص بصحة الطفل النفسية.

ما هو الإلغاء العاطفي؟

الإلغاء العاطفي (Emotional Invalidation) هو الرفض الصريح أو الضمني لمشاعر الفرد أو التقليل من شأنها، وترتبط مشاعر الطفل حيال الإلغاء بمشاكل في النمو الاجتماعي والعاطفي له والإجهاد النفسي في مرحلة البلوغ.

هناك بشكل عام ثلاثة أنواع من الإلغاء العاطفي (رفض مشاعر الأطفال) في مرحلة الطفولة:

  • التأنيب: معاقبة الطفل أو تقييد أفضليته.
  • التقليل من شأن مشاعره: تجاهل أهمية عاطفة الطفل أو إعادة توجيه انتباهه دون معالجة القضية الحقيقية أولاً.
  • عامل الإجهاد: حين يصبح الآباء أنفسهم غير مترابطين مع أبنائهم، على سبيل المثال الغضب كاستجابة لمشاعر الطفل السلبية.

أمثلة على الإلغاء العاطفي

فيما يلي بعض علامات الإلغاء العاطفي (عبارات وأفعال)، ولماذا قد تؤذي مشاعر الشخص:

  1. “لا بأس، إنه مجرد جرحٍ صغير لا يؤلم”
  2. “لقد مررت بأسوأ من ذلك”
  3. “أناسٌ آخرون أصابهم ما هو أسوأ”
  4. “على الأقل لم يحدث ما هو أسوأ”
  5. “يمكن حدوث ما هو أسوأ”
  6. “لا يجب أن تشعر هكذا”
  7. “إنها مجرد دمية، ليس بالأمر الجلل”
  8. “لا يهم، دعك من الأمر”
  9. “إنه مجرد خدش صغير، لا داع لما تفعله”
  10. “لما تقومُ بالتركيز على الأمر؟”
  11. “انسَ الأمر، الوقت كفيلٌ بشفائك”
  12. “لا أفهم لما تشعر بهذه الطريقة”
  13. “حسناً، أنا آسف لأنك تشعرُ بهذا”
  14. “إنّ لم تتوقف عن البكاء، سأعطيك شيئاً تبكي عليه”

الأفعال التي تدل على الإلغاء العاطفي

فيما يلي بعض الأفعال التي يقوم بها الآباء والتي تدل على الإلغاء العاطفي:

  1. إرسال الآباء الطفل إلى غرفته.
  2. معاقبة الأهل للطفل.
  3. استمرار الآباء في النظر إلى ساعتهم أو هواتفهم المحمولة وتفقدها.
  4. عندما يكون الآباء في عجلةٍ لإنهاء المحادثة.
  5. تغيير الآباء للموضوع.
  6. البدء بالتحدث عن أنفسهم وكيف تعاملوا مع الأمر بشكل أفضل مما يقوم به الطفل.

لماذا يقوم الآباء بإلغاء عواطف الطفل؟

الآباء الذين يرفضون مشاعر أطفالهم يفعلون ذلك لأسباب متنوعة، بعضها بريء وبعضها الآخر مسيء.

بعض الآباء قد يعتبرون الأمر غير مهم، إذ من المألوف أن يحزن الأولاد من أمور لا يلاحظها الراشدون ومن يلغي مشاعر الآباء يواجه صعوبة في التعاطف مع أبنائه والموافقة على مشاعرهم.

رُبّما بعضهم الآخر يسيئ فهم كيفية عمل العواطف، إذ يعتقد معظم الآباء الذين يتجاهلون مشاعر أطفالهم أن الأمر لا يستحق الاهتمام لذلك يضعون مشاعر أولادهم تحت البساط في محاولة لجعل تلك المشاعر تختفي.

أن تقول للطفل “لا تشعر بالسوء، ستزول هذه المشاعر بمرور الوقت مثل قولك له ألا يشعر بالجوع وأن إحساس الجوع سيزول بمرور الوقت” هذا سخيف، أليس كذلك؟ وتلك المشاعر لن تزول حتى تتم معالجة المشكلة.

بعض الآباء أيضاً لا يشعرون بالراحة في التعامل مع العواطف، ففي بعض الأحيان قد يرفض الناس عواطف الآخرين وذلك بسبب عدم امتلاكهم للمعرفة حول كيفية التعامل مع تلك الخاصة بهم إذا ظهرت.

فيما قد يتعمد ألأهل أحياناً تجاهل مشاعر الآخرين، فهناك آباء يفتقرون إلى التعاطف، سواء مع شخص راشد آخر أو مع إطفالهم وذلك إمّا أنهم لا يكترثون للأمر أو لا يريدون تقديم الدعم العاطفي. كما قد يكون لديهم اعتقاد خاص حول العواطف، إذ يعتقد بعض الآباء خاصةً الذين لديهم أبناء ذكور أن المشاعر السلبية هي علامات ضعف.

قد يكون افتقار بعض الأهل للتنظيم العاطفي سبباًَ لإلغاء مشاعر الأطفال، إذ يميل الآباء الذين يواجهون صعوبة في قبول مشاعر الآخرين إلى افتقارهم للتنظيم العاطفي والتعرض بسهولة لخلل في التنظيم عند مواجهتهم مشاعر أطفالهم السلبية.

فيما قد ينكر بعض الآباء الآخرين أنهم السبب، ففي الحالات التي يكون فيها للطفل رد فعل عاطفيّ تجاه الوالدين، قد يرفض الوالدان الاعتراف بذلك بسبب عدم الرغبة بالاعتراف بالمسؤولية أو قبولها.

كما قد لا يعترف الآباء الذين يسيطرون على أطفالهم بتجارب هؤلاء الأطفال وتعبيراتهم العاطفية الخاصة وقد يتلاعبون بها، وغالباً ما يتدخلون في التطور الاجتماعي والعاطفي لهم. 

تأثير الإلغاء العاطفي في الأطفال

قد تؤثر طريقة تفاعل الآباء مع المشاعر السلبية لأطفالهم بشكل كبير على تطورهم الاجتماعي العاطفي والنتائج الصحية النفسية في وقت لاحق من حياتهم.

وتساعد الاستجابات الإيجابية من الآباء تجاه المشاعر السلبية الأطفال على قبول هذه المشاعر وإدارتها. عندما يمنع الآباء أطفالهم عن التعبير عن مشاعرهم من خلال ردود الفعل الرافضة أو العقابية أو العاطفية، يتعلم الأطفال قمع مشاعرهم العلنية، لكنهم لا يزالون بحاجة إلى التعامل مع هذه المشاعر داخلياً دون اكتساب المهارات اللازمة لتنظيمها.

وقد تجعل تجارب الطفل مع الإلغاء العاطفي مسألة حل مشاكله العاطفية وتعلم مهارات التنظيم مهمةً صعبة، وبدلاً من ذلك قد يتعلم الطفل الذي تعرض لمثل هذه التجارب قمع عواطفه بطريقة غير قابلة للتكيف، وقد يؤثر التثبيط العاطفي المزمن على الصحة النفسية للشخص وعلى الشعور بقيمة الذات، وقد يسبب كبت الأفكار مشاكل صحية نفسية بما في ذلك الأعراض الاكتئابية والقلق واضطرابات الأكل واضطراب ما بعد الصدمة.

 وفي ظلّ بيئة طفولة يخيم عليها الإلغاء العاطفي قد يعتمد الأطفال على استراتيجيات تنظيم العواطف الاندفاعية وقصيرة الأجل، عند عدم تمكنهم من تنظيم عواطفهم الشديدة. 

وفي الواقع يرتبط العجز النفسي مع تطور اضطراب الشخصية الحدية لدى الأطفال الذين يعانون من الضعف العاطفي مثل الحساسية العالية، إذ أن سلوك إيذاء النفس لدى المراهقين يرتبط مع الرفض والإلغاء العاطفي من قبل الآباء، إذ يزداد بازدياده وقد يستمر الأثر السلبي له لفترة طويلة.

في أشكاله الأكثر تطرفاً، يمكن اعتبار النقد الشديد من قبل الوالدين، والإحراج وإذلال الطفل شكلاً من أشكال الإساءة العاطفية، وسوء معاملة إذا تم القيام به كشكل من أشكال التلاعب النفسي.

كيف يمكن توكيد مشاعر الأطفال؟

أخذ حاجات الطفل العاطفية على محمل الجد يتعارض مع ما تعلمه معظمنا في طفولته، وقد يكون التعود على ذلك صعباً. ولكن، إذا كنا نريد لأطفالنا النمو والنضوج كأشخاص متعاطفين يتمتعون بمشاعر صحية، يتعين علينا أن نبذل جهداً واعياً للاستجابة على نحو مختلف.

وتقديم التوكيد العاطفي لأطفالنا هو أيضاً وسيلة لتعليمهم كيفية احترام مشاعر الآخرين كما نحترم مشاعرهم. يجب القيام بما يلي عند توفير التوكيد العاطفي:

  • الخطوة الأولى هي الإصغاء الحقيقي إلى كلماتهم ونبرتهم وعلى الأرجح الألم الذي يعانونه.
  • تناغم مع مشاعرهم على سبيل المثال، لا يجب أن تضحك في حال بكائهم.
  • ليس عليك أن تتفق مع مشاعرهم، الأمر لا يتعلق بك.
  • لا تقدم أي حل ما لم يطلب منك.
  • لا تقارن مشاعرهم بغيرها من الأمور، فالأمر ليس أشبه بالمنافسة.
  • إذا كنت المستهدف بالعاطفة (على سبيل المثال، طفلك غاضبٌ منك) لا تكن دفاعياً، لأن الأمر ببساطة لا يتعلق بك.

علماً أن التوكيد العاطفي هو الاعتراف بمشاعر الشخص الآخر وقبول وجودها حتى لو كنت لا تتفق معه حول الأمر. وعندما تُظهِر قبولها، يتقبل ولدك أيضاً مشاعره ويبدأ بالتكيُّف معها.

في المرة التالية التي يتحدث فيها طفلك إليك بكلمات أو ردِ فعلٍ عاطفي، إليك ما يمكنك فعله.

الخطوة الأولى: الاعتراف

كرر ما يقول وصف ما تراه:

  • “أنت تتألم، أنا أسمعك”.
  • “لقد فقدت لعبتك رأيت ذلك”.
  • “لقد انكسرت، وهي بطاقتك المفضلة”.
  • “ذلك الفتى دفعك لقد حدث ذلك هناك، صحيح؟”.

الخطوة الثانية: تسمية مشاعره ووصفها من منظور الطفل

حاول تسمية مشاعر الطفل ما استطعت، إليك ما يمكنك أن تقوله:

  • “أنت مستاء جداً”.
  • “إنه شعور غير عادل”.
  • “هذا يغضبك جداً”.
  • “لابد أنه من المؤلم أن تحمل كل تلك المشاعر الموجعة بداخلك”.

الخطوة الثالثة: البقاء بحانبه

في هذه المرحلة، لا داعي لقول المزيد ولكن يمكنك إن شئت تكرار الخطوة الثانية مرة واحدة أو أن استخدام أشكال مختلفة من تلك العبارات، ولكن لا تبالغ فيها. إذاً، الأمر بسيط ابق بجانبه وأعطه الوقت لكي يتعامل مع الأمر، عندئذ سوف يحاول فهم مشاعره وقبولها والمضي قدماً.

أن تكون شاهداً على عواطفه هي أفضل طريقة لدعم تطور تنظيم العواطف لديه وإذا أردت أن تعلِمه وجهة نظر مختلفة أو توضح الأسباب وراء الحدث العاطفي، احتفظ به لوقت لاحق. أما فيما يتعلق بالوقت الحالي، كرّس اللحظات هذه لمساعدته أن يتعلم ضبط مشاعره.

كيف تتعامل مع عاطفة الطفولة الخاصة بك

رفض العواطف من قبل الآباء قد يكون ذكرى مؤلمة بالنسبة لك وإذا كنت راشداً يتعامل مع تجاربه المتعلقة بالرفض العاطفي في مرحلة الطفولة، إليك بعض النصائح.

إنّ عواطفك صحيحة: يمكن للذين يعانون الألم الناجم عن الإلغاء في مرحلة الطفولة أن يشعروا بالطمأنينة عندما يعلموا أن مشاعرهم صحيحة تماماً. لا تحتاج لإذن أي شخص لتشعر بما تشعر به.

لا توجد عواطف صحيحة أو خاطئة: يمكننا التحكم بما نشعر به يمكننا فقط أن نتَحكم في تصرفاتنا، والأفعال التي تخرج من العواطف يمكن السيطرة عليها ويجب ذلك، لكن الأمر لا ينطبق على العاطفة، مثل عبارة «أنا جائع» ليست شعوراً خاطئاً يمكن التحكم فيه أو إزالته كما يحلو لك.

تجاهل الشخص الذي يقول لك “لا يجب أن تشعر هكذا”. إذ لا توجد طريقة محددة للشعور، نحن نشعر كما نرتاح. المشاعر ليست أفعال، هي نتائج. 

لا تأتمن سرك لأي كان: كون الفرد ضحية للرفض العاطفي، يمكن إثارة مشاعره بسهولة في حال تكرر الرفض في علاقة ما، تعلم الناس تقليدياً تجاهل المشاعر السلبية والاحتفاء فقط بالمشاعر الإيجابية، لذا قد يلغي اي شخص عواطفك دون أن يدرك ذلك.

ومن الرائع أن تجد الدعم الاجتماعي، ولكن كن حذراً حيال مَن تفصح له عن مشاعرك.

توكيد مشاعرك بنفسك

إن امتلاك علاقات مع أشخاص يهتمون بمشاعرك ويرغبون في فهمك ومساعدتك عندما تشعر بسوء هو أمرٌ مهم جداً. ولكن، باعتبارك راشداً فلا يمكنك دوماً أن تعتمد على القبول والتوكيد الخارجي.

طَوِر قدرة توكيد مشاعرك والحديث الإيجابي مع ذاتك. إذا كنت والداً، فأنت تعلمُ أيضاً أن توكيد عواطف طفلك هو بمثابة البلسم الشافي له.

ختاماً، نلغي العواطف أحياناً، دون وعي؛ هكذا تربينا إلا أننا نتوق إلى التوكيد والقبول في الوقت نفسه.

ألقِ نظرة على كيفية عمل وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الفيسبوك حيث ينشر المستخدمون عن مشاعرهم للحصول على “الإعجاب”. 

نتوق جميعاً إلى القبول والتوكيد العاطفي ونحتاج إليه؛ هذه طبيعتنا، إلا أننا نادراً ما نمنحه للآخرين، ومع ازدياد وعيك يمكنك قلب الأمر وتغييره ليكون في صالحك وصالح طفلك ومنفعتكما.

اقرأ أيضاً: الحديث الذاتي الإيجابي للأطفال، أهميته وكيفية تعليمه للأطفال

اقرأ أيضاً: التوكيد العاطفي للأطفال، أهميته لنمو الطفل وصحته النفسية

اقرأ أيضاً: كيف يتطور التنظيم المشترك مع الوالدين إلى تنظيم ذاتي لدى الأطفال

المصدر: Emotional Invalidation: Why Invalidating Kids’ Feelings Can Hurt Them

تدقيق: هبة محمد

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: