الاستدلال التمثيلي، أهميته، أسبابه وأمثلة عنه

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

عندما يقف عدم اليقين عائقاً أمام محاولة اتخاذ قرار، يميل الناس أحياناً إلى الاعتماد على اختصار عقلي يسمى الاستدلال التمثيلي (representativeness heuristic) والذي ينطوي على إطلاق الأحكام من خلال مقارنة الأشياء بالمفاهيم الموجودة مسبقاً في عقلنا.

في حين أن هذا الاختصار العقلي يمكن أن يسرع عملية اتخاذ القرارات، إلا أنه قد يؤدي إلى خيارات سيئة وأفكار وقوالب نمطية.

ما هو الاستدلال التمثيلي؟

ينطوي الاستدلال التمثيلي على تقدير احتمال حدث ما من خلال مقارنته مع نموذج أولي موجود مسبقاً في أذهاننا. هذا النموذج هو ما نعتقد أنه المثال الأكثر ملاءمة وصلة أو أنه المثال المعتاد لحدث أو شيء على وجه الخصوص. تكمن المشكلة هنا في أن الناس يبالغون أحياناً في تقدير أوجه التشابه بين شيئين تتم المقارنة بينهما.

عند اتخاذ قرار أو الحكم على شيء ما، نستخدم أحياناً اختصارات عقلية أو “قواعد ثابتة/rules of thumb” تعرف باسم الاستدلالات (heuristics). عند كل قرار، لا نملك دائماً الوقت أو المصادر لمقارنة كل المعلومات قبل أن نختار. لذا، نستخدم الاستدلالات لمساعدتنا في الوصول إلى القرارات بسرعة وفعالية وكفاءة.

في بعض الأحيان، يمكن أن تكون هذه الاختصارات العقلية مفيدة، لكن قد تقود إلى أخطاء أو انحيازات معرفية في أحيان أخرى

اكتشاف الاستدلال التمثيليّ

كان عالما النفس عاموس تفيرسكي (Amos Tversky) و دانيال كانيمان (Daniel Kahneman) أول من وصف الاستدلال التمثيلي في السبعينيات. على غرار الاستدلالات الأخرى، فإن تكوين الأحكام اعتماداً على التمثيل يهدف إلى العمل كنوع من الاختصار العقلي، ما يتيح اتخاذ القرارات بسرعة. لكن، قد يقود أيضاً إلى الأخطاء.

في الاختبار التجريبي الكلاسيكي الذي أجرياه، أعطى تفيرسكي و كانيمان المشاركين مواصفات شخص يدعى توم؛ شخص منظم، موجه نحو التفاصيل، كفء، مغرور ويحمل حساً أخلاقياً قوياً، ثم طُلب منهم تحديد تخصص توم الجامعي.

وجد الباحثان أن التمثيل قاد المشاركين إلى الاعتقاد إلى أن تخصص توم هو الهندسة. على الرغم من حقيقة أن هناك عدداً صغيراً نسبياً من طلبة الهندسة في المدرسة التي أجريت الدراسة فيها.

عام 2002، حاز كانيمان على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية على بحثه الذي تناول العوامل المؤثرة على الحكم واتخاذ القرارات في وجه عدم اليقين.

سبب حدوث الاستدلال التمثيليّ

هناك عدد من العوامل المختلفة التي يمكن أن تلعب دوراً في استخدام التمثيل (representativeness) عند تكوين الأحكام. يتضمن بعضها:

  • الحفاظ على المصادر المعرفية المحدودة: إن مصادرنا المعرفية محدودة ويتعين علينا اتخاذ آلاف القرارات كل يوم. نعتمد على الاستدلالات لأنها تسمح لنا اتخاذ قرارات سريعة وفاعلة مع الحفاظ على المصادر العقلية الخاصة بنا.
  • الاستعانة بالتصنيفات والنماذج الأولية عند الاختيار: ينطوي اتخاذ القرارات استناداً إلى التمثيل على مقارنة الشيء أو الموقف مع المخططات أو النماذج الأولية العقلية الموجودة مسبقاً في عقولنا. تعتمد مثل هذه المخططات على ما تعلمناه في الماضي، لكن يمكن أن تتغير نتيجة تعلم أشياء جديدة. إذا لم تتماشى إحدى المخططات السابقة بشكل مناسب مع الموقف الحالي أو لم تأخذه بالاعتبار، قد يؤدي ذلك إلى أحكام وقرارات سيئة.
  • المبالغة في تقدير أهمية التشابه: عند اتخاذ القرارات بناءً على التمثيل، فمن المرجح أن نرتكب المزيد من الأخطاء من خلال المبالغة في تقدير أوجه التشابه في الموقف. ولا يعني مجرد كون حدث أو شيء ذو طابع تمثيلي (يمثل شيئاً آخر) أن ما اختبرناه سابقاً سيحدث مرة أخرى.

أمثلة عن الاستدلال التمثيليّ

من المفيد الإمعان في بعض الأمثلة على آلية عمل الاستدلال التمثيلي في الحياة الواقعية:

  • العمل: يمكن أن يؤثر الاستدلال على القرارات المتخذة في مكان العمل. في إحدى الدراسات، وجد الباحثون أن المدراء اتخذوا قرارات متحيزة في أكثر من 50% من الحالات. وكانت الكثير منها تستند إلى التمثيل.
  • العلاقات الاجتماعية: قد يؤثر التمثيل على الأحكام التي نكونها حين نقابل أشخاصاً جدداً. يمكن أن تقودنا إلى تكوين انطباعات غير دقيقة عن الآخرين. مثل سوء الحكم على أحد المعارف الجدد أو على موعد غرامي مدبر.
  • الخيارات السياسية: يمكن أن يلعب هذا الاستدلال دوراً أيضاً في تصويت الناس في الانتخابات والمرشح السياسي الذي يدعمونه. على سبيل المثال، قد يؤيد شخص ما مرشحاً سياسياً لأنه يلائم الصورة العقلية لشخص يعتقد أنه قائد عظيم دون معرفة فعلية ببرنامجه الانتخابي.

أهمية الاستدلال التمثيلي

الاستدلال التمثيلي واسع الانتشار ويستطيع أن يلعب دوراً كبيراً في الكثير من الأحكام والقرارات الحياتية. في حالات عدة، قد يؤدي ذلك إلى أحكام سيئة تحمل معها عواقب وخيمة.

العدالة الجنائية: قد تصدر هيئة المحلفين أحكاماً بشأن جريمة ما بناءً على مدى تطابق المدعى عليه لنموذجهم الأولي للمشتبه به “المذنب” أو مدى جودة تمثيل الجريمة لفئة جريمة معينة. 

على سبيل المثال، قد يُنظر إلى الشخص المتهم باختطاف طفل للحصول على فدية على أنه مذنب أكثر من الشخص المتهم باختطاف شخص بالغ دون طلب فدية.

الرعاية الصحية: يمكن أن يعطي الأطباء أو أخصائيو الرعاية الصحية قرارات تشخيصية أو علاجية بناءً على مدى تطابق المريض والأعراض التي يعاني منها مع نموذج أولي موجود مسبقاً في أذهانهم. للأسف، قد يؤدي ذلك بهم إلى المبالغة في تقدير أوجه التشابه وتجاهل المعلومات الأخرى ذات الصلة.

التصورات الشخصية: يلعب هذا الاستدلال أيضاً دوراً في تقييمنا للآخرين. إذ نميل إلى تطوير أفكار عن الطريقة التي يجب أن يتصرف بها الأشخاص في أدوار حياتية معينة. على سبيل المثال، قد يُنظر إلى المزارع على أنه شخص مجد في عمله، دائم الوجود في الهواء الطلق وقوي. في المقابل، قد ينظر لأمين المكتبة على أنه شخص هادئ، منظم ومحافظ.

القوالب النمطية: نظراً لميل الناس بشكل كبير إلى الاعتماد على القوالب النمطية في توجيه قراراتهم، قد يقود ذلك أيضاً إلى بروز مشكلات مثل الأحكام المسبقة. يمكن أن تتحول النماذج الأولية التي يحملها الناس في عقولهم إلى قوالب نمطية ما يقودهم إلى إطلاق أحكام مسبقة على الآخرين. وتؤدي مثل هذه القوالب النمطية إلى التمييز المنهجي ضد جماعات مختلفة من الناس.

تفادي الاستدلال التمثيليّ

من الصعب تجنب الاستدلال التمثيلي، لكن هناك بعض الأمور التي يمكن القيام بها قد تساعد في تقليل آثاره واتخاذ قرارات مناسبة بشكل أكثر. ومنها:

  • زيادة الوعي إزاء هذا الميل: وجد كانيمان أن الناس قادرون على تصحيح أنفسهم وتكوين أحكام أكثر دقة وملاءمة. يحدث ذلك عندما يصبحون أكثر وعياً وانتباهاً لاستخدامهم الاستدلال التمثيلي.
  • التفكير ملياً في الأحكام والقرارات للتأكد من عدم انحيازها: وأنت تتخذ قرارات تتعلق بالآخرين أو الأحداث. خذ بعض الوقت للتفكير في مدى تأثير الانحياز على خياراتك.
  • سؤال الآخرين عن رأيهم: قد يكون من الصعب أن تكتشف أنك تستخدم التمثيل في تفكيرك. لذا يمكن أن يكون طلب رأي الآخرين أمراً مفيداً أحياناً. اشرح لهم ما تفكر به واطلب منهم إبداء وجهة نظرهم فيما إذا كان تفكيرك منحازاً أم لا.

خلاصة

الاستدلال التمثيلي هو نوع واحد فقط من الاختصارات العقلية التي تتيح لنا اتخاذ القرارات بسرعة عندما نواجه عدم اليقين حيال شيء، موقف أو شخص ما. في حين أن ذلك قد يقود إلى تفكير سريع، إلا أنه يمكن أن يؤدي بنا أيضاً إلى تجاهل العوامل التي تلعب دوراً في تشكيل الأحداث.

لحسن الحظ، الوعي لهذا الانحياز والمحاولة الدائمة لتجنبه يمكن أن يكون مفيداً ومساعداً. في المرة القادمة التي تتخذ فيها قراراً، ضع في الحسبان الطريقة التي يمكن أن يلعب من خلالها الاستدلال التمثيلي دوراً في طريقة تفكيرك. 

اقرأ أيضاً: 6 انحيازات معرفية شائعة وأمثلة عنها

اقرأ أيضاً: الأحكام المسبقة، كيف تتشكل وما أنواعها؟

اقرأ أيضاً: الانحياز الضمني، أسبابه، تأثيراته وكيفية الحد منه

المصدر:

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: