تحدث الصدمة الثانوية بشكل غير مباشر من خلال سماع تفاصيل أو مشاهدة أعقاب حدث صادم تعرض له شخص آخر. إن كل من يعمل في مجال تقديم المساعدة (مثل المرشدين الاجتماعيين والمستشارين الأخصائيين والمستجيبين الأوائل وعناصر الشرطة) والأحباء الناجين من صدمة، معرضين بشكل أكبر للصدمة الثانوية أو لضغط الصدمة الثانوية.
ما هي الصدمة الثانوية؟
قد تحدث الصدمة الثانوية أو الصدمة غير المباشرة في حال تعرضك المتكرر لتفاصيل مؤلمة خصوصاً لصدمة تعرض لها الآخرين.
يشير اضطراب ضغط الصدمة الثانوية (STS) للمعاناة من أثر الصدمة حتى لو لم تخضع لها بنفسك بشكل مباشر.
قد يحدث ضغط الصدمة الثانوية (STS) بعد تعرض واحد لتفاصيل صدمة شخص آخر أو حتى بعد التعرض للأحداث المؤلمة بشكل متكرر.
يعاني من لديهم ضغط الصدمة الثانوية (STS) على الأقل من واحد من الأعراض الشائعة المصاحبة لاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) ونسبة قليلة منهم سوف يعانون من PTSD بشكل تام نتيجة التعرض للصدمات الثانوية.
مقارنة بين الصدمة التبادلية والصدمة الثانوية
تشير الصدمة التبادلية إلى تغيرات دائمة في طريقة رؤيتك للعالم نتيجة الآثار التراكمية للعمل مع الناجين من الصدمات بمرور الوقت. قد تحدث هذه التغيرات في 5 أمور متعلقة بـ:
- الإحساس بالأمان
- القدرة على الثقة بالآخرين
- الثقة بالنفس
- العلاقة الحميمية
- الشعور بالسيطرة
مقارنة بين الصدمة الثانوية والإرهاق العاطفي
يتم وصف الإرهاق العاطفي على أنه أحد تداعيات ضغط الصدمة الثانوية (STS) ويظهر نتيجة إرهاق جسدي أو نفسي، وفقدان التعاطف أو الشفقة على الآخرين بسبب استمرار “طلب التعاطف أو الدعم لمن يعانون”.
مقارنة بين الشعور بالإنهاك والصدمة الثانوية
يتم وصف الإنهاك أو استنفاذ الطاقة (Burnout) على أنه رد الفعل الناجم عن ضغط العمل الشخصي المتواصل (ليس بالضرورة التعرض لصدمة ثانوية) ويتجلى بثلاث صفات:
- الإرهاق: أن تكون طاقتك الجسدية أو العاطفية مستنفذة أو منهكة للغاية.
- التشاؤم: أن ينتابك الغضب بسرعة أو تتصرف مع المرضى أو العملاء بشكل سلبي أو غير ملائم.
- عدم الكفاءة: نتيجة الإرهاق وعدم القدرة على التأقلم وتكبد العناء في أداء عملك.
أعراض الصدمة الثانوية
ضغط الصدمة الثانوية هو نتيجة التعرض لصدمة شخص آخر، مما يسبب استجابة مؤلمة للضغط حتى لو لم تتعرض لها مباشرة وتشبه أعراضها أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). لكن قد تشعر بنوع واحد من الأعراض، أو بدلاً من ذلك قد تشعر بعدة أعراض يغمرها التعب لتصل إلى درجة تشخيصك باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
تتضمن الأعراض المحتملة:
أعراض تداخلية: قد تحلم وتتذكر وتسترجع أحداث لاترغب بها أو أحداث مؤلمة متعلقة بالصدمة، وقد تعاني من ردود فعل نفسية أو جسدية مؤلمة تذكرك بالصدمة.
اجتناب الصدمة: قد ترى نفسك تتجنب أي شيء يخص الصدمة (مثلاً: ذكريات، أفكار، عواطف، أماكن، أشخاص، أشياء، نقاشات، مواقف).
الانفعال: قد تجد نفسك أشد أنفعالاً وغضباً ومن المحتمل انخراطك في سلوكيات مدمرة للذات أو متهورة ويصعب عليك الاسترخاء أيضاً.
قد تواجه صعوبات في التركيز أو مشكلات في النوم أو فزع مبالغ فيه (مثلاً عندما يأتي شخص خلفك بشكل غير متوقع أو عند سيره في الغرفة).
أسباب ضغط الصدمة الثانوية
تنجم الصدمة غير المباشرة (STS) من التعرض لتفاصيل مجهدة بسبب صدمة تعرض لها الأخرين مثل الاعتداء الجنسي أو الاعتداء الجسدي أو هجوم إرهابي.
الأسباب المحتملة لضغط الصدمة الثانوية هي:
- الاعتداء الجنسي.
- الاعتداء الجسدي.
- إساءة المعاملة أو الإهمال في مرحلة الطفولة.
- حادث سيارة.
- كوارث الطبيعة (مثل زلزال أو فيضان أو انفجار بركان أو إعصار).
- هجوم إرهابي.
- الأعمال الوحشية في الحروب
من يعاني من الصدمة الثانوية؟
تم الإشارة إلى الصدمة الثانوية على أنها “ثمن الرعاية” وتم تحديدها في البداية على أنها أحد المخاطر المهنية لدى أخصائيي الصحة النفسية نتيجة التعرض المتكرر لتفاصيل صدمات المرضى.
عُرِفَت الصدمة غير المباشرة مع الوقت على أنها أحد المخاطر التي قد يصاب بها أي شخص معرض في مسار حياته المهنية أو الشخصية لمحاكاة تفاصيل تصويرية لصدمة عاشها غيره.
المستجيبون الأوائل (First Responders)
غالباً أول من يشهد أو يحضر إلى أماكن الأحداث الصادمة هم المستجيبون الأوائل أي المسعفين ورجال الشرطة ورجال الإطفاء، وهم في إطار عملهم معرضون بشكل متكرر لسماع لتفاصيل أو مشاهدة أحداث قاسية ومؤلمة.
إذا كان الحدث الصادم مرهقاً ومزعجاً بشكل واضح قد يكون المستجيبين الأوائل على شفا الإصابة بضغط الصدمة الثانوية (STS) واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أو أحدهما. ويشير المعدل السائد للإصابة ب STS بين المستجيبين الأوائل إلى 4-13%.
الممرضون والأطباء
الممرضون والأطباء الذين يعالجون الإصابات لدى الناجين من الصدمات، معرضون لخطر الإصابة بأعراض STS والتي قد تساهم في استنفاذ الطاقة لديهم.
أشارت دراسات تخصصية إلى الإحصائيات التالية:
- يعاني نحو 85% من الممرضين من أعراض ضغط الصدمة الثانوية.
- يعاني 65% من الجراحين على الأقل من أحد أعراض ضغط الصدمة الثانوية و 22% يستوفون معايير اضطراب ما بعد الصدمة.
- يعاني 37% من طاقم أطباء قسم الإسعاف (مثل الممرضين والأطباء الممارسين أو المقيمين) من أعراض STS متوسطة في شدتها، بينما يعاني 8% منهم من أعراض حادة.
- أخصائيو الصحة النفسية
يرزخ تحت وطأة المعاناة من ضغط الصدمة الثانوية (STS) كل من الأطباء والمعالجين النفسيين والمستشارين المهنيين وأخصائيي الصحة العقلية الآخرين ممن يعملون مع الناجين بمختلف أنواع الصدمات وذلك لسماعهم أو رؤيتهم كافة تفاصيل الصدمة لدى المرضى أو تعاطفهم مع معاناتهم.
إذ يتعرض 70% منهم لأحد أعراض STS على الأقل و15% منهم يستوفون معايير تشخيص PTSD.
العاملين في مجال حماية الطفل
ربما يكون تأثير مشاهدة قسوة مقدمي الرعاية تجاه الأطفال الضعفاء تأثيراً كبيراً على راحة من يقع على عاتقهم حماية الأطفال.
إذ تظهر لدى نحو 63% من العاملين في مجال حماية الطفل بعض أعراض STS و37% منهم تظهر لديهم أعراض متوسطة الشدة.
الأطفال ممن آبائهم تعرضوا لصدمات نفسية
قد يتعرض الأطفال لخطر الإصابة بضغط الصدمة الثانوية وربما قد يتم تشخيصهم بالإصابة باضطراب ما بعد الصدمة في حال كانت الأعراض شديدة، أي إذا سمعوا التفاصيل المصورة المنقولة عن آبائهم حول صدمة عاشوها (مثل إساءة المعاملة في مرحلة الطفولة، هجوم جسدي عنيف، العيش في منطقة خضعت إلى هجوم إرهابي، الأعمال الوحشية في الحروب).
يمكن أن يتداخل ضغط الصدمة الثانوية مع الصدمات النفسية عبر الأجيال ويشير ذلك إلى الصدمات التي تحدث لجيل واحد وتستمر بالتأثير على الأجيال التي تليها.
وهذا ما تم ملاحظته بين عائلات الناجين من محرقة اليهود [هي الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها ملايين اليهود فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945) بسبب هويتهم العرقية والدينية على يد الحكم النازي في ألمانيا] أو ما تسمى هولوكوست (Holocaust) والسكان الأصليين ممن عانوا من الصدمة (الصدمة الجماعية).
على نقيض ضغط الصدمة الثانوية التي قد تحدث بغض النظر عما إذا تم ذكر تفاصيل الصدمة أو الإشارة إليها. هناك اعتقاد شائع أن الصدمة عبر الأجيال يمكن أن تنتقل من خلال الثقافة أو عن طريق تفاعل الأباء مع أبنائهم أو كلتا الحالتين.
أحد أفراد العائلة أو الشريك العاطفي الذي تعرض لصدمة نفسية
قد يكون ضغط الصدمة الثانوية نتيجة سماع تفاصيل الواقعة ومشاهدة معاناة شخص تحبه عاش محنة مأساوية أو إحدى الحالتين.
رغم عدم تعرضك المباشر للحدث إلا أنه من الممكن أن تصاب بالصدمة وتظهر لديك بعض أعراض STS أو قد تستوفي معايير تشخيص PTSD، على سبيل المثال تظهر أعراض STS لدى أفراد العائلة الناجين من اعتداء جنسي أو الشركاء العاطفيين للجنود.
مهن أخرى
أيضاً إن كل من الصحفيين أو المحلفين أو المحامين أو الباحثين أو العاملين في مجال التأمين الصحي ممن هم على احتكاك متكرر مع الناجين من الصدمات والتفاصيل المتعلقة بها معرضون لخطر الإصابة من تفاقم الاستجابة لأثر ضغط الصدمة الثانوية (STS).
زيادة المرونة عند التعرض لضغط الصدمة الثانوية
تم تحديد العديد من العوامل على أنها عوامل أساسية في تعزيز المرونة التي تسمح لك باستمرار التأقلم وتقديم أداء وظيفي فعال لكل المجالات واستمرار الصحة والعافية حتى عند تعرضك لضغط الصدمة الثانوية، ضمن استراتيجيات شخصية ومهنية وتنظيمية.
استراتيجيات شخصية لاكتساب المرونة
توفر العناية الذاتية الوقت للمشاركة في أنشطة وممارسات تدعم صحتك وسلامتك العاطفية والنفسية والاجتماعية مثل التأكد من تناول الغذاء الكافي والنوم بشكل جيد وممارسة الرياضة والمحافظة على التوازن بين العمل والحياة بشكل صحي والحصول على دعم من قبل استشاري إذا تطلب الأمر.
كما يفيد الدعم الاجتماعي في امتلاك علاقات شخصية مع مقدمي الدعم والرعاية الحقيقة.
استراتيجيات مهنية لاكتساب المرونة
الانعزال: زيادة القدرة على الانعزال أو الابتعاد عن بيئة العمل خصوصاً عن العملاء أو المرضى الذين يعانون.
وضع الحدود: وضع الحدود لتفاعلاتك مع المرضى أو زملاء العمل و/أو المنظمة التي تعمل لصالحها، على سبيل المثال: الوعي لعدد الالتزامات التي تتعهد بها وحجم القضايا التي تحملها.
استشارة الأقران: المشاركة بشكل منتظم مع الأقران لمناقشة التحديات أو المشكلات لتقديم دعم أو وجهات نظر مختلفة.
الرضا: الانتباه عن قصد للحظات الرضا والإنجاز الذان تحصل عليهما في عملك.
استراتيجيات تنظيمية لاكتساب المرونة
- توفير التعليم والفرص للإحاطة بنقاشات آمنة ومحترمة متعلقة ب STS.
- منح وقت مدفوع الأجر لطاقم العمل للتشاور بشكل منتظم مع الأقران حول المشكلات.
- التأكد من حصول الموظفين على وقت كافٍ وموارد ملائمة لأداء عملهم.
- خلق بيئة عمل داعمة يشعر فيها الأفراد بتقدير لما أنجزوه في عملهم.
علاج الصدمة الثانوية
يعتمد العلاج الموصى به لضغط الصدمة الثانوية على عدد الأعراض وشدتها والمدة الزمنية التي تعاني خلالها. ربما تختفي الأعراض في العديد من حالات STS من تلقاء نفسها على مدار بضعة أسابيع.
إذا استمرت الأعراض لأكثر من 4 أسابيع وتداخلت مع قدرتك على العمل في مجال واحد أو أكثر من مجالات حياتك عندها استشر طبيبك الخاص أو استشاري معتمد.
العلاج النفسي
تتشابه أعراض STS مع أعراض PTSD لذا فإن العلاج الُمثبت فعالتيه لعلاج PTSD يوصى به لعلاج STS.
العلاج النفسي الموصى به لعلاج STS هو:
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): ويدعى أيضاً العلاج المعرفي.
- المعالجة المعرفية (CPT): نوع من أنواع العلاج السلوكي المعرفي الخاص باضطراب ما بعد الصدمة.
- العلاج بالتعرض (Exposure therapy): يدعى أيضاً علاج التعرض المستمر.
- إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة (EMDR)
كيفية إيجاد معالج نفسي
عند البحث عن معالج نفسي يساعدك في علاج STS من المهم إيجاد معالج أخصائي في الصدمات، ربما تطلب احالتك من قبل طبيبك أو أصدقائك أو الأهل إلى طبيب نفسي.
تأكد من تغطية التأمين الصحي في حال كان لديك، لأخصائيي الصحة النفسية (أطباء معالجين والمستشارين الأخصائيين والعاملين في المجال الاجتماعي..الخ).
تذكر أنه يمكنك استخدام دليل البحث عبر الانترنت إذ يساعدك على البحث عن شخص ذو خبرة.
من حيث التكلفة قد يغطي التأمين الصحي كل أو جزء من تكلفة زيارات ممارسين محددين.
الاستطباب الدوائي
قد يصف طبيبك الأساسي أو المعالج النفسي الدواء في حال كانت أعراض STS حادة لديك.
بعض الأدوية شائعة الاستخدام لعلاج القلق أو علاج الاكتئاب تجدي نفعهاً لعلاج أعراض PTSD وبدورها تنفع لعلاج أعراض STS الشديدة وأحد تلك الأدوية الأكثر شيوعاً هي مثبطات امتصاص السيروتونين (SSRIs).
الخلاصة
حتى لو كلفك العلاج مبلغاً من المال ليس عليك أن تعاني إلى الأبد وليس من الضروري أن تعيش تلك المعاناة لوحدك لأن العلاج الفعال متاح كي يساعدك في استعادة حياتك وإضفاء الفرح فيها وإيجاد معنى لها.
حان الوقت كي تُبدي الإهتمام والتعاطف مع ذاتك كما تبديه مع الآخرين.
اقرأ أيضـاً: العلاج المستنير بالصدمة، تقنياته، فوائده وفعاليته
اقرأ أيضـاً: نمو ما بعد الصدمة، فوائده، وكيفية بلوغه
اقـرأ أيضاً: اضطراب ما بعد الصدمة المعقد، أعراضه، تشخيصه وعلاجه
المصدر: Secondary Trauma: Definition, Causes, & How to Cope
تدقيق: هبة محمد
تحرير: جعفر ملحم