يشير القلق الوجودي إلى حالة مزمنة من عدم الارتياح والخوف من الأمور المتعلقة بوجود المرء مثل التقدم في العمر، الاحتضار والموت.
وفقاً لنظرية إدارة الرعب، من المرجح أن يفاقم أي شيء يذكر بالموت، مثل جائحة كورونا، القلق الوجودي عند الفرد.
على عكس أشكال القلق الأخرى، لا يستجيب القلق الوجودي بشكل جيد للمقاربات العلاجية التقليدية مثل الطب النفسي والعلاج النفسي.
تتضمن علاجات القلق الوجودي الموصى بها بعض المقاربات البديلة والتي سيتم شرحها أدناه.
انتشار القلق الوجودي
يقول الدكتور جون جي. كوتوني (John G. Cottone) أنه وعلى مدار العامين الماضيين قابل المزيد من الناس الذين يعانون من القلق الوجودي أكثر من أي وقت مضى، ربما السبب هو جائحة كورونا.
القلق الوجودي (Existential Anxiety) هو المصطلح المستخدم للإشارة إلى حالة مزمنة من عدم الارتياح والخوف إزاء الأمور التي تتعلق بوجود الفرد ومصيره. على سبيل المثال الخوف من التقدم في العمر، الاحتضار، الموت وبكل تأكيد ما يحدث لنا حين نفارق الحياة.
على الرغم من أن القلق الوجودي ليس تشخيصاً رسمياً في الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية، فإنه واحد من أربعة أنواع للقلق يميزها أخصائيو الصحة النفسية بشكل غير رسمي عندما يأخذون بالاعتبار منبع القلق ومنشأه.
الاختلافات بين القلق الوجودي وأنواع القلق الأخرى
تتداخل أنواع القلق الأخرى بما فيها القلق الظرفي (الناجم عن حدث خارجي مؤقت)، القلق البيولوجي (المرتبط باختلال مستويات الناقلات العصبية والهرمونات) والقلق النفسي (ينتج عن أنماط تفكير ومخططات عقلية إشكالية) مع تشخيصات عدة في الدليل. وتعالَج بدرجة أكبر من النجاح باستخدام المقاربات العلاجية التقليدية.
لكن، القلق الوجودي أو المصيري، مثله مثل الاكتئاب الوجودي، يتطلب مجموعة أخرى من الأدوات تختلف عن تلك التي يستخدمها الطبيب النفسي أو المعالج عادة.
وفقاً لذلك، يكون أولئك الذين يعانون من القلق الوجودي أحياناً في حالة من الضياع ولا يعرفون لماذا لا تبدو أدوية مضادات الاكتئاب الاعتيادية ذات فائدة لهم أو السبب في عدم فعالية تقنيات العلاج النفسي كما في السابق؛ إذ لا يشعرون بتحسن. لهذا السبب، يبحث الكثيرون منهم عما يمنحهم الراحة ويؤكد على أن ما يشعرون به صادق وحقيقي وبأنهم ليسوا وحدهم.
يمكن أن يكون السبب وراء الصعوبة البالغة في علاج القلق الوجودي هو أنه متجذر بعمق في أنظمة المعتقدات الأسرية، الثقافية والدينية التي تتجاوز سيكولوجيا وبيولوجيا الفرد.
تترسخ قواعده في مخططاتنا العقلية عن الحياة، الموت والتقدم في العمر والتي حولناها إلى سلسلة من آليات تأقلم لا واعية؛ تلك التي نجحت في درء قلقنا من الموت، الاحتضار والتقدم في العمر لسنوات عدة…. إلى أن توقفت فجأة عن العمل دون معرفة السبب.
ماذا يحدث لنا عندما نفارق الحياة؟
هل سيكون لحياتي السابقة تبعات وعواقب (أي هل سأعاقب على الأمور السيئة التي ارتكبتها)
هـل يعني التقدم في العمر أنني سأفقد عقلي، ذاكرتي والسيطرة على جسدي؟ هـل ستتركني عائلتي أموت وحيداً، أو في دار عجزة؟
إنها أسئلة مرعبة في أي مرحلة من الحياة، لكنها تكون أكثر إثارة للذعر في منتصف العمر حين نبدأ برؤية قدراتنا وقوانا في العالم تخور. أو حين نشهد معاناة أحد الأصدقاء أو أفراد العائلة من المرض أو موته.
نظرية إدارة الرعب والقلق الوجودي
وفقاً لعالم الإنسانيات إرنست بيكر (1973)، فإن قدرة الإنسان على الاعتراف بالموت الحتمي والتنبؤ به ليست سمة فريدة للجنس البشري فحسب، بل هي القوة الدافعة وراء كامل ثقافتنا وسايكولوجيتنا. بهذه الطريقة، يمكن النظر إلى القلق الوجودي على أنه الأم لكل أشكال القلق الأخرى.
في السنوات التي تلت كتاب بيكر الإبداعي “إنكار الموت” (1973)، حول علماء النفس شيلدون سولومون، جيف غرينبيرغ و توم بيزنزكي عام 2015 عمل بيكر إلى نظرية سُميت (نظرية إدارة الرعب/Terror Management Theory).
أظهرت سنوات البحث التي قاربت الخمسين والتي تناولت هذه النظرية أنه كلما ازداد وعينا وإدراكنا للموت؛ حتى مجرد سماع كلمة “موت”، كلما ازداد احتمال تغيير قراراتنا عدداً لا يحصى من المرات، حتى وإن كانت متناقضة.
في بعض السياقات، قاد ما يذكر بالموت القضاة إلى إصدار عقوبات أقسى. وفي حالات أخرى، أدى بالناس إلى جعل معتقداتهم الثقافية أكثر صلابة وقبلية، وساهم في ازدياد السلوكيات التي تعزز تقدير الذات عند البعض أيضاً. على سبيل المثال شراء السيارات الرياضية، أو حماية أنفسهم بواقيات الشمس (Solomon et al., 2015; Morris et al., 2014)
من وجهة نظر نظرية إدارة الرعب، فإن النقاشات والصور المتعاقبة المتعلقة بالموت والتي نتعرض لها، في الحياة الواقعية أو الافتراضية، منذ بداية جائحة كورونا جعلتنا جميعاً ضعفاء أمام احتمالات وتبعات القلق الوجودي.
يعلو صوت قرع طبول فنائنا يوماً بعد يوم، ولا يستطيع تناول أي دواء إبعاده عن آذاننا. وبالمثل، لا يملك العلاج النفسي سوى القليل من الأجوبة على القلق الوجودي. لأن الخوف من الموت أو فقدان الوعي ليس أمراً “لا منطقي” ولا هو نتيجة خطأ معرفي. لكن، لا يعني ذلك أن الأمل غير موجود.
علاج القلق الوجودي
حسب تجربة الدكتور جون وخبرته، يتطلب القلق الوجودي مزيجاً من الاستراتيجيات المتكاملة على مدى فترة من الزمن. على الرغم من أن العلاج المعرفي السلوكي فعال في علاج القلق الظرفي والقلق النفسي، فإن العلاج المستمر بوجود معالج يتبع العلاج بالبصيرة (العلاج النفسي الديناميكي/التحليل النفسي) هو بداية جيدة عندما يتعلق الأمر بالقلق الوجودي.
لا يجب دفع العلاج بوتيرة أسرع مما يرغب المريض، وقد يبدو التقدم غير ملموس أحياناً حتى بعد سنوات منه.
فيما يلي بعض التوصيات والنصائح لعلاج القلق الوجودي.
استكشاف نظم المعتقدات قدر الإمكان
يأتي القلق الوجودي أحياناً عندما تبرز الأشياء التي تتعلق بالتقدم في العمر واحتمال الموت أمامنا، أحياناً بعد وفاة أحد الأقران. ويدفع ذلك الناس في بعض الأوقات إلى التفكير والتأمل بالدروس الدينية التي تعلموها عندما كانوا صغاراً.
بالنسبة للكثير، لم تكن المعتقدات الدينية، الوجودية والروحية من اختيارهم بل ورثوها عند ولادتهم. وقد يكون نظام المعتقدات الذي وُجدنا ضمنه لا يناسب تماماً نظرتنا للعالم عند البلوغ.
لذلك، ينصح الدكتور جون بقراءة الكتب التي تتحدث عن نظم معتقدات مختلفة عما يحمله الفرد مسبقاً، مقابلة قادة روحيين من ثقافات مغايرة، التحدث مع أناس تغلبوا على تحديات في الحياة أصعب وأشد وسؤالهم عن رأيهم بالأشياء التي حفزت القلق الوجودي عندك.
توسيع نطاق العالم حولك
يخبر الدكتور جون مرضاه أحياناً: ” إذا لم يكن العالم حولكم واسعاً ورحباً، بل يتقلص ويضيق، فأنتم بحاجة إلى عكس العملية”.
الكثير منا لديه أصدقاء أو أفراد من العائلة ممن تطورت أعراض القلق المعتدلة لديهم إلى درجة رهاب الأماكن المغلقة؛ أي الخوف من الابتعاد عن الأماكن الآمنة. إذ يصلون إلى حد عدم مغادرة غرفتهم حتى. يمكن أن يكون هذا القدر حقيقة في حياة أي فرد إذا لم يكن متيقظاً ومتنبّهاً.
على الرغم من صعوبة تكوين صداقات جديدة وتجربة أشياء مختلفة عما تعودنا عليه عند الشعور بالقلق، فإن أوقات الراحة أو الشعور بتحسن تعد منطلقاً جيداً لاتخاذ خطوات خارج منطقة الراحة الخاصة بك.
لا حاجة لفعل أي شيء كبير، مثل الانضمام إلى فرقة ارتجال. بل تحتاج ببساطة إلى العثور على طرق سهلة لتوسيع نشاطاتك الحالية والشبكة الاجتماعية القائمة حولك. فيما يلي بعض الاقتراحات لذلك:
إذا كانت هناك أية لعبة تمارسها مع أصدقائك، اطلب منهم دعوة المزيد أو أحد أفراد العائلة إلى المجموعة.
حاول أن تجرب نشاطاً جديداً مع أصدقائك الحاليين مثل نادي للكتاب، نادي للسينما أو مجموعة كتابة
جرب أماكن جديدة لقضاء الإجازة
استكشف مجموعات اللقاء أو غرف الدردشة عبر الإنترنت. حيث تستطيع التواصل مع أشخاص يشاركونك الاهتمامات، حتى ولو كانت تلك الاهتمامات برامج تلفزيونية مفضلة.
خذ بالاعتبار العلاج النفسي المخدر
شكل العقدان الماضيان من الزمن نهضة لإرساء أسس البحث والتجربة غير الرسمية المتعلقة باستخدام العقاقير المخدرة، مثل /LSD/، السيلوسيبين والكيتامين. وذلك لعلاج عدد لا يحصى من الاضطرابات النفسية، بما فيها القلق، الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة. وقد نشر الباحثون في جامعة يال دليلاً مرجعياً للعلاج بمساعدة السيلوسيبين.
فحصت دراستان على وجه الخصوص فعالية العلاج النفسي المخدر على الأفراد المصابين بالقلق السريري ممن يعانون من مرض عضال. وقد أفادت وجود انخفاض ملموس في القلق نتيجة السيلوسيبين (Grob et al., 2011) و Gasser et al., 2014) LSD) عند هؤلاء المرضى، مع بقاء تأثير الأخير بعد مرور سنة.
تشريع العقاقير النفسية المخدرة بشكل أكبر سيف ذو حدين، فهي واعدة ومبشرة من حيث اختلاف عملها بشكل واضح عن الأدوية الحالية وفعاليتها طويلة الأمد أحياناً بعد تناول عدد قليل من الجرعات المصغرة.
اقرأ أيضاً: أربعة انواع من القلق وأعراض كل نوع
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يكون ألم الصدر أحد أعراض القلق؟
اقرأ أيضاً: القلق عند الأطفال، الأعراض، الأنواع والعلاج
المصدر: The Profound Challenge of Existential Anxiety
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم