يشير خلل التنظيم العاطفي (Emotional dysregulation) إلى سوء تنظيم الاستجابات العاطفية والتي لا تدخل ضمن نطاق ردود الفعل العاطفية المقبولة، وإلى تقلبات مزاجية كبيرة، تغيرات ملحوظة في المزاج أو التقلقل العاطفي (السلس الانفعالي/emotional lability). يمكن أن يشمل خلل التنظـيم العاطـفي العديد من العواطف، بما في ذلك الحزن والغضب والهيجان والاستياء. سنتحدث في هذا المقال عن أعراض وأسباب وعلاج خلل التنظيم العاطفي.
في حين يُنظر عادةً إلى خلل التنظيم العاطفي على أنه مشكلة مرتبطة بمرحلة الطفولة تُحل من تلقاء نفسها عندما يبدأ الطفل بتعلم مهارات واستراتيجيات التنظـيم العاطـفي المناسبة، قد يستمر هذا الخلل في مرحلة البلوغ.
بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، يمكن أن يؤدي خلل التنظيم العاطفي إلى صراعات مدى الحياة، بما في ذلك مشاكل في العلاقات الشخصية، الأداء المدرسي وعدم القدرة على العمل بفعالية في الوظيفة.
أسباب خلل التنظيم العاطفي
قد تتساءل بعد ذلك، ما الذي يسبب خلل التنظيم العاطفي بالضبط، ولم لا يجد البعض أدنى مشكلة في الحفاظ على الهدوء والسكينة والتماسك، بينما ينهار البعض الآخر عند أول عائق يظهر أمامهم؟
هناك عدة أسباب، لكن أكثرها تكراراً في معظم الأبحاث هو الصدمة النفسية المبكرة الناتجة عن سوء المعاملة أو الإهمال من جانب مقدم الرعاية. وينتج عن هذا السبب ما يُعرف باسم اضطراب التعلق التفاعلي (reactive attachment disorder). هذا الاضطراب حالة نادرة ولكن خطيرة لا ينشأ فيها تعلق صحي بين الرضيع أو الطفل ومقدمي الرعاية الخاصين به.
الوالد الذي يعاني من خلل في التنظـيم العاطـفي سيجد صعوبة بالغة في تعليم طفله كيفية تنظيم عواطفه. وذلك لأن الأطفال لا يولدون ومعهم مهارات التأقلم المتعلقة بالتنظـيم العاطفي. لذا فإذا كان الوالد لا يستطيع أن يكون قدوة في التكيف الفعال، يعرّض الطفل لخطر عدم التنظيم العاطفي. أعراض وأسباب وعلاج خلل التنظيم العاطفي.
اضطرابات على صلة بخلل التنظيم العاطفي
يمكن أن يكون عدم التنظيم العاطفي في مرحلة الطفولة عامل خطر للاضطرابات النفسية اللاحقة. في المقابل، هناك بعض الاضطرابات من المرجح أن تنطوي على خلل في التنظيم العاطفي. وفيما يلي قائمة بالاضطرابات الأكثر شيوعاً المرتبطة بخلل التنظيم العاطفي:
- اضـطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (Attention-deficit hyperactivity disorder ADHD)
- اضـطرابات طيف التوحد (Autism spectrum disorders/ ASD)
- اضـطـراب ثنائي القطب (Bipolar disorder)
- اضـطـراب الشخصية الحدية (Borderline personality disorder/ BPD)
- اضطراب ما بعد الصدمة المعقد (Complex post-traumatic stress disorder, complex PTSD)
- اضطـراب تقلبات المزاج التخريبية (Disruptive mood dysregulation disorder/ DMDD)
- متلازمة الكحول الجنينية (Fetal alcohol syndrome /FAS)
عندما يظهر خلل التنظيم العاطفي كجزء من اضطراب نفسي مشخّص بالفعل. فغالباً ما يكون الشخص حساساً جداً للمحفزات العاطفية، ولديه قدرة أقل على العودة إلى حالته العاطفية الطبيعية في غضون فترة زمنية معقولة. أعراض وأسباب وعلاج خلل التنظيم العاطفي
أعراض خلل التنظيم العاطفي
بشكل عام، يتضمن خلل التنظيم العاطفي وجود عواطف شديدة بشكل مفرط مقارنة بالموقف الذي أثارها. قد يعني هذا عدم القدرة على الهدوء في موقف معين، تجنب المشاعر الصعبة أو تركيز الانتباه على الأمور السلبية فقط.
يتصرف معظم الأشخاص الذين يعانون من خلل في التنظـيم العاطفي بطريقة اندفاعية عندما تخرج عواطفهم عن السيطرة سواء الغضب أو الحزن أو الخوف.
فيما يلي بعض الأمثلة لما يبدو عليه الشخص عندما يعاني من خلل في التنظيم العاطفي:
إذا حصل وألغى الشريك العاطفي موعداً ما أو خطة معينة سبق أن تم الاتفاق على إنجازها، فإن أول فكرة تخطر للشخص هي أن شريكه لا يحبه. وينتهي به الأمر بالبكاء طوال الليل ويفرط في تناول الوجبات السريعة. أعراض وأسباب وعلاج خلل التنظيم العاطفي
إن قال موظف البنك أنه لا يستطيع تقديم أي مساعدة في معاملة معينة، وأنه يتوجب على الشخص العودة غداً لإتمامها. سيغضب الأخير فوراً ويصرخ على الموظف، أو حتى يلقي بشيء عليه مثلاً.
أثناء عشاء للشركة، يبدو الجميع مستمتعين بوقتهم ويتحدثون مع بعضهم، بينما يشعر ذاك الشخص بأنه غريب. بعد انتهاء الحدث، يذهب إلى المنزل ويتناول وجبة دسمة في محاولة منه لتخدير الألم العاطفي الذي يشعر به. وهذا مثال على آليات التأقلم السيئة وعلى الأكل العاطفي والذي يعني الإفراط في تناول الطعام لتخفيف المشاعر السلبية.
يمكن أن يعني خلل التنظـيم العاطـفي أن الشخص يواجه مشكلة في التعرف على العواطف التي تنتابه عند الانزعاج، وهذا يعني شعوره بالارتباك أو حتى الذنب بسببها، أو سيطرة عواطفه عليه لدرجة تمنعه من اتخاذ قرارات سليمة أو إدارة سلوكه بشكل صحيح.
تختلف الطريقة التي تظهر بها سلوكيات خلل التنظيم العاطفي عند الأطفال، بما في ذلك نوبات الغضب، الانفعالات، البكاء، رفض التواصل البصري أو التحدث وما إلى ذلك. أعراض وأسباب وعلاج خلل التنظيم العاطفي
تبعات خلل التنظيم العاطفي
يمكن أن يكون لعدم القدرة على إدارة العواطف وتأثيرات ذلك على السلوك مجموعة من العواقب السلبية في مرحلة البلوغ. على سبيل المثال:
- مشاكل في النوم.
- صراع لنسيان تجارب معينة أو حمل الضغائن لفترة أطول مما ينبغي.
- الدخول في نقاشات بسيطة تخرج عن السيطرة، لدرجة أن ينتهي الأمر بالشخص إلى تدمير علاقاته.
- آثار سلبية على الأداء الاجتماعي أو العمل أو المدرسة.
- احتمال الإصابة باضطراب نفسي في مرحلة متقدمة من الحياة بسبب ضعف القدرة على تنظيم العواطف (مثل الاكتئاب).
- احتمال الإصابة بمشاكل تتعلق بسوء تعاطي المواد المخدرة أو الإدمان مثل التدخين أو الشرب أو تعاطي المخدرات.
- إيذاء النفس أو السلوكيات المضطربة الأخرى مثل عادات الأكل الصارمة أو نهم الأكل.
- مشاكل في حل النزاعات.
أما بالنسبة للأطفال، فهم أمام احتمال المعاناة من النتائج التالية:
- الميل إلى التحدي.
- مشاكل في الامتثال لطلبات المعلمين أو أولياء الأمور.
- مشاكل في تكوين الأصدقاء والاحتفاظ بهم.
- انخفاض قدرة التركيز على المهام.
علاج خلل التنظيم العاطفي
الخياران الرئيسيان لعلاج خلل تنظيم العواطف هما الدواء والعلاج النفسي، وذلك اعتماداً على حالة الفرد.
العلاج الدوائي
يمكن استخدام الأدوية لعلاج خلل تنظيم العواطف، ولكن فقط في الحالة التي يكون بها الخلل جزءاً من اضطراب نفسي أكبر. على سبيل المثال، تستخدم المنشطات لعلاج اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، ومضادات الاكتئاب لعلاج الاكتئاب، ويمكن علاج المشكلات الأخرى بمضادات الذهان . أعراض وأسباب وعلاج خلل التنظيم العاطفي
العلاج النفسي
فيما يتعلق بعلاج خلل تنظيم العواطف، طريقة العلاج الرئيسية هي ما يُعرف بالعلاج السلوكي الجدلي (dialectical behavior therapy/DBT)، والذي طورته مارشا لينهان (Marsha Linehan) في الثمانينيات. والهدف الأولي له كان علاج الأفراد الذين يعانون من اضطراب الشخصية الحدية.
بشكل عام، يتضمن هذا النوع من العلاج تحسين اليقظة الذهنية وتوكيد العواطف والانخراط في عادات صحية. كما أنه يعلم المهارات اللازمة لتنظيم العواطف. ومن خلال هذا العلاج، يتعلم الفرد التركيز على اللحظة الحالية، والطريقة الصحيحة لإدراك الأفكار والمشاعر والسلوكيات، وكيفية التعامل مع المواقف العصيبة والمجهدة.
يشير هذا العلاج إلى أن هناك ثلاث “حالات عقلية” وهي العقل المنطقي والذي يشير إلى المنطق والعقلانية، العقـل العاطفي. والذي يشير إلى المزاج والأحاسيس والعقـل الحكيم والذي يشير إلى مزيج من العقل المنطقي والعقل العاطفي. أعراض وأسباب وعلاج خلل التنظيم العاطفي
آلية العلاج النفسي
يقوم هذا العلاج على ركيزة أنه بالإمكان النظر إلى المواقف والأحداث بحيادية، أي أنها رمادية بدلاً من الأسود والأبيض فقط، بمعنى آخر؛ الجمع بين العقل العاطفي والعقل المنطقي.
إن صدف ومررت للتو بموقف أو أزمة مرهقة، وتريد تجربة هذا العلاج في المنزل، اجلب ورقة وقلم وأجب عن الأسئلة التالية:
- ما هو الحدث الذي سبب لك الضيق والإجهاد؟
- ما رأيك بالموقف؟ (اكتب ثلاثة أفكار رئيسية عنه).
- ما الشعور الذي خلقته هذه الأفكار؟ (دوّن أي أعراض جسدية، أو أي شيء فعلته إثرها مثل البكاء، أو أي مشاعر مثل الانزعاج).
- ما هي نتيجة الأفكار التي راودتك؟
الهدف من العلاج السلوكي الجدلي هو خلق التوازن بين العاطفة والمنطق، وذلك في سبيل الحصول على نتائج إيجابية أكثر من المواقف التي تجدها مجهدة، كما أنه يهدف إلى تعليمك أن تصبح أكثر وعياً بالروابط بين أفكارك ومشاعرك وأفعالك، وبذلك ستكون قادراً على إدارة عواطفك بشكل أفضل في حياتك اليومية. أعراض وأسباب وعلاج خلل التنظيم العاطفي
تربية طفل يعاني من خلل في تنظيم العواطف
إذا كنت طفلك يعاني من خلل في تنظيم العواطف، فقد تتساءل عما يمكنك فعله لدعمه. في الحقيقة، يتعلم الأطفال مهارات تنظيم العواطف من آبائهم. لذا، فأنت تتمتع بالقدرة على تعليم طفلك كيفية إدارة عواطفه بدلاً من أن تطغى عليه وترهقه.
يحتاج طفلك إلى معرفة أنك موجود في حال احتاج أي مساعدة، فالدعم والثقة سيكونان عاملان محوريان في حمايته من المشاكل المرتبطة بخلل التنظيم العاطفي.
أول شيء يمكنك القيام به هو التعرف على أوجه القصور الموجودة لديك أنت، هل تعاني من اضطراب نفسي أو تواجه صعوبة في مهارات تنظيم العواطف الخاصة بك؟
إذا كان الأمر كذلك، فقد تستفيد أنت وطفلك من تلقي الرعاية أو العلاج النفسي لتصبحا أكثر قدرة على مواجهة المشاكل التي قد تعترضكما. فعندما تكون أنت قادراً على إدارة محنتك بشكل أفضل، ستتمكن بالتأكيد من تقديم أكبر قدر من الدعم لطفلك.
أفضل طريقة لتعليم طفلك كيفية إدارة عواطفه هي عدم مطالبته بالتصرف بطريقة معينة أو معاقبته على تصرفاته. بدلاً من ذلك، فإن الخيار الأفضل هو أن تكون أنت القدوة فيما يتعلق بالسلوك المطلوب الذي تريد منه أن يتبناه.
ومن المفيد أن تبدأ في التعرف على ما يثير سلوك طفلك، وأن تضع خطة احتياطية تتضمن الطرق الفعالة التي يمكنك من خلالها التعامل مع تصرفاته. على سبيل المثال، إذا كان طفلك يعاني دوماً من نوبة غضب عند اصطحابه لشراء حذاء، فحاول اختيار زوج يناسبه وأحضره إلى المنزل ليقوم بتجربته.
يستفيد الأطفال الذين يعانون من خلل التنظيم العاطفي من القدرة على التنبؤ والاتساق في الحياة، إذ يحتاج طفلك إلى التأكد طفلك من أنك موجود من أجل المساعدة وأنك دائماً بجانبه لتهدئته وتمثل ملاذه الآمن. وتذكر إن كنت تواجه مشكلة في تنظيم عواطفك، فلن يستطيع طفلك إدارة عواطفه في المقابل. أعراض وأسباب وعلاج خلل التنظيم العاطفي
ماذا إذا كان طفلك في المدرسة؟
إذا كان طفلك في المدرسة، فمن المهم أن تتحدث مع معلمه حول المشاكل التي يواجهها في تنظيم عواطفه. ناقش معه الاستراتيجيات التي تستخدمها في المنزل، واحتمال أن يحتاج طفلك إلى مساعدة إضافية في الفصل، أو تذكيرات حول كيفية الهدوء.
إذا كان طفلك يعاني من اضطراب مشخّص، فقد يكون مدرجاً في خطة تعليمية خاصة تتيح له تسهيلات أو تمنحه مساعدة إضافية، لذا تأكد من الاستفادة من الموضوع.
وأهم فكرة هي مكافأة السلوك الإيجابي. فإذا تصرف طفلك بطرق إيجابية لإدارة عواطفه، اثنِ عليه، وجد طرقاً معينة تكافئ بها نجاحه في إدارة عواطفه، بحيث تصبح تلك السلوكيات عادة متكررة في مواقف مشابهة. أعراض وأسباب وعلاج خلل التنظيم العاطفي
خلاصة
سواء كنت أنت أو طفلك أو أي شخص تعرفه يعاني من خلل في تنظيم العواطف، فمن المهم معرفة أن هذا شيء يمكن أن يتحسن بمرور الوقت.
إذ يُتوقع أن 88٪ من المصابين باضطراب الشخصية الحدية لن يستوفوا الأعراض بعد عشر سنوات. يوضح هذا أنه يمكن تعلم استراتيجيات تنظيم العواطف وأنها مفيدة جداً لتحسين وضعك وعيش أفضل حياة ممكنة.
بغض النظر عن ظروفك الحالية، يمكنك إجراء تغييرات من شأنها تحسين أدائك الاجتماعي والمدرسي وفي العمل أيضاً، ويمكنك تعلم كيفية إدارة المواقف المجهدة التي تسبب لك الألم، والعمل على الأذى أو سوء المعاملة في الماضي والتي أدت بك إلى ما أنت عليه اليوم. أعراض وأسباب وعلاج خلل التنظيم العاطفي
اقـرأ أيضاً: تدريب العواطف وأهميته في تطوير التنظيم العاطفي لدى الأطفال
اقرأ أيضـاً: كيف يتطور التنظيم المشترك مع الوالدين إلى تنظيم ذاتي لدى الأطفال
اقـرأ أيضاً: تدريب العواطف وأهميته في تطوير التنظيم العاطفي لدى الأطفال
المصدر: How to Deal With Dysregulation
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم