تشير استجابة الكر أو الفر أو التجمد (استجابة القتال أو الهروب أو التجمد) إلى التغيرات الفسيولوجية اللاإرادية التي تحدث في الجسم والعقل عندما يشعر الشخص بالتهديد. تتواجد مثل هذه الاستجابة للحفاظ على سلامة الشخص، وإعداده لمواجهة الخطر، أو الهروب، أو الاختباء منه.
قد تحدث هذه الاستجابة سواء أكان الخطر حقيقياً أم لا، وهذا يعني أنها تنشط في المواقف التي لا تكون فيها ضرورية. يمكن للناس أيضاً الاستجابة للتهديدات المتصورة بطرق مختلفة، ومن هنا جاء اسم “الكّر أو الفّر أو التجمد”.
تتناول هذه المقالة استجابة الكّر أو الفّر أو التجمد بمزيد من التفصيل، وتقدم أمثلة عن كيفية تأثيرها على الأشخاص. كما تستكشف الآثار طويلة الأمد للأحداث المرهقة وتقدم اقتراحات للتكيف.
ما هي استجابة الكر أو الفر أو التجمد؟
استجابة الكرّ أو الفرّ أو التجمد هي الطريقة التي يستجيب فيها الجسم للتهديدات المتصورة، وهي استجابة لا إرادية تتضمن عدداً من التغييرات الفسيولوجية التي تساعد الشخص على الاستعداد لاستجابة واحدة من ثلاث:
- القتال، أو اتخاذ إجراءات للقضاء على الخطر. استجابة التودد أو الاسترضاء.
- الهروب، الذي ينطوي على الفّرار بعيداً عن الخطر.
- التجمد، الذي ينطوي على عدم القدرة على إجراء أي فعل.
يوجد احتمال رابع للاستجابة لمواقف التهديد قد يظهرها بعض الأشخاص، وهي التودد أو الاسترضاء، الذي ينطوي على محاولة إرضاء الشخص الذي يمثل تهديداً في محاولة لمنع الأذى. استجابة الكر أو الفر أو التجمد.
من الاستجابات المحتملة أيضاً الشلل التوتري أو الشلل الناتج عن الذعر (Tonic Immobility)، يشير البعض إليه ب”التخبط”، الذي يتسبب في العجز التام عن الحركة الجسدية أو العمليات العقلية.
يعد فقدان الوعي الناجم عن الخوف مثالاً على هذه الاستجابة. كما أن اجتماع هذه الاستجابات معاً، يشكل ما يسميه العلماء الاستجابة الحادة للضغط.
ماذا يحدث في أثناء استجابة الكرّ أو الفرّ؟
تؤدي الاستجابة الحادة للضغط إلى تنشيط الجهاز العصبي الذاتي أو اللاإرادي (ANS) في الجسم. وهو الجزء الذي يتحكم بالاستجابات السريعة اللاواعية من بين أجزاء الجهاز العصبي، مثل ردود الفعل. استجابة التودد أو الاسترضاء.
يمكن للجهاز العصبي اللاإرادي إرسال رسائل تخبر الجسم بالاستعداد للخطر بطرق مختلفة. وفي حال اختبر الشخص استجابة الكرّ أو الفرّ، فسوف تتطور لديه حالة مما يلي أو مزيج منها: استجابة الكر أو الفر أو التجمد.
زيادة معدل التنفس وتسارع نبضات القلب: وهو ما يسمح للجسم بإرسال المزيد من الدم المؤكسج إلى العضلات والدماغ، في حالة احتياج الشخص إلى اتخاذ إجراءات جسدية للهروب من الخطر، ويؤدي هذا أيضاً إلى ارتفاع ضغط الدم.
احمرار الجلد أو شحوبه: نظراً إلى أن الجسم يعيد توجيه الدم إلى المناطق الرئيسية، فقد يظهر الوجه شاحباً أكثر من المعتاد، أو قد يتناوب بين الشحوب والاحمرار. استجابة التودد أو الاسترضاء.
توتر العضلات: عندما تستعد العضلات للحركة، يمكن أن تتوتر، ما قد يسبب الاهتزاز أو الارتعاش. يمكن أن يؤدي توتر العضلات أيضاً إلى الإحساس بضيق في الحلق، مسبباً علّو نبرة صوت الشخص.
اتساع حدقة العين: تتسع حدقة العين للسماح بدخول المزيد من الضوء إلى العين، ما يسمح للشخص برؤية محيطه ومراقبته بصورة أفضل. استجابة التودد أو الاسترضاء.
جفاف الفم: يؤدي انقباض الأوعية الدموية حول الفم إلى توقف الغدد اللعابية عن إفراز اللعاب مؤقتاً، ما يسبب جفاف الفم. استجابة الكر أو الفر أو التجمد.
قد يشعر الشخص في حالة الكرّ أو الفرّ باليقظة أو الانفعال أو المواجهة لدرجة كبيرة، أو أنه يحتاج إلى مغادرة الغرفة أو الموقع الذي حصل فيه التهديد. قد تتطور الاستجابة الشديدة للكّر أو الفّر لتصل إلى نوبة هلع. ويمكن أن تحفز نوبات الربو لدى الأشخاص المصابين بهذه الحالة.
ماذا يحدث في أثناء التجمد؟
تتضمن استجابة التجمد عملية فسيولوجية مختلفة عن الكّر أو الفّر. ويصفها البحث الذي أُجري عام 2015 بأنها “جمود يقظ”. بينما يكون الشخص “المتجمد” في حالة تأهب شديد، يكون أيضاً غير قادر على الإيتاء بأي حركة أو اتخاذ إجراء ضد الخطر.
ويتسبب التجمد بالجمود الجسدي، انخفاض في معدل ضربات القلب، بدلاً من زيادتها وشد عضلي.
لماذا يتجمد بعض الناس أو “يتخبطون”؟
في حين أن التجمد قد يبدو وكأنه طريقة غير بديهية للاستجابة للخطر، لكنه يخدم غرضاً معيناً، تماماً كما تفعل استجابة الكّر أو الفّر. فالتجمد قد: استجابة القتال أو الهروب أو التجمد.
يهيئ الشخص لإجراء فعل معين: تشير مراجعة أُجريت عام 2017 إلى أن التجمد قد يعمل كمهلة للدماغ ليقرر كيفية الاستجابة للتهديد. ففي التجارب التي امتلك فيها المشاركين المزيد من الوقت للاستعداد لاتخاذ إجراء معين، تكررت فترة التجمد بشكل شائع. وفي دراسات أُجريت على الحيوانات، لاحظ العلماء أن التجمد يمكّن الحيوانات من مواصلة مسح البيئة من حولهم، من أجل تحديد ما يجب القيام به بعد ذلك. استجابة التودد أو الاسترضاء.
يزيد الإدراك البصري: تقترح دراسة لعام 2015 أن التجمد على صلة بإدراك أفضل لمحيط المرء. اختبر الباحثون ردود أفعال الناس تجاه الصدمة وكيف أثر ذلك في قدرتهم على فهم المعلومات المرئية. فتبين أن أولئك الذين تجمدوا لديهم فهم أفضل لما رأوه في الصور منخفضة الجودة أو غير الواضحة، وقاموا بمعالجة المعلومات ذات الصلة بالتهديدات بصورة أسرع. استجابة الكر أو الفر أو التجمد.
يساعد الشخص على الاختباء: في بعض المواقف، قد يؤدي السكون الشديد إلى إبقاء الشخص في مأمن من الخطر، أو يتسبب في فقدان المهاجم الاهتمام. لدى الحيوانات، ربما يكون الجمود الجسدي الملاذ الأخير عندما لا تنجح استجابة الكّر أو الفّر، لأن العديد من الحيوانات لن تأكل شيئاً ميتاً. الشلل الناتج عن الذعر الاستجابة الحادة للضغط.
يقلل من تأثير الحدث: يشير مقال نُشر عام 2017 إلى أن استجابة التجمد قد تكون مرتبطة بانفصال في جانب الوعي. وهو شيء يمكن أن يحدث عندما يعاني الشخص من تجربة مؤلمة. ويجعل الأحداث المؤلمة بشدة تبدو أقل واقعية، ما يجعل الشخص يشعر بالخدر أو الانفصال. وهذا قد يفسر سبب كون استجابة التجمد أكثر شيوعاً لدى الأشخاص الذين يعانون تجارب سابقة للصدمة.
أمثلة على استجابة الكرّ أو الفرّ
إذا كان الشخص يركض خارجاً وواجه فجأةً كلباً كبيراً مزمجراً، فقد يؤدي هذا التهديد إلى تنشيط استجابة الكرّ أو الفرّ أو التجمد. وقد يتخذ الشخص أحد الإجراءات التالية:
- يقاتل، فيصبح عدوانياً أو يرمي بشيء على الكلب.
- يهرب، يزيد من سرعته في الركض من أجل الهروب.
- يتجمد، ما يتسبب في توقفه عن الجري.
- يتودد قليلاً بمحاولة لتهدئة الكلب. استجابة القتال أو الهروب أو التجمد.
- يتخبط، أو يفقد الوعي مؤقتاً. استجابة الكر أو الفر أو التجمد.
يمكن للناس أيضاً الاستجابة بهذه الطريقة للمواقف أو الأشخاص الذين يشعرون بالتوتر أو القلق بشأنهم، حتى لو لم تكن التجارب خطيرة. على سبيل المثال، يمكن أن يحفز التحدث أمام الجمهور، ومقابلات العمل، والامتحانات استجابة التوتر.
إذا تعرض شخص ما لصدمة في الماضي، ربما تصبح استجابته للضغط الحاد مفرطة، ويستجيب كثيراً للأشياء التي تذكره بحدث سابق، أو يفسرها على أنها تهديد.
مثلاً، إذا نشأ شخص ما في حي شهد فيه إطلاق نار متكرر، ثم بعد البلوغ في موقف ما سمع سيارة ترتد عكسياً فجأةً، فقد:
- يغضب أو يرتبك، وكأنه يستعد للمواجهة.
- يبحث عن وسيلة للهروب، حتى لو كان في مأمن.
- يبقى ساكناً وصامتاً. استجابة القتال أو الهروب أو التجمد.
- يفكر في طريقة لاسترضاء شخص ما يحمل مسدساً بسبب افتراضه أن هذا الشخص موجود.
- يفقد الوعي. استجابة الكر أو الفر أو التجمد.
وهذا النوع من فرط نشاط الجهاز العصبي هو سمة من سمات اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
كيفية التعامل مع التهديد
تعد استجابة الكرّ أو الفرّ أو التجمد وسيلةً مهمة للجسم لحماية نفسه. وقد تنقذ حياة شخص ما في المواقف الخطرة. ومع ذلك، إذا اختبرها الشخص بوتيرة متكررة بسبب أحداث في حياته، أو بسبب التوتر أو القلق، فقد يؤدي ذلك إلى خسائر فادحة.
للتأقلم مع تأثيرات الاستجابة للتوتر، يمكن للشخص أن يحاول:
الانتقال إلى مكان آمن: إذا كان ذلك ممكناً، فحاول الذهاب إلى مكان أقل تهديداً أو إرهاقاً. يتضمن هذا الخروج أو البحث عن مكان هادئ أو أقل ازدحاماً. استجابة القتال أو الهروب أو التجمد.
تبطيء التنفس: تؤدي استجابة التوتر إلى التنفس السريع الضحل. يمكن تهدئة هذا التنفس السريع بتقنيات التنفس. على سبيل المثال، قد يؤدي التنفس البطني (أي أخذ نفس عميق من البطن) إلى تهدئة أو عكس استجابة التوتر.
الحركة: يجد بعض الناس أن النشاط البدني يساعد في التخلص من التوتر. على سبيل المثال، إذا شعر شخص ما بالقلق أو الغضب، فإن المشي أو الجري سيهدئان من روعه. ويمكن أن تساعد الأنشطة مثل اليوجا أيضاً في إبطاء التنفس. استجابة القتال أو الهروب أو التجمد.
طلب الدعم الاجتماعي: يجب طلب المساعدة أو قبولها من الأصدقاء أو العائلة أو زملاء العمل الموثوق بهم، إن كان ذلك متاحاً. استجابة الكر أو الفر أو التجمد.
التعافي بعد تنشيط استجابة التوتر
يستغرق الأمر نحو 20-60 دقيقةً حتى يعود الجسم إلى حالته الطبيعية بعد تنشيط استجابة التوتر. بعد ذلك، قد يشعر الشخص بالتعب أو الألم أو يعاني بعض القلق المستمر. عموماً، من الجيد القيام بأشياء تشعرك بالأمان والراحة خلال هذا الوقت. والرعاية الذاتية مهمة في أوقات التوتر، وتتضمن: الشلل الناتج عن الذعر الاستجابة الحادة للضغط.
- تناول وجبات منتظمة ومتوازنة ومغذية.
- شرب كمية كافية من الماء.
- أخذ فترات راحة، خاصةً من الأشياء التي تزيد من التوتر، مثل العمل أو مشاهدة الأخبار.
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
- الحصول على قسط كاف من النوم.
- تخصيص وقت للاسترخاء والأنشطة الممتعة.
- التواصل مع الآخرين. استجابة الكر أو الفر أو التجمد.
في بعض الأحيان، تكون الأحداث التي تؤدي إلى استجابة التوتر صادمة. وهذا بدوره يتسبب بمجموعة من ردود الفعل الجسدية أو العاطفية التي تجعل من الصعب تدارك الموقف. يمكن للأشخاص المصابين بصدمة نفسية اختبار:
- مشاعر الصدمة أو الغضب أو الحزن أو الخوف.
- الجحود أو الإنكار.
- الشعور بالفراغ والخدر العاطفي.
- صعوبة في النوم أو كوابيس. الشلل الناتج عن الذعر الاستجابة الحادة للضغط.
- تغيرات في الشهية والطاقة.
- أعراض جسدية، مثل الصداع أو اضطراب المعدة أو آلام الجسم.
- تفاقم الحالات الصحية العقلية أو المزمنة. الشلل الناتج عن الذعر الاستجابة الحادة للضغط.
- زيادة في تناول الكحول والتبغ والمواد الأخرى.
إذا عانى الشخص من هذه الأعراض، فيمكنه طلب الدعم لمساعدته على معالجة ما حدث وتقليل تأثير التوتر.
متى تطلب المساعدة؟
تختلف وتيرة التعافي من الأحداث المخيفة أو المجهدة تبعاً لكل شخص. لكن في حال لم تتحسن تأثيرات الحدث المجهد من تلقاء نفسها، من المفيد التحدث مع طبيب أو معالج. استجابة الكر أو الفر أو التجمد.
التنشيط المزمن لاستجابة التوتر له تأثير سلبي على الجسم ويمكن أن يساهم في الألم المزمن وأمراض الجهاز الهضمي والاختلالات الهرمونية وصعوبة الحمل. لذلك، من المفيد للصحة النفسية والجسدية معالجة الإجهاد المتكرر.
توجد علاجات محددة يمكن أن تساعد الأشخاص الذين عانوا من الصدمة أو الذين يعانون اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، إضافةً إلى علاجات لمن يعانون من القلق أو مستويات عالية من التوتر.
الخلاصة
تمكّن استجابة الكرّ أو الفرّ أو التجمد الشخص من التعامل مع التهديدات المتصورة. ينشط في هذه الاستجابة الجهاز العصبي الذاتي أو المستقل، ما يسبب تغيرات لا إرادية مثل زيادة معدل ضربات القلب، والتنفس السريع، وتوتر العضلات. الشلل الناتج عن الذعر الاستجابة الحادة للضغط.
يميل الأشخاص في استجابة الكّر أو الفّر إلى اتخاذ إجراءات لتجنب الخطر أو مواجهته، أما في حالة “التجمد” يصبح الشخص غير قادر على الحركة. ويمكن أن يكون التودد أو التخبط جزءاً من استجابة التوتر. استجابة الكر أو الفر أو التجمد.
وفي الختام، لا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة للتصرف في أثناء استجابة الكرّ أو الفرّ أو التجمد. ومع ذلك، توجد أشياء يمكن للأشخاص القيام بها لعكس الاستجابة والهدوء ومعالجة تأثيرها. الشلل الناتج عن الذعر الاستجابة الحادة للضغط.
إذا راود المرء شك بأن لتجربة حديثة أو قديمة أثر دائم عليه، فيمكنه طلب الدعم من اختصاصي الصحة النفسية.
اقـرأ أيضاً: تمارين استرخاء العضلات التدريجي لإدارة التوتر والقلق
اقرأ أيضـاً: أثر الصدمة على الدماغ وتبعات اضطراب ما بعد الصدمة
اقـرأ أيضاً: تأثيرات الإجهاد بأنواعه وكيف تتأقلم معه؟