لم تخلق مهارة التنظيم العاطفي معنا عند الولادة، إذ تتأرجح الحالة المزاجية للأطفال الصغار مثل رقاص الساعة؛ وهنا تكمُن إحدى أهم مهام الوالدين ألا وهي التنظيم الذاتي لمجموعة كبيرة من المشاعر لدى الأطفال.
تتطرق هذه المقالة إلى كيفية تطور التنظيم الذاتي العاطفي والطريقة التي نستطيع من خلالها مساعدة أطفالنا على اكتساب هذه المهارة الأساسية.
ما هو التنظيم العاطفي؟
التنظيم العاطفي (Emotional regulation) أو التنظيم الذاتي (self-regulation) هو القدرة على رصد وتعديل أية مشاعر تعتريك وكيف تختبرها وتعبر عنها.
يُعد تعلم التنظيم الذاتي العاطفي معلماً رئيسياً في تطور الطفل والذي يوضع حجر أساسه مبكراً في الحياة.
تؤثر قدرة الطفل على تنظيم حالته وردود أفعاله العاطفية على أسرته، أقرانه، أدائه الأكاديمي، صحته النفسية على المدى الطويل وقدرته على النجاح في عالم معقد.
العلاقات مع الأسرة والأقران
ينفجر الطفل الذي يعاني من ضعف مهارات تنظيم المشاعر بنوبات غضب باستمرار ويشكل ضغطاً على العلاقة بينه وبين والديه، يمكن أن يؤثر ذلك على الجو العائلي بأكمله ويصل إلى الأشقاء أو كل من حوله ويؤدي إلى حالة سلبية متصاعدة.
الأمر مشابه لذلك فيما يخص الصداقات، يمتلك الأطفال غير القادرين على التحكم في مشاعرهم القوية من مهارات اجتماعية أقل وصعوبة في كسب الأصدقاء أو الاستمرارية في صداقتهم.
يمكن أن يؤدي عدم القدرة على تنظيم المشاعر الشديدة إلى سمات مثل الغضب، الانسحاب، القلق أو السلوك العدواني. من الممكن أن يتراكم كل ما سبق مؤدياً إلى عواقب سلبية أخرى كالتالي:
الأطفال الذين رفضهم أقرانهم معرضون بشكل متزايد لخطر التسرب من المدرسة، الانحراف، تعاطي المخدرات ومشكلات السلوك المعادي للمجتمع. الأطفال الانطوائيون والذين تم رفضهم من قبل أقرانهم هم أيضاً أكثر عرضة للتنمر.
الأداء والنجاح
في المقابل، لا يؤثر التنظيم العاطفي الجيد لدى الأطفال بشكل إيجابي على العلاقات فحسب، بل يُعد أيضاً مؤشراً قوياً على الإنجاز الأكاديمي والنجاح لأن الضبط الفعال للعاطفة يسمح للطالب بالتركيز على أدائه أثناء الاختبارات والامتحانات بدلاً من وهن عزيمته بسبب القلق.
يتمتع الطلاب القادرون على التنظيم الذاتي أيضاً بانتباه أفضل وكفاءة في حل المشكلات كما أن أداءهم أفضل في المهام التي تنطوي على تأخير الإشباع، التثبيط والأهداف طويلة الأمد.
يستمر هذا التأثير طوال الحياة؛ فلا يشعر الشخص البالغ ممن لايمكنه تنظيم عواطفه بالرضا الوظيفي ولا الصحة النفسية أو الجسدية.
المرونة والصحة النفسية
الأطفال الذين تعلموا تنظيم عواطفهم يمكنهم أيضاً رد الصدمات أو الأحداث المؤذية والتعافي منها وذلك لأنهم يتمتعون بقدرة أعلى على تحمل الإحباط وبمرونة أكبر.
ترتبط العديد من الاضطرابات السريرية عند الأطفال ارتباطاً وثيقاً بالتنظيم العاطفي أو بالأحرى عدم وجوده.
على سبيل المثال، يرتبط عدم التنظيم العاطفي بالاضطرابات السلوكية مثل اضطراب المتحدي المعارض. ويمكن أن يضع الطفل في خطر الإصابة باضطرابات عاطفية مثل اضطرابات القلق واضطرابات الأكل والاكتئاب السريري. علماً أنه يصبح أكثر عرضة للأمراض النفسية في المستقبل.
في ضوء كل ما سبق، من الطبيعي أن يأخذ الخبراء بالاعتبار أهمية مهارات تنظيم المشاعر أو مهارات التنظيم الذاتي الأساسية لنمو الأطفال.
كيف يتطور التنظيم العاطفي عند الأطفال؟
إذاً، كيف يطور الأطفال هذه المهارات الأساسية والمهمة؟ وكيف نساعدهم؟ للإجابة على هذه الأسئلة، نبدأ بفحص معنى التنظيم العاطفي للأطفال.
ملاحظة: يحتاج التنظيم العاطفي إلى ملاحظة ومراقبة وإدراك المشاعر المختلفة وتكييفها بشكل مناسب لكل موقف. هذا لا يعني تقليل المشاعر السلبية وزيادة الإيجابية دائماً، لأن مجرد قمع المشاعر السلبية وإجبار أنفسنا على عدم التعبير عنها هو خطوة ضارة خلال عملية التنظيم الذاتي.
هل يسهل تعلم التنظيم العاطفي عند بعض الأطفال أكثر من غيرهم؟
إذا بدا لك أن بعض الأطفال لديهم صعوبة في تعلم مهارات التنظيم العاطفي، بينما هو أمر طبيعي لغيرهم، فأنت لا تتخيل ذلك. وجد الباحثون أن طبع بعض الأطفال أكثر قدرة على التنظيم الذاتي من الآخرين بالفطرة.
في حين أن للجينات أهمية كبيرة في ذلك، فإن البيئة التي ينشأ فيها الطفل بذات القدر من الأهمية، إن لم تكن أكثر. علماً أن القدرة على التنظيم الذاتي في الصغر ليست ثابتة؛ أي يمكن لجميع الأطفال تعلم كيفية ضبط مشاعرهم في ظل بيئة مناسبة.
توضح دراسة في دار أيتام رومانية أهمية البيئة. خلال الدراسة، تم وضع بعض الأيتام بشكل عشوائي في دور رعاية ذات مستوى عالي من الاهتمام بينما بقي آخرون في دار الأيتام. وكانت النتيجة أن الأطفال الذين تم تبنيهم أظهروا تحسناً ملحوظاً في التنظيم العاطفي مقارنةً بالأطفال الذين ظلوا في دار الأيتام.
لماذا تعد تجارب الحياة في الطفولة مهمة في تعلم مهارات التنظيم الذاتي؟
لا يولد الأطفال وأدمغتهم متطورة بشكل جيد، فهي تنمو بما يشابه قليلاً بناء منزل، أي يعطي المخطط المعماري الأولي للمنزل شكله. لكن النتيجة ستختلف بشكل كبير إذا كان المنزل مصنوعاً من القش أو الخشب أو الطوب.
وبالمثل تحدد الجينات مخططاً أساسياً لنمو دماغ الطفل، لكن تجاربه الحياتية، مثل مواد بناء المنزل، قد تؤثر بشكل كبير على النتيجة.
وكما أنه من الأسهل التأثير خلال عملية بناء المنزل بدلاً من تغييره لاحقاً. كذلك يمكن للعقول البشرية اكتساب بعض المهارات بشكل أفضل أو أسهل خلال فترات معينة من الحياة. وتسمى هذه الأوقات المثالية بالفترات الحساسة أو الحرجة.
بعد مرور الفترة الحساسة لتعلم مهارة ما، يظهر انحدار تدريجي في القدرة على أن يصبح الفرد ماهراً أو محترفاً. رغم أنه لا يزال من الممكن اكتساب المهارة الجديدة، لكن الأمر سيستغرق وقتاً أطول أو تقل احتمالية أن يصبح الشخص جيداً فيها.
تُظهر الدراسات أن الفترة الحساسة لتعلم لغة ثانية وأن تصبح ثنائي اللغة هي فعلياً قبل سن البلوغ عموماً.
تجربة دار الأيتام الرومانية
في تجربة دار الأيتام الرومانية، طور الأيتام الذين تم تبنيهم من قبل أسر دور الرعاية قبل سن الثانية مهارات تنظيم عاطفي أكبر مقارنةً بالأطفال الذين لم يتم إيداعهم في مؤسسات رعاية مطلقاً.
لذلك يُعتقد أن الفترة الحساسة للتنظيم الذاتي العاطفي تكون قبل عمر السنتين. كما أثبت العلم أنه لا يمكن المبالغة في مدى أهمية تجارب الحياة خلال مرحلة الطفولة المبكرة.
وهذا لا يعني أن وبمجرد تجاوز الأطفال هذا العمر، فقد فقدوا فرصة تعلم التنظيم الذاتي؛ إنما يعني فقط أنه سيغدو أكثر صعوبة وسيستغرق وقتاً وصبراً أكبر. لذلك من الأفضل القيام به بشكل صحيح أول مرة أي في سن مبكرة عوضاً عن إصلاحه لاحقاً.
لا تيأس إذا كان طفلك أكبر سناً من العمر المحدد للتنظيم الذاتي. إذ لم يفت الأوان أبداً للبدء في مساعدته على تعلمه، جُلّ ما تحتاج هو البدء الآن لتحصد نتيجة أفضل.
في المقابل، لا يعني ذلك أيضاً أن عملية تعلم التنظيم الذاتي تنتهي بعمر السنتين. إذ لا يتوقف نمو دماغ الفرد حتى منتصف العشرينات.
دور الوالدين في مساعدة الأبناء على اكتساب مهارات تنظيم العواطف
ينظم الدماغ من خلال جزأين من الجهاز العصبي. أولاً، هناك نظام طوارئ أو استجابة سريعة “دواسة الوقود”، ووظيفته الأساسية هي تنشيط استجابة الجسد للقتال أو الهروب (الكر أو الفر).
فكر في هذا النظام على أنه دواسة الوقود في السيارة؛ أي عند تنشيطه يسمح هذا النظام لأجسامنا بالتحرك بسرعة عن طريق تسريع معدل ضربات القلب وإيقاف عملية الهضم وزيادة نسبة السكر في الدم للحصول على طاقة سريعة.
عندما يغضب الطفل أو الرضيع، يكون هذا النظام في حالة تأهب قصوى وتكون المشاعر بحالة “سرعة عالية”. يُشار أحياناً إلى رد الفعل هذا بسيطرة الدماغ العاطفي (أو الجهاز الحوفي/ الدماغ السفلي) بالجسم.
ثانياً: هناك جزء مهدئ أو مثبط من الدماغ أي يشبه عمله وظيفة “الفرامل”. يعد هذا النظام أبطأ من السابق من حيث تنشيطه، ولكن عندما يتم ذلك، فإنه يبطئ من معدل ضربات القلب ويزيد من الهضم ويحافظ على الطاقة. ترتبط قدرة الرضيع على تنظيم العواطـف بمدى نضج “نظام الفرامل” لديه.
يمكن لهذا الجزء المهدئ من نظامنا العصبي مواجهة تأثير “السرعة العالية” الناتج عن نظام الكَر والفر (الجهاز العصبي الودي)، وهو حاسم في التحكم في وظائفنا الجسدية وصحتنا العاطفية. يتم تنظيم هذا النظام المهدئ عن طريق الدماغ المعرفي (أو الدماغ العلوي).
عندما يجري عمل هذه الأنظمة بشكل متوازن تعمل أجسامنا كما ينبغي ونكون ضمن نطاق السيطرة العاطفية. لكن عندما تكون هذه الأنظمة غير متوازنة، نحتاج إلى الاعتماد على تقنيات التنظيم الذاتي لإعادتها إلى حالة صحية.
استجابة الكر والفر أساسية لبقاء الإنسان
نظراً لأن استجابة الكر والفر أساسية لبقاء الإنسان، فليس تطوّر استجابة “دواسة الوقود” قبل الولادة مجرد صدفة. يعلم كل والد أن الأطفال حديثي الولادة قادرون تماماً على خلق حالة استفزاز لكي ينتبه الوالدان إلى احتياجاتهم أو خطر محتمل وذك من خلال البكاء.
لا يتطور نظام “المكابح” بشكل جيد عند الولادة، لكن لدى الرضع بعض قدرات التنظيم الذاتي المحدودة المتاحة، مثل مص الإبهام والتجنب البصري والانسحاب، لكن يمكنه فقط تهدئة نفسه إلى نقطة معينة خاصةً إذا كانت مشاعره هائجة للغاية أو إذا لم يتوقف كل ما يزعجه. الأمر الذي يزيد الوضع سوءاً هو إطلاق الاستجابة السريعة “دواسة الوقود” هرمون التوتر لقمع النظام المهدئ “المكابح”.
عندما يبكي الأطفال بشكل خارج عن السيطرة فإنهم يقودون سيارة مطاردة مؤججة بالعاطفة بدون مكابح! الأمر متروك لنا، كأهل، للمساعدة في تنظيم مشاعرهم لأن أنظمتهم العصبية غير جاهزة لأداء هذه المهمة وحدها بعد.
كيف تساعد الطفل على تنظيم عواطفه؟
في حين أن العديد من العوامل بما في ذلك المعلمين والمدارس والجيران والأقران والثقافة والجينات قد تؤثر على قدرة الطفل على التنظيم، إلا أن دور الوالدين والأسرة أساسي هنا.
لنلقِ نظرة على العوامل الرئيسية التالية التي تؤثر على قدرة الأطفال على تنظيم عواطفهم ذاتياً:
1. نمذجة مهارات تنظيم العاطفة لدى الآباء
لطالما اعترف بالنمذجة كآلية جوهرية يتعلم الأطفال من خلالها، إذ يلاحظ الأطفال كل خطوة يقوم بها ذويهم ويتشرّبون سلوكياتهم ثم يقلدونها.
تعد قدرة الآباء على ممارسة التنظيم الذاتي من أول النماذج المرتبطة بالعاطفة التي يراها الأطفال، فهم يتعلمون رد الفعل “الصحيح” في المواقف المختلفة ويشاهدون كيف يتحكم الآباء ويكاغحون المشاعر والاندفاعات القوية.
تظهر الأبحاث أن أطفال الآباء الذين يعانون مع التنظيم العاطفي هم أكثر عرضة لأن ينتهي بهم المطاف إلى الإصابة بخلل في التنظيم.
إذا كان أحد الوالدين منفعلاً أو يصرخ أو يصيح في كل مرة يحدث فيها شيء ما خاطئ، هنا يتعلم الطفل الانفعال وسوء التصرف عندما لا تسير الأمور كما يريد. إذا كان أحد الوالدين هادئاً ويفكر بشكل نقدي لحل المشكلات، فمن المرجح أن يقوم الطفل بالمثل ويبحث عن الحلول بدلاً من إلقاء اللوم. كلما صغر عمر الطفل، كان تأثر التقليد أقوى.
وإلى جانب الملاحظة النشطة، يتعلم الأطفال أيضاً من خلال العدوى العاطفية أي عندما يحس الأطفال دون وعي بمشاعر والديهم ويستجيبون بمشاعر مماثلة.
على سبيل المثال، عندما يعبس الآباء أو يرفعون أصواتهم أو يقومون بإيماءات غاضبة، يغضب الأطفال أيضاً وعندما يرفع الآباء أصواتهم يفعل الأطفال المثل أيضاً.
النمذجة الأبوية هي الطريقة الأولى لتعليم الأطفال التنظيم الذاتي
يأتي التنظيم العاطفي عند الأطفال من التنظيم العاطفي لدى الوالدين، يجب استخدام استخدام أنشطة أو أدوات تنظيم المشاعر الموجهة للأطفال فقط كمكمل أو ملاذ أخير للأطفال الذين ليس لديهم نموذج جيد للتعلم منه ولا ينبغي استخدامها كبديل له.
يبدأ تأثير الأقران في الانضمام إلى تأثير الوالدين عندما يكبر الطفل: يتعلم الأطفال الأكبر سناً عن التنظيم الذاتي من خلال مراقبة أقرانهم وتقليدهم. ومع ذلك، لا تزال جودة العلاقة بين الوالدين والمراهقين تلعب دوراً مهماً في التنظيم الذاتي للمراهقين.
يمكن للوالدين مساعدة الأطفال على تعلم التحكم العاطفي الفعال عند قيامهم بالآتي:
- العمل على تبني استراتيجيات تنظيم عاطفي أفضل لأنفسهم
- أن يكونوا قدوة في المشاعر الإيجابية ومهارات تنظيم العواطف التكيفية
- تعريض الأطفال لبيئة إيجابية وأشخاص يتمتعون بتنظيم ذاتي جيد
2. تبني الآباء أسلوب تربية متجاوب ودافئ ومتقبّل
يمكن أن تساعد ممارسات الأبوة المستجيبة والدافئة والمتقبّلة الأطفال في النمو الاجتماعي العاطفي والتحكم في السلوك.
عندما يكون الأهل مستجيبين، يربطهم أطفالهم بالراحة وتخفيف التوتر. تظهر الأبحاث أن الأطفال الذين يستجيب ذويهم لبكائهم سيتوقفون عن البكاء عند رؤيتهم أو سماع أصواتهم فهم بذلك يتوقعون ويترقبون أن يتم حملهم.
إذا لم يقم الوالد بما يؤدي إلى الراحة المتوقعة (حمل الطفل مثلاً)، يعود الطفل إلى حالة الإجهاد والبكاء، يمتلك أطفال الآباء المستجيبين مجموعة واسعة من المهارات التنظيمية تحت تصرفهم.
أيضاً من المهم ما يعتقده الوالدان فيما يتعلق بآلية ضبط المشاعر، إذ يميل الأهل الذين يلاحظون ويقبلون ويؤكدون مشاعر أطفالهم السلبية ويقرون بصدقها إلى التأثير عليهم بشكل إيجابي. يمكنهم تعليم الأطفال الوعي العاطفي عن طريق تدريبهم على التعبير عن شعورهم لفظياً وتشجيعهم على حل المشكلات.
لكن إذا كان الوالدان رافضين أو مهملين للتعبيرات العاطفية خصوصاً السلبية منها، يميل الأطفال إلى تطوير أساليب تنظيم عاطفي مدمّرة. عادة يكون هؤلاء الآباء غير مرتاحين حيال التعبير عن المشاعر ويميلون إلى تدريب الأطفال على قمع مشاعرهم.
يمكن أن يتسبب الآباء الذين يستجيبون بشكل سلبي للأطفال أو يعاقبونهم على عواطفهم في زيادة غضبهم، عدا عن زيادة تنشيط نظامهم العصبي لحالة “الكر والفر” وحينها يصعب تهدتئهم. بهذه الحالة قد يبدو الطفل أكثر تمرداً، بينما في الواقع يكون نظامه مثاراً بشكل مفرط.
قد يؤدي القول للطفل خلال نوبة الغضب أن “يهدأ” أو تهديده بالعواقب إلى تحفيز أنظمته للحد الذي يسبح حرفياً منهاراً، إذ تكون مهارات التنظيم الذاتي ضعيفة عند هؤلاء الأطفال بشكل أساسي فلا يستطيعون تهدئة النظام الأكثر غضباً وهيجاناً. عند ممارسة التربية العقابية تكون النتائج عكسية بما يتعلق بتدريب التنظيم العاطفي.
إخفاء العواطف السلبية
يتبع بعض الآباء نهج “الإخفاء” عندما يتعلق الأمر بالعواطف السلبية أي يشعرون أنه إذا لم تتمكن من رؤيتها فهي غير موجودة أو ستختفي في النهاية، لكن لسوء الحظ لا تعمل العواطف بهذه الطريقة، لأن الأطفال الذين يتجاهل آباؤهم المشاعر ولا يتحدثون عنها بطريقة داعمة هم أقل قدرة على ضبط عواطفهم بشكل جيد.
لتعليم الاطفال التنظيم الذاتي بشكل فعال، يمكن للوالدين اعتماد طريقة من طرق التربية التالية:
- الحنان، التقبل والاستجابة لاحتياجات أطفالهم العاطفية.
- التحدث عن العواطف.
- قبول ودعم وإظهار التعاطف للتحقق من مشاعرهم السلبية.
- التحلي بالصبر.
- عدم تجاهل، رفض، ردع أو معاقبة الأطفال أو إبداء رد فعل سيء بما يخص مشاعرهم وخاصة السلبية منها.
3. تعزيز الجو العاطفي الإيجابي في الأسرة
يعد “الجو” العام للأسرة مؤشراً جيداً على قدرة الطفل على التنظيم الذاتي وتشمل العوامل التي تؤثر على الجو العاطفي علاقة الوالدين وشخصياتهم وأسلوب تربيتهم والعلاقات بين الوالدين والطفل وعلاقات الأشقاء ومعتقدات الأسرة حول التعبير عن المشاعر. عندما يكون الجو العاطفي إيجابياً، مرناً ومتسقاً، يشعر الأطفال بالقبول والأمان.
عندما يكون الجو العاطفي سلبياً، قسرياً أو لا يمكن التنبؤ به، يميل الأطفال إلى أن يكونوا أكثر أنفعالاً وأكثر إحساساً بانعدام الأمان.
يخلق الأهل الذين يعبرون عن مشاعر إيجابية كل يوم جواً ومناخاً عائلياً إيجابياً أما الذين يعبرون عن مستويات مفرطة أو ثابتة من المشاعر السلبية مثل الحزن، الغضب، العداء أو النقد يسهمون في خلق حالة سلبية وسوء تنظيم ذاتي لدى الأطفال.
يعد الخلاف الزوجي أحد أكثر الأسباب شيوعاً للجو الأسري السلبي. يتعلم الأطفال من هذه العائلات طرقاً غير بناءة لضبط النزاعات والعواطف الشخصية ويكون هؤلاء الأطفال أقل احتمالاً لتطوير الكفاءة الاجتماعية.
يحتاج خلق جو عائلي إيجابي من الوالدين التالي:
- التعبير عن المشاعر الإيجابية الحقيقية
- طلب المساعدة للتعامل بشكل أفضل مع الخلافات الزوجية أو الشخصيات السلبية داخل الأسرة
- العمل على تحسين العلاقات بين الوالدين والطفل والعلاقات بين الأشقاء
4. تعليم البالغين مهارات وتقنيات التنظيم الذاتي
لقد تحدثنا حتى الآن عن ثلاث طرق مختلفة يمكن للوالدين من خلالها مساعدة أطفالهم على التنظيم الذاتي. إذا بدا أن الآباء بحاجة إلى فعل أكثر من الأطفال لتنظيم عواطفهم فأنت على حق.
يعتمد الأطفال الصغار على البالغين لتعلم التنظيم الذاتي. مع تقدمهم في السن، ستلعب الوظائف التنفيذية للأطفال في سن المدرسة دوراً أكبر، هنا، يمكن للوالدين البدء في تعليم تقنيات المساعدة الذاتية.
وفقًا لنموذج عملية تنظيم العاطفة الذي اقترحه جيمس جروس (James Gross) وزملاؤه، هناك خمس مراحل في توليد المشاعر. يمكن تطبيق استراتيجيات مختلفة للتنظيم الذاتي على المراحل المختلفة لتنظيم مشاعر الأفراد.
المرحـلة الأولى، اختيار الموقف: يشير هذا إلى الاقتراب أو تجنب شخص ما أو بعض المواقف بناءً على تأثيرها العاطفي المحتمل.
المرحلة الثانية، تعديل الوضع: تعديل البيئة لتغيير تأثيرها العاطفي.
المـرحلة الثالثة، إعادة توجيه الانتباه: إعادة توجيه الانتباه ضمن موقف معين للتأثير على عواطفهم (مثلاً، انظر هناك أرنب أحمر!).
المرحلـة الرابعة، التغيير المعرفي: تقييم الموقف لتعديل دلالته العاطفية (مثلاً، يمكننا تحويل هذا إلى صاروخ).
المـرحلة الخامسة، تشكيل الاستجابة: التأثير على الميول وردود الفعل العاطفية حال ظهورها (مثل الارتجاع البيولوجي، العد حتى الرقم 10 أو تمارين التنفس والتنفس العميق).
بالنسبة للأطفال، تتعامل معظم استراتيجيات التأقلم مع المراحل الثلاث الأخيرة لأنهم أقل قدرة على تجنب البيئة أو تعديلها، كما أنهم يميلون إلى عدم فهم الرابط بين الموقف والعاطفة.
5. العناية الذاتية
بالنسبة للأطفال الأكبر سناً وخاصة اليافعين والمراهقين، تكمن أهمية الرعاية الذاتية في الحياة اليومية في تقوية مواردهم الداخلية لتنظيم المشاعر، وتشمل الأنشطة التي تعزز الرعاية الذاتية ما يلي:
- الرياضة مثل الجري والسباحة والأنشطة الهوائية الأخرى
- ممارسة اليقظة الذهنية مثل التأمل واليوغا
- النوم الكافي والنوم الصحي (الجيد)
- علاجات الاسترخاء مثل الاستماع إلى الموسيقى
أفكار ختامية حول التنظيم الذاتي العاطفي عند الأطفال
إذا كانت تبدو المعلومات المتعلقة بمساعدة الأطفال على تطوير التنظيم الذاتي صعبة، فهي فعلاً كذلك. إنه ما يذكرنا أن مهمتنا كأهل لها أهمية كبيرة وأساسية في صقل مستقبل أطفالنا.
رغم كل شيء، لا يمكن لأي منا أن يوفر منزلاً مثالياً أو أفضل الجينات أو قدوة مثالية. قد يؤدي توقع الكمال من أنفسنا في الواقع إلى زيادة التوتر والسلبية.
ما نحتاج إلى القيام به هو مواصلة العمل على قوانا العاطفية والسعي لخلق بيئة داعمة، وتذكر أنه لم يفت الأوان بعد للبدء. لذا خذ نفساً عميقاً وتقبّل نفسك وعائلتك كما هي وتعمق في ذلك لأن الأمر فعلاً يستحق الجهد المبذول.
اقرأ أيضاً: تدريب العواطف وأهميته في تطوير التنـظـيم العاطـفي لدى الأطفال
اقرأ أيضاً: كيف يتطور التنظـيم المشترك مع الوالدين إلى تنظـيم ذاتـي لدى الأطفال
اقرأ أيضاً: الإشباع الفوري، الحاجة الملحة لإشباع الرغبة الشديدة على الفور
المصدر: Emotional Regulation in Children | A Complete Guide
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم