لا بأس في إضافة بعض المتعة أثناء دفع مبالغ معينة، ولكن شراء حاجات لإدخال البهجة والسرور إلى القلب قد تكون علامة على الإصابة بحالة من الحالات الصحية النفسية. إذ قد تتشابه علامات التسوق الناجم عن الاكتئاب بشكل كبير مع التسوق القهري (هوس التسوق) ولكنه محصور ضمن حيّز تعزيز المزاج المكتسب من الأنشطة المجزية.
قد يضفي امتلاك شيء ما جديد شعوراً من السعادة والإثارة. حتى لو كان مجرد تسوق حاجيات المنزل الأساسية؛ فتجربة شراء شيء جميل قد تمنح إحساساً بالإنجاز.
في الحقيقة، أشار بحث عام 2014 أن الشراء يساعد على تخفيف الحزن ويعطي شعوراً بالقوة والسيطرة.
التسوق كنشاط ترفيهي أو بسبب الحاجة لغرض ما هو شيء والتسوق لأنك تعتمد عليه لتحسين مزاجك هو شيء آخر.
العلاقة بين التسوق والاكتئاب
التسوق تجربة ممتعة أحياناً ويبعث شعوراً جميلاً يماثل ذلك الذي تبعثه الإندورفينات في الدماغ على غرار السلوكيات المجزية، وخاصة الدوبامين. يعد نظام الدوبامين في الدماغ أحد العوامل الأساسية الكامنة وراء أعراض الاكتئاب؛ وذلك وفقاً لبحث تم إجراؤه عام 2021 حول العلاقة بين التسوق والاكتئاب.
وجد البحث أنه قد تترافق كمية الدوبامين القليلة مع الشعور بانخفاض الدافع وانعدام اللذة، وهو عدم القدرة على الشعور بالمتعة.
تشير الأخصائية النفسية بيث غابرييل (Beth Gabriel) إلى أن التسوق يمنح العقل الدوبامين مؤقتاً والذي يفتقر إليه في حالة الاكتئاب، إذ تقول: “الاكتئاب ناتج عن اختلال التوازن الكيميائي في الناقلات العصبية في الدماغ، وعندما يشتري أي فرد منتجاً ما يدرك الدماغ تلك العملية على أنها مكافأة فتطلق المواد الكيميائية فيه، وخاصة الدوبامين”.
تدفق مشاعر الرضا والسعادة في البداية بسبب التسوق ليس إلا حالة مؤقتة، عندما تتلاشى، قد تبدأ الرغبة الشديدة بالتسوق مجدداً (أي الفعل الذي عزز المزاج).
برز كل من تسوق الاكتئاب والعلاج بالتسوق أو التجزئة (استناداً إلى التسوق بالتجزئة) /retail therapy/ كطرق لتحسين المزاج.
أضافت غابرييل: “يمكن تحقيق ذلك بعدة سلوكيات مكافأة أخرى لاتقتصر على التسوق، مثل ممارسة الجنس وتعاطي المواد المخدرة، ومن الطبيعي جداً في حال شعر أحد ما بالاكتئاب أن يبحث عن طرق تعديل مزاجه للأفضل، وهذا يعزز العلاقة بين التسوق والاكتئاب، إذ يمكننا القول أن التسوق هو أحد الطرق المختارة؛ ولو كان لفترة قصيرة.”
هل يعد التسوق القهري اضطراباً؟
يعرف التسوق القهري أو ما يسمى هوس التسوق (oniomania) بأنه حالة من الرغبة المتواصلة بالشراء لا يمكن السيطرة عليها.
أعرب العديد من الخبراء الذين بحثوا في العلاقة بين التسوق والاكتئاب عن رفضهم لعدم إدراج هوس التسوق كتشخيص رسمي في الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية – النسخة الخامسة، إذ يدور الجدل حول مشاركة إدمان التسوق (هوس التسوق) لسمات اضطرابات الإدمان واضطرابات السيطرة على الاندفاعات واضطراب الوسواس القهري (OCD).
ذكر أحد الأبحاث عام 2016 أنه وعلى الرغم من عدم إدراج إدمان التسوق في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، فإنه حالة صحية نفسية منتشرة قد تسبب ضعفاً في مجالات مهمة من الحياة.
نظراً لأن هوس التسوق يرافق عادة حدوث اضطرابات صحية نفسية، فإن الخط الفاصل بين تسوق الاكتئاب والتسوق القهري غير واضح تماماً في معظم الأحيان.
علامات التسوق الناجم عن الاكتئاب
قد تتشابه علامات التسوق الناجم عن الاكتئاب بشكل كبير مع التسوق القهري ولكنه محصور ضمن حيّز تعزيز المزاج المكتسب من الأنشطة المجزية.
قد تتضمن علامات التسوق الناجم عن الاكتئاب ما يلي:
- أفكار مستمرة حول التسوق أو امتلاك شيء معين.
- شعور واضح بالسعادة أو المتعة عند الشراء
- التخطيط بشكل كبير أو التحضير أو البحث قبل التسوق.
- الشعور بالحاجة إلى التسوق استجابةً للمواقف أو التفاعلات السلبية.
- الشعور بالذنب أو الندم بعد الشراء.
- إنفاق أموال أكثر من القدرة عليها.
- شراء أكثر من الحاجة.
- الحصول على جميع العروض الخاصة بالمتجر لإجراء عمليات شراء.
- أولوية التسوق على حساب أمور مهمة أخرى من الحياة.
- نادراً ما تُستخدم الأشياء المشتراة.
- عدم القدرة على التخلي عن الأغراض المشتراة.
- إخفاء الإيصالات والأدلة الأخرى على الإنفاق.
نصائح للتعامل مع تسوق الاكتئاب
قد لا تكون دائماً قادراً على ضبط هذا النوع من التسوق خاصةً إذا تحول إلى تسوق قهري (إدمان)، إذ تنبع عادات الشراء من دافع لا يمكن السيطرة عليه. من المفيد في هذه الحالة اتباع إرشادات أخصائي الصحة النفسية.
هناك طرق يمكنك من خلالها معالجة التسوق الناجم عن الاكتئاب.
إيجاد نشاطات ممتعة أخرى
يعزز التسوق من الحالة المزاجية لأن العقل يعتبره مكافأة. تنصح أخصائية علاج الأسرة والأزواج جانيشا ميكنز-إنغرام ( Janisha Mickens-Ingram ) بإعادة مزاولة هوايات أو رغبات أخرى أسعدتك يوماً كطريقة لضبط الرغبة المُلحة للتسوق المدفوع بالاكتئاب.
الاستعانة بقائمة الرغبات
تقول الاستشارية المختصة ميليسا كايكيل (Melissa Kaekel) أن جزءاً من جاذبية التسوق عبر الإنترنت هو عملية تصفح العناصر المعروضة واختيار الأشياء التي تحبها، لكن ليس عليك الشراء دائماً .
وتضيف: “يتم إطلاق الدوبامين أثناء عملية مقارنة الأشياء المعروضة والنظر في الميزات وتخيل امتلاك الشيء، وملء سلة التسوق أو قائمة الرغبات يمنحك نفس المتعة دون إنفاق المال”.
جعل الإنفاق أمراً صعباً
هناك تكتيك آخر توصي به كايكيل وهو جعل الشراء الاندفاعي أو هوس الشراء أمراً صعباً.
وتقترح لذلك:
- عدم حمل بطاقات الائتمان معك
- الاحتفاظ بكمية صغيرة فقط من النقود في متناول اليد
- وضع بطاقات المتجر في مكان يصعب الوصول إليه في المنزل
- حذف أرقام بطاقات المتجر من أجهزتك
- إلغاء أي شيء يذكر بالتسوق
- حذف تطبيقات التسوق من أجهزتك
الاحتفاظ بقائمة من خيارات الرعاية الذاتية المناسبة للميزانية
تنصح ميكينز- إنغرام بتحديد الأشياء الملائمة للميزانية التي يمكنك القيام بها لتقوية الرعاية الذاتية. تتضمن الرعاية الذاتية الممارسات التي تعزز الرفاهية مثل الرياضة والتأمل والعلاج بالقراءة (bibliotherapy)؛ علماً أن الرعاية الذاتية هي وسيلة فعالة للتعامل مع الاكتئاب والقلق، وفقاً لبحث أجري عام 2020.
ليس بالضرورة أن تتضمن الرعاية الذاتية زيارات لمنتجعات باهظة الثمن أو إجازات على الشاطئ، إذ يمكن أن تكون متلائمة مع الميزانية ومجانية مثل المشي أو التأمل أو أن تدلل نفسك بأخذ حمام ساخن في نهاية اليوم.
استبدال العلاج بالشراء والتسوق بالعلاج الذي يناسبك
غالباً ما يكون التسوق بسبب الاكتئاب أحد أعراض الاكتئاب؛ إنه ليس مجرد سلوك تلجأ إليه عندما تشعر بالإحباط. يعني الخوض في الاكتئاب عادة العثور على شكل من أشكال العلاج ينمي أنماطاً سلوكية مفيدة واستراتيجيات تأقلم على المدى الطويل.
فيما يلي بعض خيارات العلاج التي قد تساعد في التغلب على التسوق الناجم عن الاكتئاب:
- عبر الإنترنت: استخدام خدمات أخصائيي الصحة النفسية من خلال الرعاية الصحية عن بُعد أو مكالمات الفيديو أو التنسيقات الأخرى عبر الإنترنت.
- الواقع الافتراضي: لقاء مع معالج باستخدام التجسيد الافتراضي الذي يحاكي الحركات والتفاعلات البشرية.
- المجموعات: تقديم الدعم وتلقيه من خلال مقابلة معالج يوجه مجموعة من الأقران يعانون سلوكيات التسوق الناجم عن الاكتئاب.
- مجموعات عبر الإنترنت: جلسات جماعية موجهة عبر الإنترنت تشجع على المشاركة والدعم بين الأقران.
- مجموعات المساعدة الذاتية: العمل مع مجموعة المساعدة الذاتية للتحدث عن استراتيجيات التأقلم دون توجيه من المعالج.
- العلاج وجهاً لوجه: العلاج التقليدي بالكلام الذي يتم إجراؤه شخصياً مع أخصائي الصحة النفسية.
- تدريب الحياة: الشراكة مع مدرب يساعدك في العمل نحو أهداف حياتية محددة وبناء عادات صحية.
خلاصة
بالنسبة للدماغ، التسوق تجربة مجزية أحياناً وتحمل معها نوعاً من المكافأة. هي نشاط يمكن أن يحفز الإندورفينات المعززة للمزاج والتي تخفف حدة الاكتئاب ولكن لفترة قصيرة فقط.
على غرار العديد من العادات المجزية، قد يتطور التسوق الناجم عن الاكتئاب إلى أكثر من مجرد استراتيجية مساعدة ذاتية. إذا أصبح الشراء غير قابل للسيطرة، قد يكون إشارة إلى المعاناة من حالة صحية نفسية تُعرف باسم التسوق القهري.
في حين أنه قد يمنح تعزيزاً مؤقتاً للمزاج، إلا أن التسوق لن يعالج الاكتئاب، إذ يتطلب الاكتئاب غالباً توجيهاً من أخصائي الصحة النفسية أو خيارات العلاج الموجه.
قد تستطيع ضبط دافع التسوق من خلال استراتيجيات مثل قائمة الرغبات وتقييد ما تنفقه وإعادة اكتشاف أنشطة المكافأة الأخرى.
اقرأ أيضاً: تأثير ديدرو، كيف يستعبدنا الاستهلاك دون أن نعي ذلك؟
اقرأ أيضاً: نظام المكافأة في الدماغ، وعلاقته بالإدمان بشكل رئيسي
اقرأ أيضاً: أحدث خيارات علاج الاكتئاب وأكثر طرق العلاج استخداماً
المصدر: Depression Shopping: Why Retail Therapy Does Not Heal
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم
