آليات الدفاع النفسي (defence mechanisms)، هي استراتيجيات عاطفية غير واعية مرتبطة بتخفيف القلق و الحفاظ على صورة إيجابية للذات. استراتيجيات مواجهة الضغوطات, الكبت, الإزاحة, العزل.
بمعنى أدق، آليات الدفاع يمكن أن توصف كاستراتيجيات نفسية لا شعورية تستخدم لحماية النفس من القلق الناتج عن الأفكار والمشاعر الغير مقبولة. فهي طرق تلقائية وغير مُدركة نوعاً ما حيث تخفف من تأثير عواطفنا.
كان سيغموند فرويد من أوائل المنظرين الذين حددوا آليات الدفاع النفسي. حيث اعتقد بأننا نستخدم استراتيجيات تأقلم معينة بشكل غير واعي لتقليل قلقنا والحفاظ على صورة إيجابية عن الذات وكذلك الأمر احترام الذات.
اعتبر فرويد أنّ “الأنا – ego” هي البنية الدفاعية التي تتوسط المطالب المفرطة ل “الهو – id” والقيود المفرطة لـ “الأنا الأعلى – super ego”.
لكن ابنة فرويد، “آنا” كانت هي من أعد قائمة شاملة بآليات الدفاع التي تستخدمها الأنا في عام 1953.
تعتبر المفاهيم التالية من آليات الدفاع النفسي:
الكبت (Repression)
آلية الدفاع المركزية، ويعرف بأنه عدم القدرة على تذكر المواد الغير مقبولة للفرد ،حيث تخرج الأفكار والرغبات والمشاعر عن طريق الكبت من الإدراك الواعي.
كمثال عن الكبت، قد “ينسى” الشخص الذي لا يستطيع الاعتراف بمشاعره العدائية تجاه صديق قديم اسم هذا الصديق. كما قد ينسى الشخص أيضاً تفاصيل حادث أو جريمة أو أي موقف آخر مرتبط بالصدمة أو الأذى.
الإزاحة (Displacement)
هي نقل المشاعر السلبية إلى هدف أقل تهديداً. المثال الكلاسيكي للإزاحة هو إزاحة العدوانية إذا كان الشخص غاضباً، ولكن لا يستطيع توجيه غضبه نحو المصدر دون عواقب. فقد “يوجه” غضبه إلى شخص أو شيء لا يشكل خطراً كبيراً، كالصراخ على والديك أو زوجتك بعد جدال مع مديرك بالعمل. استراتيجيات مواجهة الضغوطات, الكبت, الإزاحة, العزل.
من الأمثلة الأخرى، أن تكون محبطاً من زوجتك لأنها لم تساعدك في الأعمال المنزلية. عندها تطلب من أطفالك بدء أعمالهم المنزلية ويستجيبون بالتذمر، فينفجر غضبك وتصرخ في وجوههم وتتهمهم بعدم المساعدة في المنزل.
أو أن تفقد وظيفتك وتجد صعوبة في العثور على وظيفة جديدة. خوفاً من عدم قدرتك على دفع فواتيرك، تبدأ في إخراج إحباطك ومشاعر الفشل لديك ضد المهاجرين في مجتمعك، وإلقاء اللوم عليهم لعدم قدرتك على العثور على عمل. استراتيجيات مواجهة الضغوطات, الكبت, الإزاحة, العزل.
تكون رد الفعل (Reaction formation)
يشير هذا المصطلح إلى تحويل الدوافع الغير مقبولة إلى سلوك معاكس.
على سبيل المثال، يمكن التعبير عن المشاعر العدائية تجاه شخص ما عن طريق سلوكيات المحبة واللطف بشكل زائد.
العزل (Isolation)
العزل هو فصل الفكرة عن العواطف المحيطة بها. حيث يمكن أن تُنسى الفكرة بحد ذاتها أو لا، لكن المشاعر المرافقة لها تُنسى تماماً. استراتيجيات مواجهة الضغوطات, الكبت, الإزاحة, العزل.
فبهذا الشكل يمكن لطالبة جامعية جديدة أن تتجاهل مشاعر الحنين إلى بيت أهلها, على الرغم أنه غالباً ما تراودها أفكار عن العودة إليه.
التراجع عن الفعل (Undoing)
هو محاولة لإلغاء أفعال معينة سواء كانت حقيقية أو متخيلة. فيمكن مثلاً أن يتم التراجع عن طريق الأعتذار أو التعويض أو الاحتفالات والطقوس.
على سبيل المثال، قد يحاول المراهق الذي يمارس الاستمناء ويشعر بالذنب تجاه الموضوع التراجع عن هذا السلوك عن طريق عادة غسل اليدين بشكل متكرر وشعائري. استراتيجيات مواجهة الضغوطات, الكبت, الإزاحة, العزل.
التبرير (Rationalization)
التبرير يتضمن ابتكار سبب قابل للتصديق أو حافز لشرح سلوك الفرد، الذي قد يكون أو لا يكون صالحاً لأحداث أو سلوكيات معينة. يُستخدم التبرير لإخفاء الدوافع الحقيقية للفرد أو نقاط الضعف عن نفسه أو عن الآخرين.
كمثال على ذلك المدمن على الكحول الذي يبرر إدمانه بأنه يحتاج إلى الشرب لكي يستريح من الضغوط اليومية.
العقلنة (Intellectualization)
العقلنة مشابهٌ للتبرير والعقلنة تتضمن استخدام العمليات العقلانية لتجنب التعبير العاطفي أو العواطف غير المريحة أو المثيرة للقلق حيث يتعامل الشخص مع المشكلة بعقله فقط. استراتيجيات مواجهة الضغوطات, الكبت, الإزاحة, العزل.
فقد يتحدث الزوجان الغير متوافقان عن خلافتهما وكأنه أمر عملي لتجنب الحديث حول مشاعرهم الحقيقية تجاه بعضهما.
الإنكار (Denial)
هو رفض جزئي أو كُلي لشيء ما. فهو رفض القبول أو الأعتراف بواقع الموقف. بمعنى آخر، قد ينكر الفرد تجربة كاملة أو المشاعر المرافقة للتجربة.
إن الإنكار شائع جداً و يمكن أن يكون تكيفاً (أي بالمنحى الإيجابي) أو سيء التكيف، فذلك يكون وفقاً لظروف الموقف.
فمثلاً من يمارس الجنس بدون استخدام أساليب الوقاية ينكر الاعتراف بحدوث حمل غير مرغوب به أو الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً.
الإسقاط (Projection)
يتضمن الإسقاط نسب أفكار أو مشاعر أو مواقف الفرد إلى أشخاص أخرين.
ومثال على ذلك، بأن يتهم طالبٌ ما طالباً آخر بإزعاج الأستاذ بينما أنت من يقوم بهذا السلوك.
مثال آخر هو أم يتهم الشخص شريكه في العلاقة بالخيانة أو الرغبة بمواعدة أشخاص أخرين في حين إن هذه هي رغبته العميقة. استراتيجيات مواجهة الضغوطات, الكبت, الإزاحة, العزل.
التراجع (Regression)
التراجع هو العودة إلى مرحلة سابقة من تطور سلوك الفرد وأفكاره ومواقفه. وهذا يتيح للأشخاص العودة إلى مرحلة سابقة لتجنب حالة التوتر و مطالب المرحلة التالية.
الطفل ذو الخمس سنوات الذي غزا عالمه شقيقه الجديد، قد يعود على سبيل المثال إلى المرحلة الشفوية (أكل الطعام) أو الشرجية (التبول على النفس)، حيث كان يحصل على التمجيد.
الاستدماج (Introjection)
هو طَمس الفروقات بين الفرد و شئ محبوب سابقاً وعادة ما يرتبط هذا السلوك بتقمُّص السلطة الخارجية، ولا سيما سلطة الوالدين.
قد يفقد الطفل الذي يتبنى خصائص أحد والديه احساسه بأنه كائن منفصل أو مختلف عنهما.
التماهي (Identification)
هو تقليد أو اكتساب صفة أو جانب أو ميزة معينة لشخص ما بشكل كلي أو جزئي. حيث يتماهى الناس مع الآخرين لكي يشعروا أن لديهم شيئاً مشتركاً.
فمثلاً ابن لاعب كرة قدم مشهور يحاول تقليد والده.
التسامي (Sublimation)
هو التعبير عن الطاقة النفسية بطرق مقبولة اجتماعياً عن طريق التحكم بالدوافع الفطرية أو تأخيرها, حيث يتضمن التسامي توجيه المشاعر إلى افعال بناءة و مقبولة اجتماعياً.
فيمكن رؤية التسامي مثلاً في الدافع الشهواني في سلوك امرأة بلا أطفال، التي تعبر عن قدرتها على الأمومة عن طريق تعليم الأطفال الذين لم يدخلوا المدرسة بعد.
و قد يظهر التسامي في الدافع العدواني لدى الأشخاص العدائيين الذين يوجهون طاقتهم في التمارين أو الأحداث الرياضية عندما يتم تحريضهم. آخرون يمكن أن يوجهوا مشاعرهم إلى الكتابة أو النحت أو الموسيقى أو الرسم أو آي نشاطات إنتاجية أخرى.
على سبيل المثال، يمكنك استخدام آلية دفاع الإزاحة للتعامل مع غضبك تجاه مديرك في العمل أو والديك أو شريكك، فتفرغ جام غضبك على صديق بالصراخ عليه، أو عن طريق رمي الأشياء تجاه الحائط. بعد ذلك، يمكن أن تشعر بالتحسن، ولكنك لم تُحل المشكلة التي جعلتك غاضباً في المقام الأول، فالعامل الضاغط مازال موجوداً كما يمكنه الظهور في المستقبل .
اعتقدت “آنّا فرويد” أن كل شخص يستخدم مجموعة من الدفاعات من وقت لآخر، بعضها عملي أكثر من الآخر، و يعتبر بعض هذه الآليات الدفاعية تكيفياً.
فتوجيه غضبك إلى نشاطٍ بناءٍ أكثر مثل غسيل سيارتك هو عمل أكثر إنتاجية من إيذاء شخص آخر (التسامي).
يمكن لاستخدام آليات دفاع آخرى بإفراط أن يمنعنا من تطوير طرق فعالة للتكييف.
على سبيل المثال، الطالب الذي فشل في الدراسة للأمتحان يقرر أن السبب بذلك هو زميله في السكن الذي كان يشاهد التلفاز.
مثل هذا الدفاع النفسي من قبل الطالب لا يًشجعه على تطوير طريقة تكيفية صحيحة مع الفشل.
فوائد و مساوئ آليات الدفاع النفسي
استخدام آليات الدفاع يتضمن فوائداً و مساوئاً. ومع ذلك، فإن فوائد آليات الدفاع النفسي عادة ما تفوق مساوئها.
فوائد آليات الدفاع النفسي
- نستخدم آليات الدفاع بشكل أساسي لاستعادة صورتنا الذاتية.
- كذلك نستفيد منها في تخفيف القلق.
- يمكن أن تمنحنا آليات للدفاع أيضاً الثقة للتعامل مع الضغوط الإضافية.
مساوئ آليات الدفاع النفسي
- أحياناً يمكن لآليات الدفاع أن تثبط قدرتنا على حل المشكلة.
- استعمال مشاعرنا للتكيف مع الضغوطات يمكن أن يؤدي إلى إعاقة أدائنا في النشاطات اليومية الأخرى، فالصراخ في وجه أصدقائنا قد يدفعهم للرحيل بعيداً عنا.
- استخدام آليات الدفاع يبقينا في حالة لا وعي بما يخص المصدر الحقيقي لأي أعراض مرتبطة بالتوتر.
بالنظر إلى هذه المساوئ، لماذا نستمر باستخدام آليات الدفاع النفسي؟
فعلياً، هي طريقة أسهل وتنتج نتائج أسرع في تخفيف مشاعر القلق لدينا.
للأسف، فإن هذه المزايا غالباً ما تكون على حساب رفاهنا. حيث يمكن أن نشعر بحزن أكثر ومزاح سلبي على المدى البعيد (ليتلتون وآخرون 2007/. اوبراين, تيري وجيميسون 2008).
اقرأ أيضـاً: اللاوعي، المفهوم، آليـات الدفـاع واللاوعي الجمعي
اقـرأ أيضاً: كبش الفداء، شرح هذه النظرية في علم النفس، وكيف نواجهها في حياتنا اليومية
اقرأ أيضـاً: الإسقاط، تعريفه، أصوله، تطوره وكيف يكون كآلية دفاع؟
تدقيق: هبة مسعود
تحرير: جعفر ملحم
