أهمية تقدير الذات وكيفية تنميته

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

يقلل الكثير منا من أهمية التمتع بتقدير كبير للذات (self-esteem)، لكن امتلاك الفرد نظرة إيجابية إزاء شخصيته يشكل الخط الفاصل بين الشعور الجيد والاهتمام بالنفس وبين عدمهما. سمعنا جميعاً النصائح التي تشدد على أهمية الإيمان بالنفس وتقديرها، تشجيع الذات، وعلى أن الشخص ليس باستطاعته أن يحب الآخرين ما لم يحب نفسه بالدرجة الأولى، وكلها نصائح صحيحة تماماً. 

لكن، ماذا يعني ذلك بالضبط في الحياة الواقعية؟ في الأساس، التمتع بتقدير عالٍ للذات أمر حيوي لحياة سعيدة وناجحة. السؤال هنا هو كيف تعرف بالضبط ما إذا كان تقديرك لذاتك مرتفعاً بدرجة كافية؟

في هذه المقال سنلقي نظرة على ماهية تقدير الذات، ولماذا هو مهم، وكيف تبنيه. كما سنتحدث بالتفصيل عن الآثار السلبية لضعف تقدير الذات، ونبين الفرق بين الإحباط من حين لآخر وبين تقدير الذات المنخفض الحقيقي. إضافة إلى التعريف بما إذا كان تقديرك لذاتك يمكن أن يصل إلى درجة عالية جداً، والعوامل التي تساهم في تدني تقدير الذات، إلى جانب نصائح لتنمية نظرة ذاتية واحترام للذات أكثر إيجابية أيضاً.

 ما هو تقدير الذات؟

كي تتمتع  بتقدير عال للذات، من المهم أن تفهم أولاً ما هو تقدير الذات. وكحجر أساس لذلك، عليك أن تعي أن التقدير يعني الإعجاب والاحترام.

تقدير الذات هو أن تنظر لنفسك باحترام وإعجاب. تعرّفه الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) بأنه “الدرجة التي يُنظر بها إلى الصفات والخصائص التي يتضمنها مفهوم الفرد عن ذاته على أنها إيجابية”.

لا يعني تقدير الذات العالي الإعجاب بالنفس فقط، بل ينطوي أيضاً على منح النفس الحب، القيمة، الكرامة والاحترام كذلك. ويعني تقدير الذات الإيجابي الإيمان بقدرتك (على التعلم، الإنجاز والمساهمة في العالم) والاستقلالية للقيام بالأشياء بمفردك، وأن أفكارك ومشاعرك وآراءك ذات قيمة كبيرة.

بمعنى آخر، تقدير الذات هو ما تشعر به حيال نفسك سواء من الداخل أو الخارج، ويشمل ما تفكر فيه وتعطيه قيمة في نفسك وكيف تتعامل مع الآخرين، ويرتبط بالطريقة التي تشعر بها أن الآخرين ينظرون إليك ويعاملونك ويقدرونك.

لهذا السبب، فإن الشخص الذي تعرض لسوء المعاملة أو سبق أن عانى من صدمة معينة خلال حياته (خاصة في مرحلة الطفل) أكثر عرضة للمعاناة من تدني تقدير الذات، وذلك خلال تلك المرحلة المعينة وما يليها أيضاً.

لا يعتمد تقدير الذات كلياً على شيء بعينه أو مجموعة من الأفكار، بل يتكون من نظرة الشخص نحو جميع الأشياء التي تجعله ما هو عليه كشخص، بما في ذلك الشخصية، الإنجازات، المواهب، القدرات، الخلفية، الخبرة والتجارب، العلاقات، الجسد وكذلك تصور الطريقة التي يراه بها الآخرون.

قد يركز كل شخص على مجالات معينة تؤثر على تقديره لذاته، كإعطاء أهمية إضافية للمظهر الخارجي، الحالة الاجتماعية، المواهب أو الإنجازات المهنية (أو إلى الافتقار إلى تلك الأشياء)، عند تكوين صورته الذاتية وكيف يشعر تجاهها.

تقدير الذات مقابل الاكتئاب

يتداخل مفهوم تقدير الذات المنخفض مع الاكتئاب إلى حد ما، إلا أنهما مختلفان في الواقع. فتدني تقدير الذات يُعتبر عامل خطر للاكتئاب، وليس اكتئاباً بحد ذاته.

وفي حين أن الاكتئاب هو حالة صحية نفسية تؤثر على العقل والجسم، فإن تقدير الذات يصف الطريقة التي تفكر فيها وتشعر بها تجاه نفسك. أيضاً، يكون تقدير الذات ثابتاً أكثر عند بعض الأشخاص، بينما تتأثر مشاعر الآخرين تجاه أنفسهم بدرجة كبيرة بمزاجهم وأحداث الحياة، و يكونون أكثر عرضة للانهيار.

وتذكر، تتأثر درجة تقديرك لذاتك بالعديد من العوامل التي تجعلك ما أنت عليه، وبعض تلك العوامل هي تحت سيطرتك، وبعضها الآخر ليس كذلك. وفي النهاية، ما يهم أكثر هو العوامل التي تصب عليها تركيزك من بين تلك العوامل العديدة ومقدار الرعاية، الإمهال والرحمة التي تمنحها لنفسك فيما يتعلق بالأشياء التي لا تشعر بالحماس تجاهها.

سواء أدركت ذلك حقاً أم لا، فإن تقديرك لذاتك في جوهره هو الصورة التي ترسمها عن نفسك، والأجزاء التي تختار التركيز عليها.

فكما قال الفيلسوف الشهير المناصر للطبيعة هنري ديفيد ثورو (Henry David Thoreau) ذات مرة، “المسألة ليست حول ما تنظر إليه، بل حول ما تراه حقاً”.

تقدير الذات العالي

يعني تقدير الذات العالي بشكل عام أن ترى نفسك من منظور إيجابي. لكن هذا لا يعني أن تحب كل شيء فيك أو تعتقد بأنك مثالي. بل على العكس تماماً، يترافق التقدير العالي للذات مع النقد الذاتي، ويكون لدى الفرد بعض الجوانب التي لا يفتخر بها أو يشعر بالسعادة تجاهها مقارنة ببقية الجوانب. يتقلب مستوى تقدير الذات العالي اعتماداً على الظروف.

إذا كان لديك تقدير مرتفع لذاتك، فإن الأفكار الإيجابية عن نفسك تفوق السلبية منها، وتلك الأفكار السلبية القليلة لن تقودك للتقليل من جدارتك كشخص .

في الأساس، تقدير الذات العالي هو إطار ذهني يسمح لك بالاحتفاء بنقاط قوتك، وتحدي مكامن ضعفك، والشعور بالرضا عن نفسك وحياتك، كما يسمح لك بأخذ السلبيات والإيجابيات التي قد تواجهها في حياتك اليومية بعين الاعتبار، لأنك في صميمك تقدر نفسك وتثق بها وتحترمها.

يساعد تقدير الذات العالي على فهم أنك لست محور كل شيء، وهذا ما يتيح لك تجنب أخذ كل شيء على محمل شخصي، كما يقيك من المبالغة في رد فعلك تجاه الأشياء، ويسمح لك أن ترى ما هو أبعد من نفسك وتشعر بالثقة في مكانك في العالم.

من المثير للاهتمام أن تقدير الذات العالي لا يتماشى دائماً مع الظروف أو السمات التي قد تفترض بشكل موضوعي أنها يجب أن ترتبط بالشعور بالرضا عن نفسك.

على سبيل المثال، تظهر بعض الأبحاث أن الجاذبية الجسدية لا تنبئ بتقدير الذات العالي. في الواقع، بينت إحدى الدراسات أن المراهقين ذوي “الوجه الجذاب” حصلوا على درجات أقل من أقرانهم في قياسات تقدير الذات. بمعنى آخر، الشخص الذي يبدو أنه يمتلك كل شيء؛ عمل رائع، شريك عاطفي، جمال، وجسم متناسق  قد لا يرى ما يمتلكه بهذه الطريقة.

أهمية تقدير الذات المرتفع

وفقاً للجمعية الأمريكية لعلم النفس، فإن التقدير المرتفع للذات هو حجر أساس الصحة النفسية الإيجابية والرفاهية، ويُعتبر أمراً بالغ الأهمية لأنه يساعدك على تطوير مهارات التأقلم والتعامل مع الشدائد ووضع الأفكار السلبية في نصابها الصحيح.

لا يميل من يتمتع بمفهوم ذاتي أعلى إلى التركيز بشكل عبثي على الأشياء، إلقاء اللوم على من حوله وما يحيط به، الشك الذاتي، اليأس أو إعطاء قيمة أكبر للأجزاء التي لا يشعر بالسعادة نحوها، كما أنه يتمتع بقدرة على التعامل مع التوتر والقلق والضغط، سواء في المدرسة أو العمل أو المنزل أو من الزملاء.

وعوضاً عن الشعور باليأس أو العجز أو عدم الجدارة بسبب أي “إخفاقات” متصورة، فإن الشخص الذي يتمتع بتقدير كبير للذات يبحث عما يمكنه تغييره أو تحسينه لينجح أو يطور نفسه بدلاً من الشعور “بالفشل” أو اليأس.

في المقابل، ستكون المشاعر السلبية التي يحملها الشخص الذي يعاني من تدني تقدير الذات تجاه نفسه جزءاً لا يتجزأ منه. في الواقع، تُظهر الأبحاث أن الشعور بالإيجابية والتقدير تجاه نفسك، خاصة في مرحلة الطفولة، يعينك بشكل كبير على التكيف مع تحديات الحياة والتأقلم معها.

يمكّنك كل من مفهوم الذات وتقدير الذات الصحيّان من إدراك أن ارتكاب خطأ أو رفض شخص ما لك لا يعني نهاية العالم.

تقدير الذات والسلوك المؤيد للمجتمع

تقدير الذات العالي على علاقة بالسلوك المؤيد للمجتمع (أفعال تحمل نية إفادة الآخرين، مثل الكرم وصفات مثل التعاطف) والمرونة والعلاقات الأسرية الإيجابية.

إذ وجدت دراسة أجريت عام 2014 أن طلاب الجامعات الذين يتمتعون بتقدير أكبر للذات ولديهم علاقات مليئة بالحب والدعم مع عائلاتهم كانوا أكثر نجاحاً في الدراسة، وأعلى قدرة على التكيف الاجتماعي المرتبط بالعيش في بيئة جديدة.

تقدير الذات والتوتر

ترتبط الطريقة التي تعاني بها من التوتر ارتباطاً وثيقاً بمستوى تقديرك لذاتك. السلوك المؤيد للمجتمع، والذي كما ذكرنا، يظهر بدرجة أكبر لدى من يتمتع بتقدير عالٍ للذات، معروف بأنه يحد من التأثير السلبي لضغوط الحياة اليومية، مما يساعدك على إدارة التوتر بفعالية أكبر.

وقد وجدت الدراسات أيضاً علاقة إيجابية بين تقدير الذات الإيجابي والدافع لتحقيق الأهداف، الكفاءة الذاتية وضبط النفس، وتنبأ المستويات الأعلى من تقدير الذات بنجاح أكاديمي أكبر.

تقدير الذات المرتفع يعزز الرفاهية ككل

يُعتبر تقدير الذات المرتفع عاملاً وقائياً في وجه العديد من الحالات الصحية النفسية، مثل الاكتئاب والقلق. وأثبتت الدراسات بالفعل أن التمتع بتقدير كبير للذات يرتبط ارتباطاً مباشراً بالرضا عن الحياة والقدرة على الحفاظ على موقف إيجابي تجاه النفس في المواقف الصعبة.

تُظهر الأبحاث حول أهمية تقدير الذات أن الأشخاص الذين يتمتعون بتقدير أعلى للذات هم أكثر سعادة في وظائفهم، ولديهم علاقات اجتماعية أفضل، وشعور الرفاهية والعافية لديهم أكثر إيجابية بشكل عام. 

مخاطر تدني تقدير الذات

يصف الباحثون تقدير الذات غالباً بأنه يقع على طيف، حاله كحال العديد من العناصر الصحية النفسية. وكأي شيء في الحياة، صورة الذات عرضة للتغير والنمو مع نضوج الفرد وتقدمه في مراحل حياته، وكنوع من الاستجابة لأحداث الحياة الرئيسية.

مع ذلك، يميل الفرد إلى الثبات في نقطة محددة من تقدير الذات، سواء كانت عالية أو منخفضة أو ما بين بين. ويتأثر كل من التفاعلات الاجتماعية، الانتباه، التنظيم العاطفي، اتخاذ القرارات، والرضا عن الحياة بتقدير الذات المنخفض.

التفاعل

كما نوهنا سابقاً، وجود تقدير عالٍ للذات يعني القدرة على التخلص بشكل أفضل من الأحداث غير المحببة والأحكام أو الحالة المزاجية السلبية للآخرين التي تعترض طريقك.

بالمقابل، عندما يكون لديك مفهوم غير واضح عن ذاتك، فمن المرجح أن تأخذ النقد أو الرفض على محمل شخصي، وتفترض أن مشاكل شخص آخر تتعلق بك.

وهذا التخبط يزيد من ردود أفعال الأشخاص الذين يعانون من تدني تقدير الذات تجاه الظروف اليومية والتفاعلات الشخصية، إذ يكونون أقل قدرة في السيطرة على عواطفهم، والتعامل بشكل جيد مع التحديات، والنظر إلى الحياة من منظور صحي.

يعني تدني تقدير الذات أحياناً أنك تضخم الأشياء الصغيرة وتجعلها قضايا كبيرة تبدو عصية على الحل، ما يقود إلى المزيد من التراجع فيما يتعلق بمنظورك عن ذاتك.

الشعور بالإحباط مقابل ضعف تقدير الذات

في الأساس، تدني تقدير الذات ليس مجرد مزاج سيء أو المرور بيوم مزعج فقط. فالجميع يشعرون بالإحباط عند مواجهة أحداث سلبية، لكن هذه المشاعر مؤقتة وتختفي لاحقاً، تحديداً بالنسبة لمن يتمتع بتقدير إيجابي للذات، وليس لها أي تأثير على جدارة الذات بالنسبة لهم.

بالمقارنة، فإن تدني تقدير الذات هو صورة ذاتية سلبية مزمنة، والتي قد تتأرجح تزامناً مع الأحداث الإيجابية والسلبية في حياتك، لكنها تبقى تلازمك بمرور الوقت، بغض النظر عن ظروف الحياة.

قد يكون مستوى تقدير الذات، في جزء منه بمثابة، دالة للتنوع الطبيعي في أنماط الشخصية، العاطفة، الجينات، و / أو الاستجابة للتنشئة، الأقران وأحداث الحياة. ولكن عندما يكون تقدير الذات منخفضاً على وجه الخصوص، سيكون المرء عرضة لخطر العديد من التحديات الصحية النفسية.

قابلية الإصابة بالاكتئاب

العلاقة بين تدني تقدير الذات والحالات الصحية النفسية قوية على نحو خاص، والمثير للاهتمام أن الأبحاث حول أهمية تقدير الذات تظهر، وبشكل مقنع، أن ضعف تقدير الذات يساهم في الاكتئاب أكثر من العكس، بمعنى أن الاكتئاب لا يؤدي إلى تدني تقدير الذات، بل التفكير السيء في النفس يجعل الشخص أكثر عرضة للاكتئاب.

وتشير الدراسات أيضاً إلى أن زيادة تقدير الذات يشكل عامل وقاية من الحالات الصحية النفسية، والسبب المحتمل وراء ذلك هو تحسن مهارات التأقلم والإيجابية والمرونة التي تترافق مع هذا الحديث الذاتي الأكثر تأكيداً وقبولاً للنفس.

بشكل أساسي، يجلب تدني تقدير الذات الشعور بالسوء تجاه النفس ما يجعل عيش حياة مُرضية، الوصول إلى الأهداف ووجود علاقات اجتماعية وحميمة إيجابية أكثر صعوبة.

تظهر الدراسات أيضاً أن تدني تقدير الذات يرتبط ارتباطاً وثيقاً ليس بالاكتئاب وحسب بل بالقلق، المشاكل العاطفية، تعاطي المواد المخدرة، التوتر، اضطرابات الأكل والتفكير الانتحاري. كما تبين الأبحاث حول أهمية تقدير الذات وجود علاقة قوية بين تدني تقدير الذات واضطرابات القلق، لا سيما الرهاب الاجتماعي واضطراب القلق الاجتماعي.

سلوكيات محفوفة بالمخاطر

تشير الدراسات إلى وجود صلة بين ضعف تقدير الذات وزيادة خطر السلوكيات الصحية المحفوفة بالمخاطر، خاصة عند المراهقين، مثل تعاطي المواد المخدرة والكحول، القيادة تحت تأثير الكحول، إيذاء النفس، التدخين وحمل السلاح. فأولئك الذين يقدّرون ويحترمون أنفسهم أقل عرضة لاتخاذ خيارات خطيرة من شأنها أن تؤثر على صحتهم وسلامتهم.

تحسين تقدير الذات مفيد في التعافي من الإدمان، وتُظهر الدراسات أن هذه العلاقة بين تدني تقدير الذات والاختيارات السيئة واضحة لدى المراهقين بشكل خاص، على اعتبار أنهم في وضع غير مناسب لاتخاذ القرارات، وذلك بسبب مهارات الوظيفة التنفيذية التي ما زالت قيد التطور. كما وُجدت علاقة بين تدني تقدير الذات والسلوكيات الجنسية الخطيرة لدى المراهقين.

انخفاض الثقة بالنفس

وجدت الأبحاث حول أهمية تقدير الذات ارتباطاً واضحاً بين انخفاض الثقة بالنفس وتدني تقدير الذات والعكس صحيح هنا.

كما أن امتلاك ثقة عالية بالنفس يشجع الاعتماد على الذات، الدفاع عن النفس، والثقة بالذات وبقدرات الفرد، وجميع العوامل التي تعزز تقدير الذات، كما أنها تخلق إطاراً للصحة النفسية الإيجابية وجودة الحياة.

هل يمكن أن تبالغ في تقدير الذات؟

قد يكون مفهوم الذات غير الواقعي أو المفرط غير صحي مثل تقدير الذات السلبي. لذا، يجب التمييز بين تقدير الذات العالي والغطرسة. فالأول لا يعني أن تكون مغروراً، أنك معصوم من الخطأ أو أفضل من الآخرين.

تقدير الذات المرتفع مقابل الغطرسة والنرجسية

الغطرسة (arrogance) هي انحراف مفهوم الذات عن الواقع ليغدو القوة المهيمنة في حياة الشخص، وقد يتبادر إلى الذهن أن الكثير من تقدير الذات يعادل الغرور الشديد أو بمعنى أدق الأنا المتضخمة.

وهذا النوع من مفهوم الذات النرجسي لا يعتبر بالضرورة تقدماً طبيعياً من تقدير الذات الصحي، والذي يُقدر الذات ولكن إلى حد معين وليس فوق الجميع.

تصف النرجسية أو الغطرسة تحديداً الشخص الذي يتمحور تركيزه حول نفسه فقط، ويعتبر نفسه أهم من الآخرين أو حتى جديراً بالاهتمام أكثر منهم، ولا يفكر حتى في تأثير أفعاله على من حوله. يمكن القول ببساطة أن ما يبدو وكأنه “الكثير من تقدير الذات” هو في الواقع عكس ذلك تماماً.

في الواقع، قد يظهر أن النرجسيين يمتلكون تقديراً كبيراً للذات، إلا أن الدراسات أظهرت عكس ذلك تقريباً. إذ توصلت إلى أن المعتقدات العظيمة عن الذات غالباً ما تكون بمثابة حاجز لإخفاء الصورة السيئة عن الذات، مشاعر العار والغضب الموجه نحو الذات الذي يختبئ داخل الفرد.

الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية النرجسية هم أكثر عرضة للحالات الصحية النفسية المَرَضية مثل الاكتئاب والقلق. ويعانون من الشعور بالعجز، ولديهم علاقات شخصية غير مستقرة.

العوامل المساهمة في تدني تقدير الذات

كما سبق وأشرنا، هناك شبكة معقدة من التأثيرات تتحد جميعها لتشكل هويتك وشخصيتك ومفهومك لذاتك. لكن هناك عوامل محددة تشير إلى وجود تقدير ذات مرتفع أو منخفض.

تشمل تلك التي تؤثر على تقدير الذات وجود تنشئة داعمة أم لا، حيث تقدر احتياجاتك وأفكارك ومشاعرك ومساهماتك وأفكارك. ويُعتبر كل من التفكير الإيجابي والوراثة والنظرة الشخصية والأقران والأشخاص القدوة عوامل مهمة أيضاً.

يتأثر تقدير الذات بعوامل أخرى، كأحداث الحياة الصعبة أو الصدمات مثل الطلاق، العنف، العنصرية، الإهمال، الفقر، الكوارث الطبيعية، التعرض للتنمر أو سوء المعاملة؛ فجميع تلك العوامل تساهم في تدني تقدير الذات.

وما يحدد مدى التأثير الذي ستخلفه التجارب السيئة على تقديرك لذاتك، هو فعالية مهارات التأقلم لديك، والإيجابية النسبية لنظرتك الشخصية، والمرونة العامة، إضافة إلى الكثير من العوامل التي يمكن أن تكون فطرية أو مكتسبة.

 تنمية تقدير الذات العالي

ترسيخ تقدير عالٍ بالنفس (ومرونة في وجه الأحداث) ليس بمهمة سهلة. لكنها بالتأكيد ممكنة وفي متناول يدك أيضاً، كما أنها يمكن أن تحدث فرقاً جوهرياً في حياتك.

وكما قلنا سابقاً، أحد أهم الأشياء التي تؤثر على تقدير الذات والذي يجب فهمها جيداً هو نمط تفكيرك. وما تركز عليه، وتفاؤلك بدلاً من مجرد التركيز على حقائق موضوعية أو أحداث في حياتك. 

يتعلق الأمر بما تراه وتقوله لنفسك عند النظر إلى مظهرك الجسدي، مهاراتك، إنجازاتك أو إمكاناتك المستقبلية.

يتطلب بناء تقديرك لذاتك العمل والتصميم والاستعداد تماماً لمواجهة الأفكار السلبية عن نفسك والتصدي لها، وتعزيز صورتك الذاتية بأفكار إيجابية.

والأهم أن تتسامح مع نفسك، وتتخلى عن بعض الأشياء التي تزعجك. وكذلك العمل على النواحي التي يمكنك تغييرها، وفي نفس الوقت ترغب بتغييرها.

إذا كنت تقدر نفسك، ولديك جدارة ذاتية مرتفعة كفاية، فهذا يعني أنك تعي تماماً كم أنت تستحق أن تعتني بنفسك، وهذا بدوره يُساهم في محاولة القيام بأشياء معينة من شأنها أن تحسن تقديرك لذاتك. ولن تتمكن من رعاية نفسك على نحو جيد ما دمت تفكر بشكل سيء عن نفسك.

تظهر الدراسات أن تسامحك مع نفسك فيما يخص الأمور التي تشعر بالندم تجاهها من شأنه أن يحسن تقديرك لذاتك. بالنهاية، الأمر كله يتمحور حول قبولك وحبك لنفسك كما هي.

متى تبحث عن المساعدة

إذا كنت تعاني من تدني تقدير الذات، فقد يكون من المفيد العمل مع استشاري أو غيره من أخصائيي الصحة النفسية للبدء في تغيير حديثك السلبي مع نفسك وتحسين طريقة رؤيتك وتقدير لذاتك.

طرق تحسين تقدير الذات

تحسين تقديرك لذاتك يتطلب ممارسة ونية، وهو بالطبع يستحق الجهد الذي ستبذله من أجله، إذ يوجد ارتباط واضح بين تقدير الذات العالي ومدى جودة الحياة. فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعدك على التفكير بشكل أكثر إيجابية عن نفسك.

تقبل الاطراءات

انتبه إلى الرغبة التي تدفعك إلى صرف النظر عن الثناء والمديح، وبدلاً من ذلك استمع لهم واقبلهم. إذ تُظهر الأبحاث حول أهمية تقدير الذات أن صعوبة قبول الإطراءات والإشادة بالذات يرتبط ارتباطاً مباشراً بتدني تقدير الذات.

امنح نفسك استراحة

سامح نفسك على أخطائك، واسحق نظرياتك الذاتية السلبية وحديثك الذاتي السلبي. في النهاية لا أحد مثالي أو يحب كل شيء في نفسه، وبالتالي لا تتوقع ذلك من نفسك. عندما تجد نفسك عالقاً في دوامة سلبية من الأفكار حول ذاتك، تمهل قليلاً. اسأل نفسك ما إذا كنت منصفاً بحق ذاتك أو حتى واقعياً بما تعتقده عنها.

أحب نفسك؛ ميزاتك وعيوبك

قد يكون لديك أشياء تتمنى لو أنها مختلفة، أو تريد تغييرها، أو ببساطة لست سعيداً بها. لكن أحب واحترم نفسك في جميع الأحوال فهذا هو مفتاح السعادة الحقيقي.

قيّم الشخص الذي أنت عليه، lass=”yoast-text-mark”>”font-weight: 400;”>اقبل وقدر قيمة ما أنت عليه الآن. ابحث عن الأشياء التي تجعلك فريداً وسعيداً وذا قيمة. وكن مدركاً لأهمية تقدير الذات العالي فبمجرد أن تدرك مدى تأثير نظرتك تجاه نفسك على رضاك عن الحياة وعلى رفاهيتك. ستتحفز أكثر لتغيير طريقة تفكيرك ولتقدير نفسك بشكل أكبر.

التمس الدعم

يمكن أن يساعدك العلاج، مثل العلاج  المعرفي السلوكي، في العمل على المشكلات التي قد تعيق نظرتك الذاتية الإيجابيةز ويساعدك أيضاً على بناء مهارات من شأنها أن توقف الحديث السلبي عن النفس وتمنحك نظرة أكثر تفاؤلاً عن نفسك.

ابدأ بالكتابة في يومياتك عن الامتنان

دون في يومياتك كم أنت ممتن؛ اكتب كل الأشياء الإيجابية في حياتك والتي تحبها في نفسك، والإنجازات أو الصفات التي تفخر بها. ثم اقرأها كلما شعرت بالإحباط تجاه نفسك.

لاحظ أفكارك وانتبه لها، وعندما تراودك أفكار سلبية، اختر بين العمل بشكل فعال عليها أو تركها ببساطة. عندما تكون لديك أفكار إيجابية، اسع لتضخيمها، خاصةً عندما تعترضها أفكار أقل إيجابية.

عامل نفسك كما تعامل صديقاً

من المحتمل أن تكون أكثر صبراً، تسامحاً، لطفاً، تشجيعاً، دعماً وفخراً عندما تقيّم صديقاً مقارنة بأسلوب تقييم نفسك. لذا، في المرة القادمة التي تقسو فيها على نفسك، تمهل قليلاً وتراجع خطوة نحو الوراء، وغير زاوية نظرك إلى الأمر، وعامل نفسك كما تفعل مع صديق.

اعمل على تحسين نفسك

إذا كانت هناك أشياء تتعلق بك أو بحياتك لا تشعر بالرضا عنها، ففكر في التغييرات التي يمكن إجراؤها عليها، ثم ضع خطة لتطبيق هذه التغييرات.

خلاصة

تقدير الذات المرتفع ببساطة هو مفتاح الرضا عن الحياة. بالنسبة للبعض، فإن هذه الحالة الذهنية تأتي بسهولة، وبالنسبة للآخرين قد يمثل الأمر تحدياً ونقطة صراع. لحسن الحظ، بغض النظر عن درجة تقدير الذات لديك، يمكنك العمل على تحسين رؤيتك ودعمك وتعاطفك وحبك لنفسك.

عموماً، العلاقة التي تربطك بنفسك هي الأكثر أهمية في نهاية المطاف. فهي تمنحك المرونة، الثقة، اللطف، الدافع والحب الذي ينير دربك بقية حياتك ويساعدك على أن تكون أفضل ما يمكن أن تكون عليه. وليس من الضرر أن تتواصل مع معالج لمساعدتك في تعلم المهارات اللازمة لبناء تقديرك لذاتك.

اقرأ أيضـاً: تقدير الذات، ما العوامل التي يتأثر بها وكيف يمكن تحسينه؟

اقـرأ أيضاً: الفرق بين احترام الذات، تقدير الذات، الثقة بالنفس ومعرفة الذات

اقرأ أيضـاً: العلاقة الصحية مع الذات، ما هي، كيف تتكون وما أهميتها؟

المصدر: Why It’s Important to Have High Self-Esteem

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

Clear Filters
error: