اضطراب الشخصية التفارقية (اضطراب الهوية الفصامي) هو حالة عقلية حقيقية، كما أنه ليس نادراً كما يعتقد معظم الناس، وهو حالة تتميز بوجود هُويَّتين أو شَّخصيَّتين أو أكثر للفرد يتناوبان التحكم بسلوكياته ووعيه فالشخص الذي يعاني من اضطراب الهوية التفارقي قد يواجه تحولاً بين اثنين على الأقل من حالات الهوية المنفصلة أو الشِّخصيّات. يميّز العديد من الناس هذه الحالة باسمها السابق اضطراب تعدد الشخصيات، ورغم ذلك يعد اضطراب الشخصية التفارقي اضطراباً فصامياً لا اضطراباً في الشخصية ويجب التمييز بينه وبين اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع.
خرافات عن اضطراب الهوية التفارقي
على مر الزمان، أدى تهويل صور وسائل الإعلام والنقص العام في فهم ماهية اضطراب الشخصية التفارقيّ إلى اقحام الكثير من الخرافات والمفاهيم الخاطئة حول هذه الحالة النفسية.
بعض هذه الخرافات:
- اضطراب الهوية التفارقي ليس حقيقياً.
- اضطراب الهوية التفارقي اضطراب نادر، ويدّعي كثير من الناس الإصابة بهذه الحالة.
- ظهور هوية شخصية (بديلة) واحدة على الأقل عنيفة بين الشخصيات.
- اضطراب الشخصية التفارقية هو مجرد شكل حاد من اضطرابات الشخصية الحدية.
- لا يمكن تشخيص الحالة أو علاجها بسهولة.
قد تجعل هذه الأساطير والوصمة التي تولدها السعي إلى الحصول على المساعدة في حال إدراك الأعراض في نفسك أو في شخص تحبه، أمراً صعباً.
يسعدنا القول أنّ هذه مجرد خرافات، وأنّ اضطراب الشخصية التفارقي قد يتحسن بمساعدةِ الدعم المهني.
ما هو اضطراب الهوية التفارقي؟
تصنفُ الطبعة الجديدة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الطبعة الخامسة والمعروفة أيضاً باسم DSM-5، اضطراب الهوية التفارقية كاضطرابٍ فصاميّ.
وقد تتضمن اضطرابات التفارق، التي غالباً ما تتطور بعد التعرض لصدمة، ما يلي:
- تعطل العمليات المتعلقة بالذاكرة والهوية والإدراك.
- الانفصال عن العاطفة أو الانعزال.
- الانفصال عن الواقع والمحيط.
في الواقع أن الجميع تقريباً ينفصلون عن الواقع في مواقف معينة كأحلام اليقظة أو فقدان التركيز أثناء القيادة على سبيل المثال.
ومع ذلك يتسمُّ التفكك الذي يحدث مع حالات الصحة العقلية هذه بالاستمراية ويسبب الضيق وقد يعوق الأداء الوظيفي في العالم.
ما سبب الانفصال عن الواقع؟
يعتقد الخبراء أن الأفراد قد ينفصلون كآلية للتعامل مع الأحداث المؤلمة للغاية أو الغامرة مثل سوء المعاملة أو الإهمال.
بشكل أساسي إن مواجهة وقبول ما يحدث مؤلمٌ جداً وعند التعرض لصدمة يقوم عقلك بحياكة طريقة لحمايتك وإحدى هذه الطرائق هي فصلك عاطفياً وعقلياً عن الذاكرة والتجربة (الحدث الصادم)، وقد يصبح عقلك فارغاً أو قد تفقد التركيزَ فيما يجري من حولك أو تخلق هوية مختلفة بطريقة ما في أسلوب حديثك.
الانفصال في اضطراب الشخصية التفارقية (اضطراب الهوية الفصامي) فريدٌ من نوعه، ينطوي على حدوث تحوّلٍ بين هويَّتيّن على الأقل ولكن في كثير من الأحيان تكون هذه الهويّات أكثر تميزاً عن بعضها وانفصالاً، إذ يحدث هذا التحوّل بشكلٍ عام كاستجابة لبعض أنواع التهديد أو الضيق.
أعراض اضطراب الهوية التفارقي
يتميّزُ اضطراب الشخصية التفارقي (المعروف أيضاً بـ اضطراب الهوية الفصامي وسابقاً بـ اضطراب تعدد الشخصيات) في المقام الأول من خلال ظهور هويات بديلة أو حالات شخصيّة تنطوي على أعراض أخرى أيضاً.
وكما هو الحال مع حالات الصحة النفسية الأخرى، لا يعاني جميع المصابين باضطراب الهوية التفارقي من نفس الأعراض أو بنفس الكثافة، بشكل عام تتجلى الأعراض الرئيسية الأخرى لاضطراب الهوية التفارقيّ بالآتي:
- فقدان الذاكرة الفصامي أو صعوبة تذكر معلومات شخصية أو حقائق عن حياتهم.
- حالات الشرود الانفصالية أو عيش تجارب حين تسافر أو تتجول دون تذكر ما حدث.
- فراغات في الذاكرة، بما في ذلك عدم القدرة على تذكر أحداث مهمة من حياة الطفولة والرشد.
- هفوات مفاجئة في الذكريات الحديثة (مثل ما فعلته بالأمس) أو المهارات (من الكتابة إلى صنع القهوة).
- الشعور بعدم الشخصية وتبددها أو مشاهدة نفسك من خارج جسدك.
- الإحساس أن جسدك يتخذ أشكال أو أحجاماً مختلفة.
- ذكريات غامضة تشبه ذكريات الأحلام.
- الشعور بأن جسدك أو أفكارك أو مشاعرك ليست ملكاً لك وعدم تمكنك من التحكم بها.
- تغيرات ملحوظة في الكلام والسلوك والتفضيلات الشخصية.
لا يتعرّف جميع المصابين بهذا الاضطراب على الأعراض لديهم، وقد لا يلاحظون وجود هويات منفصلة وبدلاً من ذلك، قد يصف الآخرون ما يعتبرونه سلوكاً مريباً ومحيِّراً لدى المصاب مثل لهجة تأتي وتذهب في كلامه بما يسمى “عادة جديدة” يتعمد إظهارها.
بجانب هذه الأعراض، اضطراب الشخصية التفارقي قد يتضمن أيضاً هذه العلامات.
المخاوف أو الرِّهاب اللذان يظهران ويختفيان فجأةً
مسترخي مع شريكك على الأريكة حين يقول لك فجأةً، “لم يكن لدي أي فكرة كنت خائفاً جداً من الكلاب ظننت أنك تحبهم”.
تقول “نعم،” وأنت مشوّش. يكمل قائلاً: “لم يبدو الأمر كذلك عندما خرجنا اليوم! ما زلت لا أصدق أننا اضطررنا لعبور الشارع واستدارة المنعطف قبل أن تتوقف عن الارتجاف، ذلك الكلب بدا ودوداً جداً أيضاً”.
[مازلت تشعر بالدهشة، لا يمكنك التفكير فيما يجدر بك القول، لم تشعر بالخوف من الكلاب في الماضي وفي الحقيقة أنت مولعٌ بهم والأكثر من ذلك أنك لا تذكرُ خروجك مع شريكك في وقتٍ سابق].
سلوكيات غير عادية أو جديدة
أدركت فجأة نك ترتدي ملابس تكرهها بشدة؛ تقوم بالعودة بذاكرتك إلى الصباح لتكتشف لماذا فقط لتُدركَ أن عقلك فارغٌ تماماً وليس لديك أي فكرة عما كنت تفعله طوال اليوم.
عندما تنظر حول منزلك، تلاحظ أنه أكثر ترتيباً مما كان عليه عندما ذهبت إلى الفراش في الليلة السابقة.
[أنت تعيشُ بمفردك، لذا أنت الوحيد الذي بإمكانه القيام بعملية التنظيف، لكنك لا تذكر أياً منها، كما أن شمعة الفانيليا على طاولة القهوة تربكك أيضاً؛ إذ إنك لا تبتاع شموعاً معطرةً ولا تستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية أيضاً، لكن هذا ما تسمعه من مكبرات الصوت].
تغيير تفضيلات الطعام
في العشاء مع شريكك، تعطي طلبك للنادل، وشريكك يقول “أوه، لكن لا تقم بإضافة الطماطم” تنظر إليه مرتبكاً تماماً
وبعد أن ينصرف النادل، تسأله: “لماذا أخبرته أنني لا أريد الطماطم؟ أني محبٌ لها”.
“ماذا؟. أنت تكره الطماطم لقد تحدثت كثيراً عن مدى كرهك لها تلك الليلة عندما تناولنا العشاء في منزلي، وقد كان ذلك غريباً منك نوعاً ما، في الواقع لم أسمعك تتحدث هكذا من قبل أبداً وبدا الأمر كما لو كنت تقوم بتوجيهِ نفسك في الشباب أو شيء من هذا القبيل”.
[تحاول إدراك الليلة التي يتحدث عنها ولكن كل ما يمكنك تذكره هو ذاكرة غامضة لمشاهدة فيلم أثناء الجلوس على الأريكة].
هويّات مشوّشة
وفقاً لقصصِ الناس الذين يعانون من اضطراب الشخصية التفارقي (اضطراب تعدد الشخصيات سابقاً)، قد لا تعاني من تحولات متميزة بين الشخصيات أو انفصالات في الهوية بدلاً من ذلك، قد تشعر كما لو أن هويتك مشوّشة أو أنك تملك عدة هويات في آن واحد.
تعني الهويات المشوّشة أنك قد لا تسمع فقط صوتك الداخلي بل أصوات أشخاصٍ لديهم صفاتً شخصية وأجناساً وتفضيلات وأفكاراً مختلفة حول ما يجب فعله.
وقد تتحدث هذه الأصوات جميعاً في آنٍ واحد بذهنك لمناقشة أفضل طريقة لمعالجة مشكلة ما على سبيل المثال، وقد تشعرُ بالغضب والارتباك لأن هذه الهويات تتصارع بداخلك للفوز بالسيطرة عليك.
كيف تبدو الهوية المشوّشة؟
بينما تتشاجر مع شريكك:
- قد تفضِّل تجنب الخلافات بالتخلي عن المسألة.
- قد ترغب هوية واحدة في مواجهة الوضع بالتعبير تماماً عن مشاعرها.
- قد تحثُّك هوية أُخرى على تحمل اللوم والاعتذار قبل أن تسوء الأمور.
- قد تتفوّه أُخرى بأمور قاسية عن شريكك.
غير أن هوية أُخرى قد تتجاوب بالبكاء أو رفض التكلم تماماً.
علامات أخرى عن اضطراب الهوية التفارقي التي قد تلاحظها
هناك الكثير من العلامات الأخرى التي يمكن أن تشير إلى وجود هويات بديلة، أو تغييرات:
- تجد في حقيبتك نظاراتٍ رغم أنك لم تلبسها قط.
- يقول لك زميلُ سكنكَ: “سمعتك تتحدث الإيطالية على الهاتف في غرفتك قبل أيام، صحيح؟ تعرفت على بعض الكلمات؛…لم يكن لدي أي فكرة أنك تتحدث الإيطالية”. [إلا أنك لا تعرف اللغة الإيطالية واللغة الأجنبية الوحيدة التي تتكلم بها هي الألمانية].
- في صباح ما، تفتح ثلاجتك لتجد أنها مليئة بالطعام الذي لا تتذكر شرائه [طعام لا تشتريه عادةً].
- عند خروجك من الباب، تلاحظ أن حذائك المفضل مهترئ وموحل، مع أنه كان نظيفاً تماماً في المرة الأخيرة التي ارتديته فيها.
- تجد ورقة في جيبك عليها بعض الملاحظات، تتعرف على دفتر الملاحظات وقلمك الأخضر المفضل لكنك لا تتعرف على خط يدك أو تذكر وضع الورقة في جيبك.
المعايير التشخيصية لاضطراب الهوية التفارقي
لا يوجد إختبار لاضطراب الشخصية التفارقي أو إختبار لتحديد أعراض هذه الحالة النفسية ويمكن فقط لمختصي الصحة النفسية المدربين إجراء تشخيص دقيق.
مايلي المعايير العامة للدليلِ التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5):
- التغيرات أو الاختلالات في الهوية أو الشعور بالذات، التي تتسم بها حالتين منفصلتين للشخصية على الأقل وقد يتعرف آخرون على هذه الهويات من خلال التغيرات في السلوك أو الموقف أو الكلام.
- نوبات متكررة من فقدان الذاكرة أو فجوات كبيرة في الذاكرة أو صعوبة في تذكر التفاصيل الشخصية وحوادث الحياة أو كيفية القيام بمهام محددة.
- الضائقة العاطفية المستمرة والمرتبطة بهذه الأعراض.
قبل تشخيص اضطراب الشخصية التفارقي، سوف يستبعدُ أخصائيو الصحة النفسية حالات الصحة الطبية والنفسية الأخرى، بما في ذلك تعاطي المخدرات واضطرابات النوبات والذهان.
ومن الممكنِ تشخيص الأطفال والبالغين باضطراب الشخصية التفارقية. ومع ذلك، يستبعد أخصائيو الصحة العقلية الأصدقاء الخياليين والألعاب الخيالية الأخرى بما يناسب العمر قبل تشخيص الحالة لدى الأطفال.
عادةً ما تجعل أعراض اضطراب الشخصية التفارقية الحياة اليومية صعبة وقد تسبب الكثير من الاضطراب العاطفي.
معظم (وليس جميع) الناس الذين يستوفون معايير اضطراب الشخصية التفارقية يعيشون غالباً مع حالات صحية عقلية أخرى أو أعراض الصدمة والكرب، بما في ذلك:
- القلق.
- الكآبة.
- الاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان.
- اضطراب ما بعد الصدمة.
- اضطراب الوسواس القهري.
- مشاكل النوم.
- اضطرابات الشخصية.
- اضطرابات الأكل.
- الأفكار الانتحارية.
- تاريخ حافل بإيذاء النفس.
ليس جميع أخصائي الصحة العقلية على دراية بعلامات اضطراب الهوية التفارقي (اضطراب تعدد الشخصيات سابقاً) وبعضهم يقع في حيرة من وجودها وهذا يعني أن العديد ممن يعانون اضطراب الهوية التفارقي يعايشون الحالة لسنوات قبل تلقي التشخيص الصحيح.
ومع ذلك يعد اضطراب الهوية التفارقيّ تشخيصاً رسمياً مقبولاً في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الطبعة الخامسة (DSM-5) وهو الأداة التشخيصية الأكثر شيوعاً لاضطرابات الصحة النفسية.
نزع بصمة العار
قد رفع التصوير الإعلامي الشعبي اضطراب الهوية التفارقي لمستوى الصدارة ومن بين هذه الأفلام بعض البرامج التلفزيونية مثل “Mr.Robot”، “The United States Of Tara” وأفلام مثل انقسام “Split” والهوية “Identity” ونادي القتال”Fight Club” وسايكو “Psycho“، إلا أنهم لم يصوروه جميعاً بدقة.
تقدم هذه العروض والأفلام بعض الأشياء بشكل صحيح، مثل حقيقة أن اضطراب الهوية التفارقي يميل إلى أن ينبع من صدمة في بداية الحياة والمعالج في فيلم “Split” يوضح أيضاً أن اضطراب الهوية التفارقي في الواقع، حالة نفسية حقيقية.
ومع ذلك، ليست كل الصحافة صحافة جيدة، إذ أن ما تقوم هذه الوسائل الإعلامية بتصويره بشكلٍ خاطئ حول اضطراب الهوية التفارقي قد يغذي بسهولة المزيد من الارتباك والخوف من الحالة ناهيك عن الفكرة الخاطئة وغير الدقيقة كلياً بأن حالات الصحة النفسية ترتبط دائماً بـ “السلوك العنيف”.
دعونا نوضح بعض الأساطير الشائعة
فيما يلي بعض التوضيحات عن الأساطير والخرافات المتعلقة باضطراب الهوية الفصامي (اضطراب تعدد الشخصيات سابقاً).
السلوكيات العنيفة
أولاً، اضطراب الهوية التفارقي لا يجعل شخصاً عنيفاً.
وجد أحد الأبحاث العائد لعام 2017 القليل من الأدلة التي تشير إلى أن الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب هم أكثر عرضة للانخراط في سلوك عنيف أو غير قانوني من الأشخاص غير المصابين بهذه الحالة.
قد تظهر الأعراض مثل الأفكار الانتحارية وإيذاء النفس مع اضطراب الهوية التفارقيّ، وقد يكون الأشخاص الذين يعيشون مع هذه الحالة أكثر عرضة لإيذاء أنفسهم من أي شخص آخر.
الشخصيات المتعارضة
لا يتضمن اضطراب الهوية التفارقي (اضطراب تعدد الشخصيات سابقاً) دائماً تحولاً جذرياً أو تحولاً في الشخصية.
قد يلاحظ القريبون منك بعض التغييرات في سلوكك أو كلامك ولكن مرة أخرى، كثيراً ما تكون هذه الاختلافات غير واضحة بدقة لذا فقد لا يلاحظون أي شيء على الإطلاق وأنت شخصياً قد لا تلاحظ أيضاً.
لا يخضع جميع المصابين باضطراب الهوية التفارقيّ لنفس الأعراض والعلامات.
هذا الاضطراب إما غير حقيقي أو نادر جداً
اضطراب الهوية التفارقي ليس نادراً، وتشير الدراسات من جميع أنحاء العالم إلى معدلات انتشار متباينة، ولكن يبدو أنه يتطور لدى حوالي 1.1% إلى 1.5% من عامة السكان.
هذا الاضطراب خارج عن الطبيعة
وأخيراً، اضطراب الشخصية التفارقية ليس كظاهرةِ الاستحواذ التي تحدث كجزء من المعتقدات الروحية أو الثقافية أو الدينية.
ووفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية، فإن الهويات التي تشبه الكائنات الخارقة للطبيعة أو الروحية تسمى “هويات ذات طبيعة استحواذية”.
شخص ما بهذا النوع من اضطراب الهوية التفارقيّ يتم تشخيصه فقط حين:
- يواجه التحولات في الهوية غير مرغوب فيها.
- عندما تسبب له الهويات الأخرى الضيق.
- ندما يواجه تحولات في الهوية جنباً إلى جنب مع فقدان الذاكرة أو غيرها من الثغرات في الذاكرة.
هل اضطراب الهوية التفارقي مماثل لاضطراب تعدد الشخصيات؟
يتفق الخبراء بشكل عام على أن اسم “اضطراب الشخصية المتعددة” تم تقديمه من قبل الدكتور مورتون برنس، واحدٌ من أوائل الباحثين في ما نسميه الآن “اضطراب الهوية التفارقيّ”.
أعاد الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية النسخة الرابعة (DSM-IV) الذي نُشِر في عام 1994 تسمية الحالة “باضطراب الهوية التفارقيّ” لتعكس ما توصل الخبراء لفهمه: “لا يتضمن اضطراب الهوية التفارقي في الواقع شخصيات مختلفة، ولكن هويات متميزة انفصلت عن ذاتك الأساسية”.
تُعدُ شخصيتك جزء من هويتك لكنها ليست الشيء ذاته تماماً لذلك في حين يمكنك العمل على تنمية أجزاء معينة من شخصيتك، سوف تبقى الشخص نفسه.
من ناحية أخرى الهويات البديلة التي تتطور مع اضطراب الهوية التفارقيّ لها أسماء وصفات وسمات جسدية وتاريخ حياة مختلفة تماماً.
ما الذي يسبب اضطراب الشخصية التفارقية؟
بالنسبة للجزء الأكبر، يتفق الخبراء على أن اضطراب الهوية التفارقيّ يميل للتطور كاستجابة للتعرضِ لصدمة.
وقد تشمل الصدمة ما يلي:
- الإساءة الجسدية أو الجنسية أو العاطفية.
- سوء المعاملة أو الإهمال.
- صدمة طبية في مرحلة الطفولة، مثل تجربة مرعبة ومؤلمة في المستشفى.
- الحرب أو الإرهاب.
تعد الصدمة تجربة عاطفية وفريدة من نوعها إلا أنّ ما قد يؤلمك قد لا يكون مؤلماً بالنسبة لغيرك وتأثير التجربة عليك هو ما يفسر الصدمة.
قد يساهم التعرض للإعتداء الجنسي أو الجسدي بزيادة فرص تطوير اضطراب الهوية التفارقي (اضطراب تعدد الشخصيات سابقاً).
ووفقاً للجمعية الأمريكية للطب النفسي، حوالي 90 % من الأشخاص الذين تم تشخيصهم بهذا الاضطراب في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا عانوا من سوء المعاملة أو الإهمال في طفولتهم.
كما يشير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) إلى عدة عوامل قد تؤدي إلى تفاقم أعراضكَ، مثل:
- حالات الصحة العقلية المتزامنة الحدوث.
- مرض بدني خطير.
- الاعتداء المتكرر أو المستمر.
- تكرار التجربة الصادمة.
- نقص العلاج.
هل اضطراب الهوية التفارقي مثل الفصام؟
تحدث عادة الهلوسة السمعية التي توصف أحياناً بأنها “سماع أصوات” مع الفصام وقد يفترض بعض أخصائيي الصحة النفسية أن الشخص الذي يصف الأصوات الداخلية لهويته المختلفة هو في الواقع يهلوس؛ هذا ما قد يقودهم إلى تشخيص الفصام بدلاً من اضطراب الهوية التفارقيّ، لكن الفصام يتضمن العديد من الأعراض الأخرى التي لا ترتبط عادة باضطراب الهوية التفارقيّ مثل:
- الأوهام.
- عدم تنظيم الكلام والأفكار.
- صعوبة التعبير عن الانفعالات.
- العزلة والانسحاب.
ليس من المستحيل لشخص باضطراب الهوية التفارقيّ أن يكون مصاب بالفصام أيضاً، لكن هاتين حالتين منفصلتين ولهما علاجات مختلفة جداً.
التشخيص الخاطئ عادةً ما يؤدي إلى العلاج بالأدوية المضادة للذهان والتي لن تحسن أعراض اضطراب الهوية التفارقيّ.
هل اضطراب الهوية التفارقيّ مختلف عن اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع؟
ينطوي اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع على نوبات متكررة من:
- تبدد الشخصية (فقدان الشخصية): الشعور بالانفصال عن جسدك وأفعالك وأفكارك وشعورك بالذات.
- الانفصال عن الواقع (فقدان الإدراك): الانفصال عن الواقع هو الشعور بالانفصال عن محيطك المباشر وعن العالم عموماً.
قد يختبر المصابون باضطراب الهوية التفارقيّ نوباتٍ مماثلة من الانفصال عن الواقع.
لكن على عكس اضطراب الهوية التفارقيّ، اضطراب تبدد الشخصية والانفصال عن الواقع لا ينطوي على فقدان الذاكرة أو ولا تبرز هوية منفصلة ضمن أعراضه.
هل اضطراب الشخصية التفارقيّ قابلٌ للشفاء؟
لم يكتشف الخبراء بعد علاجاً لاضطراب الهوية التفارقي (DID) ومع ذلك مفهوم استحالة علاج اضطراب الهوية التفارقيّ هو مجرد أسطورة أخرى.
العلاج من الممكن أن يقطع شوطاً طويلاً نحو تحسين الأعراض ومساعدتك في استعادة السيطرة ليس فقط على حياتك، بل على شعورك بالذات أيضاً.
وقد يساعدك الأخصائي المدرَّب الذي يعمل على التعرف على كل هوياتكم والتواصل معها ودعمها على تخطي الضائقة دون تغيير حالات الهوية.
قد تتضمن الأهداف الأخرى لعلاج اضطراب الهوية التفارقيّ:
- تحديد واكتشاف مصادر الصدمات السابقة.
- التعرف على التشوهات المعرفية وإعادة صياغتها.
- معالجة أعراض الصحة العقلية المتزامنة الحدوث.
- دمج هويات بديلة.
وقد تشمل مناهج العلاج الموصى بها ما يلي:
- العلاج السلوكي المعرفي.
- العلاج السلوكي الجدليّ.
- العلاج باستخدام تقنية إزالة الحساسية وإعادة المعالجة.
لن يخفف الدواء أعراض اضطراب الهوية التفارقي، لكن قد يوصي أخصائي الصحة العقلية بدواء للمساعدة في تخفيف الأعراض الشديدة من القلق أو الإكتئاب، خاصةً عندما يصبح التقدم في العلاج صعباً بوجود هذه الأعراض.
ختاماً، إنّ اضطراب الهوية التفارقي، الذي قد يتطور كآلية للتأقلم، هز حالة صحية نفسية حقيقية تسبب ضائقة حقيقية.
إذا تعرضت أنت أو شخص تحبه لتحولات في الهوية أو فقدان الذاكرة التفارقي أو أعراض أخرى لهذا الاضطراب، فإن العمل مع أخصائي في الصحة العقلية قد يُحدِث فرقاً كبيراً.
لست وحدك والعلاج ممكنٌ.
اقـرأ أيضاً: اضطراب الشخصية شبه الفصامية، أعراضه، تشخيصه، أسبابه وعلاجه
اقرأ أيضاً: اضطراب الشخصية الارتيابية، الأسباب، الأعراض والعلاج
اقرأ أيضاً: اضطراب الشخصية الاجتنابية، التعريف، الأعراض، الأسباب والعلاج
المصدر: All About Dissociative Identity Disorder (DID)
تدقيق: هبة محمد
تحرير: جعفر ملحم