الحديث مع الذات، أنواعه، أسبابه وفوائده

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي

 يشير علماء النفس إلى عادة تحدث الشخص إلى نفسه بصوت عالٍ بـ الحديث مع الذات (Self-Talk)، إذا كنت تتحدث إلى نفسك أحياناً، فأنت لست الوحيد. بعيداً عن كونه مجرد نزعة عرضية، فهو في الحقيقة شائع جداً. ما هي أسباب تحدث الإنسان مع نفسه؟ وما أنواع وفوائد الحديث مع الذات؟

تشير بعض الأدلة إلى أن التحدث إلى نفسك قد يكون له في الواقع عدد من الفوائد النفسية. وتدل الأبحاث إلى أن هذا النوع من الحديث مع الذات مرتبط بمجموعة من الوظائف العقلية المختلفة بما فيها حل المشكلات، الاستدلال، التخطيط، التحفيز والانتباه.

في حين أنه قد يسبب بعض المشاكل أحياناً أو يشير إلى حالة صحية نفسية. ففي معظم الحالات، يمكنك الاستمرار والتحدث مع نفسك دون قلق أو همّ.

ما هي أسباب تحدث الإنسان مع نفسه؟

يبدأ الأطفال في التحدث إلى أنفسهم في عمر سنتين أو ثلاث سنوات. لكن لا يختلف ذلك كثيراً عن أحاديثهم الاجتماعية في هذه السن المبكرة.

يصبح الأطفال في سن الخامسة تقريباً أكثر تستّراً بشأن حديثهم مع ذاتهم، إنهم يستمرون به لكن بإيجاز أو بهدوء أو على انفراد غالباً تجنباً لإمكانية سماع الآخرين لهم.

في حين أن الحديث مع الذات يصبح غالباً أقل وضوحاً للآخرين، فإنه نادراً ما يختفي بشكل كامل. وبينما يتحدث البعض إلى أنفسهم بتواتر أكبر، فإن معظم الناس يفعلون ذلك في بعض المناسبات على الأقل.

على الرغم من أن الحديث الذاتي بصوت عالٍ شائع نسبياً، فلا يوجد كمّ كبير من البحث يتناول سبب تحدث بعض الأشخاص مع أنفسهم بصوت عالٍ دون غيرهم. كشف مقال نُشر عام 2019 في مجلة “Frontiers in Psychology ” تفسيرات مختلفة ظهرت حينها.

إليك بعض التفسيرات حولأسباب تحدث الإنسان مع نفسه.

العزلة الاجتماعية أحد أسباب تحدث الإنسان مع نفسه

تشير إحدى النظريات إلى أن من يقضون وقتاً أطول بمفردهم هم أكثر عرضة للتحدث إلى أنفسهم. نظراً لأن تفاعلهم مع الآخرين أقل، فقد يكون حديثهم الذاتي بمثابة شكل من أشكال التواصل الاجتماعي. 

هناك قدر لا بأس به من الأبحاث التي تدعم هذه النظرية. إذ أظهرت الدراسات أن الولد الوحيد لأهله أكثر عرضة للانخراط في الحديث الذاتي الخارجي (بصوت مرتفع) عند بلوغه.

وجدت دراسة أخرى أن الأشخاص الذين يعانون من الوحدة ولديهم حاجة قوية للانتماء هم أيضاً أكثر عرضة للتحدث إلى أنفسهم. يعمل الحديث الذاتي، في هذه الحالة، على إشباع حاجة لا يتم تلبيتها من خلال العلاقات الاجتماعية المحدودة أو غير المُرضية.

الاضطراب المعرفي أحد أسباب تحدث الإنسان مع نفسه

تقترح هذه النظرية أن الناس قد يتحدثون إلى أنفسهم بصوت عالٍ بسبب الأحداث المزعجة على المستوى المعرفي التي يجلبها أحياناً الإجهاد أو أحداث أخرى مماثلة.

على سبيل، يمكن أن تخلق مشاعر القلق أو النزعات الوسواسية القهرية اضطرابات أو عرقلات معرفية مرتبطة بزيادة الحديث مع الذات.

وجدت إحدى الدراسات أن الناس يميلون إلى التحدث مع أنفسهم أكثر عند الاستعداد لإلقاء خطاب إذا كان يعتريهم القلق بشأن التحدث أمام الجمهور

أوضحت الدراسة أيضاً تأثير الحديث الإيجابي والسلبي مع النفس. فمن تحدثوا إلى أنفسهم بطريقة سلبية أو نقد ذاتي كانوا أكثر عرضة لزيادة قلق التحدث أمام العامة.

أنواع الحديث مع الذات

هناك عدد من أنواع الحديث مع الذات والتي تختلف عن بعضها البعض. إذ يميل الحديث الذاتي إلى أن يكون إما إيجابياً أو سلبياً ولكنه قد يختلف أيضاً من حيث الغرض المقصود منه.

الحديث الذاتي الإيجابي والسلبي: قد يتضمن التحدث إلى نفسك بطريقة إيجابية إيصال تأكيدات ذاتية أو عبارات مصممة لمساعدتك في البقاء متحمساً وتشعر بالإلهام. يركز التحدث إلى نفسك بطريقة سلبية غالباً على عبارات النقد الذاتي أو اللوم.

الحديث الذاتي الإرشادي (التوجيهي): يتركز هذا النوع من الكلام الموجه ذاتياً على التحدث عن الخطوات التي ستحتاج إلى اتباعها لحل مشكلة أو أداء مهمة.

الحديث الذاتي التحفيزي: هو أحد أفضل أنواع الحديث مع الذات. يركز هذا النوع من الكلام على توفير التشجيع لأداء مهمة ما، مثلاً قد تهنئ نفسك على جهودك أو تذكرها أنك قادر على النجاح. 

تشير الدراسات إلى أن الحديث إلى نفسك بطريقة إيجابية أو توجيهية أو تحفيزية يمكن أن يساعد في تحسين أدائك.

ما يثير الدهشة هو ما وجد الباحثون بأن الحديث السلبي مع النفس لا يضعف الأداء دائماً. بل على العكس، يمكن أن يقدم أحياناً ملاحظات مفيدة وواقعية تساعدك على تحسينه في المستقبل.

لكن، تؤدي المبالغة في الحديث السلبي مع النفس إلى تقويض الثقة على المدى البعيد؛ لذلك، من المهم تجنب جعله عادة.

فوائد الحديث مع الذات

يمكن أن تتعدد فوائد الحديث مع الذات بطرق مختلفة وتشمل الطرق التالية.

التفكُّر (الاستبصار)

يمكن أن يكون التحدث إلى نفسك طريقة مفيدة لترى تجاربك الخاصة من منظور آخر. ويتيح لك التفكير في الأشياء التي تحدث في حياتك من خلال ابتعادك قليلاً عنها والنظر إليها بموضوعية أكثر.

يمكن أن يقلل أيضاً من المشاعر الفورية والمتسرعة وغير المحسوبة التي تشعر بها في الوقت الحالي؛ مما يمكنك من رؤية الأشياء بطريقة أوضح وأكثر عقلانية.

التحفيز أحد فوائد الحديث مع الذات

يمكن أن يشكل حديث الذات دافعاً ومحفزاً لك، فكر في المرات التي شجعت فيها نفسك لمواجهة التحدي بقولك لنفسك “يمكنني فعل هذا” أو “أنا أؤمن بقدرتي على ذلك”. تكون مثل هذه الأفكار مفيدة عندما تحتفظ بها في داخل عقلك ولكن تكون أكثر تحفيزاً غالباً عند تحويل مثل هذه الأفكار إلى أداء.

وجدت إحدى الدراسات تحسينات كبيرة عند تحدث لاعبي كرة السلة مع أنفسهم إما بعبارات توجيهية أو تحفيزية مقارنة بمجموعة التحكم. إذ أظهر من استخدموا العبارات توجيهية دقة أكبر في الأداء ومن استخدموا العبارات التحفيزية أداء أسرع للمهام.

ذاكرة أفضل

لا تقلق إذا تحدثت يوماً إلى نفسك خلال تجولك في ممرات متجر البقالة، فقد أظهرت الأبحاث أنه قد يساعدك على تذكر أفضل للعناصر الموجودة في قائمة ما تحتاجه من أغراض. 

في إحدى التجارب، طلب من المشاركين البحث عن منتجات في متجر دون قول أي شيء، ثم  تكرار أسماء الأغراض التي كانوا يبحثون عنها. أظهرت النتائج أن الذين تحدثوا إلى أنفسهم قد وجدوا أنه من الأسهل العثور على ما يبحثون عنه بتلك الطريقة. 

وفقاً للباحثين، فإن الحديث إلى الذات أدى إلى تحسّن ذاكرة المشاركين وخلق عندهم ارتباطاً أقوى بين الكلمات التي يقولونها والأهداف المرئية التي يبحثون عنها.

حل المشكلات

يمكن أن يكون التحدث إلى نفسك أيضاً طريقة لحل المشكلات التي قد تواجهها. إذ يساعد هذا التكتيك، المعروف باسم “التفسير الذاتي”، الأشخاص على مراقبة تقدمهم وتحسين أدائهم أثناء حلهم أي مشكلة. 

قد يمنحك قضاء عدة لحظات في التحدث إلى نفسك الوقت الذي تحتاجه بالفعل للتركيز والتفكير في المشكلة وجميع خياراتك. 

استخدامات الحديث مع الذات

تتعدد فوائد وأسباب تحدث الإنسان مع نفسه، ولكن هناك أيضاً أمور يمكنك القيام بها للتأكد من حصولك على أقصى استفادة منه؛ إليك الاستراتيجيات التي قد تساعدك في استخدام أنواع الحديث مع الذات.

حافظ على إيجابية الحديث

يؤثر الحديث السلبي مع النفس سواء في عقلك أو علناً تأثيراً ضاراً بشكل جسيم على صحتك. إذا كنت تسهب في التفكير السلبي، فقد يفيدك إيجاد طرق لإعادة صياغة كلماتك.

لا يعني هذا قول أشياء إيجابية أو غير واقعية بشكل مبالغ فيه. مثلاً لا تستبدل عبارة “أنا سيء في هذا” إلى عبارة إيجابية مثل “أنا الأفضل في هذا الأمر”.

بدلاً من ذلك، ركز على قول عبارات إيجابية ولكن واقعية تعزز ذهنية أكثر تفاؤلاً. إذ يمكن أن تقول “هذا صعب لكنك تتعلم، أنت تظهر تحسناً كل يوم”.

اطرح الأسئلة 

طرح أسئلة على نفسك حول ما تعلمته أو ما يعنيه شيء ما قد يقوي ويحسن الذاكرة. نظراً لأنك في الأساس تتعلم شيئاً ما ثم تعلمه لنفسك، يساعدك ذلك على تعزيز المعلومات وترسيخها في الذاكرة طويلة المدى بشكل أكثر فعالية.

استمع لما تقوله

يعد التحدث إلى نفسك أكثر فائدة عندما تنتبه بالفعل وتصغي إلى ما تقوله. بينما قد تروي أحياناً ما يحدث بطريقة الأفكار المختلطة (تيار الوعي/stream-of-consciousness) دون الانتباه حقاً لمحتوى كلمات.ك فإن الاستماع والتفكير في حديثك مع نفسك يمكن أن يكون وسيلة مفيدة لاكتساب قدر أكبر من الوعي الذاتي. 

استخدم الشخص الثاني أو الشخص الثالث

بدلاً من التحدث إلى نفسك بصيغة المتكلم، حاول التبديل إلى منظور شخص ثاني أو حتى شخص ثالث. 

يمـكن أن يساعدك استخدام الشخص الثالث في إبعادك عن تلك المشاعر. مما يجعلك تقيمها بموضوعية أكثر كما لو كنت تراقب وتلاحظ أفكار شخص آخر بدلاً من أفكارك الخاصة.

وجد الباحثون في إحدى الدراسات أنه عندما تحدث الناس مع أنفسهم بصيغة الغائب، كانوا أكثر قدرة على تنظيم عواطفهم؛ يفيد هذا خصوصاً إذا كنت تتعامل مع مشاعر صعبة أو مرهقة.

ويمكن أن تؤثر الطريقة التي تتحدث بها مع نفسك تأثيراً كبيراً على تقديرك لذاتك وتعلمك ووعيك الذاتي.

أيضاً يمكن أن يساعدك التعامل بلطف وطرح الأسئلة على نفسك والانتباه إلى كلماتك في تحقيق أقصى استفادة من حديثك مع نفسك.

كيفية التحكم بالحديث مع الذات

لا يوجد خطأ في التحدث إلى نفسك عادة، لكن هذا لا يعني عدم رغبتك أحياناً في الاحتفاظ بأفكارك لنفسك بدلاً من التعبير عنها أو قولها.

على سبيل المثال، قد يجد الآخرون أن حديثك مع ذاتك مزعج خاصة إذا كنت تتشارك مكان العمل مع آخرين. وقد لايجد البعض أن أسباب تحدث الإنسان مع نفسه مقنعة بالنسبة له.

إذاً، كيف تتحكم في ميلك للتحدث مع نفسك؟ إليك بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعدك في التحكم بأنواع الحديث مع الذات.

تحدث إلى أشخاص آخرين

إذا تحدثت إلى نفسك من أجل التفكير في مشكلة أو لتحفيز نفسك، فقد تجد أن التحدث إلى من حولك مفيد بدلاً من ذلك. قد تطرح أسئلة أو تسأل عما إذا كانوا يريدون إعطاء ملاحظات على أفكارك.

حاول إلهاء نفسك

يمكن أن يساعد إيجاد طرق أخرى للبقاء منشغلاً في تقليل رغبتك بالتحدث بصوت عالٍ. على سبيل المثال، قد تمضغ العلكة أو تشرب بعض الماء أو تمص قطعاً من سكاكر النعناع أو قطعة من الحلوى الصلبة.

دوّن أفكارك

يمكن أن تكون كتابة اليوميات ممارسة مفيدة تساعد على معالجة المشاعر واستكشاف الحلول وحتى تخفيف أعراض التوتر.

متى يكون الحديث مع الذات مدعاة مقلقاً

بعد أن تعرفت على أنواع الحديث مع النفس وأسباب تحدث الإنسان مع نفسه، يجب أن تعلم أن الحديث مع النفس ليس دائماً قوة إيجابية.

إذا كنت منخرطاً في حديث سلبي مع نفسك، فقد يؤثر ذلك على ثقتك بنفسك واحترامك لذاتك وصحتك النفسية. 

في بعض الأحيان قد تجد نفسك منخرطاً في حديث ذاتي يرتكز على اجترار الأفكار أو تتحدث باستمرار عن نفس الأفكار الحزينة، السلبية والسوداوية. قد يكون هذا النوع من الحديث الذاتي علامة من علامات وجود حالة صحية نفسية مثل الاكتئاب.

يمكن أن يكون الحديث الذاتي أيضاً مصدر قلق إذا كان نتيجة الهلوسات. عندها يتحدث الشخص بصوت عالٍ إلى مصدر خارجي غير موجود بدلاً من الانخراط في حوار مع نفسه.

قد ترتبط الهلوسة بعدد من الحالات المختلفة بما في ذلك الفصام، الاضطراب ثنائي القطب، تعاطي المخدرات، حالات التمثيل الغذائي واضطراب ما بعد الصدمة.

يمكن أن يكون الحديث مع الذات غير المنطقي وغير المترابط والذي ترافقه أفكار مضطربة علامة على مرض الفصام أو حالة مرتبطة به.

غالباً، لا يعد التحدث إلى نفسك إشارة على وجود مشكلة صحية نفسية كامنة. مع ذلك، إذا كان هذا الحديث الذاتي سلبياً للغاية أو يصعب السيطرة عليه أو مصحوباً بهلوسة سمعية أو بصرية، يجب عليك التحدث إلى طبيبك. 

يمكن للطبيب أو المعالج النفسي أن يساعد في تحديد ما إذا كنت تعاني من حالة صحية نفسية. ويوصي بالعلاجات المناسبة، كما يمكنه مساعدتك في تعلم إدارة السلوك وتجنب الحديث الذاتي السلبي.

خلاصة

في حين يُنظر إلى التحدث مع الذات على أنه سلوك غريب أو غير مألوف أو حتى مرضي، لكن من المهم أن تتذكر أنه أمر شائع بشكل لا يصدق ومن المهم معرفة فوائد الحديث مع الذات.

ليس ذلك فحسب، بل يمكن أن يكون له عدد من الفوائد المهمة بما في ذلك تنظيم المشاعر وتحسين الذاكرة.

لذا، انطلق وتحدث إلى نفسك عندما تسير في ممرات محل البقالة أو تستعد لإلقاء خطاب مهم. في حين أنه قد يبدو سخيفاً، إلا أنه يؤتي نفعاً بالفعل.

اقرأ أيضاً: التفكير السحري، أمثلة عنه، سلبياته وإيجابياته

اقـرأ أيضاً: المرونة، ما تعريفها وما هي عادات وصفات أصحاب الشخصية المرنة؟

اقرأ أيضاً: كيف تخالط الآخرين إذا كنت تعاني من اضطراب القلق الاجتماعي (SAD)

المصدر: ?Why Do You Talk to Yourself

تدقيق: هبة مسعود

تحرير: جعفر ملحم

خدماتنا النفسية والإرشادية
Clear Filters
استشارة مجانية للسوريين
الاستشارة النفسية الطبية
العلاج النفسي
الإرشاد التربوي
الإرشاد الاجتماعي
الإرشاد النفسي
Related Posts

مقالات ذات صلة

error: