اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط (DPDR) الذي يشار إليه أحياناً باسم متلازمة الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية، هو حالة صحية عقلية تنطوي على الشعور بالاغتراب أو الانفصال عن نفسك عقلياً أو جسدياً و/أو انخفاض الإحساس بالواقع (فقدان الإدراك بالمحيط).
تعريف اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط
قد يسبب لك اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط (متلازمة الاغتراب عن الواقع) الشعور المستمر أو المتكرر بكونك خارج جسدك وهو ما يطلق عليه مسمى تبدد الشخصية (depersonalization). أو الإحساس بأن ما يحدث حولك ليس حقيقياً وهو مايطلق عليه فقدان الإدراك بالمحيط أي تبدد المحيط (derealization) أو كليهما.
على عكس الاضطرابات الذهانية الأخرى، فإن الأشخاص المصابين بمتلازمة الاغتراب عن الواقع يكونون على معرفة بأن تجاربهم مع الانفصال عن الواقع غير حقيقية. وهذا ما قد يسبب لهم القلق حيال صحتهم العقلية والنفسية.
أعراض اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط
على الرغم من أن هذا الاضطراب لهُ تشخيص واحد، إلا أن له جانبين واضحين قد ينطبقان أو لا ينطبقان على شخصٍ واحد. ولذلك قد تختلف أعراض هذا الاضطراب اعتماداً على ما إذا كان الشخص يعاني من الشعور بتبدد الشخصية أو فقدان الإدراك بالمحيط.
أعراض تبدد الشخصية
يشير تبدد الشخصية إلى الشعور بالانفصال عن نفسك (فقدان الإدراك بالمحيط). وقد تشعر كما لو أنك تشاهد حياتك تجري أمامك بصفتك المراقب الخارجي أو كأنما تشاهد نفسك في مشهد سينمائي.
قد تشمل أعراض تبدد الشخصية ما يلي:
- العجز عن التعبير (اللاوصفية)، أو عدم قدرة الفرد على تمييز المشاعر أو وصفها.
- شعور الفرد بالخدر الجسدي تجاه الأحاسيس.
- شعور الفرد أنه يشبه الروبوت أو عدم قدرته على التحكم في الكلام أو الحركة.
- شعور الفرد بالانفصال عن جسده أو عقله ومشاعره وأحاسيسه.
- عدم قدرة الفرد على ربط المشاعر بالذكريات أو “امتلاك” ذكرياته كتجارب حدثت له.
- إحساس الفرد أنّ جسده وأطرافه مشوّهة (متورمة أو متقلّصة).
- إحساس الفرد أنّ رأسه مشوش وضبابي.
أعراض تبدد المحيط
تبدد المحيط (متلازمة الاغتراب عن الواقع) هو شعور الفرد بالانفصال عن بيئته والأشياء والأشخاص فيها وقد يبدو له العالم مشوهاً وغير واقعي كما لو كان هنالك جداراً زجاجياً أو حاجباً يفصل بينه وبين بيئته ومُحيطه وقد يخلق هذا الجانب من الاضطراب تشوّهاتٍ في الرؤية والحواس الأخرى.
تشمل أعراض تبدد المحيط:
- تشوه المسافة بين الفرد والأشياء أو حجمها أو شكلها.
- زيادة الوعي والانتباه لما هو مُحيط به [يقوم الفرد بالتأكد من صحة ما يراه].
- شعور الفرد وكأن الأحداث التي حدثت مؤخراً هي من الماضي البعيد.
- بالنسبة للفرد المصاب، يبدو كل ما هو محيط به ضبابي أو عديم اللون أو ثنائي الأبعاد أو غير واقعي أو أكبر من الحياة أو رسوماً كاريكاتورية.
قد تستمر نوبات اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط لساعاتٍ وأيام وأسابيع أو حتى أشهر وبالنسبة للبعض تصبح هذه النوبات مزمنة وتتطور إلى مشاعر مستمرة بفقدان الشخصية أو إدراك المُحيط وقد تتحسن أو تسوء بشكلٍ دوريّ.
بماذا يشعر المصاب بهذا الاضطراب؟
قد يشعر الشخص المصاب باضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط (متلازمة الاغتراب عن الواقع) بأنه “روبوتي” أو آلة تفتقرُ القدرة على التحكم في حركاتها. وقد يشعر أحد آخر أن أجزاءً من جسده أكبر أو أصغر مما هي عليه وقد يشعر أيضاً بالخدر عاطفياً وجسدياً على السواء.
تشخيص اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط
وفقاً للتحالف الوطني للأمراض العقلية (NAMI)، يعاني ما يقارب من ثلاثة من كل أربعة بالغين من نوبة انفصال في حياتهم ولكن فقط حوالي 2% يستوفون معايير اضطراب تبددالشخصية أو تبدد المحيط.
لتشخيص المصاب باضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط، يقوم الطبيب أولاً بالتأكد من عدم وجود أسباب أخرى للأعراض، إذ يمكن لأعراض (DPDR) أن تظهرَ مع استخدام المخدرات أو اضطراب النوبات أو غيرها من مشاكل الصحة النفسية مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أو اضطراب الشخصية الحدية.
وفي بعض الأحيان، يتم إجراء التصوير وغيرها من الاختبارات لاستبعاد المشاكل الجسدية، كما تساعد الاختبارات النفسية والمقابلات المنظمة الخاصة والاستبيانات في تشخيص اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط.
بمجرد استبعاد الأسباب المحتملة الأخرى، يأخذ الطبيب في عين الاعتبار معايير تشخيص اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط على النحو المبين في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية النسخة الخامسة (DSM-5) بما في ذلك:
- حالات مستمرة أو متكررة من تبدُّد الشخصية أو تبدُّد المُحيط أو كليهما.
- استيعاب الشخص أن ما يشعر به ليس حقيقياً.
- معاناة شديدة أو إعاقة في الأداء الاجتماعي أو المهني بسبب الأعراض.
أسباب الإصابة باضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط
في كثير من الأحيان، يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب من صدمات سابقة في حياتهم، بما في ذلك:
- الإيذاء أو الإهمال العاطفي أو البدني في مرحلة الطفولة.
- موت أحد الأحبة فجأة.
- أن يكون الفرد شاهداً على العنف العائلي.
كما أن الإجهاد الشديد والقلق والاكتئاب هي محفزات شائعة لهذا الاضطراب وقد يساهم نقص النوم أو التعرض لظروف مبالغ بها أو بيئة غير ملائمة في جعل الأعراض أكثر شدةً.
عوامل خطر اضطراب تبدُّد الشخصيّة أو تبدُّد المُحيط
بعض الناس أكثر عرضة للاضطرابات النفسية من غيرهم على سبيل المثال، النساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة بتبدُّد الشخصيّة أو بعض الأنواع الأخرى من الأحداث التفارقية.
وتشمل عوامل الخطر الأخرى لهذا الاضطراب ما يلي:
- تاريخ من تعاطي المخدرات لأغراض ترفيهية، الذي قد يؤدي إلى حالات من تبدد الشخصية أو فقدان الإدراك بالمحيط.
- النزعة الفطرية إلى تجنب الحالات الصعبة أو إنكارها أو صعوبة التأقلم مع المواقف الصعبة.
- الاكتئاب أو القلق ولا سيما الاكتئاب الشديد أو الطويل الأمد أو القلق المقترن بنوبات الهلع.
- تعرض الفرد لصدمة أو مشاهدته حدثاً صادماً أو اعتداء عندما كان طفلاً أو راشداً.
الإجهاد الشديد في أي مجال من مجالات الحياة سواءً من العلاقات إلى الشؤون المالية إلى العمل.
أنواع اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط
إنّ اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط هو واحد من أربعة أنواع من الاضطرابات التفارقية، هذه الاضطرابات هي حالات يمكن تشخيصها حين يوجد شعور مجزأ بالهوية والذكريات و/أو الوعي.
إذا تُركت الاضطرابات الفصامية دون علاج، قد تؤدي إلى الاكتئاب والقلق ويُعتقد أن هذه الاضطرابات مرتبطة بتاريخ من التعرض للصدمة.
تشمل الحالات التفارقية الأخرى وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الآتي:
- فقدان الذاكرة التفارقيّ: حالة تنطوي على عدم القدرة على تذكر معلومات مهمة عن حياتك.
- الشرود التفارقيّ: يفقد المرضى بعضَ أو كلّ ذكريات ماضيهم وشخصيتهم وهويتهم.
- اضطراب الهوية التفارقيّ: حالة تتميز بوجود شخصيتين متميزتين أو أكثر داخل فرد واحد.
علاج اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط
يحدث الشفاء عضوياً بالنسبة للبعض دون علاج رسمي ويتطلب البعض الآخر علاجات موجهة ومخصصة للشخص للتعافي تماماً من هذا الاضطراب إذ تكون فرص هذا التعافي أفضل عندما يتم التعامل بنجاح مع الضغوطات الكامنة التي ساهمت في تبدُّد الشخصية وتبدد المحيط.
العلاج النفسي
الطريقة الأكثر فعالية للتعامل مع اضطراب تبدُّد الشخصيّة وتبدُّد المُحيط هو العلاج النفسي. على سبيل المثال يعمل العلاج السلوكي المعرفي على تلقينك استراتيجيات منع التفكير الوسواسي حيال الشعور بأشياء غير حقيقية ويعلِّمك العلاج السلوكي المعرفي تقنيات التشتيت، بما في ذلك:
- تقنيات التأريض: أي الاستعانة بالحواس لمساعدتكم على الشعور بمزيد من التواصل مع الواقع مثل عزف موسيقى صاخبة أو الإمساك بمكعب ثلج للشعور أنك متصلٌ بالاحساس.
- تقنيات ديناميكية نفسية: تركز على العمل من خلال النزاعات والمشاعر السلبية التي يميل الناس إلى الانفصال عنها، ويتم مراقبتها من لحظة إلى لحظة (مع التركيز على ما يحدث في الوقت الحاضر) جنباً إلى جنب مع وصف التفارق والتأثير.
العلاج بإزالة الحساسية وإعادة المعالجة
في حين تم تصميم علاج إزالة الحساسية وإعادة المعالجة (EDMR) في الأصل لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة، فإنه غالباً ما يستخدم لعلاج مجموعة متنوعة من حالات الصحة النفسية بما في ذلك اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط.
الأدوية
لا توجد أدوية معتمدة خصيصاً لعلاج اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط ولكن قد يصف اخصائي الرعاية الصحية عقاقير مضادة للقلق ومضادات للاكتئاب للمساعدة في تخفيف أعراض هذا الاضطراب.
التأقلم مع اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط
بالإضافة إلى العلاج النفسي، هناك بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد على إبقائك في الواقع و/أو إعادتك إليه عند معاناتك من أعراض هذا الاضطراب.
- قرص الجلد على ظهر يدك.
- استعمل درجة الحرارة لتغيير تركيزك أي ضع شيئاً بارداً جداً أو دافئاً جداً (ولكن ليس ساخناً) في يدك.
- انظر حول الغرفة وعدّد الأشياء التي تراها أو تسميتها.
- ابقِ عيناكَ تتحركان لمنع شرودك.
- أبطئ تنفسك أو خذ نفساً طويلاً وعميقاً وقم بالانتباه لِعمليتي الشهيق والزفير.
- تمرن على التأمل لزيادةِ وعيك بحالتك الداخلية.
- اتصل بصديق أو شخص تحبه واطلب منه أن يستمر في التكلم معك.
ادعم الشخص الذي تهتم لأمره إن كان يعاني من اضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط
إذا كان الشخص الذي تحبه يعاني من هذا الاضطراب بالفعل، ابذلْ قصارى جهدك للبقاء داعماً له، بالإضافة إلى ذلك شجِّعه على طلب العلاج سواءً من خلال المعالجة النفسية أو الأدوية أو المساعدة الذاتية أو من خلال مزيج من هذه الخيارات.
الخلاصة
قد يكون تشخيصك باضطراب تبدد الشخصية أو تبدد المحيط مزعجاً ومربكاً ولكن قد يخفف من قلقك إدراك أن الأعراض التي تعانيها لها سبب معقول يمكن تمييزه، ومن المهم أيضاً تذكير نفسك أن العلاج النفسي وربما الدواء قد يساعد في علاجك.
اقرأ أيضاً: الذهان، كيف يبدو وما هو الشعور المرتبط به؟
اقرأ أيضاً: الأوهام، أنواعها، اسبابها وعلاجها
اقرأ أيضاً: اضطراب الشخصية الفصامية، الأعراض، الأسباب، التشخيص والعلاج
المصدر: What to Know About DPDR (Depersonalization/Derealization Disorder)
تدقيق: هبة محمد
تحرير: جعفر ملحم